تعرَّض عمران خان، رئيس وزراء باكستان السابق، يوم الخميس 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لإطلاق النار عليه أثناء هجوم على مسيرة احتجاجية مناهضة للحكومة كان يقودها في شرقي البلاد، وأكَّد مساعدوه أنها كانت محاولة اغتيال. والظاهر أن الحادثة لم تسفر عن إصابة رئيس الوزراء السابق بجروح خطيرة، إلا أنها جاءت لتؤكد مرة أخرى شدة التلازم بين العنف والسياسة في باكستان.
واستدعت باكستان، الشهر الماضي، السفيرَ الأمريكي في إسلام آباد لتوبيخه بعد أن وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الدولةَ الواقعة في جنوب آسيا بأنها "واحدة من أخطر الدول في العالم". وكان بايدن يشير على ما يبدو إلى ما يجمعه الوضع الحالي للبلاد من اضطراب واضح، مع ما تملكه أسلحة نووية في الوقت نفسه، وربما كان يتحدث عن المخاطر التي يواجهها السياسيون في باكستان، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
العنف السياسي.. لماذا كانت باكستان كذلك على الدوام؟
يقول أوين بينيت جونز، مراسل شبكة BBC السابق في إسلام آباد والخبير في شؤون باكستان، "يمكنك أن تفتح الصحيفة كل يوم في باكستان فتُصافح تقارير عن أشخاص قُتلوا لأسباب سياسية أو مالية أو قبلية أو دينية… إضافة إلى جرائم القتل العام، وهذا الأمر ممتد من أعلى طبقات المجتمع إلى أدناها"، حسب تعبيره.
لطالما كان الحال في باكستان هكذا بحسب الصحيفة البريطانية، فلم تكد تمر أربع سنوات على إعلان باكستان دولة مستقلة بعد خروج الاحتلال البريطاني من شبه القارة الهندية، إلا وقُتل لياقت علي خان، أول رئيس وزراء للبلاد، بالرصاص في اجتماع سياسي حاشد بمدينة راولبندي، الواقعة شمال شرقي باكستان.
وكانت الحرب صورة أخرى من صور العنف المؤثرة في السياسة، لا سيما الحرب مع الهند المجاورة. فقد تولى ذو الفقار علي بوتو، اليساري البارز، السلطةَ في البلاد عام 1971، بعد هزيمة باكستان في جولة من جولات القتال مع الخصم الإقليمي، إلا أنه أُزيح عن الحكم بانقلاب عسكري، وأعدمه الجنرال محمد ضياء الحق بعد ذلك بعامين.
وعزَّز ضياء الحق، الموصوف الإسلامي حكمه الاستبدادي للبلاد بالحرب على أفغانستان المجاورة، ثم تُوفي ضياء الحق عام 1979، في حادث تحطم طائرة يزعم البعض أنه اغتيال سياسي مدبَّر.
ولا تقتصر ضروب الصراع المؤثرة في السياسة الباكستانية على ذلك، إذ لطالما استخدم سماسرة النفوذ المحليون الإكراه والترهيب لفرض نفوذهم. وقاتل الانفصاليون الحكومةَ المركزية على مدى عقود لكسب الاعتراف والحكم الذاتي والموارد، بالاحتجاج السلمي حيناً، والبنادق والقنابل في أحيان أخرى. وكثيراً ما كانت الهراوات والسكاكين أداة الاحتكام في النزاعات بين ملاك الأراضي والعمال.
وأفضت التوترات الطائفية المتزايدة خلال الثمانينيات والتسعينيات إلى موجات من العنف، قتلت العصابات المسلحة خلالها عشرات الآلاف من الناس العاديين ومن السياسيين المحليين العاملين في مدن البلاد الكبرى، مثل كراتشي وبيشاور. واشتد عنف الدولة أيضاً، فأطلق الجنود وقوات الأمن النار على صدور المواطنين باسم حماية البلاد من التخريب. واستعانت الأجهزة الأمنية أحياناً بميليشيات مسلحة غير نظامية، لتكوين وكيلة عنها في بلوغ أهدافها والتخلص من أعدائها في الداخل والخارج.
