بعد أن انتبه العالم أخيراً لحتمية مواجهة التغير المناخي قبل فوات الأوان، يتم الآن حشد جميع الأدوات المتاحة لإنقاذ الناس من موجات الطقس المتطرف قدر المستطاع، فماذا عن دور الذكاء الاصطناعي؟
والمقصود بمصطلح التغير المناخي هو وصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض، وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في نفس الأماكن، مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه.
وقد تسبب سيل الكوارث المناخية في أنحاء العالم، من الفيضانات في ألمانيا والصين إلى الحرائق الهائلة في أوروبا وأمريكا الشمالية مروراً بموجات القيظ في كندا، في تسريع قيام العلماء بالكشف عن التقييمات الجديدة والتوقعات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستويات المحيطات وحتى اشتداد الظواهر المناخية القصوى.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن عام 2021 هو "الفرصة الأخيرة للأرض للتصدي للتغير المناخي قبل فوات الأوان"، وشهد مؤتمر الأطراف للمناخ في غلاسكو، العام الماضي، مناقشات على أعلى مستوى بين زعماء العالم لوضع حلول سريعة لإنقاذ الموقف، بعد أن أصدر خبراء المناخ في الهيئة التابعة للأمم المتحدة توقعاتهم الجديدة بشأن مستقبل الكوكب؛ وهو ما مثل "جرس إنذار للجميع".
الذكاء الاصطناعي على خط الأزمة
وفي هذا السياق، بدأت شركة ناشئة، تقدم خدمات الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، في التعاون مع خدمة الطقس الوطنية الأمريكية من أجل تحسين ترجمة تنبيهات الطقس المتطرف إلى لغات أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وكشف تقرير نشره موقع Axios الأمريكي بعنوان "كيف يستطيع الذكاء الاصطناعي المساعدة في ترجمة تنبيهات الطقس المتطرف؟"، عن تأثير فجوات الوصول إلى تنبيهات الطوارئ بلغات أخرى أثناء الأحداث الجوية المتطرفة، وكيف أن ذلك قد أدى بالفعل إلى تفويت عمليات الإجلاء، وإصابات، وخسائر في أرواح غير الناطقين باللغة الانجليزية. لكن التعلُّم الآلي يستطيع تقليص تلك الفجوات.
إذ بدأت خدمة الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي Lilt في العمل على مشروع تجريبي بالتعاون مع خدمة الطقس مؤخراً، وذلك بغرض المساعدة في إنتاج إنذارات طقس أكثر شمولاً.
وتعمل الخدمة بالاعتماد على مزيج من البرمجيات والمترجمين البشريين، حيث تتعلم الخدمة من اللغويين بصورةٍ فورية عن طريق شبكة عصبية، التي تُشبه الكمبيوتر المصمم بنموذج يحاكي الدماغ البشري إلى حد ما، ويزداد هذا النظام ذكاءً مع كل استخدام.
كانت مخاطر التغير المناخي قد بدأت تزداد منذ الثورة الصناعية والتوسع في الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما أدى لازدياد الانبعاثات الكربونية ومن ثم الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الكوكب بصورة متسارعة.
ورغم أن الأمطار والسيول والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها والعواصف وحرائق الغابات تمثل جميعاً ظواهر مناخية ليست دخيلة علينا، إلا أن تكرار حوادث الطقس المتطرف بفواصل زمنية تقل شيئاً فشيئاً هو أخطر سمات التغير المناخي والاحتباس الحراري، بحسب علماء المناخ.
وأظهرت الدراسات بالفعل زيادةً في هطول الأمطار الغزيرة، مع ارتفاعٍ في درجة حرارة العالم، وقالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، وهي المجموعة المدعومة من الأمم المتحدة والتي تقدِّم تقارير عن تأثيرات الاحتباس الحراري، إن تواتر هذه الأحداث سوف يزداد مع استمرار درجات الحرارة في الارتفاع.
ما أهمية الترجمة في تحذيرات الطقس؟
فريق الشركة، التي تعمل على تطوير استخدام الذكاء الاصطناعي في ترجمة تحذيرات الطقس، جمع 55 مليون دولار في جولة التمويل الثالثة مطلع العام الجاري. ويُسوق الفريق للخدمة على أنها أسرع بثلاث مرات على الأقل من خدمات الترجمة الأخرى، فضلاً عن قدرة برامج الشركة على ترجمة المصطلحات العامية واللهجات الإقليمية.
