عاد المستشار الألماني أولاف شولتز إلى بلاده، بعد زيارة استمرت عدة أيام إلى السعودية والإمارات وقطر، لبحث اتفاقيات جديدة في مجال الطاقة، ضمن مساعي برلين لفطم نفسها عن مصادر الطاقة الروسية. فما نتائج هذه الزيارة، وما الذي خرج به شولتز؟
خيبة أمل ألمانية من زيارة السعودية
جاءت زيارة المستشار الألماني في وقت تجوب فيه دول أوروبية العالم، بحثاً عن مصادر بديلة للطاقة، بعيداً عن روسيا التي كانت حتى وقت قريب أكبر مصدر للغاز الطبيعي لأوروبا. فيما تواجه ألمانيا- أكبر اقتصاد أوروبي- أزمة في شح الطاقة خلال فصل الشتاء، في حال لم تنجح في توقيع عقود تغنيها عن الغاز الروسي، إلى جانب النفط والمشتقات.
بحسب ما رشح من تصريحات وبيانات صحفية أوردتها وكالة الأنباء السعودية "واس"، فإن زيارة شولتز لم تُفضِ على ما يبدو إلى توقيع اتفاقيات بمجال الطاقة.
والسعودية أكبر منتج للنفط الخام في أوبك بمتوسط يومي 11 مليون برميل يومياً، وأكبر مصدّر للخام عالمياً بمتوسط يومي 7 ملايين برميل، بحسب بيانات رسمية.
ولم تخفِ ألمانيا السبب الرئيسي لزيارة شولتز إلى دول الخليج، قائلة على لسان متحدث الحكومة إن الطاقة تتصدر المحادثات، وإن رجال أعمال ورؤساء شركات ألمانية في قطاع الطاقة رافقت المستشار الألماني.
ولم تشر ألمانيا أو السعودية إلى أية اتفاقات جديدة بشأن الطاقة خلال الفترة المقبلة، وهو ما أثار علامات استفهام حول طبيعة العلاقة بين البلدين.
مصافحة أنهت الجمود لكنها لم تأتِ بما تريد ألمانيا
من جانبها، قالت هيئة البث الألمانية دويتشه فيله، إنه حتى قبل بدء الزيارة الأولى للمستشار الألماني، إلى السعودية، حاولت الحكومة الألمانية جاهدة الحد من سقف التوقعات بشأن نتائج الزيارة، لأنها لم تشأ أن تظهر الزيارة وكأنها "مجرد جولة تسوق للطاقة"، بحسب وصفها.
غير أن هذا الحذر المبرر لا يمكن أن يخفي حقيقة أن الحكومة الألمانية تتعرض لضغوط هائلة من أجل تحقيق النجاح، لأن الاقتصاد الألماني بحاجة ماسة إلى بدائل يُعتمد عليها ورخيصة لواردات الغاز والنفط من روسيا، والتي توقفت بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا. دول الخليج تمتلك هذه الموارد، ويدرك أمراؤها الشباب الأهمية المتزايدة والمفاجئة لهذه الموارد، وهو ما يزيدهم ثقة بأنفسهم.
وترى DW أن "الحاكم الفعلي الوحيد في الرياض يشعر بإعادة الاعتبار بعد سنوات من العزلة والنبذ الدوليين، بعدما حمَّلته المخابرات الأمريكية والتركية مسؤولية جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي".
لكن في ضوء الحقائق الجيوسياسية الجديدة مع حرب أوكرانيا، "ربما لا يتعلق الأمر بالاعتراف الشخصي فقط بالنسبة لمحمد بن سلمان العارف بالسلطة والحاكم المستبد غير المبالي، وإنما أكثر من ذلك، بأن تؤخذ السعودية تحت قيادته على محمل الجد، باعتبارها قوة رائدة في نظام عالمي متعدد الأقطاب"، بحسب وصف الهيئة الألمانية.
وتشير دويتشه فيله أن المصافحة بين شولتز ومحمد بن سلمان أنهت فترة جمود العلاقات بين ألمانيا والمملكة العربية السعودية، حيث تعتمد ألمانيا حالياً على علاقة عمل قوية وفاعلة مع الرياض، لكن في الحقيقة "لم يكن الحاكم المستبد شريكاً بسيطاً أبداً"، بحسب وصفها.
وأصبح ولي العهد السعودي "رجل الدولة المرغوب فيه على الساحة الدولية"، وتُظهر ذلك الزيارات العديدة التي قام بها ساسة غربيون إلى الرياض. فقد قام الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون بزيارة الرياض هذا العام. كما استقبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، محمد بن سلمان في قصر الإليزيه، في يوليو/تموز الماضي.
