يقول الروائي الألماني إريش ماريا ريمارك، في روايته "ليلة لشبونة"، التي تدور أحداثها في أعقاب الحرب العالمية الأولى: "لأن التعاسة في الحياة أكثر بكثير من السعادة؛ لذا فعدم أبديتها رحمة كبيرة"، وكذلك الأسلحة والصواريخ ليست أبدية وبلا نهاية.
فبعد أن مر أكثر من 200 يوم من الحرب في أوكرانيا، وفي ظل تراجع القوات الروسية في ساحة الحرب، يبدو أن موسكو تعاني من نقص في الأسلحة الدقيقة، فقد كشفت تقارير استخباراتية بريطانية عن نفاد "الصواريخ الروسية" الدقيقة، ما دفع موسكو لتستخدم ترسانتها من الأسلحة القديمة.
وقد ذكرت وزارة الدفاع البريطانية أن القوات الروسية استخدمت على الأرجح عشرات من صواريخ كي إتش-22 المضادة للسفن من حقبة الستينيات كجزء من هجماتها.
في نهاية أبريل/نيسان صرحت نائبة وزير الدفاع الأوكراني حنا ماليار، بأن موسكو قد قصفت بلادها بما لا يقل عن 1300 صاروخ، منذ بدء الغزو في فبراير/شباط الماضي، وقدرت أن موسكو قد تكون استخدمت بعد ذلك ما يقرب من نصف مخزونها الصاروخي.
وبينما يمكن أن تؤخذ مثل هذه الأخبار والتصريحات كشائعات ترويجية لرفع معنويات الجمهور الغربي، وإثارة القلق في الجبهة الروسية، يرى عدد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين أن القصف الصاروخي الذي شنته على العاصمة كييف رداً على تفجيرها جسر القرم، ربما يؤكد تلك المزاعم، حيث إن حجم القصف وطريقة تنفيذه كشفا عن معاناة موسكو فيما يتعلق بتجديد مخزونها من السلاح، وخصوصاً الصواريخ.
فقد وجّهت القوات الروسية 84 صاروخاً نحو 29 موقعاً للبنية التحتية، اعترضت منها القوات الأوكرانية 43، وبحسب مجلة فوربس كلف ذلك القصف الخزينة الروسية ما بين 400 إلى 700 مليون دولار، مشيرة إلى أن معظم الصواريخ التي أطلقتها روسيا كانت باهظة الثمن وعالية الدقة، من طراز Kh-101 وS-300 وTornado-S.
وقد ذكرت المجلة أيضاً أنه في خلال شهر يونيو/حزيران، تحديداً يوم 25 و26، أطلقت موسكو ما بين ما بين 60 و80 صاروخاً، قد كلفتها ما بين 150 و200 مليون دولار.
فوفقاً لموقع The War zone، أفادت عدة تقارير بأن المخزون الروسي من الصواريخ الموجهة الدقيقة قد ينفد، في ظل محدودية قدراتها الإنتاجية وسط العقوبات الغربية.
في نفس الإطار أيضاً تشير تقارير إلى أنه خلال الفترة السابقة قد استعان الروس بمنظومة إس-300، والتي هي أصلاً صواريخ أرض-جو، تم استخدامها في العمليات البرية وقصف الأهداف البرية، ما يُرجح الرواية بأن روسيا تعاني من نفاد الصواريخ فيما يخص عملياتها داخل أوكرانيا.
هل استنفدت موسكو فعلاً مخزونها من الصواريخ؟
يصعب الجزم بذلك، فروسيا دولة منتجة للأسلحة، وتملك ترسانة عسكرية صاروخية منذ سباق التسليح في زمن الحرب الباردة والحروب الاستراتيجية التقليدية، بالإضافة إلى أن تصنيع السلاح بيد القطاع الخاص، أي استثمار كبير لكنه تحت إدارة الدولة.
في المقابل أيضاً تُعزز المؤشرات والتحركات العسكرية لروسيا كفة الرواية الغربية، فقد سحبت موسكو منظومة إس-300 من سوريا لتستعين بها في الحرب على أوكرانيا؛ ما يؤكد وجود إشكالية في حسابات الروس العسكرية.
وقد نقلت صحيفة Washington Post الأمريكية، عن مسؤولين غربيين، قولهم إن إيران تخطط لإرسال صواريخ وطائرات مسيرة إلى روسيا لحرب أوكرانيا، بناء على طلب من موسكو.
وقد تأكد في وقت سابق أن الروس قد استخدموا المسيرات الإيرانية شاهد-136 في ساحة المعركة، خلال شهرأغسطس/آب، في شمال شرقي أوكرانيا.
ولكن الجديد أنه وفقاً لمسؤولين أمنيين أمريكيين وآخرين من دول حليفة لواشنطن، وافقت إيران سراً على إرسال ليس فقط طائرات بدون طيار هجومية، ولكن أيضاً ما وصفه بعض المسؤولين بأنه أول صواريخ أرض-أرض إيرانية الصنع، مخصصة للاستخدام في أوكرانيا، ما قد يشير إلى أن العقوبات المفروضة عليها ربما تكون أثرت بشكل جزئي على التزود بالتقنيات المستخدمة في إنتاج الصواريخ.
