عدم مشاركة رسائل "الصين الواحدة" على حسابهم الشخصي على منصة "ويبو" قد يكون بداية النهاية للفنانين والرياضيين والمشاهير بشكل عام، فنظام الرئيس شي جين بينغ لا يتهاون ولا يقبل "الحياد" في قضية تايوان تحديداً.
وتتعامل الصين مع ملف تايوان وحتمية إعادة الجزيرة ذات الاستقلال الذاتي إلى حضن بر الصين الرئيسي بمنتهى الحزم، ولا يتوقف ذلك عند حدود الصراع الخارجي مع الولايات المتحدة، لكنه يمتد أيضاً إلى الداخل الصيني وضرورة اصطفاف الجميع خلف هذا الهدف.
وتناول تقرير لموقع Salon الأمريكي، أعده جينغسونغ جاو، أستاذ مشارك في الدراسات الصينية بجامعة ريتشموند ودان تشين، أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بالجامعة نفسها، تفاصيل تعامل المشاهير الصينيين مع رسائل سياسة "الصين الواحدة" والتبعات التي يتعرض لها من لا يفعل ذلك.
تأثير زيارة بيلوسي لتايوان
كانت تطورات الأحداث الأخيرة، منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، إلى تايوان مطلع أغسطس/آب، قد أدت إلى ردة فعل غاضبة من المسؤولين في بكين، الذين اتهموا الولايات المتحدة بخرق تعهدها الممتد منذ عهد طويل بأن تلتزم بسياسة الصين الواحدة. لكنها شهدت كذلك تجدد الحملة الدعائية التي تستهدف نقل رسائل توحيد الصين إلى الشعبين الصيني والتايواني.
وبالتالي، أصبحت الحكومة الصينية تمتلك حليفاً جديداً في مساعيها المتعلقة بنشر سياستها الرسمية حول تايوان: إنهم المشاهير. وبوصفهما خبيرين في السياسات الثقافية الصينية، فقد لاحظ جاو وتشين مدى تسبب تسلسل الأحداث المثيرة للجدل للغاية، ليس فقط في تشكيل الديناميكيات الإقليمية، بل امتد هذا الأثر ليتغلغل إلى جنبات الثقافة الشعبية في الصين، حيث يُستخدم المشاهير لنشر رسائل الصين الواحدة إلى الجماهير وإلى متابعيهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
يشكل ذلك جزءاً من اتجاه بحثه، ويشكل أساس مقال منتظر سيُنشر في دورية China Quarterly حول الإشارات السياسية التي يبثها المشاهير الصينيون. يشير التحليل إلى أن 85% من أشهر 218 شخصية في الصين أعادوا نشر رسائل الحكومة على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي مرة واحدة على الأقل خلال مدة 6 أشهر رصدناها، وهي النصف الثاني من عام 2021.
ولبكين سجلها المقلق في التعامل الحاد مع رجال الأعمال الذين يوجهون أي انتقادات للنظام بشكل عام، وكان ما حدث مع مؤسس شركة علي بابا، جاك ما، دليلاً قوياً على عدم التسامح مع أي انتقادات توجه لسياسات الحزب الشيوعي، حيث تعرض أغنى رجال الصين وأكثرهم شهرة وقتها إلى غضب التنين، بعد أن وجه انتقادات للسياسات الاقتصادية في البلاد.
وفي مارس/آذار 2020، اختفى رجل أعمال بارز آخر هو رين تشي تشيانغ، بعد أن وصف الرئيس شي جين، بـ"المهرج" بسبب الطريقة التي تعامل بها مع أزمة فيروس كورونا. وقال أصدقاء رين إنهم لم يتمكنوا من الاتصال به، وبعد 6 أشهر، حكم عليه بالسجن 18 عاماً، بعد أن "اعترف طواعية" بارتكاب جرائم فساد متعددة. وفي عام 2017، اختطف الملياردير شيان جيان هوا من فندق بهونغ كونغ، ويقال إنه تحت الإقامة الجبرية منذ 3 سنوات، ولم يذكر مكانه رسمياً حتى الآن.
تأثير شبكة "ويبو" الصينية
ظاهرة توظيف المشاهير لحشد الدعم الشعبي لسياسات الحزب الشيوعي، وبخاصة بشأن تايوان، أصبحت أكثر وضوحاً ومباشرة خلال عام 2022، وشوهدت أكثر خلال زيارة نانسي بيلوسي وبعد الزيارة. ففي 2 أغسطس/آب، وهو اليوم الذي هبطت فيه طائرة بيلوسي في تايوان، نشر حساب قناة CCTV الصينية الحكومية على شبكة ويبو (Weibo) -وهي منصة تواصل اجتماعي صينية تشبه موقع تويتر- رسالة تقول: "ليس هناك إلا صين واحدة في العالم".
