يواجه الرئيس السابق دونالد ترامب، وأفراد عائلته محاكمة مدنية بتهمة "النصب"، فماذا يعني ذلك لمستقبله السياسي؟ وكيف رد على ذلك القرار من جانب المدعية العامة في نيويورك؟
ليتيتا جيمس، المدعية العامة في ولاية نيويورك، رفعت دعوى قضائية كاسحة ضد الرئيس الأمريكي السابق وثلاثة من أبنائه البالغين ومنظمة ترامب، وقالت إنهم "متورطون في عملية احتيال واسعة النطاق استمرت لأكثر من عقد، استخدمها الرئيس السابق لإثراء نفسه".
يأتي هذا التطور من جانب جيمس بعد 3 سنوات من التحقيق في معاملات ترامب المالية وأنشطته التجارية، وهو ما يمثل فصلاً جديداً من فصول الملاحقات القضائية التي يتعرض لها الرئيس السابق، ولا تتوقف فقط عند ثروته، إذ يواجه تحقيقات أخرى مرتبطة بدوره في أحداث اقتحام الكونغرس، ودعاوى تحرش جنسي والقائمة تطول.
ما تفاصيل اتهام ترامب بـ"النصب"؟
خلال مؤتمر صحفي عقدته ليتيتا جيمس في مكتبها، الأربعاء 21 سبتمبر/أيلول، قالت إنها رفعت دعوى مدنية ضد الرئيس السابق وعائلته "لقيامهم بتضخيم تقييمات أصول وخفض صافي ثروته بالمليارات بهدف الحصول على مزايا ضريبية وتأمينية"، وأضافت أن مكتبها يسعى إلى تغريم الرئيس السابق 250 مليون دولار وحظر عائلته من "إدارة الأعمال التجارية في نيويورك بشكل نهائي"، ومنعه وشركته من شراء أملاك في الولاية لمدة خمس سنوات، مشيرة إلى اعتزام مكتبها القيام بإحالة جنائية بشأن القضية إلى وزارة العدل.
ووفقاً للادعاءات، يُقال إن المتهمين زادوا أو قلصوا مواردهم المالية حسب احتياجاتهم، على سبيل المثال لتسهيل الحصول على القروض أو لدفع ضرائب أقل. وقالت جيمس إن المصرف الألماني "دويتشه بنك" يفترض أيضاً أنه منح مثل هذه القروض.
وقالت جيمس للصحفيين: "قام دونالد ترامب بتضخيم ثروته زوراً بمليارات الدولارات لإثراء نفسه بشكل غير قانوني وخداع النظام، ومن خلال ذلك خدعنا جميعاً".
وأوضحت المدعية العامة لولاية نيويورك أنها، على مدار ثلاث سنوات، قادت تحقيقات مدنية في إمبراطورية شركة ترامب، وتحدثت مع 65 شاهداً من أجل رفع قضية وقامت بمراجعة وتقييم "ملايين الوثائق".
وكشفت أوراق القضية التي رفعتها جيمس، أن "ترامب ومنظمة ترامب والمدعى عليهم الآخرين قد قاموا بتقديم أكثر من 200 بيان خادع ومضلل بشأن قيمة أصولهم، منها 11 بياناً خلال الفترة من 2011 وحتى 2021″، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
ووصفت جيمس ما قام به ترامب على أنه سيناريو متكرر، تكون فيه القيمة السوقية لأصوله أقل كثيراً مما يتم ذكره في بياناته المالية، مضيفةً أن الرئيس السابق كان "يحصد أرباحاً مالية ضخمة" في كل مرة يقدم فيها معلومات مضللة، شملت 150 مليون دولار من خلال أسعار فائدة تفضيلية قدمتها له بنوك بناءً على معلومات مضللة قدمها فريقه لتلك البنوك.
وقالت المدعية العامة في نيويورك إن التضليل في البيانات المالية لترامب شمل "تقريباً أغلب، إن لم يكن جميع، الأصول العقارية لشركته في أي عام من تلك الأعوام، وضمن ذلك العديد من مشاريع ترامب العقارية الأكثر شهرة".
وبحسب جيمس، كان ترامب قد قدر قيمة ناديه مارالاغو في فلوريدا بنحو 739 مليون دولار، في حين كانت القيمة الفعلية للمنتجع لا تزيد ربما على عُشر ذلك المبلغ، متهمةً الرئيس السابق بأنه يرفع من القيمة السوقية لأصوله من خلال إضافة تكلفة "القيمة التجارية المميزة"، وهو أمر تحظره المبادئ المحاسبية في النظام المالي الأمريكي.
ما رد ترامب على الدعوى؟
الفريق القانوني لترامب، من جانبه، يرى أن لائحة الاتهام عبارة عن "هراء"، وقالت ألينا هابا، محامية ترامب، في بيان: "الدعوى المرفوعة اليوم لا تركز على الحقائق ولا على القانون، بل تركز فقط على دفع الأجندة السياسية للمدعي العام. من الواضح تماماً، أن مكتب المدعي العام قد تجاوز سلطاته القانونية بالتطفل على المعاملات التي لم تقع فيها أي مخالفات على الإطلاق."
وأضاف البيان، بحسب فوكس نيوز: "ونحن واثقون بأن نظامنا القضائي لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الانتهاك السافر للسلطة، ونتطلع إلى الدفاع عن موكلنا ضد كل مزاعم المدعي العام التي لا أساس لها من الصحة".