ويجري استخدام البرنامج بواسطة أخصائيي التنبؤ بالأرصاد الجوية في مكتب التنبؤ التابع لخدمة الطقس الوطنية الأمريكية، حيث يقدم محرك الذكاء الاصطناعي ترجمات مقترحة للمترجمين حتى يعملوا عليها، مع تسجيل جميع مدخلاتهم بشكلٍ نشط.
فيل ستيفل، رئيس الحلول في Lilt، قال لموقع Axios الأمريكي إن هناك حاجة قائمة منذ فترة لتوفير ترجمات أفضل لخدمة الطقس: "إذا كان هناك خطأ في ترجمة أحد تقارير الطقس ودفع ذلك الخطأ بشخصٍ ما إلى اتخاذ تصرف خاطئ بناءً على تلك الترجمة، فربما يتعرض للأذى أو يموت نتيجةً لذلك".
وأفادت بيانات تقرير مؤسسة Migration Policy Institute البحثية، الصادرة عام 2019، بأن 22% من سكان الولايات المتحدة، في الفئة العمرية الأكبر من خمس سنوات، يتحدثون لغةً أخرى غير الإنجليزية في المنزل.
يُذكر أن مشكلات الترجمة السابقة أثناء الفيضانات، وحرائق الغابات، والأعاصير تُشير إلى إرثٍ من عوائق اللغة، حيث أثّرت تلك العوائق على أنظمة إنذار الطقس في حالات الطوارئ على المستوى الفيدرالي، ومستوى الولايات، والمستوى المحلي.
وفي عام 2017، كان غالبية سكان مدينة نيويورك الذين ماتوا بسبب الفيضانات المفاجئة في أعقاب إعصار إيدا من أصولٍ آسيوية، ولا يتحدثون الإنجليزية أو الإسبانية بطلاقة. ونقلت صحيفة New York Times الأمريكية آنذاك أن عوائق اللغة المذكورة ربما منعت أولئك السكان من تسلم إنذارات الإخلاء.
التغير المناخي وفقدان الأرواح
كما توفي سبعة أفراد من عائلة غواتيمالية في ولاية أوكلاهوما نتيجة الفيضانات المفاجئة عام 2013. حيث غادروا منزلهم واتخذوا من خزان تجميع مياه مأوى لهم، بعد أن سمعوا تحذيرات الإعصار في التلفزيون. وأفادت شبكة NBC News الأمريكية بأن العائلة "لم تسمع أو تفهم وجود تحذيرات من العواصف والفيضانات".
وكشفت دراسة تم إجراؤها عام 2020 أن تحذيرات الطوارئ أثناء حريق توماس الضخم بكاليفورنيا- بين عامي 2017 و2018- كانت تُنشر باللغة الإنجليزية فقط في بداية الأمر، ونتيجةً لذلك فوّت السكان اللاتينيون في أكثر المقاطعات تضرراً جميع المعلومات المهمة الخاصة بمناطق الإخلاء، وإغلاق الطرق، وإنذارات الهواء غير الآمن وغلي الماء.
كما تعمل خدمة الطقس الوطنية على طرق أخرى لحل مشكلات الترجمة في أنظمة التنبيه الخاصة بالتحذيرات من موجات الطقس المتطرف.
إذ نظر مقال بحثي نشرته دورية American Meteorological Society العلمية عام 2021 في المشكلات التي تواجه ترجمة تنبيهات الطقس من الإنجليزية إلى الإسبانية. وركّز البحث على الترجمات التي لا تضع اللهجات المختلفة في اعتبارها، مما أدى إلى "عدم اتساق رسائل الخطر" في التنبيهات الناطقة بالإسبانية.
ولهذا حدّثت خدمة الطقس الوطنية والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي اللغة المستخدمة في الاتصالات المرتبطة بالأحوال الجوية الخطيرة، مع تبنّي مصطلحات "محايدة اللهجة"، كما اقترح مؤلفو الدراسة وحسب ما نقله برنامج Noticias Telemundo.
وصرحت مونيكا بوزمان، رئيسة الترجمات الآلية في مكتب المعالجة المركزية بخدمة الطقس الوطنية، لموقع Axios الأمريكي بأن الوكالة أطلقت مشروعات اختبار تجريبية من أجل إدخال الأتمتة في الترجمات. وتمثل خدمة Lilt واحداً من تلك المشروعات.
وكتبت مونيكا في رسالتها بالبريد الإلكتروني: "نأمل أن نكتشف مدى فاعلية تطبيق الأتمتة من أجل زيادة كفاءة الأوقات المستغرقة لإنجاز الترجمات. فضلاً عن تقليل أعباء الأتمتة عن كاهل موظفينا، وخاصةً أثناء أحداث الطقس الخطير الحساسة".