رغم أنها وريثة للطبقة السياسية التي حكمت لبنان لعقود، فإن ترايسي شمعون، معلمة يوغا سابقة، ترى أنها قادرة على إصلاح النظام السياسي المهترئ للبنان، لذا قررت الترشح لرئاسة لبنان.
والدتها عارضة أزياء أسترالية، ووالدها زعيم ميليشيا لبناني راحل، هو داني شمعون، وجدها رئيس سابق.
لم تعمل قط بالسياسة، إلا أنها كادت تفقد عيناها من قبل في خضم الحرب الأهلية اللبنانية، وسبق أن تدرّبت ضمن ميليشيات والدها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
اغتيل أخواها ووالدها داني شمعون، السياسي وزعيم الميليشيا، خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وتعرّضت إبَّان ذلك للقصف في 4 منازل سكنتها ببيروت، وهي لم تكد تتجاوز سنوات المراهقة، وأوشكت أن تفقد إحدى عينيها في هجوم بقذيفة صاروخية، وتدرّبت مدةً وجيزة في معسكر للميليشيات. أما جدها كميل شمعون، رئيس لبنان الأسبق، الملقب بـ"النمر"، فقد نجا بصعوبة من أكثر من محاولة اغتيال.
مع ذلك، لم تكن حياتها كلها مخاطر، فقد تيسرت لها عيشة مريحة في الولايات المتحدة، وعملت هناك في مجال التسويق، وكتبت بضعة كتب وعلَّمت اليوغا، ثم عادت للانضمام إلى "مسلك العائلة في الاشتغال بالسياسة" في بلد على وشك الانهيار.
ترايسي شمعون تحتاج إلى إبرام صفقات مع قادة البلاد للوصول للرئاسة
تبلغ ترايسي من العمر 61 عاماً، وهي تأمل أن تصبح أول رئيسة للبنان. غير أن القيام بذلك يستلزم تأمين المساندة لها من النخبة السياسية في البلاد، ويصعِّب ذلك انتقاداتها اللاذعة لهم من قبل لعدم كفايتهم ونعتهم بالفشل. ويتعين عليها أيضاً أن تجد سبيلاً لتقبُّل انتمائها إلى هذه النخبة.
وقالت ترايسي، في حديث مع مراسلة صحيفة The Times، التي التقتها في مطعمٍ بمدينة بيروت: "لقد اشتدت حالنا بؤساً في لبنان. علينا التوقف عن التلاوم، وأن نتكفل بالمسؤولية الواقعة علينا".
يتولى البرلمان عملية اختيار الرئيس في لبنان، ويستند الأمر إلى صفقات سرية تُجريها الجهات السياسية بالبلاد في أروقة السلطة. لكن ترايسي شمعون أعلنت عن ترشحها وبدأت في الحديث صراحة عن الخطط الإصلاحية لسياستها.
قال كريم بيطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القديس يوسف في بيروت، "أعجبني ذلك، لأن كل شيء يجري عادةً خلف الأبواب المغلقة، وتحت أعين الأطراف الخارجية، أما الرأي العام اللبناني فلا يعبأ أحد به. لذلك أرى أنها اتخذت موقفاً شجاعاً".
وقال سامي عطا الله، مدير مركز "مبادرة سياسات الغد" The Policy Initiative في بيروت، إن "اختيار الرئيس في لبنان أمر لا يتعلق ببرنامج المرشح ولا أفكاره ومدى صلاحيتها، فمن المحزن أن اختيار الرئيس في البلاد ينتج عن مساومة بين الأحزاب السياسية التي تتفاوض للتوصل إلى اتفاق مشترك من نوعٍ ما".
وفي ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد، سوف يزداد دور المجتمع الدولي ولا سيما أوروبا وأمريكا في قرار اختيار الرئيس، حيث يمكن أن تلوح هذه الدولة بالمعونة الاقتصادية كأداة للضغط على قادة البلاد لاختيار المرشح أو المرشحة المدفوع من الغرب,
استقالت من منصبها كسفيرة للبنان في الأردن بعد انفجار مرفأ بيروت
نالت ترايسي شمعون حظاً من اهتمام الجمهور بعدما تخلت عن منصبها الدبلوماسي في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، حين كانت سفيرة لبنان في الأردن.
وقالت شمعون: "كان الانفجار تجسيداً للخلل القائم في عمل الدولة، وما اتسمت به من فوضى شاملة، واستخفاف شديد بأرواح الناس. وقد كان الأمر أشبه بالقشة الأخيرة لي… فقررت أنه لا يجوز لي أن أمثل حكومة ارتكبت جريمة كهذه بحق الشعب".
