للمرة الأولى يقام مؤتمر المناخ "كوب 27" في قارة إفريقيا، وتحديداً في مدينة شرم الشيخ المصرية، ومن ضمن أبرز الملفات قضية "الخسائر والأضرار"، فما المقصود بها؟ ومن أطرافها؟ ومتى بدأت؟
كان مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغير المناخ (كوب 27)، المنعقد في مصر حالياً بحضور نحو 200 دولة، قد بدأ أعماله رسمياً الأحد 6 نوفمبر/تشرين الثاني، وسط آمال كبيرة تعلقها الدول الأكثر تضرراً من التغير المناخي في أن تجد قضية "التعويضات" أخيراً حلولاً فعلية.
ومصطلح التغير المناخي معنيّ بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية للأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسبّبة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها، ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة أضرار ضخمة وخسائر على جميع المستويات.
وعلى الرغم من أن العديد من العوامل تُساهم في حدوث الفيضانات على سبيل المثال، فإن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي نتيجة تغير المناخ يجعل هطول الأمطار الغزيرة أكثر احتمالاً. وارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل بنحو 1.2 درجة مئوية منذ بدء عصر الصناعة، وستستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تُحدث الحكومات في جميع أنحاء العالم تخفيضات حادة في الانبعاثات الكربونية.
ما قصة "الخسائر والأضرار"؟
هناك عشرات وربما مئات الملفات التي تتم مناقشتها في مؤتمر الأطراف أو "كوب" سنوياً، أبرزها بطبيعة الحال التزام الدول المتسببة في النسبة الأكبر من الانبعاثات الكربونية بتخفيض تلك النسبة، وما يرتبط بتلك القضية من جدال دائم بين الاعتماد على الوقود الأحفوري من نفط وغاز وبين الحاجة إلى زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة والمتجددة، وربما تكون تلك القضية هي المهيمن دائماً على أعمال ذلك المؤتمر العالمي، كما حدث العام الماضي في غلاسكو باسكتلندا.
لكن هذا العام تسعى كثير من الدول النامية والأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي إلى إدراج ملف "الخسائر والأضرار" على جدول قمة المناخ وفي مرتبة متقدمة، على أمل أن يحدث تحرك ملموس في هذا الملف.
وفي محادثات المناخ التي تجريها الأمم المتحدة، تشير عبارة "الخسائر والأضرار" إلى تكاليف الخسائر التي تسببت فيها بالفعل الظواهر المناخية المتطرفة أو تداعياتها، مثل ارتفاع مستويات سطح البحر.
فحتى الآن، يركز تمويل المناخ على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مسعى للحد من تغير المناخ، وذهب ما يقرب من ثلثه لمشاريع تهدف لمساعدة المجتمعات على التكيف مع آثاره مستقبلاً، بحسب رويترز.
أما تمويل الخسائر والأضرار فهو أمر مختلف، إذ سيكون بمثابة تعويض عن التكاليف التي لا تستطيع الدول تجنبها أو "التكيف" معها. إلا أنه لا يوجد اتفاق حتى الآن بشأن ما الذي يجب تصنيفه "خسائر أو أضراراً" في الكوارث المناخية- التي يمكن أن تشمل البنية التحتية والممتلكات المتضررة، فضلاً عن أشياء لا تُقدر بثمن مثل النظم البيئية الطبيعية أو الأصول الثقافية والمقابر.
وقدّر تقرير صدر في يونيو/حزيران الماضي عن 55 دولة معرضة للخطر خسائرها المجمعة المرتبطة بالمناخ على مدار العقدين الماضيين بنحو 525 مليار دولار، تمثل نحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لها جميعاً. وتشير بعض الأبحاث إلى أن مثل هذه الخسائر قد تصل بحلول عام 2030 إلى 580 مليار دولار كل عام.
من الذي سيدفع لتعويض "الخسائر والأضرار؟
والسؤال الثاني هنا هو: من سيتلقى تلك الأموال؟ ويثير السؤالان جدلاً كبيراً ممتداً منذ سنوات، ولم يحسم بعد؛ إذ تقول الدول المعرضة للخطر والناشطون إن الدول الغنية التي تسببت في الجزء الأكبر من تغير المناخ بانبعاثاتها على مدار التاريخ يجب أن تدفع الآن. وهو ما ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خشية الدخول في دوامة ضخمة من الالتزامات.
وإذا ما وافقت الدول على تدشين صندوق لهذا الغرض –أي تعويض "الخسائر والأضرار"- فإنها ستحتاج إلى الإفصاح عن تفاصيل على غرار المصدر الذي يتعين أن تأتي منه هذه الأموال، وحجم الأموال التي سيتعين على الدول الغنية دفعها، وما هي الدول أو الكوارث التي تؤهل للحصول على تعويضات.
