تتواصل احتجاجات "الحجاب" في إيران وتتعالى الهتافات المطالبة بإسقاط المؤسسة الدينية، ولنجل المرشد الأعلى نصيب الأسد من تلك الهتافات، فلماذا أصبح مجتبى علي خامنئي، الذي لا يحمل منصباً رسمياً، هدفاً رئيسياً للمحتجين؟
وتشهد إيران حالياً أكبر مظاهرات منذ عام 2019، والتي عمَّت البلاد للاحتجاج على وفاة الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاماً) يوم 16 سبتمبر/أيلول بعد احتجازها لدى شرطة الأخلاق، التي تنفذ القيود الصارمة المفروضة على زي النساء.
شنَّت السلطات الإيرانية، ولا تزال، حملة قمع واسعة النطاق للسيطرة على الاحتجاجات، أدت إلى سقوط 76 قتيلاً حتى الاثنين 26 سبتمبر/أيلول، بحسب منظمات حقوقية، وقوبلت القضية بإدانة دولية واسعة النطاق، لكن الإجراءات المشددة لم تمنع الإيرانيين من المطالبة بإسقاط الزعيم الأعلى آية الله على خامنئي وبقية أعضاء المؤسسة الدينية.
نجل الزعيم والحكم دون منصب
في وسط هذا المشهد المتصاعد، لفت الأنظار هتاف "الموت لمجتبى!"؛ إذ سرعان ما أصبح نجل المرشد الأعلى عُرضة لغضب المحتجين ومرمى لاحتجاجاتهم في أعقاب وفاة أميني، والدعاء بألا يؤول الأمر إلى توليه حكم البلاد، بحسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
وأصبحت الاحتجاجات سمة عامة في إيران، تنتهي موجة فتلحقها أخرى، إلا أن الهتافات هذه المرة نادت بالموت لرجلٍ طالما تنامى نفوذه ومارس سلطته من وراء الستار، حتى جاءت هذه الاحتجاجات إيذاناً بذيوع شهرته بين الناس وتسليط الضوء على دوره الحالي، وما قد تحمله الأيام من دور آخر له في المستقبل، إنه مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية.
يبلغ مجتبى خامنئي من العمر 53 عاماً، ولا يشغل أي منصب حكومي رسمي، لكن مسؤولين أمريكيين وإيرانيين قالوا إنه المسؤول عن إدارة الإمبراطورية التجارية لوالده، آية الله علي خامنئي، وله نفوذ ملموس في تعيين المسؤولين الأمنيين، والإشراف أحياناً على أركان رئيسية من جهاز الأمن الإيراني.
اشتهر مجتبى خامنئي بين الطبقة الحاكمة الإيرانية بكونه الذراع المنفِّذة لأوامر والده، والموكَّل بأبواب الدخول إليه. وفي حين أن خامنئي يتولى منصب المرشد الأعلى لإيران منذ 33 عاماً، فإن مصادر مطلعة قالت لوول ستريت جورنال إن مجتبى بلغ من النفوذ الآن أن أصبح مرشحاً بارزاً لخلافة والده.
قال سعيد جولكار، الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة تينيسي الأمريكية والخبير في أجهزة الأمن الإيرانية، إن "مجتبى خامنئي أصبح أحد أعمدة الحكم القوية من وراء الستار في بلاط المرشد الأعلى".
رفعت المؤسسة الدينية الإيرانية مجتبى خامنئي في أواخر أغسطس/آب إلى رتبة "آية الله"، وهي مرتبة دينية مرموقة يحتاج إليها إذا أراد أن يصبح المرشد الأعلى لإيران. وتقول المصادر إن الترقية جاءت في وقتٍ تدهورت فيه صحة الوالد خلال الأسابيع الأخيرة، واضطرته إلى إلغاء الاجتماعات والانعزال مؤقتاً.
يستدعي ظهور خامنئي في هيئة الراعي لنجله والمؤيد له في خلافة المنصب جدلاً كبيراً في إيران، فقد كان رفض الملكية الوراثية، واتهامها بأنها نظام فاسد، أحد الأسس التي قامت عليها الثورة الإيرانية عام 1979.
