الاستراتيجيات العسكرية غير كافية.. لماذا الجيوش غير مستعدة بعد للتعامل مع كوارث التغير المناخي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/24 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/24 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
الجيش الأمريكي يبحث عن ناجين بعد إعصار كاترينا في ولاية لويزيانا، 2005/ Getty

مع استمرار الحرب في أوكرانيا هذا الصيف، وتدفق مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية إلى كييف من حلفائها وشركائها، كانت الحكومات في جميع أنحاء العالم منشغلة أيضاً بنشر جيوشها للتعامل مع تهديد أقل تقليدية؛ وهو التغير المناخي. فكيف يمكن للجيوش مواجهة آثار التغير المناخي، وهل هي مستعدة لذلك بالفعل؟

كيف تواجه الجيوش أزمات التغير المناخي؟

خلال هذا الصيف، تخلصت قوات الجيش البولندي من آلاف الأسماك على ضفاف نهر أودر، التي ماتت بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه والتلوث. وفي المكسيك، حاولت الطائرات العسكرية تحفيز هطول الأمطار بعد أسابيع من الجفاف عن طريق زرع الغيوم باليود الفضي والأسيتون، كما يقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

وفي سويسرا، نقل الجيش المياه جواً إلى الماشية العطشى في المراعي الجبلية الجافة. وفي أكثر من 10 دول أوروبية، نُشِرَت قوات الجيش لمكافحة الحرائق، بما في ذلك في البلدان المجاورة، بينما في دول مختلفة مثل الصين والهند وإيران وباكستان وأوغندا والإمارات والولايات المتحدة، أنقذت الجيوش المواطنين من فيضانات غير مسبوقة.

في الوقت نفسه، تصارع الجيوش نفسها مع الآثار المباشرة لهذه المخاطر. على سبيل المثال، أذابت موجة الحر في يوليو/تموز مُدرَّجاً لسلاح الجو الملكي البريطاني في المملكة المتحدة، وأدت إلى حرائق الغابات التي عطّلت التدريبات في جميع أنحاء البلاد. 

واشتعلت النيران في منشأة تدريب عسكرية أمريكية في ألمانيا في أغسطس/آب؛ بسبب الجفاف على الأرجح. وفي أغسطس/آب أيضاً، حذرت وزارة الدفاع الأمريكية من مخاطر الفيضانات على موظفيها ومنشآتها في سول؛ حيث واجهت كوريا الجنوبية أعنف هطول للأمطار منذ 80 عاماً.

لكن على الرغم من اعتراف العديد من الحكومات بالمخاطر الأمنية التي يفرضها تغير المناخ، فإنَّ الجهود المتدافعة هذا الصيف لإدارة التهديدات المناخية تشير إلى أن القليل من الحكومات تتحرك بسرعة كافية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. 

وكما أشار يانيز ليناركيتش، رئيس إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، فإن موسم الحرائق الأطول الذي تسلل إلى مناطق جغرافية جديدة يُجهِد قدرات الاستجابة للكتلة الأوروبية؛ لأنها تقدم طلبات متزامنة تقريباً لدعم مكافحة الحرائق من العديد من البلدان التي لا تستطيع إدارتها بمفردها. وهذه مشكلة متنامية في أجزاء أخرى من العالم أيضاً. 

هل تملك الجيوش الموارد اللازمة لمواجهة التغير المناخي؟

تقول فورين بوليسي، إن الظروف الجوية الشديدة التي تهاجم الجيوش هذا الصيف، تشير إلى أن الحكومات بحاجة إلى أن تسأل نفسها بعض الأسئلة الصعبة حول موقفها الأمني ​​والدفاعي في المستقبل. هل تعكس استراتيجياتها الأمنية التهديدات المتزايدة التي تواجهها على الأرض؟ هل لديها الموارد اللازمة لمواكبة وتيرة وحجم هذه المخاطر المكثفة؟ وهل لديها الشراكات الصحيحة مع الدول الأخرى لإدارة المخاطر المشتركة؟

يمكن للحكومات والجيوش البدء في العثور على إجابات لهذه الأسئلة الصعبة من خلال تقييم الدروس المستفادة من تجاربها ومقارنة الملاحظات بين المناطق. من خلال فعل ذلك، يمكنها تحديد الفرص المناسبة لتغيير نهجها.

