يقترب موعد الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022، للمرة الخامسة في مدة أقل من أربع سنوات يجد الإسرائيليون أنفسهم ذاهبين إلى صناديق الاقتراع، فقد تعرض الكنيست لعدة أزمات ونزاعات سياسية سارعت بحله لإجراء انتخابات مبكرة متتالية في وقت قصير.
من المفترض أن تُجرى الانتخابات البرلمانية كل أربع سنوات، وهي مدة الولاية، لكن مع عدم الاستقرار السياسي أصبحت تجرى كل 2.4 عام.
وفي هذه الانتخابات تقدّمت ما يقرب من حوالي 40 لائحة للمنافسة، ويُنتظر ألا تنجح 20 قائمة منها على الأقل في اجتياز نسبة الحسم المحددة بـ3.25% من الأصوات الصحيحة، وهو الحد الأدنى المطلوب لكل حزب كي يدخل الكنيست، ويحصل على 4 مقاعد على الأقل.
وسيذهب ما يقارب الـ7 ملايين ناخب لاختيار ممثليهم في الكنيست المكون من 120 مقعداً، والذي ستملك الأغلبية فيه القدرة على تكوين الحكومة القادمة.
ويجد الكنيست صعوبة في تكوين حكومة قوية منذ عام 2019، حيث أُجريت حينها انتخابات لم يتمكن فيها أي مرشح من تشكيل حكومة، فأُتبعت بأخرى مبكرة انتهت إلى المصير ذاته في أقل من ستة شهور من نفس العام.
بعدها، تم إجراء انتخابات للمرة الثالثة خلال شهر مارس/آذار 2022، ويتم تشكيل حكومة بعدها بشهرين، لكنها تنهار في أقل من عام، ويتم الدعوة مجدداً لانتخابات أجريت في مارس/آذار 2021، فاز فيها حزب "الليكود" اليميني الذي يؤمن بفكرة "إسرائيل الكبرى"، وحصل على 30 مقعداً، ولكن فشل بقيادة نتنياهو في تشكيل حكومة.
فتحالفت 8 أحزاب مناهضة لاستمرار ولاية نتنياهو رئيساً للوزراء لتشكيل ائتلاف حكومي هش يوم 13 يونيو/حزيران 2021 صادق عليه الكنيست بالأغلبية.
أسفر الائتلاف عن اتفاق بين أحزاب غير متجانسة ضم للمرة الأولى حزباً عربياً، وكان أهم حزبين هما "يمينا" اليميني بقيادة نفتالي بينيت، وحزب "هناك مستقبل" اليميني أيضاً بزعامة يائير لابيد رئيس الوزراء الحالي.
وقد نص الاتفاق الائتلافي على أن يتم التناوب على رئاسة الوزراء بين لابيد وبينيت، حيث يبدأ الأخير أولاً حتى سبتمبر/أيلول 2023.
لكن تعرض الائتلاف للعديد من المصاعب، ولم يصمد إلا عاماً ليقرر الكنيست نهاية يونيو/حزيران 2022 حل نفسه لإجراء انتخابات مبكرة.
تواصل الحياة السياسية الإسرائيلية سيرها على نفس خط الانقسام المتمثل في مواجهة بين أقصى اليمين واليمين، فبعد إقصاء بنيامين نتنياهو من السلطة على يد ائتلاف يجمع تكتلات سياسية متنوعة، يعود مجدداً عازماً على الثأر لنفسه خلال الانتخابات التشريعية الإسرائيلية القادمة.
وستكون المعركة الانتخابية تقريباً إعادة لسيناريو الانتخابات الماضية، حيث ستتنافس نفس الكتلتين؛ كتلة تضم مختلف الأحزاب اليمينية المتطرفة ويهيمن عليها نتنياهو، وكتلة أخرى أقل يمينية تعرف بكتلة "التناوب"، وتريد منع رئيس الوزراء السابق من استعادة الحكم.
مَن له الفرصة الأكبر للفوز بالانتخابات القادمة؟
يسعى نتنياهو، زعيم الليكود، الحزب الرئيسي لكتلة اليمين المتطرفة، إلى القيام بأي شيء للفوز بالانتخابات، وستعتمد استراتيجيته على جمع كل أصوات اليمين؛ حيث يجمع تحالفه شخصيات شديدة التطرف ذات توجه سياسي أكثر تشدداً منه شخصياً تجاه الفلسطينيين وعرب الداخل، أبرزهم إيتمار بن غفير، عرّاب التحريض الدموي ضد الشعب الفلسطيني الذي وجهت إليه 53 تهمة تحرض على العنف.
ويمكن أن تضمن هذه التحالفات المتطرفة لنتنياهو فرصة لجمع قدر من الأصوات قد يسمح له بتشكيل ائتلاف أغلبية تصل إلى 61 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست.
