حقق الرئيس جايير بولسونارو مفاجأة من العيار الثقيل بتأهله إلى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، ليواجه الرئيس السابق لولا دا سيلفا، فكيف لعب النجم نيمار جونيور دوراً كبيراً في تلك المفاجأة؟
شهدت البرازيل، الأحد 2 أكتوبر/تشرين الأول، انتخابات رئاسية هي الأشرس والأكثر تنافسية منذ عقود، تنافس فيها 11 مرشحاً، أبرزهم اليميني بولسونارو، الملقب بأنه "ترامب البرازيل"، ودا سيلفا، الرئيس السابق للبلاد.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، مساء الأحد، أن انتخابات الرئاسة ستشهد جولة إعادة في 30 أكتوبر/تشرين الثاني بين بولسونارو ولولا دا سيلفا، إذ إنه بعد فرز 97.3 في المئة من أصوات الناخبين عبر التصويت الإلكتروني حصل لولا على 47.9 في المئة من الأصوات الصحيحة مقارنة مع 43.7 في المئة لبولسونارو، مما يجعل الفوز في الجولة الأولى أمراً صعباً.
لماذا تعتبر نتيجة الجولة الأولى مفاجأة؟
أظهرت جميع استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الحملة الانتخابية في البرازيل أن دا سيلفا، رئيس البلاد في الفترة من 2003 إلى 2011، في طريقه لتحقيق الفوز من الجولة الأولى، رغم وجود 10 منافسين له، من ضمنهم الرئيس الحالي بولسونارو.
ويعتبر تعامل إدارة بولسونارو مع جائحة فيروس كورونا أحد أهم الأسباب وراء انخفاض أسهمه وارتفاع أسهم منافسه اليساري، إذ استهان بولسونارو نفسه بالفيروس القاتل، الذي حصد أرواح أكثر من 6 ملايين و550 ألف شخص حول العالم منهم أكثر من 868 ألف برازيلي، وشكك طوال الوقت في اللقاحات، لدرجة أن البرلمان فتح تحقيقاً بهدف عزله من منصبه.
كان آخر استطلاع للرأي أجراه معهد داتالوفها البرازيلي قد توقع فوز دا سيلفا بحصوله على 50% من الأصوات مقابل 36% فقط لبولسونارو، وذلك خلال الجولة الأولى من الانتخابات، علماً بأن المرشح يعتبر فائزاً إذا حصد 50% زائد صوت واحد على الأقل من الأصوات الصحيحة.
ومنذ فتح باب اللجان أمام الناخبين، تشكلت صفوف انتظار أمام مراكز الاقتراع، اصطف الناخبون في طوابير ممتدة، حيث غلب اللون الأحمر على مؤيدي دا سيلفا، بينما غلب اللون الأصفر، لون العلم الوطني، على مؤيدي بولسونارو.
وأدلى الرئيس اليساري السابق بصوته في ساو برناردو دو كامبو، الضاحية العمالية لساو باولو، حيث اشتهر بكونه زعيماً نقابياً. وقال لولا الذي خاض سادس معركة انتخابية رئاسية في مسعى منه للفوز بولاية ثالثة بعد 11 عاماً من مغادرته الحكم، رغم شعبيته الجارفة: "بالنسبة إلي، إنها الانتخابات الأكثر أهمّية".
على الجانب الآخر، أدلى بولسونارو بصوته في ريو دي جانيرو، مرتدياً قميص المنتخب الوطني لكرة القدم الأصفر والأخضر فوق سترة واقية من الرصاص، وجاءت تصريحاته تأكيداً لموقفه، وهو التشكيك في نتائج الانتخابات في حالة فوز منافسه.