حقبة شديدة العنف بعد أحداث 11 سبتمبر
لا شك في أن أشد موجات العنف كانت تلك التي شهدتها البلاد خلال السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول بالولايات المتحدة، فقد اتُّهم تنظيم القاعدة الذي كان يتخذ من أفغانستان المجاورة بؤرة له بتدبير الهجمات، واشتعل الصراع فاضطرمت معظم أنحاء باكستان بالمعارك والتفجيرات والاغتيالات التي قاتلت فيها قوات الأمن الفصائلَ المتطرفة، بدعوى تهديد البلاد، أو على الأقل نُخبها.
وكما كان الحال دائماً، كان معظم الضحايا من عوام الناس أو الجنود الذين سقطوا في مرمى النيران المتبادلة، وكانت إحداهن بيناظير بوتو، ابنة رئيس الوزراء السابق ذو الفقار علي بوتو.
تولَّت بيناظير بوتو رئاسة وزراء البلاد في ولايتين، وصعد نجمها حتى صارت من أشهر السياسيين في العالم، وقد نجت من تفجير انتحاري هائل في كراتشي أثناء الحملة الانتخابية لإعادة انتخابها عام 2007، إلا أنها ماتت في العام نفسه بعد إطلاق النار عليها أثناء تجمع حاشد في راولبندي، واشتعلت على إثر ذلك موجات من الغضب في جميع أنحاء العالم، وتعرضت السلطات الباكستانية لانتقادات شديدة، لتقصيرها في حماية بوتو وعجزها عن اعتقال القاتل أو القتلة الذين ارتكبوا تلك الجريمة.
واجه الجنرال برويز مشرف، زعيم البلاد أثناء وفاة بوتو، أيضاً محاولات اغتيال متكررة، تضمنت إحداها تفجير قنبلة تحت جسر أثناء مرور سيارته من فوقه، وقد نجا مشرف من الاغتيال، لكنه اضطر إلى التنحي في عام 2008.
"القتلة ينجون من العقاب في باكستان"
لم تتوقف جرائم القتل السياسي في السنوات الماضية، فقد اغتيل شهباز بهتي، الوزير المسيحي لشؤون الأقليات، عام 2011 في إسلام آباد. وأعلن تحالف من جماعات إسلامية متشددة مسؤوليته عن الاغتيال. وفي العام نفسه قُتل سلمان تأثير، رجل الأعمال الليبرالي الذي كان حاكماً لإقليم البنجاب، برصاص حارسِه الشخصي. عارض تأثير وبهتي قوانين التجديف في باكستان، وزعما أنها غالباً ما تستخدم للهجوم على الأقليات الدينية ومؤيدي رؤية باكستان التعددية التي تضمن العيش بسلام لجميع الأديان والطوائف.
قال بينيت جونز، مؤلف كتاب The Bhutto Dynasty عن عائلة بوتو السياسية: "من أهم أسباب العنف السياسي في باكستان أن القتلة ينجون من العقاب، فالقتلة يعرفون أنهم لن يُحاسبوا ولن يذهبوا إلى السجن ما دام لديهم دعم سياسي كافٍ".
على الرغم من أن إحصاءات جرائم القتل بالبلاد تشهد انخفاضاً، فإن كثيرين غير مقتنعين بأن العنف الذي لطالما كان ملمحاً بارزاً للسياسة والمجتمع في باكستان تنخفض وتيرته في البلاد. ويحذر خبراء من أن "الحقبة السابقة التي شهدت بعض السلام في البلاد آلت إلى عهد من الصراع الطائفي"، لا سيما أن التوترات الإقليمية متأججة بعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، فضلاً عن الاستقطاب السياسي القائم في البلاد، والخلاصة أن باكستان قد يصدق عليها ما قيل بأنها من أخطر البلدان في العالم، لكنها تمثل لمواطنيها أكثر بكثير من تهديد يتحدث عنه سياسيٌّ أجنبي مثل بايدن يعيش على بعد آلاف الأميال.