رغم جنوحه لعقد التحالف مع أقصى اليمين، يطمع أيضاً في أصوات الناخبين العرب، فقد أشار مراسل القناة 12 الإسرائيلية محمد مجادلة إلى أن نتنياهو هو السياسي الأكثر إنفاقاً على الدعاية الانتخابية الموجهة للوسط العربي في إسرائيل على منصات التواصل الاجتماعي الناطقة باللغة العربية.
ووصلت فاتورة دعاية نتنياهو الانتخابية قبل أسبوعين من موعد الانتخابات إلى 45 ألف شيكل (13 ألف دولار)، بينما لم يتجاوز إنفاق خصومه من مرشحي وقادة الكتل السياسية العربية بالإضافة لأحزاب اليسار نصف المبلغ الذي صرفه نتنياهو حتى هذه اللحظة.
وتنتشر حسابات نتنياهو الناطقة باللغة العربية على جميع منصات التواصل الاجتماعي، أما الأكثر شهرة وتفاعلاً بالنسبة له فهي حساباته على Facebook، TikTok، يقوم عبرها بمخاطبة الجمهور الفلسطيني في الداخل باللغة العربية ليكون قريباً منهم باللغة التي يفهمونها، كما يستغل هذه المنصات للترويج لحملته الانتخابية.
في المقابل، تراهن الكتلة المناهضة لنتنياهو بقيادة بينيت ولابيد على إعادة تكرار سيناريو العام الماضي، ويبدو أن المشهد السياسي لم يتغير تقريباً، وهذا ما أشارت إليه استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة، والتي أظهرت إمكانية حصول كتلة التغيير على 53 مقعداً بدون أصوات القائمة العربية الموحدة، لكن إذا أضيفت الأحزاب العربية سيصل العدد إلى 62 مقعداً، ما يعني الأغلبية داخل الكنيست، بينما ستحرز كتلة الأحزاب اليمينية المساندة لنتنياهو ما بين 59 و60 مقعداً.
يعتبر فلسطينيو الداخل بطاقة حسم في هذه الانتخابات، حيث يشكلون 21% من إجمالي عدد السكان، ووزنهم الانتخابي يمثل 15% من إجمالي الناخبين، هذا يعني أنه في حال بلغت نسبة التصويت في المجتمع العربي 100%، بإمكانهم حسم 18 مقعداً في الكنيست من أصل 120 مقعداً، ليحتلوا المرتبة الثالثة في الكتل السياسية بعد حزبي الليكود ويش عتيد.
وقد برز وزن الصوت العربي في حسم مسألة الانتخابات، عشية الدورة الأخيرة لانتخابات مارس/آذار 2021، حينما منح منصور عباس زعيم القائمة العربية الموحدة أصواته الأربعة التي حصل عليها، لتشكيل أول حكومة بدون نتنياهو.
كيف تنعكس الانتخابات الإسرائيلية على فلسطين؟
فبينما يسعى السياسيون من أقصى اليمين لليسار لترتيب الداخل، يداومون على شن الحملات العسكرية على قطاع غزة والمقاومة بشكل عام؛ حيث أظهرت فترة الانتخابات الإسرائيلية ما بين 2008 و2022 سعي الحكومات المتعاقبة إلى تصدير الأزمات الداخلية وترحيلها إلى الفلسطينيين.
حيث شهدت غزة تحديداً خلال هذه الفترة خمس حروب كبيرة بجانب العديد من جولات التصعيد العسكري، جعلت فيها إسرائيل دم الفلسطينيين حبراً يختم به على أيدي المصوتين في الانتخابات.
وكان آخرها حملة عسكرية محدودة في غزة سُميت "بزوغ الفجر" ضد حركة الجهاد الإسلامي، شنها رئيس الوزراء يائير لابيد دعماً لحكومته الانتقالية.
وتشهد هذه الأيام توسيع رقعة شن الحملات العسكرية الدعائية، ففجر الثلاثاء 25 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي تصفية خمس مقاومين من مجموعة "عرين الأسود".
وقال لابيد في تغريدة إن "تصفية رئيس منظمة عرين الأسود وديع حوح (31 عاماً) مع آخرين، هو نتيجة لعملية مشتركة قامت بها قوات الأمن التابعة للجيش الإسرائيلي والشاباك (جهاز الأمن الداخلي) الليلة الماضية في نابلس".
فيما نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن لابيد قوله إن "العملية المعقدة تم التخطيط لها أياماً عديدة".
وتأتي العملية قبل أسبوع من الانتخابات الإسرائيلية مع تصاعد الدعوات في إسرائيل للقضاء على مجموعة "عرين الأسود" الفلسطينية التي برز اسمها في الآونة الأخيرة بعد تنفيذها سلسلة هجمات ضد الجيش شمالي الضفة الغربية.
يوضح ذلك أنه رغم الاختلاف الداخلي بين الأحزاب الإسرائيلية على كيفية الإدارة، تتفق جميعها على طريقة الوصول التي تعتمد على قتل الفلسطينيين وتقديمهم قرباناً للناخبين.