ستُجري ماليزيا انتخابات عامة مبكرة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، في محاولة لإنهاء الفوضى السياسية التي ابتُليت بها الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، حيث دعا رئيس الوزراء الماليزي، إسماعيل صبري يعقوب، إلى انتخابات مبكرة، على أمل الفوز بتفويض أقوى لحزبه الحاكم، وتحقيق الاستقرار في المشهد السياسي الصعب الذي تعيشه البلاد على مدى السنوات الأربع الماضية.
وقال إسماعيل في خطاب متلفز، إن الملك وافق على طلبه بحل البرلمان يوم الإثنين، 17 أكتوبر/تشرين الأول، ففي بيان رسمي عن القصر، عبّر الملك السلطان عبد الله عن شعوره بالخيبة إزاء التطورات السياسية الأخيرة، وأعرب عن أمله في أن الدعوة إلى إجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن.
في أعقاب ذلك، قالت مفوضية الانتخابات في ماليزيا، الخميس، 19 أكتوبر/تشرين الأول إن البلاد ستُجري انتخابات عامة الشهر القادم في يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني، يأمل فيها الحزب الحاكم الذي تلاحقه فضائح فساد في تعزيز قبضته على السلطة.
ويجب أن يتم ترشيح المرشحين في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، ما يعني أن فترة الحملة الانتخابية سكون مدتها 14 يوماً، أي أطول بثلاثة أيام من انتخابات عام 2018.
ما هو الصراع الدائر؟
حيث أوضح رئيس الوزراء الماليزي أنه دعا إلى إجراء الانتخابات لإنهاء التساؤلات حول شرعية حكومته وإعادة التفويض للشعب، وقد أضاف رئيس الوزراء الماليزي: "تفويض الشعب هو ترياق قوي للبلاد لإظهار الاستقرار السياسي، وإنشاء حكومة قوية ومستقرة تحظى بالاحترام بعد الانتخابات العامة".
وجاء هذا بعدما تعرض لضغوطات شديدة من حزبه "المنظمة الوطنية للملايو المتحدين" المعروف اختصاراً بـUNMO لتسوية الاقتتال الداخلي داخل الائتلاف الحاكم، وتجديد إمكانية الظفر بالحكم من جديد.
يتوقع أغلب المحللين أن هذه الانتخابات ستشهد معركة شرسة على السلطة في ظل انقسام المشهد السياسي أكثر من أي وقت مضى.
كيف هو المشهد السياسي الماليزي؟
يأتي اندفاع الحزب الحاكم لإجراء انتخابات في ظل أزمة تعصف باقتصاد البلاد، الذي لا يزال يتعافى من تبعات جائحة كوفيد-19، مما زاد من وطأة الضغوطات المعيشية على المواطنين.
بالإضافة إلى أن البلاد غارقة في حالة من عدم اليقين السياسي منذ عام 2018، والتي شهدت حينها انتخابات تاريخية، قاد فيها رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد في عمر 93 المعارضة إلى تحقيق نصر تاريخي في الانتخابات، واستطاع الإطاحة بنفس الحزب الحاكم (UNMO)، الذي حكم البلاد منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1957.
وقد فاز مهاتير محمد في ذلك الوقت، بأغلبية في البرلمان الماليزي، فقد كانت شعبية رئيس الائتلاف آنذاك نجيب عبد الرزاق تتآكل، بعد أن فرض ضريبة غير شائعة بنسبة 6% على السلع والخدمات في أبريل/نيسان 2015، بالإضافة إلى أنه وفي وقت لاحق من ذلك العام تورّط في قضية فساد كبيرة، اتهم فيها باختلاس وغسل أموال قُدرت بحوالي 4.5 مليار دولار من صندوق تنمية الدولة "1 إم دي بي".
في الوقت ذاته كشفت تحقيقات أن نحو 700 مليون دولار أُودعت في حسابات شخصية لعبد الرزاق.
وقتها خرجت إلى الشارع الماليزي مظاهرات تطالب باستقالة عبد الرزاق، وتدين سوء الإدارة والفساد المالي، وتدخّل رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد داعياً إلى اتخاذ إجراءات حجب الثقة عن عبد الرزاق، واتهمه بشراء ولاء البرلمانيين بالمناصب.