وكان الاقتراح حاضراً العام الماضي في قمة "كوب 26" للمناخ في غلاسكو، لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عرقلا مقترحاً لتدشين صندوق مخصص لهذا الغرض، واكتفيا بالاتفاق على "حوار" من دون هدف نهائي واضح. وعلى مدار الشهر الماضي، أبديا المزيد من الانفتاح على مناقشة التعويضات في كوب 27، إلا أنهما لا يزالان متحفظين بشأن تدشين الصندوق.
وقدم عدد قليل من الحكومات التزامات تمويل محدودة ورمزية من أجل الخسائر والأضرار، وهي الدنمارك واسكتلندا، بالإضافة إلى منطقة والونيا البلجيكية. كما يساعد بعض التمويل القائم من الأمم المتحدة وبنك التنمية الدول على مواجهة الخسائر والأضرار، رغم أنه غير مخصص رسمياً لهذا الهدف.
ماذا تريد الدول المتضررة من قمة "كوب 27″؟
اقترحت الدول النامية وضع "الخسائر والأضرار" على جدول أعمال القمة، الذي يتعين تبنيه بالإجماع قبل انطلاق المحادثات، لكن يبدو أن تلك الدول قد لا تحصل على مبتغاها هذه المرة أيضاً. فقد تأخرت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المناخ، صباح الأحد، بسبب قضاء الوفود ساعات طويلة من التفاوض ليلة السبت دون التوصل لاتفاق جماعي حول إدراج ملف التعويضات على جدول القمة، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وعلى الرغم من أن الاتفاق على الأجندة قد يبدو قضية فرعية أو ليست بالأهمية الكبرى، إلا أن ذلك يمثل أساس المناقشات على مدى الأسبوعين التاليين، أي مدة قمة "كوب 27″، ومعنى عدم التوافق على إدراج صندوق "التعويضات والخسائر" على أجندة المؤتمر رسمياً واضح بطبيعة الحال.
لكن في ظل الإحباط بسبب الصعوبات والتأخيرات في تأمين تمويل المناخ، تتحد الاقتصادات النامية والناشئة الآن في المطالبة بإنشاء صندوق للخسائر والأضرار خلال كوب 27.
ومن بين المطالبين دول تتألف من جزر مثل جزر المالديف وجامايكا والصين، وهي نفسها أكبر مصدر لانبعاث ثاني أكسيد الكربون في العالم، الأمر الذي أثار حفيظة بعض المسؤولين الأوروبيين الذين يرون أن الصين يجب أن تقدم تمويلاً للمناخ لا أن تطالب به.
وتقدمت دول بمقترحات متنوعة بشأن الشكل الذي يتعين أن يكون عليه الصندوق. وحتى إذا ما تم الاتفاق خلال كوب 27 على إنشاء الصندوق، فإن الأمر قد يستغرق نحو عامين قبل أن يصبح جاهزاً لتوزيع الأموال.
واقترح دبلوماسيون ترتيب مصادر تمويل متعددة متناهية الصغر، بدلاً من صندوق مركزي واحد، بحسب رويترز. وتضمن مقترح آخر من منظمة (تحالف الدول الجزرية الصغيرة) أن يتم الاتفاق خلال كوب 27 على (صندوق استجابة) تستضيفه الأمم المتحدة لجمع الأموال من مصادر مختلفة للبلدان التي تتعرض للكوارث.
أما الاتحاد الأوروبي فاقترح تسخير أموال دولية موجودة حالياً لمعالجة الخسائر والأضرار، بدلاً من تدشين صندوق جديد، إلا أن بعض الخبراء يقولون إن مشكلات مثل التأخير الطويل تجعل هذه الأموال لا تفي بالغرض لمعالجة الخسائر والأضرار.
ماذا لو أخفق "كوب 27" في تحقيق المطلوب؟
في ظل انعدام الثقة القائم بعد فشل الدول الغنية في تقديم 100 مليار دولار لتمويل المناخ سنوياً بحلول 2020، كان قد تم الاتفاق بشأنها خلال قمة باريس للمناخ عام 2015، فإن بعض الدول تستكشف طرقاً أخرى.
وتخطط كل من مجموعة (في 20) التي تضم دولاً من بين تلك المعرضة للخطر والبالغ عددها 58 دولة، ومجموعة الدول السبع الغنية لإطلاق مسعى يسمى (الدرع العالمية) في كوب 27 بهدف تعزيز تمويل التأمين والحماية من الكوارث.