وفي غضون ساعات، بدأ المشاهير الصينيون في إعادة نشر الرسالة إلى شبكات متابعيهم الواسعة. تضمَّن هؤلاء المشاهير شي نا (المعروفة أيضاً باسم نانا)، مقدمة البرامج التلفزيونية المعروفة والممثلة التي تبلغ من العمر 41 عاماً ولديها 128 مليون متابع على شبكة ويبو، وجاكسون يي، المغني والراقص والممثل الذي يصنف بأنه رقم واحد في قائمة فوربس 2021 للمشاهير الصينيين. وبالمثل، أعاد مشاهير تايوانيون كذلك نشر رسالة، مثل جو تشن تشوان ونيكي وو، ولكن بعد يوم من نشر الرسالة الأصلية.
أشادت وسائل الإعلام الصينية والجمهور الصيني بالمشاهير الصينيين الذين أعادوا نشر الرسالة، على اتخاذهم موقفاً سياسياً واضحاً. ونقل مقال نُشر في صحيفة Global Times الصينية الشعبية المديح الذي كاله واحد من الجماهير على الإنترنت إلى المشاهير التايوانيين الذين أعادوا نشر رسالة الصين الواحدة، إذ قال: "أحسنتم! الجرأة على إظهار الدعم في هذه اللحظة لا بد أن تكون صادقة".
تمادت إحدى منصات أخبار المشاهير لدرجة أنها نشرت مقالاً يعرض قائمة تضم أكثر من 20 شخصية مشهورة تايوانية أعادت نشر رسالة "الصين الواحدة"، وامتدحتهم "للاضطلاع بمسؤولية التعبير عن الدعم السياسي".
عرض المقال كذلك قائمة تضم 11 شخصية تايوانية مشهورة لم تعِد نشر رسالة الصين الواحدة، مشيراً إلى أن المتابعين والجمهور سوف يحكمون عليهم استناداً إلى موقفهم هذا.
وبالفعل، استُدعيت أسماء المشاهير الذين لم يعيدوا نشر الرسالة بسبب صمتهم، مع مطالبة المتابعين بإظهار دعمهم للحكومة. كانت المغنية التايوانية المشهورة هيبي تيان، التي يتابعها 13 مليون متابع على شبكة ويبو، واحدة ممن استهدفتهم الجماهير الصينية الغاضبة ووسائل الإعلام بسبب عدم نشرها رسالة الصين الواحدة.
منشورات المشاهير أصبحت في خدمة السياسة
لا ينشط المشاهير الصينيون نشاطاً كبيراً دائماً على الصعيد السياسي عبر منصات التواصل الاجتماعي، في الأمور التي على شاكلة قضية تايوان. إذ إن الممثلين والمغنين والشخصيات التلفزيونية يستخدمون شبكة ويبو، التي بدأت في عام 2009 ولديها ما يقرب من 600 مليون مستخدم نشط شهرياً، يشاركون مقتطفات حول حياتهم الشخصية، والترويج لأعمالهم، وتسويق المنتجات التجارية، والتواصل مع متابعيهم. وحتى منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، نادراً ما انخرط هؤلاء في السياسة.
لكن منذ بداية الولاية الثانية للرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2017، يتزايد عدد المشاهير الذين يستخدمون حساباتهم لإعادة نشر الرسائل الحكومية الرسمية. ويَصدُق هذا بصفة خاصة خلال الاحتفالات السياسية السنوية المهمة، مثل إحياء ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي الصيني أو تأسيس جمهورية الصين الشعبية.
على سبيل المثال، في 1 يوليو/تموز 2021، أعادت الممثلة الصينية يانغ مي، التي يتابعها 112 مليون متابع على شبكة ويبو، اقتباساً نشره حساب قناة CCTV قاله الرئيس شي خلال إحياء مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني: "عندما يكون لدى شعب ما مُثلٌ عليا، فإن بلادهم سوف يكون لديها القوة، وأُمَّتُهم سوف يكون أمامها مستقبلٌ مشرقٌ".
تحظى هذه الرسائل التي يعيد المشاهير نشرها بتفاعل من مئات الآلاف من المستخدمين، ويتضمن هذا التفاعل إعادة النشر والتعليقات والإعجاب. يروج هذا التفاعل الرسائل الرسمية بنجاعة وينشرها إلى أعداد مضاعفة من شبكات التواصل الاجتماعي.
لدى حساب قناة CCTV على شبكة ويبو، التي نشرت رسالة الصين الواحدة تزامناً مع زيارة بيلوسي، 130 مليون متابع. أما الممثلة شي نا، أحد المشاهير البارزين المؤيدين للحكومة، فلديها وحدها 128 مليون متابع، وهي ليست إلا واحدة من عديدين أعادوا نشر رسالة القناة.
ويشير المقال القادم بعنوان "الإشارات السياسية للمشاهير الصينيين على شبكة ويبو" (Chinese Celebrities' Political Signaling on Weibo)، إلى أن المشاهير الصينيين بدأوا في إعادة نشر الرسائل الرسمية عندما صارت هذه الخطوة مهمة من أجل آفاق مسيرتهم المهنية.
