بطلها عمران خان وخصمه شهباز شريف.. من يقف وراء فضيحة التسريبات الصوتية في باكستان؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/06 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/06 الساعة 08:09 بتوقيت غرينتش
مع عدد من قادة الجيش عندما كان في الحكم/رويترز

تعيش باكستان على وقع تسريبات متتالية لمحادثات صوتية تخص رئيس الوزراء السابق، عمران خان، والحالي شهباز شريف، مما يثير تساؤلات حول من يقف وراء هذه الفضيحة؟

كان عمران خان، نجم الكريكيت البالغ من العمر 69 عاماً، قد انضم، في أبريل/نيسان الماضي، إلى قائمة طويلة من رؤساء الحكومات المنتخبين الذين أخفقوا في استكمال فتراتهم في المنصب، إذ لم يكمل أي رئيس وزراء منتخب لباكستان مدته الدستورية منذ استقلال البلاد عام 1947.

وتولى شهباز شريف المنصب بعد أن صوت البرلمان الباكستاني على سحب الثقة من خان، وسط تزايد حالة من الاستياء بين الكثير من الباكستانيين بسبب ارتفاع التضخم وعجز الموازنة والتصور بأن خان أخفق في الوفاء بوعوده الانتخابية باستئصال شأفة الفساد.

متى بدأت التسريبات في باكستان؟

ظهر التسريب الصوتي الأول الأربعاء 28 سبتمبر/أيلول الماضي، وفيه يسُمع صوت، يعتقد أنه صوت عمران خان، يقول: "علينا فقط أن "نلعب" بهذه الشفرة. ليس علينا تسمية أي دولة".

وفي التسجيلات، يبدو أن خان يخبر مسؤولي حركة إنصاف الباكستانية بالتعامل مع شفرة "تغيير النظام الأمريكي" الدبلوماسية بحساسية.

والإشارة هنا يقصد بها الاتهامات التي كان خان قد قدمها للولايات المتحدة بأنها تقف وراء مؤامرة هدفها الإطاحة به من منصبه؛ إذ على مدى الأسابيع السابقة على سحب الثقة من خان، كان رئيس الوزراء السابق يتحدث علناً عن وجود مؤامرة أمريكية هدفها الإطاحة به من منصبه، ووصف التحرك البرلماني لعزله بأنه محاولة لتغيير النظام بدعم من الولايات المتحدة.

ووقتها، قال خان نصاً لمجموعة من الصحفيين الأجانب: "التحرك للإطاحة بي هو تدخل سافر من الولايات المتحدة في السياسة الداخلية"، مضيفاً أن إسلام آباد قدمت مذكرة احتجاج إلى السفارة الأمريكية بشأن ما وصفه بمؤامرة أجنبية للإطاحة به من السلطة.

ومن وجهة نظر خان، بدأت مؤامرة بتمويل أجنبي لدعم الإطاحة به بعد أن زار موسكو في فبراير/شباط الماضي، والتقى خلال الزيارة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه روسيا بأنه عملية عسكرية خاصة ويصفه الغرب بأنه غزو غير مبرر.

رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف/رويترز

وفي أبريل/نيسان، ادعى خان أنه يمتلك "رسالة" تثبت تورط واشنطن في محاولة للإطاحة به من السلطة. واتهم خان، الذي استبعده البرلمان بالتصويت، الولايات المتحدة بمعاقبته لاتِّباعه "سياسة خارجية مستقلة".

وعلى الفور، أمر رئيس الوزراء الباكستاني الحالي شهباز شريف بإجراء تحقيق في المحادثات الصوتية المسربة التي يُزعم أنها بين عمران خان ومساعديه، واصفاً إياها بأنها تشكل خطراً على الأمن القومي.

حكومة شريف تؤكد أن ادعاء خان بـ "المؤامرة الأجنبية" هو مجرد محاولة لإثارة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في باكستان وتحويل انتباه الناس عن "عدم كفاءته" الشديدة خلال فترة حكمه التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة.

