ينمو الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بوتيرة أبطأ بكثير تبلغ 2.8% هذا العام مقارنة بالتوقعات السابقة البالغة 5.0%، وفقاً للبنك الدولي، وسط سياسة البلاد الصارمة المتمثلة بـ"صفر إصابات كوفيد"، وأزمة العقارات المستمرة. وتمثل هذه النسبة تباطؤاً اقتصادياً حاداً عن معدل النمو لعام 2021 البالغ 8.1%، وهو أسرع معدل تم تسجيله منذ عقد.
الصين تدخل نفق التباطؤ الاقتصادي غير المسبوق
تعرض المصنعون في الصين الذين يكافحون مع سياسات "عدم انتشار الفيروس" وانهيار سوق العقارات، لصدمة إضافية خلال الصيف؛ حيث أعاق الجفاف الشديد الشحن ووجه ضربة للطاقة الكهرومائية.
وتظهر البيانات من منصة الأعمال Caixin الصينية، أن مبيعات التصنيع الصينية تقلصت في أغسطس/آب 2022، مقارنة بالشهر السابق. كما أن أداء الاقتصادات التي عادة ما تُصدر الكثير من السلع والمكونات إلى الصين يتسبب في حدوث مشكلات. على سبيل المثال تضاءل إنتاج كوريا الجنوبية خلال الصيف؛ حيث تراجعت صادراتها إلى الصين.
وتعززت قوة السحب من ارتفاع تكاليف الطاقة والاقتصاد الصيني المتعثر من خلال تشديد السياسة النقدية، أدى الطلب المتزايد على السلع خلال العامين الماضيين إلى زيادة العبء على قدرة المصانع والسفن والموانئ؛ ما أدى إلى ارتفاع التضخم.
في الوقت نفسه، تقول مجلة Modern diplomacy، إن هناك إدراكاً متزايداً في الصين أن المزيد من التباطؤ الاقتصادي الحاد قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية خطيرة، وقد أدت الإغلاقات الصارمة إلى زيادة البطالة.
لذلك تم اتخاذ عدد من الخطوات لمنع التباطؤ، فمثلاً في قطاع العقارات تم اتخاذ خطوات لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. في أغسطس/آب 2022، عرضت الحكومة الصينية دعماً بقيمة 29 مليار دولار أمريكي لمطوري العقارات الصينيين، حتى يتمكنوا من إكمال المشاريع المتوقفة وتسليمها إلى مشتري المنازل.
كما أعلنت الحكومة الصينية أنها ستقدم امتيازات مالية وإعفاءات ضريبية للشركات الصغيرة والمتوسطة، وكان أحد العوامل الرئيسية وراء تصحيح المسار هذا من قبل شي جين بينغ هو المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي، الذي سيُعقد في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2022، حيث من المرجح أن يؤمن الرئيس الصيني شي جين بينغ ولاية ثالثة، ويعزز أيضاً قبضته على الحزب لترسيخ مكانته كقائد أقوى للصين بعد ماو تسي تونج.
النمو في الصين وراء منطقة آسيا والمحيط الهادئ لأول مرة منذ عقود
لأول مرة منذ 30 عاماً، أصبحت الصين وراء بقية منطقة آسيا والمحيط، ووفقاً لتقرير البنك الدولي، من المرجح أن يكون النمو في عام 2022 لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ 3.2%، متجاوزة الصين التي من المرجح أن يكون نموها 2.8%.
تقرير بنك التنمية الآسيوي (ADB) الذي قدّر أن نمو الصين سيكون أكثر بقليل من 3% ينص على أن آسيا "النامية" (التي تشمل كمبوديا وبنغلاديش ونيبال وميانمار وسريلانكا وغيرها) ستنمو بأكثر من 5%، يسلط الضوء على نقطة مهمة، أن المرة الأخيرة التي نمت فيها الصين بشكل أبطأ من بقية آسيا كانت في عام 1990، عندما نمت الصين بأقل من 4% (3.9%) ونمت بقية المنطقة بنسبة 6.9%.
ومن المرجح أن تنمو الاقتصادات الآسيوية الناشئة التي تشمل الصين والهند وإندونيسيا وتايلاند والفلبين وفيتنام بمعدل 4.3% في عام 2022، و4.9% في عام 2023 مرة أخرى، بانخفاض عن التقديرات السابقة.
ويقول تقرير بنك التنمية الآسيوي، إن بقية دول آسيا استفادت من القيود الصينية الصارمة المتعلقة بـ"كوفيد19″، حيث اشتكى المستثمرون الأجانب في الصين من عمليات الإغلاق والقيود، وعلى المدى القصير، من غير المحتمل أن يغيروا عملياتهم بطريقة كبيرة، لكن المحتمل أن يبحثوا عن بدائل.