هذا عن الروس.. فماذا عن الغرب، هل كل شيء هادئ على الجبهة الغربية؟
لا يبدو أن ذخيرة المعسكر الغربي أفضل حالاً، فقبل شهرين أفادت صحيفة Financial Times البريطانية بأن أمريكا والدول الغربية تعاني نقصاً في الأسلحة، قد يؤثر على قدرة الغرب على إمداد أوكرانيا باحتياجاتها من السلاح في حربها ضد روسيا.
وذكرت الصحيفة أنه خلال مايو/أيار الماضي، أمرت الإدارة الأمريكية في واشنطن بصنع 1300 صاروخ من نوع "ستينغر" المضاد للطائرات، لتحل محل تلك التي أرسلتها إلى أوكرانيا، لكن الرئيس التنفيذي لشركة (Raytheon) للدفاع التي تعمل على صنع تلك الصواريخ رد بالقول إن صنعها سوف يستغرق بعض الوقت.
وفي مقالة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي CSIS، تمت الإشارة إلى أنه رغم أن المساعدات العسكرية الممنوحة لأوكرانيا صغيرة نسبياً، مقارنة بالمخزونات الأمريكية وقدرات الإنتاج، فإن بعض المخزونات الأمريكية من الأسلحة قد وصلت إلى الحد الأدنى من المستويات المطلوبة لخطة الحرب والتدريب.
لأن الولايات المتحدة بحاجة إلى أنظمة كافية لتجهيز الوحدات التشغيلية، ومقدار من خطوط أنابيب الصيانة ومنظمات التدريب، ما يوضح مخاوف الولايات المتحدة من اضطرارها للجوء للمخزون الاستراتيجي.
أما بالنسبة لزيادة الإنتاج، فقد أوضحت دراسة أخرى لنفس المركز أن قدرة القاعدة الصناعية الدفاعية على استبدال المخزونات في حالات الطوارئ ستستغرق سنوات عديدة لمعظم العناصر، ما يجعل الولايات المتحدة تعيد التفكير في استخدامها للمخزون الاستراتيجي، وخصوصاً في خضم منافستها للصين.
ويقال إن الولايات المتحدة قدمت حوالي ثلث مخزونها لأوكرانيا، وظهرت تقارير تفيد بأن الجيش أثار مخاوف بشأن وجود ما يكفي لنزاعات أخرى.
وقال وزير الدفاع البريطاني بن والاس، إن الدول الغربية ستعاني إذا شنت حرباً طويلة الأمد مثل الحرب الروسية على أوكرانيا، لأن مخزونات الذخيرة لديها "غير كافية مقابل التهديدات التي نواجهها".
فعلى سبيل المثال، صواريخ MLRS التي تطلبها أوكرانيا، تمتلك الولايات المتحدة منها مخزوناً يُقدر بحوالي 25.000 إلى 30.000 صاروخ حتى الآن، وإذا أرسلت الولايات المتحدة ثلث هذا المخزون إلى أوكرانيا (كما كان الحال مع جافلين وستنجر)، فستتلقى أوكرانيا ما بين 8000 إلى 10000 صاروخ، ومن المحتمل أن يستمر هذا المخزون عدة أشهر فقط، ولكن عندما يتم استنفاد المخزون لا توجد بدائل.
ومثل هذه الصواريخ يحتاج إنتاج الـ5000 منها سنة كاملة.
رغم ذلك، تعهد الرئيس الأمريكي بايدن لنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتزويد بلاده بأنظمة دفاع جوي متطورة. توقعت أغلب التقارير أنها ستكون نظام الدفاع الجوي NASAMS (نظام صاروخي أرض-جو نرويجي متقدم)، يُزعم أنه فعال ضد الطائرات المقاتلة والصواريخ على المدى الطويل، لكن ربما سيستغرق تسليمها بعض الوقت.
ونقلت وكالة "بلومبرغ" Bloomberg الأمريكية عن مصادر مطلعة، أن مخزونات بعض الدول الأوروبية التي أرسلت أسلحة لأوكرانيا بدأت في النفاد، حيث نفدت ذخيرة المملكة المتحدة بعد 8 أيام، في تدريب عسكري يحاكي الحرب، العام الماضي.
كما أسهمت باريس بإرسال 18 مدفعاً من نوع "هاوتزر قيصر" إلى أوكرانيا، وهو ما يشكل ربع إجمالي مخزونها من هذا النوع من المدفعية، علماً أن الشركة الفرنسية المصنعة لها "نيكستر" (Nexter) ستحتاج نحو 18 شهراً لصنع مدافع جديدة.
يرى العديد من المحللين في مجال الدفاع، أن هوس أوروبا وواشنطن بالأسلحة العالية التقنية، والتصنيع الخالي من الهدر، قد حجب أهمية الحفاظ على مخزون استراتيجي قوي من المعدات الأساسية.