لطالما كان الجيش الإسرائيلي على علاقة قوية بالمستوطنين اليهود في الضفة الغربية، وهذه العلاقة توشك أن تزداد قوة. فلأول مرة، سيشغل مستوطن منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي؛ ليصبح المشرف على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، المستمر منذ 56 عاماً.
هرتسي هاليفي.. قائد جديد لأركان جيش الاحتلال
صادقت الحكومة الإسرائيلية، الأحد 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022، رسمياً، على تعيين الجنرال هرتسي هاليفي قائداً لهيئة الأركان للجيش الإسرائيلي خلفاً لأفيف كوخافي، الذي تنتهي ولايته مطلع العام 2023.
ويتوقع أن تبدأ فترة شغل اللواء هاليفي للمنصب البالغة ثلاث سنوات في 17 يناير/كانون الثاني 2022، مع إمكانية تمديدها لعام إضافي في حال اقتضت الحاجة لذلك، وفقاً لرؤية "وزير الدفاع"، وبموافقة الحكومة.
وهاليفي (55 عاماً)، هو سليل حاخام يعتبره كثيرون أبا حركة الاستيطان الحديثة؛ حيث يعيش هاليفي في كفار أورانيم، وهي مستوطنة تتاخم الخط غير المرئي بين إسرائيل والضفة الغربية.
حصل هاليفي على درجة البكالوريوس في الفلسفة وإدارة الأعمال من الجامعة العبرية بالقدس، ودرجة الماجستير في إدارة الموارد الوطنية من جامعة الأمن القومي بواشنطن.
التحق بالجيش الإسرائيلي ضمن لواء المظليين لقوات الاحتياط بين الفترة 1985-1992، ثم انتقل للعمل في سَرية هيئة الأركان المعروفة اختصاراً بـ"سيرت متكال"، ليعيَّن نائباً لها ثم رئيساً في فترة انتفاضة الأقصى بين عامي 2001-2004، ليعود مجدداً لرئاستها في العام 2012.
وبين عامي 2005-2007، عُيّن هاليفي قائد لواء المنشية قرب جنين، وبين 2007 و2009 عُيِّن قائداً للواء المظليين.
أما المحطة الأبرز في حياته العسكرية فكانت انتقاله للعمل الاستخباراتي حينما شغل منصب رئيس قسم العمليات التشغيلية في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) بين الفترة 2009-2011.
وانتقل هاليفي للعمل في هيئة الأركان حينما صادق وزير الدفاع، بوغي يعلون، على تعيينه قائداً لكلية القيادة والأركان عام 2014، وعُيّن بعدها قائداً للواء المنطقة الجنوبية، وفي عام 2021 بات هليفي نائباً لقائد هيئة الأركان.
أما أبرز "إنجازاته العسكرية" فكانت مشاركته في عدد من العمليات الخاصة، أبرزها عملية "اللدغة السامة" التي تم من خلالها اختطاف القيادي في حزب الله مصطفى الديراني، كما شارك في عملية تحرير الجندي الذي اختطفته كتائب القسام، نحشون فاكسمان، في العام 1994.
ماذا يعني صعود هاليفي بالنسبة لحركة المستوطنين؟
يتوِّج صعود هاليفي التطور المستمر منذ عقود لحركة المستوطنين من مجموعة دينية صغيرة إلى قوة مؤثرة وصل أعضاؤها إلى أعلى المراتب في الحكومة والمؤسسات الرئيسية الأخرى، بحسب تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
ويقول منتقدون إن النفوذ السياسي الهائل للمستوطنين يهدد أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ويهدد مستقبل ديمقراطية إسرائيل. ويقولون إن تعيين هاليفي يكشف مدى قوة العلاقة بين المستوطنين والجيش.
ويقول آخرون إن هاليفي، نائب رئيس الأركان حالياً، يتمتع بمسيرة عسكرية، ومكان إقامته لن يؤثر على قراره. وقد شغل منصب رئيس الوحدة الخاصة سايرت متكال، وكذلك المخابرات العسكرية والقيادة الجنوبية، التي أشرف منها على العمليات في قطاع غزة.
وأشاد "وزير الدفاع" في جيش الاحتلال بيني غانتس بهاليفي ووصفه بالضابط "الخلوق"، وقال عند ترشيحه: "ليس لدي شك في أنه الرجل المناسب لقيادة الجيش".
وربما كان كثيرون ممن انتقلوا إلى "كفر أورانيم"؛ حيث مستوطنة هاليفي، قد انجذبوا إلى أسعار المساكن الرخيصة في موقع مركزي بين القدس وتل أبيب، وليس بسبب أيديولوجية متطرفة، لكن اختيار العيش في مستوطنة يشير إلى الميول السياسية المتطرفة.
"نفخر بأن رئيس الأركان الجديد أحد سكان المستوطنات"
ورحبت حركة المستوطنين بقائد الجيش الجديد؛ إذ قال يسرائيل غانز، رئيس مجلس المستوطنات الإقليمية الذي يضم كفر أورانيم: "نفخر بأن رئيس الأركان الجديد أحد سكان المستوطنات". وقال إنه يتوقع أن يعمل أي رئيس أركان انطلاقاً من الإيمان بـ"شرعية" الاستيطان اليهودي، و"تعميق جذور" المستوطنين اليهود.
ويُشار إلى أنه منذ عام 1967، ارتفع عدد المستوطنين إلى حوالي 500 ألف نسمة، يعيشون في أكثر من 130 مستوطنة وبؤرة استيطانية في الضفة الغربية. ويعيش قرابة 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، معظمهم في مراكز سكانية شبه مستقلة تديرها السلطة الفلسطينية.
ويعتبر المجتمع الدولي المستوطنات غير شرعية وعقبة أمام السلام، فيما تعتبر إسرائيل المنطقة معقلها "التوراتي" وضرورية للأمن القومي.
وقد وصل المستوطنون إلى مناصب مهمة في المؤسسات الإسرائيلية بمرور السنوات؛ إذ تضم القائمة الحالية لقضاة المحكمة العليا في البلاد ما لا يقل عن اثنين من المستوطنين. ويتولى ساسة من المستوطنين حقائب وزارية في الحكومة، مثل أفيغادور ليبرمان، الذي شغل منصب وزير الخارجية والدفاع والمالية في إسرائيل.
وشغل مستوطنون مناصب رئيسية في المؤسسات الثقافية والهيئات التي تخصص الأراضي. وكان رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت في السابق زعيماً للمستوطنين، رغم أنه لم يكن يعيش في مستوطنة.
تقول ديانا بوتو، الباحثة الفلسطينية، لوكالة أسوشيتد برس، إن تولي مستوطن منصب رئيس الأركان يثير مخاوف من تفاقم عنف الجيش مع الفلسطينيين أكثر مما هو عليه الآن، وزيادة رسوخ الاحتلال الإسرائيلي، واستبعاد إقامة دولة فلسطينية. وقالت: "المجتمع الدولي يرى اختلافاً بين إسرائيل والمستوطنات، وكأن الاثنين منفصلان، لكنهما واحد في الواقع".