ويقول كير جيبس، المدير التنفيذي المقيم في جامعة سان فرانسيسكو والرئيس السابق لغرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي لصحيفة South China Morning Post، إن الشركات الصغيرة والمتوسطة في الصين تتطلع إلى أسواق أخرى من أجل الاستمرار والراحة. مضيفاً: "لقد انتهى الحماس للسوق الصينية، الصين لم تعد الخيار الواضح".
هل يمكن لجيران الصين الاستفادة من تباطؤها؟
تقول مجلة Modern diplomacy، إن حالة بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ذات أهمية خاصة، لأن سياساتها فيما يتعلق بفيروس كوفيد كانت مختلفة اختلافاً جوهرياً عن سياسات الصين، حيث أعطى فتح الحدود دفعة لقطاع السياحة في المنطقة، وخاصة ماليزيا وتايلاند.
وهذا مهم، لأن السياحة تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الاقتصادات. وهنا سيكون من المناسب أيضاً الإشارة إلى أن عدداً من الشركات قد انتقلت من الصين، في أعقاب كوفيد 19، مع كون فيتنام وجهة مفضلة نظراً لموقعها الجغرافي ومزاياها الاقتصادية الأخرى، فيما انتقلت بعض الشركات أيضاً إلى دول آسيان الأخرى، وكذلك الهند.
وحتى أسواق الأوراق المالية في هذه البلدان كانت تعمل بشكل معقول. في أبريل/نيسان 2022، اختار محللون من بنوك JP Morgan وGoldman Sachs إندونيسيا وفيتنام وسنغافورة كأسواقهم المفضلة، بينما قال مصرف Credit Suisse السويسري، الشهر الماضي، إن سوقه المفضل في المنطقة هو تايلاند.
ورغم عدم وجود شك في أن الصين كانت تقود النمو الاقتصادي ليس فقط في آسيا، ولكن على الصعيد العالمي، فمن غير المرجح أن تقل تحدياتها الاقتصادية على المدى القصير بحسب modern diplomacy. التي ترى أن سياسات شي جين بينغ الاقتصادية هي المسؤولة عن التباطؤ الاقتصادي الحاصل.
فيما سيكون أكبر المستفيدين من سياسات الصين الصارمة على المدى الطويل، منطقة الآسيان- خاصة دول مثل فيتنام وإندونيسيا- جنباً إلى جنب مع دول جنوب آسيا، وخاصة الهند وبنغلاديش، اللتين يمكن أن تجذبا المزيد من الشركات التي تسعى للانتقال من الصين، من خلال سياسات صديقة للمستثمرين.
الخطوة التالية للاقتصاد الصيني تعتمد على نتائج مؤتمر الحزب الحاكم القادم
ورغم أنه "لا يمكن لأحد أن يحل محل" الصين في المستقبل القريب، فإن حالة عدم اليقين المتزايدة المقترنة بالمنافسة من البلدان المجاورة تجعل الشركات الأجنبية تعيد تقييم العمليات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما يقول مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين. ويقول هارت إن الشركات الأجنبية في الصين دخلت "فترة هدوء"، بينما تنتظر إشارات حول متى ستعيد البلاد فتح أبوابها، وهي تواجه تردداً من المكاتب الرئيسية بشأن التوسع.
ومع ذلك، لا تقوم جميع الشركات الأجنبية بتقليص حجم عملياتها، فقد أعلنت سلسلة القهوة ستاربكس ومقرها الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، أنها ستفتح متجرها رقم 6000 في الصين، وأن شنغهاي ستصبح أول مدينة في العالم تصل إلى 1000 منفذ بيع. وقالت الشركة إنها تدخل فترة "نمو متسارع"، حيث تأمل في زيادة عملياتها إلى 9000 متجر بحلول عام 2025.
ومع اقتراب مؤتمر الحزب الشيوعي العشرين، تبحث الشركات الأجنبية عن مؤشرات على أن الاقتصاد سيبدأ من جديد. وقال هارت "مؤتمر الحزب العشرين هو موعد مهم والجميع يتابعه، ستتطلع الشركات إلى نتائج مؤتمر الحزب لمعرفة الاتجاه القادم للمضي قدماً".
ويمثل الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصادات العالم، بعد الولايات المتحدة، ويؤثر اقتصاد الصين على جميع نواحي الحياة حول الكرة الأرضية، إذ إن الصين تمثل مصنع العالم وشريانه الرئيسي، وبالتالي فإن أي هزة اقتصادية في بكين يتردد صداها في أركان المعمورة، بحسب خبراء الاقتصاد.