تدفق آلاف الإيرانيين إلى مسقط رأس مهسا أميني في إقليم كردستان غرب إيران، يوم الأربعاء، 26 أكتوبر/تشرين الأول، وساروا إلى قبرها بمناسبة اليوم الأربعين لوفاة أميني في قبضة "شرطة الآداب" الإيرانية. وردّت قوات الأمن الإيرانية بالعنف والاعتقالات، كما فعلت طوال مسار الاحتجاجات التي عمّت البلاد وحرّكتها وفاتها.
لكن مع دخول الانتفاضة الإيرانية أسبوعها السادس الآن، وصل النظام الأمني القوي في البلاد، والمتظاهرون الذين طالبوا بإسقاطه إلى طريق مسدود غير مؤكد. وهناك قوة كبيرة وخطيرة في البلاد ما زالت تترقب تطورات مشهد الاحتجاجات، وهو الحرس الثوري الإيراني.
كيف يراقب "الحرس الثوري" تصاعد الاحتجاجات في الشارع الإيراني؟
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إنه على الرغم من تصاعد عنف قوات الأمن وارتفاع عدد القتلى بين المتظاهرين، لم يطلق رجال الدين، الذين يقودون إيران، العنان بالكامل للحرس الثوري الإسلامي، وهي قوة عسكرية موازية تأسست للدفاع عن الدولة بأي ثمن. وحتى الآن، لم تُنشَر سوى قوات "الباسيج" التطوعية، التابعة للحرس الثوري الإيراني، بأعداد كبيرة لقمع المظاهرات، جنباً إلى جنب مع ضباط إنفاذ القانون وشرطة مكافحة الشغب، وضباط يرتدون ملابس مدنية.
قال علي ألفونة، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن: "نحن في وضع، حيث المتظاهرون غير قادرين على إسقاط النظام، والنظام غير قادر على إجبار الناس على العودة إلى ديارهم".
لكن المحللين قالوا إنه كلما طال استمرار الاحتجاجات وزاد حجمها، زاد الضغط على الحرس الثوري لقيادة الحملة القمعية.
ليس هناك ما يشير إلى تذبذب ولاء الحرس الثوري الإيراني للحكومة؛ لأنه يستمد قوته من بقاء الجمهورية الإسلامية. وبالنسبة لهذه القوة القتالية النافذة اقتصادياً والمدفوعة أيديولوجياً، فإنَّ الاضطرابات تمثل تهديداً وجودياً.
على الرغم من عقود من العقوبات الغربية على الحرس – بما في ذلك عقوبات جديدة في الأسابيع الأخيرة – استمرت خزائنه وقوته في النمو. لكن كل دورة عنف تقوض شرعية الحرس الثوري الإيراني في نظر الجمهور الإيراني.
يقول أفشون أوستوفار، الأستاذ المساعد لشؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية للصحيفة الأمريكية: "بالتأكيد، يمكنهم الظهور بالدبابات غداً، وقتل عدد كافٍ من الناس لإخماد الاحتجاجات لبعض الوقت. لكنهم فقدوا هذا الجيل… مع كل عمل عنيف يضعون مسماراً آخر في نعشهم"، حسب تعبيره.
دولة داخل دولة
تأسس الحرس الثوري الإيراني ليكون بمثابة ثقل موازن لقوات الأمن الإيرانية الأخرى؛ في وسيلة لمنع ثورة مثل تلك التي جلبت الجمهورية الإسلامية إلى السلطة لأول مرة عام 1979.
وأضاف أوستوفار أنَّ الحرس الثوري "مرادف للنظام، ولا يمكن فصله عنه. كلاهما يمثل الطرف الأمامي للحربة، وكذلك الشكل الذي يحمل ذلك الرمح".
زادت أهمية الحرس الثوري الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، حين تولى الحرس مسؤولية تدريب الجنود الشباب لإرسالهم إلى الجبهة. وفي مكافأة على خدمته – ولمنع البطالة الهائلة بين المقاتلين الذين سُرّحوا من الخدمة – مُنِح الحارس السيطرة على "خاتم الأنبياء"، وهي أول مؤسسة اقتصادية إيرانية يديرها الجيش من بين مؤسسات عديدة.
وقالت رؤيا آزادي، الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة رود آيلاند الأمريكية، إنَّ الشركة الهندسية كانت مُكلّفة بإعادة بناء البلد الذي مزقته الحرب. لكن الحرس الثوري استفاد استفادة كبيرة، وحوّل مبالغ كبيرة من الأموال إلى بنوكه ومؤسساته الخاصة.