يشير مراقبون إلى أن كثيرين في المؤسسة السياسية اللبنانية ينقمون على ترايسي قرار استقالتها من منصبها الدبلوماسي، ومن المتوقع أن يكون هذا القرار عثرة في طريق وصولها إلى منصب الرئاسة، رغم أنه أكسبها شهرة.
وتشهد البلاد أزمة اقتصادية شديدة الوطأة، ويعاني آلاف الأطفال نقص الغذاء كل يوم، وقد تجاوز التضخم نسبة 200%، وانهارت العملة. تقول الأمم المتحدة إن نحو 80% من السكان يعيشون في فقر، والدولة عاجزة عن توفير الكهرباء والماء لمعظم الناس إلا بضع ساعات في اليوم.
ترى ترايسي شمعون أن الأمور كان من الممكن تداركها قبل أن تبلغ هذا الحد من السوء، وقالت: "كان من الممكن لنا أن نكون أكثر إنتاجاً، وأن تكون العوائد أكبر من التكاليف، وأن نحصل على الكهرباء على مدار اليوم. لكننا عاجزين عن ذلك، لأن هناك قرارات اتُّخذت لخدمة أسباب معينة، لم يربح منها إلا [أشخاص في السلطة]".
وتنتهي ولاية الرئيس الحالي للبنان، ميشال عون، في 31 أكتوبر/تشرين الأول. ويتعيَّن على ترايسي شمعون أن تحصل على تأييد ثلثي أعضاء البرلمان لتُختار خليفة له في المنصب، إلا أن هذه الغاية تبدو بعيدة المنال منها. فقد احتاج عون نفسه إلى عامين بعد انتهاء ولاية سلفه لكي يحسم وصوله إلى منصب الرئاسة.
والدتها الشقراء كانت تسبب ضجة في بيروت
منذ استقلال لبنان عن فرنسا عام 1943، كانت عائلة شمعون من أقوى العائلات المسيحية في البلاد. ولطالما كان والد ترايسي وجدها من أبرز الوجوه السياسية في لبنان، أما والدتها باتي مورغان شمعون، فكانت حسناء شقراء الشعر تقدم برنامج منافسات الرقص Come Dancing على شبكة BBC، وقد التقت داني شمعون، نجل الرئيس آنذاك والزعيم الناشئ، أثناء مشاركتها مع الفريق الوطني البريطاني في مسابقة للتزلج على الماء غرب لندن، ثم أصبحت زوجته الأولى.
بعدما انتقل الزوجان إلى بيروت عام 1958، كانت باتي شمعون تذهب إلى السوق بسيارتها المكشوفة من طراز ألفا روميو سبايدر، ما تسبب في ضجة كبيرة آنذاك واستدعى التنبيه من الرئيس بنفسه.
تروي ترايسي شمعون: "كان الناس يقولون للرئيس: زوجة ابنك أثارت سخط الناس وتمردهم، فكان يضطر إلى إرسال حشد من الحراس لحمايتها في الخارج، وكان يتبرم من أن لديها حراساً أكثر منه".
تدربت على السلاح وتعرّضت لهجوم من ميليشيات مسيحية منافسة
نشأت ترايسي شمعون في منطقة الأغلبية المسيحية شرقي بيروت. واندلعت الحرب الأهلية وهي في الـ14 من عمرها. كان منزل العائلة يقع على الخط الفاصل بين شرق المدينة وغربها، وتعرّض المنزل للقصف أكثر من مرة، فاضطرت الأسرة للتنقل باستمرار. ولما اشتدت مخاطر الحرب، سمح لها والدها بالتدرب على استخدام السلاح مع أفراد الميليشيات التابعة له، حتى تتمكن من حماية نفسها ووالدتها إذا استدعى الأمر ذلك.
بعد عامين من الحرب، أرسلتها عائلتها إلى لندن، ودرست في مدرسة "سانت بول" للبنات في منطقة هامرسميث غربي لندن، فأجادت القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية، ثم استكملت دراستها في كلية غولدسميث، التابعة لجامعة لندن، وعاشت في غرفة مستأجرة بإيجار بلغ 12 جنيهاً إسترلينياً في الشهر.
كانت في بيروت عام 1980 عندما تعرّضت وأسرتها وأنصارهم لهجوم من ميليشيا مسيحية منافسة، فقد اقتحم المقاتلون منزلهم وهددوها، ثم تمكنت من الفرار مختبئة تحت البطانيات في سيارة، وذهبت للتنديد بالهجوم عبر محطات الراديو.