1- الاستراتيجيات العسكرية غير كافية

أولاً، يجب أن تدرك الحكومات والجيوش أن استراتيجياتها العسكرية الرسمية غير كافية، ولا بد من العمل على تحديثها وفقاً لذلك. إذ إنَّ الاستراتيجيات التي تركز فقط على التهديدات التقليدية من الدول الأخرى تترك الجيوش تناضل من أجل الاستجابة لأحداث مثل تلك التي حدثت هذا الصيف- ومن المفارقات أنها أقل استعداداً للتعامل مع التهديدات التقليدية؛ نظراً لأنَّ الاستجابات المخصصة لحرائق الغابات والجفاف ترهق الأفراد العسكريين والمعدات.

وأظهر هذا الصيف تحديداً أن التركيز فقط على التخفيف- أو تدابير خفض الانبعاثات- غير كافٍ. يجب الإشادة بالاستثمار في الطائرات الكهربائية والمركبات التي تعمل بوقود الهيدروجين، كما وعد جيش كوريا الجنوبية العام الماضي، لكنه لن يساعد في معالجة الفيضانات والحرائق القياسية اليوم. هذا لا يعني أن هذه الاستثمارات ليست مهمة؛ بل هي في الواقع ضرورية لمنع مخاطر الأمن الكارثية في المستقبل. لكن مثل هذه الأهداف يجب أن يقابلها تركيز استراتيجي على التكيف مع التهديدات الموجودة بالفعل.

وقد أحرزت بعض البلدان تقدماً على هذه الجبهة. على سبيل المثال، يتطلب دليل "البوصلة الاستراتيجية للأمن والدفاع للاتحاد الأوروبي"، الذي صدر في مارس/آذار، من جميع الدول الأعضاء تطوير استراتيجيات لإعداد قواتها المسلحة لتغير المناخ بحلول عام 2023. 

وفي أبريل/نيسان، أصدرت وزارة الدفاع الفرنسية استراتيجيتها لأمن المناخ، التي أشارت فيها إلى احتمال زيادة الطلب على الموارد العسكرية لدعم عمليات الإغاثة المحلية في حالات الكوارث، وشددت على الحاجة إلى مزيد من الدراسة لتطوير العمليات المشتركة بين الوزارات لإدارة عمليات النشر. وفي أغسطس/آب، أصدرت وزارة الدفاع اليابانية استراتيجيتها الأولى لأمن المناخ، التي سلّطت الضوء على الحاجة إلى تعزيز المنشآت العسكرية في البلاد ضد الأعاصير وتحديث المعدات لتحمل درجات الحرارة الشديدة.

لكن الوقت قصير لتطوير عمليات جديدة على هذا المنوال. ولم يمضِ وقتٌ طويل على إطلاق كل دولة لاستراتيجيتها، فقد تعرضت كل من فرنسا واليابان لأحداث مناخية قاسية على غير المعتاد- حريق هائل وإعصار على التوالي- مما يؤكد صعوبة المضي قدماً في التخطيط للمستقبل أثناء وجود أزمة.

2- استثمارات كبيرة في الأفراد والمعدلات

بيد أن الاستراتيجيات لا تعني شيئاً بدون موارد؛ لذلك يجب على الجيوش أيضاً أن تضخ استثمارات كبيرة في المعدات والأفراد. على وجه الخصوص، كشفت حرائق الغابات هذا الصيف عن عدم كفاية قدرات العديد من البلدان في مجال مكافحة الحرائق الجوية. 

في اليونان، كان سلاح الجو اليوناني عالقاً في استخدام طائرات من السبعينيات لمحاربة حرائق أكبر بست مرات من أية حرائق واجهتها البلاد في العقد الماضي. 

وغالباً ما تعطّلت الطائرات الفرنسية؛ بسبب نقص الصيانة وقطع غيار الطائرات القديمة، واضطرت إيطاليا إلى الاعتماد على الطائرات الفرنسية لمحاربة حرائقها في سردينيا. 