هل سيخلف "مجتبى" والده في المنصب الأهم؟
علاوة على ذلك، فإن خلافة مجتبى لوالده ليست مضمونة بأي حال. فالطريق بها عقبات كثيرة؛ منها الرئيس الحالي للبلاد إبراهيم رئيسي، وهو عالم دين مقرب من المرشد الأعلى ويتفوق على مجتبى في المؤهلات السياسية والشهرة بين عموم الناس، على خلاف الأخير الذي يندر ظهوره بينهم أو في الأماكن العامة.
يقول خبراء إيرانيون إن صعود مجتبى خامنئي والحديث عن خلافته لوالده علامات على تصلُّب الاتجاه المعادي للغرب في إيران، لا سيما في وقت تعثرت فيه المفاوضات النووية مع الغرب، وامتدت آثار التدهور الاقتصادي في عموم البلاد، واشتد السخط العام على نظام الحكم.
من جهة أخرى، يرى خبراء وأشخاص مقربون من الحكومة الإيرانية أن صعود مجتبى خامنئي يُبرز التحول الجاري في أروقة السلطة عن القيادة الدينية التقليدية التي كان لها الإسهام الأكبر في تأسيس الجمهورية الإيرانية.
وقالت المصادر إن مجتبى يمثل في الأساس الأجهزة الأمنية شبه العسكرية ورجال الدين الأكثر تشدداً، ممن تزايد نفوذهم في السنوات الماضية وباتوا أبرز الجهات الفاعلة في البلاد.
وقال مسؤولون أمريكيون وإيرانيون إن مناطق نفوذ مجتبى في حكومة والده تشمل: العمليات العسكرية والاستخباراتية الدولية، وقوات الباسيج، وهي قوات شبه عسكرية لها جذور متغلغلة في جميع أنحاء البلاد.
قالت سنام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية ببريطانيا، للصحيفة الأمريكية إن "مجتبى مقرب من جهاز الأمن. وإذا وصل إلى السلطة، فلا سبيل إلى التصور بأن حكمه سيكون حكماً ليبرالياً".
تنبَّه الرأي العام في إيران لمجتبى خامنئي لأول مرة في عام 2005، ففي ذلك الوقت تغلب محمود أحمدي نجاد على منافسه مهدي كروبي، مستشار المرشد الأعلى، وأصبح أول شخص من غير رجال الدين يُنتخب لرئاسة إيران، لكن كروبي استقال من منصبه واتهم مجتبى خامنئي بمساعدة أحمدي نجاد، فردَّ عليه المرشد الأعلى آية الله خامنئي بأنه يسعى إلى إثارة "فتنة في البلاد".
قال زعماء المعارضة في عام 2009 إن مجتبى شارك في تزوير الانتخابات لمصلحة أحمدي نجاد، وساند قمع التظاهرات التي اجتاحت البلاد آنذاك، بعد خروج مئات الآلاف من المحتجين فيما عُرف باسم "الحركة الخضراء" اعتراضاً على تزوير الانتخابات بحسب مزاعمهم.
أشارت تقديرات واردة عن وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2019 إلى أن مجتبى خامنئي بات يتولى بعض مسؤوليات المرشد الأعلى. وخلُص تقرير صادر عن الكونغرس الأمريكي في العام نفسه إلى أن خامنئي أصبح له "رأي مسموع" في قرارات القيادة في إيران.
إلى أين تسير احتجاجات إيران هذه المرة؟
في أعقاب ذلك، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على مجتبى خامنئي، وجمَّدت أملاكه في الولايات المتحدة، وحذرت أي متعامل معه من أنه سيكون عرضة لعقوبات.
التفتت الأنظار إلى مجتبى مرة أخرى في أغسطس/آب من هذا العام بعد أن أعلنت وكالة تابعة للحوزة الإسلامية في "قم" عن ترقيته إلى مرتبة "آية الله"، وهي الرتبة التي لا يجوز لمن لم يحصل عليها أن يتطلع إلى منصب المرشد الأعلى. وقد فاجأت هذه الخطوة بعض المهتمين بالشأن الإيراني لأن مجتبى لم يكن قط من بين المحسوبين على المراجع الدينية البارزة، ومن ثم زادت التوقعات بعدها بأنه قد يحل محل والده بعد تجهيزه لعدة سنوات.