أما ترامب نفسه، فقد أصدر بياناً هاجم فيه جيمس واتهمها بأنها تمثل حلقة من سلسلة "مطاردة الساحرات"، التي يتعرض لها لأسباب سياسية، وهي الحجة التي يكررها الرئيس السابق، الذي يصر على أنه ضحية اضطهاد سياسي بسبب "شعبيته الجارفة".
فالرئيس السابق يقول إن خصومه السياسيين يشنون عليه "حملة اضطهاد سياسي"؛ خوفاً من شعبيته الجارفة، بينما يرى الديمقراطيون برئاسة جو بايدن أن ترامب يمثل خطراً على البلاد وينتهك القانون ولابد من معاقبته.
ومنذ النهاية الدرامية لفترة رئاسته (2016-2020)، أصبح دونالد ترامب الرقم الأصعب على الإطلاق في الحياة السياسية الأمريكية، إذ يتمتع بشعبية كبيرة داخل الحزب الجمهوري، وجاءت أحداث شهر أغسطس/آب الجاري لتشعل الأجواء بصورة غير مسبوقة، في أعقاب مداهمة قوات من مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI منتجع دونالد ترامب "مارالاغو"، فهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي تداهم فيها قوات الأمن منزل رئيس سابق بناءً على مذكرة تفتيش فيدرالية.
لكن ترامب ملاحَق من جانب الأجهزة القضائية الفيدرالية لعدد من الأسباب، منها ما يتعلق بالتهرب الضريبي ومنها ما يتعلق باقتحام أنصاره الكونغرس الأمريكي يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، إضافة إلى نقل الرئيس السابق مستندات مصنفة على أنها "سرية للغاية" من مكانها داخل البيت الأبيض إلى منزله الخاص، وهو ما دافع عنه ترامب بقوله إن تلك المستندات "لم تعد سرية، لأنني رفعت عنها السرية".
ورداً على الدعوى المدنية بشأن "النصب"، قال ترامب عبر قناة Fox News: "اعتقدت أنهم لن يرفعوا دعوى أبداً، ولقد رفعتها هي. سبب اعتقادي هو أنها لا تملك قضية، كنت تحت انطباع أنها أرادت تسوية. لكن لدي مشكلة، فكيف تدفع مالاً، حتى لو كان قليلاً، إن لم تكن مذنباً بأي شيء. هذا استمرار لمطاردة الساحرات التي بدأت عندما نزلت أسفل السلالم المتحركة في برج ترامب".
كان محامي ترامب السابق مايكل كوهين، في حديث له مع CNN قال إن ترامب "سيكذب"، مضيفاً: "هو يكذب دون عقاب لتبرير السؤال أو القضية التي تواجهه، أياً كانت. هذه ميزته، هذه قوته الخارقة. يكذب دون عقاب ولا يأبه لذلك".
ماذا تعني محاكمة الرئيس السابق بتهمة "النصب"؟
الدعوى التي رفعتها جيمس عبارة عن قضية مدنية، وهو ما يعني أنها قد تستغرق سنوات لتنظرها المحاكم من الأساس، وعلى الأرجح ستمر شهور حتى يتوصل الجانبان إلى اتفاق بشأن شكل وطبيعة تلك المحاكمة، طبقاً للنظام القضائي والعدلي في ولاية نيويورك.
أي إن مكتب المدعية العامة والفريق القانوني لترامب يمكنهما أن يتوصلا إلى تسوية تنهي الدعوى قبل نظرها أمام المحكمة، بحسب تقرير لشبكة CNN، لكن مصادر أخبرت الشبكة بأن فريق ترامب عرض بالفعل دفع مبالغ مالية (لم تحددها المصادر) كغرامات مقابل إغلاق التحقيق، إلا أن مكتب جيمس رفض، وهو ما يشير على الأرجح إلى أن سيناريو التسوية قد لا يكون وارداً.
لكن على أية حال، الدعوى مدنية وليست جنائية، أي إن ترامب لا يواجه خطر تشويه سجله الجنائي أو دخول السجن، وأقصى عقوبة هي الغرامة المالية وإلغاء رخصة شركته والمنع من ممارسة أي عمل تجاري في نيويورك، هذا بطبيعة الحال إذا وصلت الدعوى إلى المحاكمة وصدر الحكم فيها بالفعل لصالح المدعية العامة.
لكن في الوقت نفسه يرفع خيار الدعوى المدنية عن كاهل مكتب جيمس عبء تقديم أدلة قاطعة لإثبات تهمة التلاعب والنصب على ترامب كي تقبل أوراق الدعوى، عكس الحال في الدعوى الجنائية، ومع ذلك تركت جيمس "الباب مفتوحاً" على كل الاحتمالات خلال مؤتمرها الصحفي، بمعنى أنه إذا تمكن فريقها من الحصول على أدلة تثبت "التعمد وسوء النية من ترامب عندما قدم البيانات المضللة"، فقد تصبح الدعوى جنائية.
ويواجه ترامب تحقيقاً جنائياً بالفعل، من جانب مكتب المدعي العام في مانهاتن، بحسب بيان المكتب نفسه الأربعاء 21 سبتمبر/أيلول، لكن يواجه المحققون صعوبات في التوصل إلى "شاهد أساسي من الداخل"، أي داخل منظمة ترامب التجارية، وهو ما يصعّب مهمة إثبات "تعمّد تقديم بيانات مضللة".