في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس، كانت اليابان في حالة تأهب، حثَّت مواطنيها في المحافظات الشمالية على البحث عن مأوى، وتوقفت القطارات، بعد أن أطلقت كوريا الشمالية 3 صواريخ باتجاه البحر، بما في ذلك صاروخ بالستي عابر للقارات، وفقاً لتقارير.
وشهد الشهر الماضي تصعيداً سريعاً للتوترات في شبه الجزيرة الكورية، إذ أجرت كوريا الشمالية استفزازات عسكرية متكررة، بينما استمرت المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان في بحر اليابان منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول. وفي الأسبوع الماضي، ذهبت الكوريتان إلى حد تبادل الطلقات التحذيرية في البحر.
التدريبات الأمريكية في المنطقة ليست جديدة.. فما الذي أثار غضب كوريا الشمالية الآن؟
قالت بيونغ يانغ، يوم الثلاثاء، إن التدريبات التي قادتها الولايات المتحدة "لم يعد من الممكن التسامح معها" وأطلقت بعد ذلك أكثر من 20 صاروخاً يوم الأربعاء، مع سقوط صاروخ بالقرب من مياه كوريا الجنوبية "للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الكورية 1950-1953″، وفقاً لصحيفة Washington Post الأمريكية.
بدأ هذا التصعيد الأخير بعد فترة وجيزة من رسو السفينة يو إس إس رونالد ريغان في مدينة بوسان الجنوبية في كوريا الجنوبية في 23 سبتمبر/أيلول. وبعد يومين، ردت كوريا الشمالية بإجراء أول، ما أصبح لاحقاً سلسلة طويلة ومستمرة من الاستفزازات العسكرية.
التدريبات العسكرية المشتركة التي تقودها الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية ليست جديدة، وعادة ما يصدر الكوريون الشماليون فقط بيانات تنتقد التدريبات المشتركة، لكنهم يمتنعون عن إجراء تجارب صاروخية فعلية. لكن استجابة بيونغ يانغ هذه المرة جديرة بالملاحظة، بالنظر إلى موقفها الحازم والجريء للغاية، كما يصفها موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ليست مجرد تجارب صاروخية
يُذكر أيضاً أن العديد من الاختبارات الكورية الشمالية أُجريت في الليل، نظراً للتعقيدات الفنية المختلفة. أظهرت كوريا الشمالية أنها تستطيع إطلاق الصواريخ في جميع أوقات اليوم، ومن العديد من المواقع المختلفة، بما في ذلك من صومعة تحت الماء في خزان. وكُشِفَ لاحقاً أن الجيش الكوري الجنوبي فشل في الكشف الدقيق عن مكان إطلاق هذا الصاروخ، ولم يتمكن من تتبع مساره إلا عندما كان في الجو بالفعل.
لكنها ليست مجرد تجارب صاروخية. أظهرت كوريا الشمالية للعالم أن قدراتها العسكرية تتجاوز صواريخها بكثير. أطلقت كوريا الشمالية مئات القذائف المدفعية في الأسابيع الأخيرة، حتى أن بعضها سقط في مناطق بحرية عازلة. وتُجري طائرات مقاتلة كورية شمالية تدريبات بالقرب من المجال الجوي لكوريا الجنوبية.
وتأتي هذه التحركات بعد إعلان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون قانوناً جديداً بشأن استخدام الأسلحة النووية في البلاد في سبتمبر/أيلول. في خطاب، أعلن أن تحديد السياسة النووية للبلاد في القانون "جعل وضع دولتنا كدولة حائزة للأسلحة النووية أمراً لا رجوع فيه".
يفصل القانون الشروط التي يمكن بموجبها استخدام الأسلحة النووية. وفقاً للقانون، إذا تعرض الزعيم الكوري الشمالي لحادث، "يجب توجيه ضربة نووية تلقائياً وفوراً لتدمير القوات المعادية".
