من بيرو إلى تشيلي واحتمال البرازيل.. اليسار يعود للحكم في أمريكا اللاتينية، فهل تقلق أمريكا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/24 الساعة 16:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/25 الساعة 04:48 بتوقيت غرينتش
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا/ shutterstock

بعد أقل من أسبوع تنتظر البرازيل نتائج انتخابات رئاسية ربما هي الأهم في تاريخها، فستشهد جولة إعادة في 30 أكتوبر/تشرين الثاني بين الرئيس اليمني جايير بولسونارو ومنافسه اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي تصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، متقدماً على منافسه.

فبحسب نتائج غير نهائية للهيئة، حصل لولا دا سيلفا على 48.9%، بينما جاء بولسونارو في المركز الثاني بعد أن حصل على 44.7%، وذلك بعد فرز 98.3% من الأصوات.

وتكتسب انتخابات العام الحالي زخماً كبيراً داخل وخارج البرازيل، في الدولة ذات النصيب الأكبر من حيث المساحة وعدد السكان داخل القارة اللاتينية، ربما تشهد عودة اليسار للحكم من جديد لتختم عرس عودة حكم اليسار للقارة الجنوبية.

 فمنذ عام 2018، فاز مرشحو يسار الوسط بالانتخابات الرئاسية في الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي والمكسيك وبيرو، وأخيراً كولومبيا التي فاز بانتخاباتها التي جرت في شهر مايو/أيار الماضي، لأول مرة، رئيس يساري، كان متمرداً سابقاً، وحقق فوزَه بفضل الناخبين المحبطين من عقود الفقر وعدم المساواة في ظل الزعماء المحافظين الموالين لأمريكا.

هل عودة اليسار تبشر بالجديد للفقراء في القارة اللاتينية؟

تأتى موجة صعود اليسار في أمريكا اللاتينية الحالية لزيادة مشاعر الغضب الشعبية المعادية لشاغلي المناصب بصفة عامة، فالناخبون مستاءون من الخسائر الصحية والاقتصادية التي شهدتها بلادهم خلال فترة الوباء وما بعدها والتي توازت في أغلبها مع فترة حكم اليمين وأحزابه، مما يدفعهم اليوم وعبر صناديق الاقتراع للإطاحة بكل من يشغل القصر الرئاسي.

من المرجح أن يكون صائباً الحديث عن أن التيار اليساري وهو حالياً أقوى في أمريكا اللاتينية منه في أي بقعة أخرى في العالم، فقد اتجهت الأحزاب اليسارية في هذه المنطقة لتحقيق نتائج جيدة من خلال اقتراح خطاب مختلف عن خطابات النيوليبرالية السائدة التي اتبعتها الحكومات السابقة، واعدةً بعطاءات أكثر للفقراء.

فبعد أن أدت تداعيات جائحة الفيروس الأخيرة إلى خروج 12 مليون شخص من الطبقة الوسطى في عام واحد، عاقب الناخبون في جميع أنحاء القارة الحكومات.

البيرو

ففي البيرو، كان فوز كاستيلو- وهو مُعلِّم مدرسة ريفية ليست لديه خبرة سياسية رسمية- في يونيو/حزيران الماضي، بسبب الغضب من النخبة السياسية، وتزايد الفقر وشعور الناخبين الريفيين بأنهم مستبعدون من ثمار الموارد المعدنية للدولة المشهورة بضخامة الثروات الطبيعية.

وانتقد كاستيلو، الذي يمزج بين القيم المحافظة والأفكار الاشتراكية، شركات التعدين بسبب "النهب"، وتعهد بزيادة الضرائب لدفع تكاليف رعاية صحية وتعليم أفضل. ولقد هز نجاحه نخبة ليما والأسواق المالية في بيرو.

وصرح كاستيلو لمؤيديه بعد أن أظهر إحصاء الانتخابات له بهامش فوز ضعيف: "اليوم تبدأ المعركة الحقيقية لإنهاء عدم المساواة الهائل. لن نكون شعباً مضطهداً أبداً بعد الآن.. فلنقف دائماً على أقدامنا ولا نركع على ركبنا أبداً!".

تشيلي

في حين عاد حكم اليسار إلى تشيلي التي تمثل نموذجاً للسوق الحرة في المنطقة، فقد جاءت الانتخابات في مارس/آذار 2022 الماضي بالناشط الطلابي السابق "غابرييل بوريك" كأصغر رئيس لتشيلي في سن الثامنة والثلاثين، مذكّراً في خطابه الأول إلى الأمة، بالرئيس اليساري الراحل سلفادور أليندي الشخصية التاريخية في البلاد.

ويُنظر إليه على أنه الوجه الجديد لليسار السياسي في أمريكا اللاتينية، الذي يركز على قضايا من النسوية إلى حماية البيئة ومحاربة عدم المساواة.

ففي أول خطاب له في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أطلق ناقوس الخطر بشأن مخاطر الاضطرابات الاجتماعية، قائلاً: "أدعوكم جميعاً للمضي قدماً في البحث عن عدالة اجتماعية أكبر"، مما أثار تصفيقاً حاداً. "يجب أن يسير توزيع الثروة والسلطة بطريقة أفضل جنباً إلى جنب مع النمو المستدام".

وحذر من أن الغضب من عدم المساواة وسوء الخدمات الأساسية نتيجة السياسات النيو ليبرالية الشديدة يمكن أن يؤدي إلى انتفاضات في دول عديدة.

ودعا إلى مزيد من مساءلة الحكومة، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكد أن المظاهرات في بلاده التي أدت إلى سقوط عشرات القتلى وتدمير البنية التحتية العامة والتخريب على نطاق واسع في أواخر عام 2019، كانت نتيجة سنوات من الظلم. 

