وسّع الزعيم الصيني شي جين بينغ هيمنته على مقاليد الحكم، اليوم السبت 22 أكتوبر/تشرين الأول، حيث اختار ترقية مجموعة من أعضاء الحزب الشيوعي الموالين له والمستعدين للدفاع عن سلطته، وتوسيع نفوذ الدولة على الاقتصاد، وتعزيز الأمن القومي.
شي جين بينغ ينفرد بحكم الصين وينحي نخباً سياسية
وتقول صحيفة New York Times الأمريكية إن الرئيس شي نجح في إحداث تحول داخل الصين من خلال حكمه على مدار العقد الماضي. إذ قضى على المنافسين المحتملين، وسحق المعارضة، وأعاد تثبيت الدور المركزي للحزب الشيوعي في كافة أركان المجتمع الصيني.
وتُشير التوقعات منذ فترة إلى أن شي سينجح في الفوز بولايةٍ ثالثة مدتها خمس سنوات كأمين عام للحزب. لكننا شهدنا أدلةً تُثبت تشديد قبضته المُحكمة على الحزب أكثر يوم السبت، عندما أقر المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي قائمة الأعضاء الجدد للجنته المركزية، التي تُمثل أعلى كيان نخبوي في الصين ويجري اختيار كبار القادة من بين أعضائها.
وأظهرت القائمة تنحي العديد من الشخصيات البارزة من أجل إفساح الطريق للمزيد من المسؤولين الذين يفضلهم شي، وذلك حتى يصعدوا إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي التي تُعتبر أعلى كيانات صنع القرار في الحزب.
وتمثل ذلك في مشهد إخراج الرئيس الصيني السابق، هو جين تاو، بشكل مفاجئ، إلى خارج القاعة التي كانت تشهد جلسة مؤتمر الحزب الشيوعي، حيث أبدى جين تاو رفضاً للمغادرة، قبل أن يضطر إلى المغادرة، بعد أن اقترب رجل من جين تاو وقامه بإخراجه.
ولا شك أن سيطرة شي على القيادة العليا للحزب ستصبح أكثر رسوخاً عندها. ما يعني تقليل احتمالية مقاومة النخب لسياساته التي تشمل مواقفه تجاه واشنطن وقيام الحزب بتوجيه الاقتصاد، والتكنولوجيا، والإنترنت في البلاد بدرجةٍ أكبر.
وقرر الحزب الشيوعي أن يدرج لأول مرة إشارة في ميثاقه تؤكد "معارضة" بكين لاستقلال تايوان، وجاء في القرار أن مؤتمر الحزب الشيوعي "يوافق على إدراج بيانات في ميثاقه حول المعارضة الحازمة للانفصاليين الذين يسعون للحصول على استقلال تايوان وردعهم.
الصين تدخل مرحلة حكم جديدة يقودها الزعيم شي
من جهته، يقول نيل توماس، محلل السياسات الصينية في مؤسسة Eurasia Group البحثية: "دخلت الصين حقبةً جديدة من الهيمنة القصوى لشي. ومن المؤكد أن اللجنة الدائمة التي تتمحور حول شي بدرجةٍ أكبر ستقدم المزيد من الدعم لسياساته. ما يعني تركيزاً أكبر على السيطرة السياسية، وسيطرة الدولة على الاقتصاد، والدبلوماسية الصارمة".
وسيجري تأكيد ولاية شي الجديدة وفريق قيادته رسمياً يوم الأحد، 23 أكتوبر/تشرين الأول، عندما تلتقي اللجنة المركزية الجديدة لإجراء تصويتها المحكوم. لكن نطاق انتصار شي يتضح بالفعل عند مراجعة قائمة أعضاء اللجنة المركزية، بحسب الخبراء. وربما يُعتبر هو شونهوا، نائب رئيس الوزراء الحالي، الوجه الجديد الوحيد الذي ينضم إلى اللجنة الدائمة الحاكمة دون أن تربطه علاقات قوية مع شي.