كيم يعلن انتهاء الدبلوماسية مع واشنطن
ولهذا الإجراء، بحسب موقع Responsible Statecraft، تداعيات حقيقية للغاية بالنسبة للدبلوماسية المستقبلية مع بيونغ يانغ، إذ قال كيم جونغ أون إن بلاده لن تشارك مرة أخرى في محادثات مبنية على نزع سلاحها النووي. وقال كيم في سبتمبر/أيلول: "لن يكون هناك شيء من قبيل تخلينا عن الأسلحة النووية أو نزع السلاح النووي أولاً، ولن تكون هناك أية مفاوضات لتحقيق هذه الغاية أو ورقة مساومة في هذه العمليات".
مع موقفها الذي يبدو أكثر ثقة وجرأة، قد تعتقد كوريا الشمالية أن الولايات المتحدة منشغلة بالعديد من القضايا الأخرى، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، والتنافس الاقتصادي مع الصين، والقضايا السياسية المحلية. وطوال الوقت، لم تقدم إدارة بايدن استراتيجية جديدة للتعامل مع كوريا الشمالية.
لذلك، بينما تبدو واشنطن راضية عن التمسك بـ"الصبر الاستراتيجي"، تعمل بيونغ يانغ على تعزيز ترسانتها، وقد حصلت على مزيد من الدعم من كل من روسيا والصين، اللتين عارضتا الدعوات الأمريكية لفرض عقوبات إضافية على مستوى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية في مايو/أيار.
العقوبات لم تعد تجدي مع بيونغ يانغ
لم تأتِ العقوبات بأي حل لقضية كوريا الشمالية. ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة الالتزام باستراتيجياتها القديمة نفسها، مثل استئناف التدريبات العسكرية المشتركة لتقابلها كوريا الشمالية بهذه التحركات.
ورغم أنه قد يكون من الصعب على الكثيرين في واشنطن قبول الأمر، فقد أصبحت كوريا الشمالية بالفعل دولة تمتلك أسلحة نووية، ولن تتخلى عنها مقابل مجرد كلمات. يبدو أن كيم غير متأثر بموقف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية المتمثل في "إبقاء باب الحوار مفتوحاً".
ويقول موقع Responsible Statecraft إن مجرد قول "نحن منفتحون على الحوار" لا يفعل شيئاً لإظهار أن المحادثات ستظهر بشكل مختلف عن اجتماعات كيم مع الرئيس ترامب في هانوي. يجب على إدارة بايدن أن تجعل التغييرات الرئيسية في نهجها واضحة. هذا لا يعني الاستسلام لاستفزازات كوريا الشمالية. إنها تتبع سياسة مسؤولة باعتبارها أكبر قوة عظمى في العالم لضمان السلامة والأمن في شرق آسيا وخارجها. إذا كانت الولايات المتحدة تعتقد حقاً أنها القوة الرائدة في العالم، فعليها أن تتصرف على هذا النحو.
هذه الخيارات أمام واشنطن
يرى الموقع الأمريكي أن الخيار الأفضل الآن هو إيجاد طرق لمنع كوريا الشمالية من توسيع وتطوير برامج أسلحتها من خلال الحوار القائم على الاحترام المتبادل ونهج الأخذ والعطاء.
ورغم أن كوريا الشمالية قد تختار يوماً ما التخلي عن أسلحتها النووية، يجب أن ينصب التركيز الحالي على خلق بيئة يمكن أن تضع الأساس لهذا الاحتمال. يجب أن تهدف الولايات المتحدة إلى إقامة علاقة مثمرة طويلة الأمد مع كوريا الشمالية، وبناء ثقة دائمة، والحفاظ دائماً على هدف إنهاء الحرب الكورية في الاعتبار من أجل جعل السلام في شبه الجزيرة الكورية في النهاية احتمالاً حقيقياً.
إن توثيق العلاقة بين واشنطن وبيونغ يانغ يعني أنه من غير المرجح أن تستخدم كوريا الشمالية أسلحتها النووية، وعلى الأرجح ستتخلى عنها. لا شك في أن هذا يمثل تحدياً كبيراً، لكن تكاليف الاستمرار في تجاهل المشكلة أكبر.