بعدها برز مهاتير محمد الذي شغل منصب رئيس وزراء ماليزيا من 1981 إلى 2003، بوصفه زعيماً للمعارضة.
ورغم أن الوكالة الماليزية لمكافحة الفساد في أغسطس/آب 2015، برّأت عبد الرزاق من اختلاس 700 مليون دولار، فإنه بعد سنوات تم القبض عليه في الثالث من يوليو/تموز 2018، من قبل هيئة مكافحة الفساد الماليزية.
لتدخل البلاد من وقتها إلى اليوم في حالة من عدم الاستقرار السياسي، بعد أن شهدت ماليزيا واحدة من أكبر الفضائح المالية في العالم.
وبعد أسبوع، وبعون من خصم سابق هو أنور إبراهيم، انتُخب مهاتير محمد مرة أخرى كرئيس للوزراء في ماليزيا، وتعهّد بالتحقيق في فضيحة الكسب غير المشروع الخاصة بعبد الرزاق.
لكن التحالف بين مهاتير وأنور إبراهيم لم يصمد في مواجهة خصوم داخليين. وفي فبراير/شباط 2020 وجد مهاتير نفسه معزولا.
مما دفعه لتقديم استقالته بشكل مفاجئ لملك البلاد، بعد أن بلغت الصراعات داخل الائتلاف الحاكم حول من يخلفه في المنصب ذروتها.
لتستمر البلاد بعدها في دوامة عدم الاستقرار السياسي لعدة أشهر، حينها لجأ الشعب الماليزي الذي ضاق ذرعاً إلى القصر الملكي، كما يقتضي الدستور الماليزي للبت في الخلاف السياسي المحتدم، الذي لم يشهده تاريخ ماليزيا بهذا الشكل من قبل.
وفي أعقاب استقالة رئيس وزراء ماليزيا الثامن، محيي الدين ياسين، الذي عُين من الملك بعد مهاتير محمد، عاد حزب UNMO للحكم تحت قيادة إسماعيل صبري يعقوب، بعد غياب استمر ما يقرب من 3 أعوام.
رغم ذلك لم تصل البلاد إلى استقرار سياسي، فمع حل البرلمان الآن، أصبح إسماعيل، الذي تولى السلطة في أغسطس 2021، أقصر رئيس وزراء خدمة في تاريخ ماليزيا، لينفتح الباب بذلك على انتخابات عامة تأمل الحكومة في أن تضع بدورها نهاية لحال من عدم الاستقرار السياسي.
ويجد حوالي 21.1 مليون شخص مؤهلون للتصويت، أنفسهم مدفوعين للتصويت المبكر وسط توقعات كبيرة للفيضانات شديدة الشهر المقبل بسبب موسم الرياح الموسمية، سائمين من الفساد المترسخ وارتفاع تكاليف المعيشة، ليتكرر نفس المشهد، بنفس اللاعبين، وكأن السنوات لم تمر، فهل يعود مهاتير محمد، أحد أكثر السياسيين خبرة حول العالم، للحكم من جديد؟
عن عمر يناهز الـ97 هل يعود مهاتير محمد مرة أخرى كما فعلها عام 2018؟
قال رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد، الذي يبلغ من العمر 97 عاماً، السبت، 24 سبتمبر/أيلول 2022، إنه مستعد لأن يصبح رئيساً للوزراء للمرة الثالثة، إذا لم يكن هناك مرشح آخر مناسب لتولي هذا المنصب.
حيث أوضح مهاتير محمد- رئيس تحالف "حركة الوطن"- خلال جلسة حوارية بمدينة بانغي، جنوب العاصمة كوالالمبور، أنه سيتولى منصب رئيس الوزراء الماليزي لمدة عام واحد فحسب، وليس لفترة الولاية بأكملها، حال اختياره للمنصب.
أضاف أنه إذا "كان الإصرار مستمراً من جانب أبناء الشعب على أن أتولى منصب رئيس الوزراء مجدداً، فسوف أجد صعوبة في أن أفكر في مصلحتي فقط، ومع ذلك إذا لم يكن هناك مرشحون مناسبون، واستمر الإصرار من المواطنين فسوف أقبل المنصب".