وفي الوقت نفسه، تسعى الدول المعرضة لخطر تغير المناخ للحصول على مساهمات لمنشأة تمويل تجريبية للخسائر والأضرار. كما أن هناك أفكاراً أخرى تتضمن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لفرض ضريبة أرباح استثنائية على شركات الوقود الأحفوري لجمع التمويل.
في غضون ذلك، طلبت فانواتو وهي دولة جزيرة في المحيط الهادي، من أعلى محكمة في العالم (محكمة العدل الدولية) إبداء الرأي بشأن الحق في الحماية من تداعيات المناخ الضارة. ويمكن لرأي المحكمة أن يمثل دعماً معنوياً وثقلاً قانونياً من شأنه أن يعزز المطالبات بتعويض الدول الفقيرة.
بريطانيا وأمريكا الأقل تمويلاً لأضرار المناخ
واللافت في هذا السياق هو أن بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا هي أقل الدول الغنية التزاماً بتسديد حصتها من الأموال اللازمة لمعالجة آثار التغير المناخي، بحسب تقرير آخر لصحيفة الغارديان.
ورغم ذلك، فإن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، ينوي إبلاغ زعماء العالم بضرورة الوفاء بوعودهم الخاصة بالمناخ، بحسب بيان صادر عن مكتبه بشأن كلمته في "كوب 27" المقررة الاثنين 7 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال سوناك، الذي أصبح رئيساً للوزراء الشهر الماضي، في بادئ الأمر إنه سيكون منشغلاً للغاية في وضع خطة لإصلاح اقتصاد بريطانيا، ولن يتمكن من حضور المؤتمر، مما أثار انتقادات من المعارضين السياسيين والنشطاء. لكنه قرر المشاركة في اللحظة الأخيرة لينضم إلى أكثر من 100 زعيم آخر سيتحدثون في المؤتمر.
ومن المتوقع أن يناشد زعماء العالم الوفاء بوعودهم التي قطعوها في كوب 26 في مدينة غلاسكو الاسكتلندية قبل عام، عندما توسطت الدولة المستضيفة بريطانيا في اتفاق للمناخ واسع النطاق لم يُنفذ الكثير منه بعد.
وسيقول سوناك، وفقاً لمقتطفات نشرها مكتبه قبل كلمته: "اجتمع العالم في غلاسكو بفرصة أخيرة لوضع خطة لعدم تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية. السؤال اليوم: هل نستطيع استدعاء الإرادة الجماعية للوفاء بتلك الوعود؟".
يأتي هذا في وقت عانت فيه أوروبا وأمريكا الشمالية من جفاف غير مسبوق في صيف 2022، وغرق ثلث مساحة باكستان تحت مياه فيضانات لم تحدث منذ عقد كامل، مما يشير إلى أن التغير المناخي قد أصبح قضية وجودية للكوكب بأكمله.
وعلى الرغم من أن الأمطار الموسمية والفيضانات أمر طبيعي في باكستان خلال فصل الصيف، لكن ما حدث هذا العام ليس طبيعياً ولا معتاداً بالمرة، وبحسب وصف وزيرة شؤون المناخ الباكستانية، شيري رحمن، فالوضع عبارة عن كارثة إنسانية ذات أبعاد ملحمية ناجمة عن التغير المناخي.
وأعادت فيضانات باكستان الكارثية طرح السؤال: من يتحمل فاتورة التغير المناخي؟ خصوصاً أنه لم يعد مجازياً أو افتراضياً بعد أن أصبحت المعلومات والحقائق الخاصة بالتغير المناخي ومسبباته متاحة للجميع وليست محل جدال. فالدول الغنية، بمصانعها ومشاريعها الضخمة، تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية في تغير المناخ، بينما يدفع الفقراء حول العالم الثمن.
وتعتبر الصين الدولةَ الأولى عالمياً من حيث الانبعاثات الكربونية المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، تليها الولايات المتحدة في المرتبة الثانية. ويمثل البلدانِ معاً نحو 40% من إجمالي التلوث بالكربون الذي يؤدي إلى التغير المناخي وتوابعه الكارثية على الطقس حول العالم، ويليهما الاتحاد الأوروبي ثم الهند وروسيا.
ورغم الوعود المتكررة من جانب بكين وواشنطن، وغيرهما من الدول الكبرى، بالعمل على تخفيض تلك الانبعاثات الكربونية وغيرها مثل غاز الميثان، فإن تلك الدول الصناعية لا تلتزم بتطبيق تلك الوعود في نهاية المطاف، لأسباب متنوعة، أبرزها التنافس الاقتصادي والاعتماد على الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم أيضاً، إلى جانب التعقيدات السياسية التي يخشاها قادة تلك الدول وأبرزها الصدام مع الشركات الكبرى.