يقوم على اختيار المرشد الأعلى لإيران هيئة مؤلفة من 88 عضواً تُسمى "مجلس خبراء القيادة"، ومع أن المجلس يهيمن عليه رجال دين موالون لخامنئي، فإن ذلك لا يضمن لنجله الفوز بأغلبية الأصوات.
ذكر مسؤول إيراني ومستشار للحرس الثوري الإيراني أن النظام قد ينتهي إلى صيغة تدور مناقشات بشأنها في الدوائر الحاكمة، وتتضمن الإعلان عن مجلس حاكم يضم رئيسي ومجتبى خامنئي وشخصيات بارزة أخرى.
في غضون ذلك، أصدرت وكالة The Associated Press تقريراً بعنوان "هذه الجولة من الاحتجاجات الإيرانية لن تكون الأخيرة في الغالب"، وأشارت فيه إلى أن مشاهد الاحتجاجات الحالية شبيهة بتلك التي اندلعت في عام 2019 على أثر إعلان الحكومة عن تقليص دعمها لأسعار الوقود. لكن بسبب القيود التي فرضتها الحكومة على شبكة الإنترنت حالياً، فإنه لم يتضح بعد إذا كانت الاحتجاجات الحالية تجاوزت شدتها مظاهرات عام 2019 أم غير ذلك.
ولفت تقرير الوكالة الأمريكية إلى أن المظاهرات الحالية تبدو مماثلة بجولات أخرى من الاضطرابات التي عمَّت البلاد في العقدين الأخيرين، فعندما خرج ملايين الناس إلى الشوارع في عام 2009، اتسمت المظاهرات أيضاً بالعفوية وغياب القيادة الموجهة لعموم المحتجين.
ومع ذلك، يخلُص تقرير الوكالة إلى أن حملة القمع الحكومية، وإن نجحت في كبح الاحتجاجات في نهاية المطاف، فإنها عاجزة في الغالب عن القضاء على أسباب السخط العميق لدى الناس، وأبرزها انهيار الاقتصاد الإيراني وتأثير العقوبات الغربية في تدمير مدخرات جيل كامل من المواطنين، وانخفاض قيمة العملة من 32 ألف ريال للدولار في عام 2015 إلى 315 ألف ريال للدولار في عام 2022.
ويتوقع التقرير أن تتفاقم المصاعب الاقتصادية المحيطة بالبلاد، وأن يتزايد معها التشدد الغالب على نخبة الحكم السياسية في البلاد. فحتى إذا وافقت إيران على مسار للعودة إلى الاتفاق النووي، فإنها معرضة لمواجهة عقوبات أمريكية جديدة؛ بسبب بيعها طائرات انتحارية مسيرة إلى روسيا لاستخدامها في الحرب الجارية على أوكرانيا.
قد تؤدي المعركة على قيادة البلاد إلى زيادة انكفاء النظام على شؤون البلاد الداخلية، لا سيما أن الأمور لم تُحسم حتى الآن لمصلحة خليفة معين لخامنئي البالغ من العمر 83 عاماً، حتى وإن ذهب بعض الخبراء إلى أن مجتبى خامنئي هو الأقرب لتولي منصب المرشد الأعلى.
ودعت نقابة معلمين رئيسية في إيران، في بيان نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي الأحد، المعلمين والطلاب إلى تنظيم أول إضراب في عموم البلاد، منذ بدء الاضطرابات، الإثنين والأربعاء. وفي مقطع مصور متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، قامت جواد حيدري، وهي شقيقة رجل قُتل في المظاهرات المناهضة للحكومة، بقص شعرها على قبره في تحدٍ لقواعد الملبس الإسلامي المحافظ في إيران. ولم يتسن لرويترز التحقق من صحة المقطع المصور.
لكن على الرغم من أن المظاهرات بسبب وفاة أميني تمثل تحدياً كبيراً للحكومة، لا يرى المحللون أي تهديد مباشر لقادة البلاد لأن قوات الأمن تمكنت في السابق من إخماد الاحتجاجات.
الخلاصة؛ أن تلك الومضات تُظهر أن الغضب متغلغل وممتدة آثاره في عموم البلاد، وأن رماد الاحتجاجات قريب من الاشتعال ما دامت الأسباب قائمة.