وفي الجزائر، واجهت البلاد صيفها الثاني على التوالي من حرائق الغابات الشديدة، فيما انهارت القاذفة المائية الروسية الوحيدة، وتعثرت صفقة لشراء طائرات إطفاء من شركة إسبانية بسبب خلاف دبلوماسي حول الصحراء الغربية. وفي غضون ذلك، أثارت الحرارة القياسية في المملكة المتحدة تساؤلات حول ما إذا كانت البلاد بحاجة إلى تطوير قدراتها الخاصة لمكافحة الحرائق جوياً بدلاً من التعاقد مع شركات خاصة.

في الولايات المتحدة، جادل ريتشارد كيد، المسؤول عن التكيف مع المناخ في البنتاغون، بأنَّ الجيش الأمريكي بحاجة إلى "التفوق على الحرارة"، مشيراً إلى الطلب المتزايد على قوات الحرس الوطني الأمريكي لمكافحة حرائق الغابات المحلية والعدد المتزايد من "الفئة الخامسة" من الأيام الحارة (وهي الفئة القصوى من حالات الخطر المناخية) في مراكز تدريب الجيش. يعكس أحدث طلب للميزانية من البنتاغون هذه المخاوف من خلال طلب 3.1 مليار دولار في الاستثمارات المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك التمويل لجعل المعدات والمرافق أكثر مرونة في مواجهة الإجهاد المناخي.

وتحاول الولايات المتحدة الاستفادة من برامجها التعليمية والتدريبية العسكرية الدولية المكثفة لضمان تمتع حلفائها وشركائها بالمهارات اللازمة لإدارة الكوارث التي يتسبب فيها المناخ إدارةً مسؤولة. ويوضح الدمار الحالي في باكستان لماذا يمكن أن يكون مثل هذا النهج مفيداً. 

وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، قدمت الولايات المتحدة ملايين الدولارات للتدريب العسكري لباكستان حتى الآن. ولو ركز الجيش الأمريكي المزيد من هذا التدريب على تطوير المرونة المناخية وأفضل الممارسات للمساعدة الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث، لكانت الدول مثل باكستان أكثر استعداداً لمواجهة الأزمات المستقبلية.

3- تجميع الجهود والموارد

يجب أن تستمر الحكومات والجيوش في إيجاد طرق لتجميع الموارد. على سبيل المثال، يمكن للهيئات الإقليمية؛ مثل الاتحاد الإفريقي أو رابطة دول جنوب شرق آسيا، محاكاة نموذج الاتحاد الأوروبي لأسطول مكافحة الحرائق المشترك، وفق معايير المخاطر المناخية المحددة التي يواجهونها في مناطقهم الجغرافية. 

ويخطط قادة الاتحاد الأوروبي لبناء قدرة دائمة بحلول عام 2030، ويعملون بالفعل على توسيع عدد طائرات مكافحة الحرائق التي تمولها الكتلة وتشتريها دول فردية. ومثل هذا النهج ليس منطقياً من الناحية المالية فحسب للبلدان ذات الميزانيات المحدودة والأولويات الأمنية المتنافسة، بل يوفر أيضاً فرصاً لتعزيز الثقة وتبادل أفضل الممارسات وضمان التشغيل البيني بين الجيوش المجاورة وخدمات الحماية المدنية.

أخيراً، حتى لو خُفِّضَت جميع الانبعاثات غداً، ستستمر درجات الحرارة في الارتفاع على مدى السنوات العشر إلى العشرين القادمة، وستشتدّ الأحوال الجوية القاسية، وستنتشر حرائق الغابات. وستُدعَى الجيوش في الدول، الغنية والفقيرة على حد سواء، للاستجابة. إنَّ تخصيص الوقت لتعلم الدروس من الأحداث المناخية هذا الصيف، وتنفيذ مناهج جديدة، سيساعد الجيوش في جميع أنحاء العالم في الحفاظ على أمن أراضي بلدانهم ومواطنيها، ووضع العالم على مسار أكثر استقراراً.

تحميل المزيد