كولومبيا

لا يتوقف قطار اليسار عند محطة تشيلي، فخلال جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في كولومبيا في 19 يونيو/حزيران 2022، فاز المرشح اليساري "غوستافو بيترو" رئيس بلدية العاصمة "بوغوتا" السابق بنسبة 50.4% من الأصوات مقابل 47.3% لمنافسه مرشح اليمين المستقل "رودولفو هيرنانديز".

ويعد هذا الفوز تاريخياً لليسار، فقد جاءت الانتخابات بأول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا، والذي كان ينتمي لإحدى حركات التمرد اليسارية خلال فترة الثمانينات.

ومما يزيد من تاريخية المشهد، أن كولومبيا خلافاً لتشيلي، لم يكن لها أي تاريخ مع اليسار في الحكم، حيث هيمن يمين الوسط تاريخياً على مؤسسة الحكم في البلاد، مما جعل كولومبيا دائماً حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في القارة اللاتينية.

ففي دولة يعاني ما يقرب من نصف سكانها الفقر، جاء بيترو ببرنامج سياسي واقتصادي يساري، قائم على إقامة إصلاحات جذرية وإعادة توزيع الثروة ودور أكبر للدولة في الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي لمواجهة غياب المساواة الاقتصادية.

فتعهد بفرض ضريبة على أرباح الشركات من أجل تمويل الإنفاق الاجتماعي للسكان الفقراء، وزيادة الضرائب على الأغنياء.

فنزويلا

وقد سبقتها فنزويلا في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بتنصيب الاشتراكي لويس آرسي رئيساً جديداً للبلاد بعد فوزه بنسبة 55% من الأصوات، وقد جاء اختياره بعد أن عصفت أزمة عنيفة باقتصاد البلاد لمدة عام، الذي تضرر بشدة بسبب جائحة كوفيد-19.

ويُعد آرسي (وزير الاقتصاد السابق) مهندس "المعجزة الاقتصادية البوليفية" خلال رئاسة موراليس، التي شهدت نمو إجمالي الناتج المحلي ليبلغ مستويات غير مسبوقة تصل إلى 6% وانخفاض معدل الفقر من 60% إلى 37%.

المكسيك

وفي المكسيك عزز الرئيس اليساري أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، مركزه على رأس السلطة، بعد أن وافق ما لا يقل عن 90% من المكسيكيين الذين شاركوا في استفتاء دعا إليه الرئيس لدعم بقائه في منصبه، وذلك وفقاً لتقديرات أولية نشرها المعهد الانتخابي الوطني.

ورغم ضعف المشاركة نال الرئيس البالغ من العمر 68 عاماً، والذي تم انتخابه في 2018 لمدة 6 سنوات، غالبيةً تتراوح بين 90.3 و91.9% من أصوات المقترعين الذين أيدوا استمراره في منصبه حتى العام 2024، وفقاً لفرز أولي للأصوات أجراه المعهد الوطني للانتخابات.

على الرغم من انتصارات اليسار وقرب سيطرته شبه الكاملة على القارة اللاتينية، إلا أنه من الصعب الجزم بأنه المنقذ للقارة الجنوبية من الفقر، فالأمر متوقف على قدرة كل رئيس داخل دولته على تحقيق العدالة الاجتماعية دون شعوبية، والاستقلال عن النفوذ الأمريكي دون الترويج للديكتاتوريات، حتى لو كانت معادية لها، والقضاء على الفساد، دون التضحية بالكفاءة الاقتصادية.

ماذا عن الولايات المتحدة؟

بالإضافة إلى ما سبق، لا يمكن التنبؤ برد فعل الولايات المتحدة تجاه هذا الصعود اليساري، فمن الصعب التأكيد على أن توجه الولايات المتحدة الأمريكية سيكون عدائياً أم أقل حدة تجاه هذه الدول.

لكن من الممكن وضع احتمالين لمستقبل العلاقات، أولهم احتمالية إعادة هيكلة العلاقات بدلاً من تدميرها، فقادة اليسار هؤلاء يبدون مختلفين عن قادة الماضي، خاصة في حالة تشيلي والبيرو، فما يقودهم ليس خطابات أيديولوجية قديمة، بل دوافع لتغيير أوضاع اقتصادية صعبة لشعوبهم مما يدفعهم للابتعاد عن خط العداء المباشر مع الشريك الأول للقارة.

بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تملك تجربة ليست بالسيئة مع بعض الرؤساء اليساريين، الرئيس البرازيلي المحتمل لولا دا سيلفا، مما يضع احتمالية لإمكانية إنشاء علاقات أكثر واقعية. 

بالمقابل، يشكل زيادة التعاون التجاري مع الصين لتشجيع بعض دول القارة لاتباع نهج أكثر استقلالية بعيداً عن الولايات المتحدة، فقد أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للبرازيل وتشيلي والبيرو. برغم أن هذا الاحتمال لا يعطي مجالاً كبيراً للمناورة مع الولايات المتحدة، إلا أن هذا التعاون بجانب زيادة التحالف بين دول القارة اللاتينية قد يدفع بخطوة كبيرة لتغيير وجهة السياسة في القارة.

بعيداً عن التكهنات، إن ما يميز أغلب يسار اليوم في القارة الجنوبية أنه جاء نتاج للتطور السياسي والاقتصادي في القارة وتداعيات الوباء، حيث لا يمثل نسخة أيديولوجية كلاسيكية بقدر ما يتبنى نهجاً أكثر واقعية لتلبية الاحتياجات الاقتصادية.

تحميل المزيد