لكن خلال أيام قليلة، بدأت تظهر تسريبات صوتية تخص شهباز شريف نفسه، مما يثير التساؤلات بشأن الجهة التي تقف وراء فضيحة التسريبات المستمرة، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية؟، عنوانه "كيف أدت فضيحة "التسريبات الصوتية" إلى تشويه سمعة السياسيين؟".

عمران خان ليس الضحية الوحيدة للفضيحة!

إذ أبرزت التسجيلات المسربة أيضاً صوت رئيس الوزراء الحالي، وفي أحد المقاطع، يمكن سماع شريف، على ما يبدو، يتحدث عن تخصيص مشروع طاقة لأحد أقاربه، وفي مقطع آخر، يُزعم أن ابنة أخته، مريم نواز، تطلب منه إلغاء مشروع للصحة العامة أطلقته الحكومة السابقة.

وفي ظل الخصومة السياسية المشتعلة بين شريف وخان، من الطبيعي أن يتبادل كل منهما اللوم بشأن المسؤولية عن تلك التسريبات الصوتية، إلا أن محللين قالوا للشبكة الألمانية إنهما أساءا بنفس القدر إلى مصداقية كل من المعارضة والحكومة.

هناك تصور بين الجمهور الباكستاني أن السياسيين مهتمون فقط بالحصول على السلطة بطرقٍ احتيالية، ولتحقيق ذلك يمكنهم الذهاب إلى أي مدى. وفضيحة "التسريبات الصوتية" عززت هذه الفكرة بصورة أو بأخرى.

يعتقد توصيف أحمد خان، المحلل السياسي المقيم في كراتشي، أن التسريبات هي محاولة لإظهار السياسيين في صورة سيئة. وقال لشبكة DW الألمانية: "إنهم يعززون فكرة أن جميع السياسيين فاسدون وأنانيون وغير أكفاء". 

لكن بعض المحللين يرون أن التسريبات الصوتية تبدو وكأنها مخطط لتشويه صورة السياسيين بشكل عام.

يعتقد جمشيد إقبال شيما، المسؤول في حركة إنصاف الباكستانية، أن التسريبات من عمل أولئك الذين "يخشون شعبية القادة المنتخبين". وأضاف: "إنهم لا يريدون سياسياً محبوباً في باكستان".

ففي عام 2018 تمكن أسطورة الكريكيت عمران خان، الذي قاد باكستان لفوزها الوحيد بكأس العالم عام 1992، من حشد بلاده وراء رؤيته لبلد مزدهر خالٍ من الفساد ويحظى بالاحترام على الساحة الدولية. لكن شهرته الواسعة على المستوى القومي وما يتمتع به من كاريزما كل ذلك لم يكن كافياً لإبقائه على قمة السلطة.

مسيرة حاشدة نظمها رئيس الوزراء السابق إلى إسلام أباد/Getty Images

وبمجرد وصوله إلى السلطة، شرع خان في خطته لبناء دولة "رفاهة" على غرار ما قال إنه نظام مثالي يعود تاريخه إلى العصور الأولى للعالم الإسلامي قبل حوالي 14 قرناً.

وعيَّنت حكومته عدداً من المسؤولين في مناصب رئيسية على أساس المؤهلات وليس المصالح السياسية، وسعت إلى إصلاح التوظيف في الجهاز الحكومي ونظام الخدمة المدنية.

وشملت الإجراءات الأخرى التيسير على المواطنين في تقديم الشكاوى وإدخال الرعاية الصحية الشاملة للفقراء في مقاطعة واحدة مع خطط لتوسيع البرنامج على الصعيد الوطني. وبدأت الحكومة أيضاً مشروعاً لزراعة عشرة مليارات شجرة لمواجهة عمليات إزالة الغابات على مدى عقود سابقة.