فخلال الحملة الانتخابية، صدرت عن الرئيس الشعبوي تصريحات متعددة، تطعن في نظام الانتخابات الإلكتروني المطبق في البرازيل، كما لوح مراراً بأنه قد لا يقبل النتيجة حال خسارته، إذ قال نصاً: "الله وحده يمكنه هزيمتي"، مضيفاً أن هذه الانتخابات لها ثلاث نتائج محتملة دون سواها بالنسبة له وهي "الفوز أو السجن أو الموت".
كما وصف بولسونارو الأربعاء الماضي استطلاعات الرأي بالـ"كاذبة" وقال عن معهد استطلاع الرأي "داتافولها" الذي منحه 32% فقط من نوايا التصويت مقابل 45% للويس إيناسيو لولا دا سيلفا: "هنا ليست كذبة داتافولها". وأضاف: "هنا تسود الحقيقة"، خلال خطاب في حشد غفير من مؤيديه بمناسبة احتفالات البلاد بمرور قرنين على نيل استقلالها.
من هو لولا دا سيلفا؟
يرأس لولا حزب العمال البرازيلي وهو سياسي يساري يبلغ من العمر 76 عاماً، وحكم البلاد وتعهد لولا الذي أدين وسجن أثناء التحقيق في فضيحة الفساد التي أطلق عليها "عملية غسيل السيارة" قبل أن تنقض المحكمة العليا الحكم، بأنه إذا تم انتخابه سيعمل على وقف إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية. وارتفعت وتيرة إزالة الغابات بنسبة 75 بالمئة خلال عهد بولسونارو مقارنة بالعقد السابق.
يعتبر لولا دا سيلفا واحداً من أكثر رؤساء البرازيل السابقين شعبية على الإطلاق، كما أنه أحد أشهر السياسيين في البلاد وشهدت مسيرته السياسية تحولات درامية كبرى. تولى رئاسة البرازيل فترتين متتاليتين من 2003 وحتى 2011، قدم خلالها برامج إصلاح اقتصادي ركزت على الجانب الاجتماعي وتحسين حياة الفقراء بصورة أكسبته شعبية هائلة.
كما كان دا سيلفا سياسياً عالمياً اهتم بالقضايا الدولية وبخاصة قضية التغير المناخي، واختارته مجلة التايم الأمريكية عام 2010 الزعيم الأكثر تأثيراً في العالم. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2011، أصيب دا سيلفا، الذي كان مدخناً لأكثر من 40 عاماً، بورم خبيث وخضع لعلاج كيماوي حتى شفي بالكامل.
في عام 2017، تعرض دا سيلفا لمحاكمة بتهم الفساد وغسيل الأموال، وصفها هو ومؤيدوه بأنها محاكمة سياسية، وحكم عليه، يوم 12 يوليو/تموز من ذلك العام، بالسجن لمدة 9 سنوات ونصف. لكن عام 2019، أسقطت المحكمة العليا في البرازيل الحكم عنه، ليخرج من السجن ويتجه مباشرة إلى نقابة عمال الحديد والصلب في البلاد، الذي كان قد أسسها، حيث استقبل استقبالاً شعبياً جارفاً.
في ذلك الوقت، كان الرئيس بولسونارو يمثل النقيض تماماً لكل ما يمثله دا سيلفا، وبخاصة في مجال البيئة والتغير المناخي، حيث شهدت رئاسة بولسونارو ارتفاعاً في وتيرة إزالة الغابات في البلاد، وبخاصة غابة الأمازون المعروفة بأنه "رئة العالم"، بنسبة 75% مقارنة بموقف دا سيلفا، الذي تعهد بوقف إزالة غابات الأمازون في البلاد في حالة إعادة انتخابه.
ونظراً للتشابه الكبير بين السياسات الشعبوية لبولسونارو مع سياسات وشخصية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أصبح لقب "ترامب البرازيل" ملاصقاً للرئيس البرازيلي الشعبوي. ثم جاء تشكيك بولسونارو في نظام الانتخابات في البلاد ليؤكد ذلك التشابه.