بينما استقال رئيس الوزراء لي كه تشيانغ والمسؤول البارز الآخر وانغ يانغ من اللجنة المركزية يوم السبت، في إشارةٍ إلى أنهما على وشك التقاعد. وخدم السيد لي في منصب رئيس الوزراء الصيني على مدار العقد الماضي، وهو المنصب الذي يُعد ثاني أكثر المناصب نفوذاً داخل الصين، ويتمتع بسلطةٍ مباشرة على الوكالات الحكومية. لكن الرئيس شي غطى على دور رئيس الوزراء لي لسنوات، خاصةً على صعيد السياسات الاقتصادية التي لطالما كانت مجالاً يُهيمن عليه رؤساء الوزراء.
تعديلات على ميثاق الحزب الشيوعي الحاكم
يقول كريستوفر جونسون، رئيس شركة China Strategies Group ومحلل السياسات الصينية السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية: "انتشرت الكثير من الأحاديث عن رئيس الوزراء باعتباره المنقذ، وقالوا إن هؤلاء المسؤولين يمكنهم البقاء ومقاومة شي. لكن من الواضح أن هذا لن يحدث. ولا يُهم الآن سوى أن تكون مقرباً من شي".
كما أقر المؤتمر الوطني إجراء تعديلات على ميثاق الحزب أيضاً. ما أدى لتعزيز مكانة شي الرسمية والتأكيد على طموحاته لتحويل حكم الحزب الواحد إلى واقعٍ دائم في الصين.
ونصّ أحد التعديلات التي وافق عليها المؤتمر الوطني على أن "الحزب هو القوة السياسية العليا". بينما أكد تعديل آخر على المكانة "المحورية" رفيعة المستوى لشي، والتي كانت مشمولةً في ميثاق الحزب بالفعل.
ويمكن القول إن شي أصبح مسيطراً بالكامل على الأجندة الوطنية للحزب بعد تقاعد قادة اللجنة المركزية البارزين، الذين يتمتعون بتاريخٍ موثق في تفضيل السياسات الموجهة للسوق واتخاذ موقف أقل صدامية مع الغرب.
وأوضح شينغ لي، المتخصص في السياسات الصينية بمؤسسة Brookings Institution البحثية: "سيوجه شي أولوياته العامة إلى قضايا الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمن القومي واستمرارية سياساته الحالية سواءً الآن أو في السنوات المقبلة، وذلك بعد أن أبعد المعتدلين والمنافسين المحتملين عن القيادة. وقد عزز شي جين بينغ بذلك سلطته شبه المطلقة أكثر، عن طريق ترقية أتباعه لمناصب القيادة العليا".
ونذكر على سبيل المثال وانغ هونينغ الذي يُعتبر أحد كبار منظري الحزب الداعمين لصورة وأفكار شي، وأحد أقدم منتقدي الولايات المتحدة. إذ ظل هونينغ عضواً في اللجنة المركزية، ومن المرجح أن يظل شخصيةً سياسية رئيسية.
من هي الوجوه الجديدة التي منحها شي جين بينغ الترقية؟
تضم قائمة المسؤولين الصاعدين الذين انضموا إلى أعضاء اللجنة المركزية الجديدة -البالغ عددهم 205 أعضاء- مجموعةً من الأعضاء المتوقع ترقيتهم إلى اللجنة الدائمة المقبلة. ومنهم رئيس الحزب في شانغهاي، لي كيانغ، الذي أشرف على إغلاق كوفيد في وقتٍ سابق من العام الجاري. إذ كان كيانغ يؤدي دور كبير موظفي شي بصفةٍ أساسية أثناء عملهما معاً في مقاطعة جيجيانغ قبل 15 عاماً مضت.
وتضم القائمة أيضاً بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، دينغ شيوشيانغ، المساعد البارز لشي حالياً، والذي يُعتبر من أقوى المرشحين للترقية إلى اللجنة الدائمة المقبلة.
ولا شك أن تقدم شي نحو ولايته الجديدة تعثّر خلال العام الجاري نتيجة التباطؤ الاقتصادي المؤلم للصين، وانتشار الإحباط العام بسبب قيود كوفيد الصارمة في البلاد، وشائعات المعارضة الداخلية. لكن يبدو أن المؤتمر الوطني اختار تجاهل كل تلك الأمور من خلال الإشادة المنظمة بشي. حيث دعا المؤتمر الوطني حزبه إلى توفيق خطواته مع شي "على صعيد الفكر، والسياسة، والعمل".