250 طن ديزل شهرياً من الإمارات إلى ألمانيا
لكن بخلاف السعودية، حظيت رحلة المستشار الألماني والوفد المرافق إلى الإمارات بعقد اتفاقيات في قطاع الطاقة، وهو ما أوردت تفاصيله وكالة الأنباء الإماراتية "وام".
وتوصلت شركة أدنوك الإماراتية (حكومية)، الأحد 25 سبتمبر/أيلول 2022، إلى اتفاق مع شركة "ويهلم هوير جي إم بي إتش" على شروط توريد نحو 250 ألف طن شهرياً من وقود الديزل خلال 2023.
وتم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية جديدة في مجال تسريع أمن الطاقة والنمو الصناعي، تهدف إلى تسريع تنفيذ المشاريع ذات الاهتمام المشترك بين الإمارات وألمانيا.
كما أبرمت "أدنوك" اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال لشركة "آر دبليو إي" الألمانية، تقوم "أدنوك" بموجبها بتصدير أول شحنة غاز طبيعي مسال إلى ألمانيا وتسليمها في أواخر 2022.
وذكرت الوكالة أن شحنة الغاز المستهدف توريدها سيتم استخدامها في التشغيل التجريبي لمحطة استيراد الغاز الطبيعي العائمة في مدينة برونسبوتل الألمانية.
كما خصصت "أدنوك" وفقاً للاتفاقية شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال لعملائها في ألمانيا سيتم تسليمها في 2023.
ووقّعت "أدنوك" كذلك عدداً من الاتفاقيات مع عملاء من ألمانيا، بينهم "استياج جي إم بي إتش" وشركة "أوربيس أيه جي" لتصدير شحنات تجريبية من الأمونيا منخفضة الكربون. والأمونيا تعد وقوداً ناقلاً للهيدروجين يلعب دوراً محورياً في الحد من الانبعاثات، في القطاعات التي يصعب الحد من انبعاثاتها.
لا اتفاقيات ألمانية معلنة مع قطر
أما في قطر، التي تعد إحدى أكبر منتجي الغاز المسال وتعمل على تطوير أكبر حقل للغاز في العالم، وهو حقل الشمال، لم يخرج المستشار الألماني باتفاقيات- علنية على الأقل- مع الدوحة.
وفي تصريح صحفي له، قال شولتز إنه ناقش مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني واردات الغاز المسال، متطلعاً لإحداث تقدم أكثر في هذا الإطار؛ لكن لم يتم الإعلان عن أي اتفاقات في قطر.
وبحسب تقرير لصحيفة دويتشه فيله الألمانية، ينخرط البلدان في محادثات صعبة حول مدة الاتفاقات المتعلقة بالغاز الطبيعي المسال، وقد أشار شولتز إلى أنه يريد أن يرى تقدماً في هذه المباحثات.
جولة دون التوقعات
تشير تقديرات محللين في سوق الطاقة الألمانية، إلى أن زيارة المستشار جاءت دون توقعات السوق المحلية هناك، خاصة مع عدم وجود أفق لاستئناف ضخ الغاز الروسي عبر خط نورد ستريم 1.
ومنذ نهاية الشهر الماضي، توقفت شركة غازبروم الروسية عن ضخ الغاز عبر الخط إلى ألمانيا، ما جعل الأخيرة تحث الخطى للبحث عن مصادر بديلة.
وتقول دويتشه فيله، لا شك في أن الحكومة الألمانية ترغب في تطوير التعاون في مجال الطاقة مع الرياض وأبوظبي والدوحة، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل. الهدف محدد بوضوح: الاستمرار في تنويع مصادر إمدادات الطاقة الألمانية، وتجنب الاعتماد على شريك واحد. وهذا درس مؤلم ولكنه ضروري تعلمه من "السياسة الفاشلة" تجاه روسيا خلال العشرين سنة الماضية.
غير أن الاعتراف بهذه الضرورة لا يكفي من أجل تقديم إجابات مقنعة، وقبل كل شيء مستدامة، لتحديات سياسة الطاقة في المستقبل القريب. لكن من الضروري صياغة سياسة ألمانية جديدة تجاه الخليج. الكلمة السحرية هنا واضحة: التنويع، في النهاية ليست ألمانيا وحدها من يبحث عن شريك، وإنما أيضاً كل دول الخليج، وعلى رأسها السعودية ذات الثقل الكبير، بحسب وصف الوكالة الألمانية.