وقال مهاتير أيضاً، إنه سيدافع عن مقعده البرلماني في جزيرة لانكاوي، على الرغم من أنها ليست مسقط رأسه.
وحذّر من أن فوز حزب المنظمة الوطنية قد يؤدي إلى العفو عن رئيس الوزراء السابق السجين نجيب عبد الرزاق، وخروجه من مأزقه الحالي.
لكن ربما تقف حالته الصحية عائقاً أمام عودة للحكم، فبجانب تصريحه بأنه يفضل الراحة على الانخراط في سياسة البلاد بشكل مباشر، لمهاتير محمد تاريخ مع مرض القلب. وقد نجا الرجل من عدد من السكتات القلبية، فضلاً عن عدد من العمليات الجراحية. وخرج مهاتير محمد من المستشفى الشهر الماضي بعد أن أُصيب بعدوى كوفيد-19.
هل يتحالف مهاتير مرة أخرى مع أنور إبراهيم؟
أما بالنسبة للعائق السياسي فيتمثل في أنه إذا أراد الرجل الإطاحة بـ"UMNO" الحزب الحاكم والعودة للحكم، يجب عليه التحالف مع خصوم الأمس، ومن أبرزهم أنور إبراهيم.
بجانب ذلك، إذا أراد مهاتير محمد الإطاحة بـ"UMNO" الحزب الحاكم، فسيحتاج إلى التحالف مع خصوم الأمس كما فعل عام 2018. فهل ينجح بذلك ويبدأ مشواره السياسي الأخير؟
والذي يمثل زعيم المعارضة حالياً، والذي يبدو أنه متفائل بأن تحالفه يمتلك القدرة على تحقق أغلبية بسيطة في الانتخابات المقبلة، وصرح بأن معسكره مفتوح للعمل مع أحزاب المعارضة الأخرى، بما في ذلك حزب مهاتير، معلناً احتمالية قبوله التحالف مع عجوز ماليزيا لمرة أخرى.
كان أنور ذات يوم من كبار الشخصيات في حزب UMNO، وله تاريخ طويل في صفوف المعارضة منذ عزلة عام 1998 بعد خلاف مع مهاتير على كيفية حماية الاقتصاد من الأزمة المالية الآسيوية.
وبعد أن أمضى إجمالاً 10 سنوات في السجن، أعلن زعيم التيار الإسلامي بقيادة تحالف "باكاتان هارابان" (تحالف الأمل) ، استعداده لخوض الانتخابات والإطاحة بالحزب الحاكم.
لكن لا يعتقد أن الطريق سيكون يسير، فبرغم من أن الحزب الحاكم تضرّرت سمعته من جراء ارتباطه بفضيحة الصندوق السيادي، فإنه بقيادته لائتلاف الجبهة الوطنية "باريسان ناسيونال" (Barisan Nasional) حقق انتصارات ساحقة في الانتخابات المحلية في عدة ولايات، مما يعزز موقعه قبل الانتخابات الوطنية المرتقبة العام المقبل.
ويحقق التكتل النافذ انتصارات منذ انهارت الحكومة الإصلاحية برئاسة مهاتير محمد مطلع عام 2020، جرّاء خلافات داخلية.
يخشى مراقبون عودة هذا الحزب إلى السلطة. فهو سيسعى إلى إطلاق سراح نجيب رزاق وقطع الطريق على ملاحقات بشبهة الفساد تطال أعضاء آخرين كثراً في التنظيم. ومن بين الملاحقين قضائياً في البلاد رئيس حزب UMNO، أحمد زاهد حميدي.
وقد رأى كثير من المحللين السياسيين -خاصة المحسوبين على المعارضة- أن الانتخابات المبكرة تصب في خدمة المتهمين بقضايا فساد، أملا في تغيير المعادلة السياسية، وإمكانية تغيير المدعي العام الذي يملك إسقاط القضايا في المحاكم، علماً بأن المدعي وفق النظام القضائي يعمل وفق توصيات الحكومة.
كما كان أداء تحالف أنور سيّئاً في انتخابات ولايتين في العام الماضي، حيث خسر العديد من المقاعد لمصلحة ائتلاف "باريسان ناسيونال" وحلفائه.
لذلك، يبدو أن الانتخابات لن تقود إلا نحو مزيد من التشرذم.