مع النمو السريع المشهود في صناعة الترفيه خلال العقد الأول من القرن الحالي، بدأت الحكومة الصينية في استحداث سياسات واضحة لتنظيم ومراقبة المشاهير، ومنتجاتهم الثقافية، ومنصاتهم الإعلامية، ومجموعات الجمهور والروابط المهنية.
استدعاء "الفنانين الملوثين"
في عام 2014، أصدرت الإدارة الوطنية للصحافة والنشر والإذاعة والسينما والتلفزيون، مذكرةً تطالب جميع منصات البث بحظر "الفنانين الملوثين"، الذين يُقصد بهم الفنانون الذين تورطوا في سلوكيات غير قانونية أو تصرفات تعدها الحكومة إشكالية، مثل تعاطي المخدرات، والدعارة، والتهرب الضريبي، والدخول في علاقات خارج إطار الزواج، والانحراف السياسي. التصنيف الأخير يتضمن دعم استقلال هونغ كونغ أو تايوان.
منذ ذلك الحين، صار تعبير "الفنانين الملوثين" ضمن السياق الشعبي ويستخدمه الأشخاص على شبكة الإنترنت لانتقاد المشاهير.
وفي ظل إحكام السيطرة السياسية، تبنَّى المشاهير الصينيون ما وصفه الباحثان جيان شو ولينغ يانغ، بـ"الذاتية النيوليبرالية مع السمات الصينية". بعبارة أخرى، يرى المشاهير الصينيون أن إرضاء الدولة يجسد طريقة ناجعة للوصول إلى أي سوق.
إذ يحصل المشاهير الذين تؤيدهم الدولة على فرص فريدة للظهور في التلفزيون الرسمي، والمشاركة في بطولة الأفلام والمسلسلات التي ترعاها الدولة، ويضطلعون كذلك بأدوار سفراء الجهات الحكومية، ويحضرون المؤتمرات الوطنية المهمة.
ومن ثم فإن كل هذه الأمور تعد حوافز قوية أمام المشاهير تدفعهم للحرص على تلبية مطالب الدولة سعياً وراء إحراز تقدم على صعيد مسيرتهم المهنية، وشهرتهم، وثرواتهم. ومن الأهمية بمكان الإقرار أيضاً بأن بعض المشاهير ربما يدعمون الحكومة دعماً صادقاً ويريدون الترويج لسياساتها بإخلاص.
وفي كلتا الحالتين، فإن غالبية المشاهير على شبكة ويبو يرددون مواقف الحكومة، مثلما هو الحال مع رسالة الصين الواحدة. وقد وجد تحليلنا أن 15% فقط من أشهر 218 شخصية مشهورة في الصين -وهي قائمة جُمعت عن طريق استعراض قوائم فوربس السنوية لمشاهير الصين بين عامي 2004 و2020، بجانب نسب المتابعة على شبكة الإنترنت- قصَّروا في إعادة نشر الرسائل الحكومية كلياً خلال الأشهر الستة التي حللناها بين يونيو/حزيران ونوفمبر/تشرين الثاني 2021.
أما الآخرون الذين حرصوا على إعادة نشر رسائل الحكومة، فتراوحت أعداد هذه المشاركات بين مرة واحدة و33 مرة خلال الأشهر الستة.
وجد التحليل أن المشاهير الأصغر سناً الذين يتمتعون بقاعدة متابعين أكبر، يميلون إلى إعادة نشر الرسائل الرسمية. تتعارض هذه النتيجة مع الحكمة التقليدية التي تقول إن الأجيال الأصغر يميلون إلى أن يكونوا أكثر نقداً وتمرداً على الصعيد السياسي. وتتماشى كذلك مع دراسة حديثة للرأي العام الصيني وجدت أن الجيل المعاصر لولاية الرئيس شي -أي الجيل الذي بلغ سن الرشد في العقد الماضي- يكونون موجهين نحو السلطوية أكثر من الأجيال السابقة.
قد تحمل إعادة نشر رسائل الدولة الرسمية عن طريق المشاهير، تداعيات بعيدة المدى. فعندما تقع أحداث ذات حساسية سياسية، يذهب المواطنون الصينيون عادةً إلى حسابات المشاهير على شبكة ويبو ليتبينوا من مواقفهم. في قضية تايوان، يبدو أن تصاعد المشاعر الوطنية أثار المستخدمين لمراقبة المشاهير، وتوقعهم بأن هؤلاء المشاهير سوف يدعمون الحكومة الصينية.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولةً ذات سيادة، وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين تصرُّ على أنها ستستعيد الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر.
ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك، ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وتنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها مؤخراً، في ظل إرسال الجيش الصيني عدداً قياسياً من الطائرات الحربية بالقرب من الجزيرة، في استعراض للقوة لا يخفى على دول المنطقة الأخرى.
وفي هذا السياق، ينظر إلى إعادة نشر الرسائل الرسمية عن طريق المشاهير والمساعدة في تحويل الثقافة الشعبية على أنه أداة رئيسية يمكن للحكومة الصينية أن تستخدمها لإضفاء شرعية على مواقفها من القضايا الحساسة.