وأضافت آزادي: "من خلال إعطائه (الحرس الثوري) دوراً في الاقتصاد، فإنهم يمنحونه حوافز كافية للبقاء في صف الحكومة إذا كان الجيش سينظم انقلاباً أو إذا كانت هناك انتفاضة جماهيرية كما ترون الآن".
وتابعت آزادي أنَّ مؤسسة "خاتم الأنبياء" هي الآن من بين أكبر شركات المقاولة في إيران، وتعمل في مجالات التعدين والغاز والنفط والبتروكيماويات ومشروعات صناعية أخرى. وأشارت إلى أنَّ الحرس الثوري الإيراني يسيطر مباشرة على 275 شركة على الأقل، 54 منها مملوكة لقوات الباسيج.
السيطرة الاقتصادية
ويقول منتقدون إنَّ العقوبات الغربية التي تُفرَض منذ سنوات على الحرس الثوري الإيراني لم تعاقبه أو تقيده، بل على العكس مكّنته من السيطرة على اقتصاد إيران المعزول وسوقها السوداء المزدهرة، بما في ذلك تجارة تهريب النفط.
قال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: "يُعاقَب الحرس الثوري ويُوصَم منذ أكثر من عقدين من الزمن، لكن في تلك الفترة ازداد قوة وثراءً وقمعاً في الداخل وأكثر عدوانية في المنطقة. وخلال هذه العملية، تعرضت الطبقة الوسطى للتدمير والإفقار".
وأدى تفريغ الطبقة الوسطى، فضلاً عن عزلة إيران المتزايدة والفساد المترسخ، إلى زيادة الاحتجاجات التي تجتاح البلاد الآن، التي ألقى المرشد الأعلى علي خامنئي باللوم فيها على "البلطجية" والمحرضين الأجانب.
وقُتِل أكثر من 200 متظاهر وأصيب آلاف آخرون واعتقلوا في حملة الحكومة القمعية، على الرغم من أنَّ التقارير عن القيود وقطع الاتصالات يجعل من المستحيل التحقق من العدد الحقيقي للضحايا. ولقي أكثر من 30 من أفراد القوات الأمنية مصرعهم في الاضطرابات، بينهم 18 من عناصر الباسيج و6 من عناصر الحرس الثوري بدوام كامل، بحسب علي ألفونة، الزميل البارز في معهد دول الخليج العربية، الذي استشهد بتقارير إعلامية عن تشييع الجنازات.
وقال ألفونة إنَّ المتظاهرين في المدن والبلدات والجامعات في جميع أنحاء البلاد يتنافسون مع متطوعين من الباسيج، وهم إيرانيون من الطبقة الدنيا يرون العضوية في الميليشيا ومزاياها المالية بمثابة تذكرة للتقدم الاجتماعي.
مقرات الحرس الثوري أهداف للمتظاهرين
كانت مكاتب ومقرات الحرس الثوري الإيراني أيضاً هدفاً للمتظاهرين، لا سيما في مناطق الأقليات مثل كردستان وسيستان ومحافظة بلوشستان، التي غالباً ما يُجلَب إليها الحراس كملاذ أول، وحيث شاركوا في بسط الأمن.
وقالت أستاذ مساعد العلوم السياسية، رؤيا آزادي، إنَّ هذه الانتفاضة "هي بالتأكيد أطول حركة اجتماعية" في الآونة الأخيرة، لكن قوات الباسيج، جنباً إلى جنب مع سلطات إنفاذ القانون النظامية، تمكنت إلى حد كبير من احتواء الاحتجاجات لأنَّ المتظاهرين تجنبوا التجمع بأعداد كبيرة في مكان واحد. وعلى النقيض من ذلك، خرج ملايين الأشخاص إلى الشوارع عام 2009 لدعم الحركة الخضراء؛ ما أدى إلى انتشار أسرع لقوات الحرس الثوري الإيراني بدوام كامل.
وأوضح أستاذ مساعد شؤون الأمن القومي، أفشون أوستوفار، أنَّ قادة إيران على ما يبدو استخدموا "القوة الغاشمة عن عمد" خلال الاحتجاجات الحالية حتى الآن -بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية – لإكراه المحتجين على العودة إلى ديارهم. وقال: "ليست لديهم مشكلة في فعل ذلك على نطاق ضيق. لكن المخاطر السياسية لفعل ذلك على نطاق أوسع ستكون أشد ويمكن أن تكون غير متوقعة".