وعلى الرغم من اعتماد نظام التصويت الإلكتروني (آلات التصوير) في البرازيل منذ عام 1996، أي أن بولسونارو نفسه وصل للرئاسة من خلال نفس النظام، إلا أن انتقاداته هذه المرة لذلك النظام أثارت مخاوف من أنه يسير على الخطى السياسية لترامب، حيث يخشى بعض البرازيليين من مشهد مشابه، إن لم يكن أسوأ، للهجوم على مبنى الكابيتول في واشنطن العام الماضي، عندما حاول عدد من مثيري الشغب من مؤيدي ترامب منع الكونغرس من المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسرها عام 2020.
وعلق دا سيلفا على ذلك قائلاً: "حاول ترامب أيضاً تجنب قبول النتيجة. حاولوا غزو مبنى الكابيتول وفي النهاية اضطر للرضوخ".
ما علاقة نيمار والسامبا بانتخابات البرازيل؟
يمثل فريق البرازيل لكرة القدم، الملقب بالسامبا، الرمز الأشهر للبلاد حول العالم، ولأنها اللعبة الشعبية الأولى، فمن السهل تخيل كيف يوظف رئيس شعبوي مثل بولسونارو هذه الشعبية، وبخاصة إذا كان يواجه موقفاً صعباً خلال الانتخابات الرئاسية.
وفي هذا السياق، قام بولسونارو، الخميس 29 سبتمبر/أيلول الماضي، بزيارة إلى منشأة خيرية لنجم السامبا وقائد الفريق نيمار جونيور، الذي يلعب محترفاً في صفوف نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، على الرغم من أن نيمار لم يكن موجوداً بطبيعة الحال، حيث يتواجد صحبة فريقه في العاصمة الفرنسية.
لكن نيمار قدم دعمه لبولسونارو بطريقة مباشرة، حيث ظهر نجم السامبا في مقطع فيديو يرقص فيه على أنغام أغنية الحملة الانتخابية لبولسونارو، وسرعان ما نشر بولسونارو المقطع المصور لنيمار على تويتر، وربط مسعاه لنيل فترة رئاسية جديدة بمساعي البرازيل، العاشقة لكرة القدم، للفوز بكأس العالم للمرة السادسة والذي إذا تحقق سيكون رقماً قياسياً.
وتعرض نيمار لانتقادات بسبب دعمه للرئيس الشعبوي، حيث علق نجم الكوميديا البرازيلي، يوري مارسيال، على ذلك، مذكراً نيمار بتجاهل بولسونارو وسخريته الدائمة من الفقراء والكادحين في البرازيل. لكن نجم السامبا رد على تلك الانتقادات في تغريدة الجمعة 30 سبتمبر/أيلول، قال فيها: "يتحدثون عن الديمقراطية والكثير من الأمور، لكن عندما يكون لشخص رأي مختلف يهاجمه نفس من يتحدثون عن الديمقراطية، تخيلوا!"، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
ولا يتوقف الأمر عند دعم نيمار بطبيعة الحال، إذ يستغل بولسونارو فريق كرة القدم البرازيلي ويتخذ من لون قميص المنتخب (الأصفر) رمزاً رئيسياً في كل تجمعاته، وهو ما أثار أيضاً انتقادات من جانب بعض البرازيليين، على أساس أن قميص المنتخب الوطني رمز للبلاد، بينما يستخدم الرئيس الشعبوي لغة تخوينية ويقلل دائماً من معارضيه وكأنهم ليسوا برازيليين.
لكن على أية حال يبدو أن دعم نيمار ومنتخب السامبا للرئيس بولسونارو قد أتى أكله بالفعل في الجولة الأولى من الانتخابات، رغم أن الرئيس حل ثانياَ، إلا أنه يأمل الآن في أن يستطيع قلب الطاولة على منافسه دا سيلفا خلال جولة الحسم في 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فهل يفعلها أم يعود دا سيلفا إلى الرئاسة مرة ثالثة؟