ولدعم الاقتصاد المُصاب بالشلل، أجرى خان تحولاً كبيراً في السياسة وحصل على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي لباكستان ووضع أهدافاً طموحة، وإن لم تتحقق، لتوسيع نطاق تحصيل الضرائب. لكن حملته لمكافحة الفساد تعرَّضت لانتقادات شديدة باعتبارها أداة لتهميش المعارضين السياسيين الذين سُجن الكثير منهم بتهمة الكسب غير المشروع.

هل يقف الجيش الباكستاني وراء فضيحة التسريبات؟

يزعم البعض أن الجيش القوي في البلاد يقف وراء حملة "التسريبات الصوتية". وقالت بشرى جوهر، المشرعة السابقة والمنتقدة للجيش الباكستاني، إن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التنصت على هواتف السياسيين.

وأضافت: "لقد أثرت موضوع التنصت غير القانوني على هواتف السياسيين في البرلمان"، زاعمة أن التسجيلات السرية تستخدم من قبل وكالات الاستخبارات لابتزاز السياسيين وإضعاف الحكومات المدنية.

كما تعرض خان لانتقادات حادة بزعم أنه يخضع لسطوة المؤسسة العسكرية القوية، إذ حافظ الجنرالات في باكستان، خلال رئاسته للحكومة، على قوة نفوذهم وتم تكليف ضباط عسكريين من المتقاعدين والعاملين بتولي مسؤولية ما يزيد على 12 مؤسسة مدنية.

لكن أثناء التحرك للإطاحة بنجم الكريكيت، قال الجيش، الذي له دور كبير في باكستان وحكم البلاد لما يقرب من نصف تاريخها ويسيطر على بعض أكبر المؤسسات الاقتصادية، إنه ما زال يلتزم الحياد في مجال السياسة، بحسب تقرير لرويترز.

جنود من الجيش الباكستاني/رويترز

وفي تجمع حاشد خلال مارس/آذار الماضي، وبينما كان خان يقاتل من أجل مستقبله السياسي، اعتبر كثيرون أنه كان يشير إلى هذا الدور عندما قال: "الحيوانات فقط هي التي تبقى على الحياد". وقال زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق شهيد خاقان عباسي إن "الجيش لا يريد أن يظهر في صورة الداعم له ثم يتحمل اللوم على إخفاقاته.. لقد سحبوا دعمهم له".

كان قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا قد قال في ذلك الوقت إن بلاده تسعى لتوسيع علاقاتها مع واشنطن، وأضاف في مؤتمر أمني في إسلام آباد: "نشترك في تاريخ طويل من العلاقات الممتازة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة التي تظل أكبر سوق تصدير لنا"، كما أشار إلى العلاقات الدبلوماسية والتجارية الوثيقة مع الصين الحليف القديم لباكستان، "نسعى لتوسيع علاقاتنا مع كلا البلدين دون التأثير على علاقتنا مع الآخر".

على أية حال، يعتقد المحلل خان أن اتجاه التسريبات الصوتية قد يكون خطيراً على الديمقراطية الباكستانية؛ لأنه "سيخلق مساحة أكبر للأحزاب الإسلامية".

لكن شد الحبل بين خان والحكومة الحالية مكثف للغاية لدرجة أنه من غير المرجح أن يتكاتفوا معاً لمعالجة فضيحة التسريبات الصوتية.

وفقاً لبعض المحللين، يحتاج السياسيون إلى تطهير تصرفاتهم أولاً بدلاً من توجيه أصابع الاتهام إلى الجيش طوال الوقت.

على الجانب الآخر، نفى إعجاز أوان، الجنرال المتقاعد والمحلل الدفاعي، تورُّط الجيش في التسريبات الصوتية، قائلاً إن بعض العناصر تستخدمه لتصفية حسابات مع الجيش.

وقال للشبكة الألمانية: "إن عدم كفاءة الحكومة هو الذي أدى إلى هذه التسريبات، مثلما حدث عندما كان نواز شريف رئيساً للوزراء. لو اتخذت حكومته إجراء في ذلك الوقت، لما حدث هذا مرة أخرى"، مضيفاً أنه أصبح من المعتاد في باكستان إلحاق الأذى بالجيش.

تحميل المزيد