تصاعدت التهديدات لها، ومن ثم أرسلها أهلها إلى المنفى، وظلت زياراتها إلى لبنان متقطعة، ولم تعد للإقامة الدائمة فيها إلا عام 2012، ثم عيَّنها الرئيس سفيرة للبلاد في الأردن عام 2017.
تحاول تقديم نفسها كامرأة عصامية
تحاول ترايسي أن تقدم نفسها كامرأة عصامية، وليست مجرد سياسية بالوراثة كأغلب ساسة لبنان.
فمع أن ترايسي جزء من مؤسسة الحاكمة في لبنان، بحكم العائلة التي تنتمي إليها وعملها سفيرة للبلاد، فإنها تزعم أنها لم تتوقع أن تتولى دوراً قيادياً ذات يوم، "فقد وُلدت امرأة في مجتمع وثقافة أبوية للغاية، خاصة الثقافة السياسية. لذلك لم يكن في الأمر تمهيد لوراثةٍ ما لقاعدة السلطة… كل ما احتجت إلى القيام به، كان عليَّ أن أفعله بنفسي".
ربما تجتذب دعوات ترايسي إلى العدالة والتغيير بعض اللبنانيين، إلا أنه من غير الواضح كيف تخطط لإقناع النخبة السياسية بالموافقة على خطط من شأنها أن تحول بينهم وبين الاستمرار في إثراء أنفسهم على حساب مواطني البلاد.
قالت ترايسي: "أنا لم أرشح نفسي ملوحةً بالسيف، ولا مهددة بقطع الرؤوس، أنا أقول دعونا نغير نموذج الحكم القائم، دعونا نحاول تسيير الأمور تسييراً مختلفاً، دعونا نحاول الاجتهاد لتحسين الأمور. لبنان بلد صغير، وإذا غيَّرنا الأساسيات الراسخة للأمور، وبدَّلنا طريقة تعامل بعضنا مع بعض، وجلبنا أشخاصاً منتجين وإيجابيين، يمكن أن تتغير الأحوال".
على النقيض من ذلك، يرى كثير من اللبنانيين أن تسوية الأمور في البلاد قد فات أوانها، فهم ساخطون على زعماء السياسة في البلاد، ويريدون التخلص منهم جميعاً، ويرى شاب لبناني مهتم بالسياسة أن ترايسي "جزء من النظام، ومن ثم فهي لن تقدم على تغييره".
الغرب يتجاهل في حديثه عنها دور والدها في مجزرة تل الزعتر
المجلة البريطانية وغيرها من وسائل الإعلام الغربية التي تقدم ترايسي شمعون كمرشحة للرئاسة قادرة على إصلاح البلاد، تتجاهل دور والدها في مجزرة تل الزعتر ضد اللاجئين الفلسطينيين عام 1976، حيث كان قائداً لميلشيات النمور التي قامت بالدور الرئيسي في المجزرة التي نفذت بالتعاون مع نظام حافظ الأسد.
في شهر يناير/كانون الثاني عام 1976، وإبان الحرب الأهلية اللبنانية بدأ الحصار الفعلي لمخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين من الميليشيات اليمينية المسيحية المتطرفة، ومساعدة من قوات نظام الأسد، إلى أن بدأ هجوم واسع لميليشيا "النمور" التابعة لكميل شمعون، في 20 يونيو/حزيران على المخيم وعلى التجمعين المجاورين له، جسر الباشا والنبعة، وانضم للمهاجمين أيضاً في تلك المذبحة بجانب "نمور الأحرار وزعيمها كميل شمعون"، كل من "الكتائب اللبنانية" بزعامة بيير الجميل، و"حراس الأرز" وزعيمها إتيان صقر أبو أرز و"الشبيبة اللبنانية"، حيث بدأت القذائف والصواريخ تمطر المخيم بلا انقطاع من بزوغ الفجر إلى المغيب وعلى مدى 52 يوماً متتالية، حيث يُقدر عدد القذائف التي سقطت على مخيم تل الزعتر بحوالي 55000 قذيفة.
وتمكنت المليشيات اليمينية المسيحية من دخول المخيم وارتكبت فيه فظائع وجرائم وحشية، من قتل وذبح للمدنيين العزل من الشيوخ والنساء والأطفال الذين فاق عددهم 4000 شخص، فيما تعرض عدد كبير من النساء للاغتصاب وبقرت بطون الحوامل، وسلبت الأموال، وهدمت المنازل وسويت بالأرض.