اشتعلت خلال الأسابيع الأخيرة اشتباكات عنيفة بين المسلمين والهندوس في مدينة ليستر البريطانية، عقب مباراة كريكت جمعت الهند وباكستان، في 28 أغسطس/آب الماضي، ارتفعت وتيرتها خلال الأيام الأخيرة، حيث تخللها ترديد شعارات مناهضة للمسلمين أمام المساجد وتحطيم سيارات واشتباكات مباشرة، وسط محاولات من الشرطة لضبط الأمن، وتنديد واسع على منصات التواصل الاجتماعي.
ويربط كثيرون بين التوتر الذي يهز العلاقة بين مسلمين والهندوس في مدينة ليستر البريطانية مع تصاعُد خطاب الكراهية ضد المسلمين في الهند منذ تولي رئيس الوزراء اليميني ناريندرا مودي الحكم. فما قصة احتجاجات ليستر، وما علاقة القومية الهندوسية بهذه الأحداث؟
ما هي "الهندوتفا" التي تسببت باضطرابات مدينة ليستر وكيف انتشرت خارج الهند؟
في 17 سبتمبر/أيلول، خرجت مجموعة من الرجال الهندوس إلى شوارع مدينة ليستر، وهم يهتفون "جاي شري رام"، وهي تحية هندوسية عُرفت بأنها تستخدم لاستنفار عصابات ما يعرف بـ"الهندوتفا"، أي "القومية الهندوسية"، لحشدها للعنف ضد المسلمين في الهند.
وتقول صحيفة The Guardian البريطانية، إنه منذ وصول ناريندرا مودي وحزبه "بهاراتيا جاناتا" القومي اليميني إلى السلطة في الهند عام 2014، ابتُعثت حملة واسعة النطاق لحشد هنود الشتات من أجل مساندة حزب بهاراتيا جاناتا، وأصابت تلك الحملة نجاحاً كبيراً، لا سيما في بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا، واعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي في المقام الأول.
ففي حين أن الهنود في الخارج لا يمكنهم التصويت في الانتخابات المحلية، إلا أنه من المعروف أنهم يحتفظون بروابط قوية مع عائلاتهم في الهند، وغالباً ما يكون لديهم كثير من الثروة والنفوذ. ويكفي مثالاً على ذلك فاعلية "مرحى مودي" (Howdy Modi) التي نظمها أنصار مودي في ولاية تكساس الأمريكية خلال زيارة له إلى البلاد، وحضرها الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، و50 ألفاً من مؤيديه.
تزامن الحشد العالمي لمناصرة بهاراتيا جاناتا أيضاً، مع اتساع شهرة مجموعات الهندوتفا والمنظمات الخيرية المساندة لها في الولايات المتحدة. وقد اتهمت بعض هذه المنظمات بالسعي إلى تقويض الحرية الأكاديمية في الجامعات من خلال مهاجمة الأكاديميين المعنيين بدراسة التاريخ الإسلامي للهند.
وفي هذا السياق، أشارت مزاعم إلى أن منظمي مؤتمر أكاديمي، عُقد في سبتمبر/أيلول 2021 بالولايات المتحدة، بشأن "الهندوتفا"، تلقوا آلاف التهديدات بالاغتصاب والتعنيف والقتل، من جماعات قومية هندوسية متطرفة. وتعرضت "جمعية رجال الأعمال الهندية" في الولايات المتحدة لانتقادات حقوقية في أغسطس/آب، لإحضارها جرافات، مزينة بصور مودي والوزير المتعصب يوغي أديتياناث، إلى موكبين للاحتفال بعيد الاستقلال الهندي في ولاية نيوجيرسي.
أصبحت الجرافات رمزاً لقمع المسلمين في الهند، بعد أن استخدمتها الحكومة وأنصارها مراراً لهدم منازل الناشطين والمواطنين المسلمين، تحت ذريعة عدم قانونية المباني. وقد احتفى أنصار الهندوتفا المتعصبون بأديتياناث، لأنه يوصف بينهم بزعيم حركة هدم بيوت المسلمين بالجرافات.
وعلى النحو نفسه، بدأت الأيديولوجية القومية الهندوسية تطل برأسها في بريطانيا، وانتشرت بين الهندوس البريطانيين، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، رسائل واتساب تتضمن مقاطع فيديو لدعاة اليمين الهندوسي المتطرف المعادي للمسلمين.
ما هي القومية الهندوسية؟
القومية الهندوسية أيديولوجية سياسية تعود نشأتها إلى القرن التاسع عشر، وتضم مجموعات شتى، لكنها تجتمع في جوهرها على الاعتقاد بأن الهوية والثقافة القومية الهندية لا تنفصلان عن الديانة الهندوسية.
بدأت القومية الهندوسية تكتسب شهرتها في أوائل القرن العشرين، ضمن حركة الاستقلال في الهند، فقد كانت الحركة تسعى إلى فصل نفسها عن كلٍّ من هوية الحكم الاستعماري البريطاني، ورمزية سلالة المغول الإسلامية التي حكمت الهند منذ القرن السادس عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر.
شاع مصطلح "هندوتفا"، الذي يعني "القومية الهندوسية"، في كتابات السياسي الهندي فيناياك دامودار سافاكار في عشرينيات القرن الماضي، حتى أصبح المفهوم السائد للقومية الهندوسية في الهند. ويرتكز هذا المفهوم على الإيمان بهيمنة الهندوسية في الهند، وأن الدولة في الهند يجب أن تكون دولة هندوسية وليست علمانية. ويعدُّ الهندوس في هذا المفهوم مجموعة عرقية وليست دينية.
نُسبت أيديولوجية "الهندوتفا" إلى التطرف اليميني والفاشية لِما انطوت عليه الحركة التابعة لها من دعوات إلى النقاء العرقي، وارتباط باضطهاد الأقليات، لا سيما العداء لمسلمي الهند وأعمال العنف ضدهم. وتبلغ نسبة الهندوس 80% من سكان البلاد، أما المسلمون فتبلغ نسبتهم 14%.
مَن المنتمون إلى "منظمة التطوع الهندية الوطنية" RSS؟
يكمن في قلب الحركة القومية الهندوسية في الهند جماعةُ "راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، أي "منظمة التطوع الهندية الوطنية"، وهي مجموعة متطوعين نشأت في عشرينيات القرن الماضي، ولا يُسمح إلا للقوميين الهندوس بالانضمام إليها، وتوصف عادة بأنها منظمة شبه عسكرية (ميليشيا).
تأسست هذه المنظمة لفرض الوحدة وبث الانضباط في المجتمع الهندوسي، وإعداده لبناء "الهندوس راشترا"، أي الأمة الهندوسية. وهي لا تزال تعمل إلى اليوم على نشر عقيدة "الهندوتفا"، وتضم 5 ملايين منتسب إليها.
تتزعم منظمة التطوع الهندية ما يُعرف بحركة "سانغ باريفار"، وهو اسم شامل لمجموعة من المنظمات القومية الهندوسية التي عملت على إنشاء مدارس وجمعيات خيرية ونواد لنشر دعواها، وارتبطت بكثير من أعمال العنف الطائفي.
وقد حظرت السلطات الهندية هذه الحركة ثلاث مرات منذ إنشائها، كان أولها بعد اغتيال غاندي على يد منتمٍ سابق لمنظمة التطوع عام 1948، ثم أثناء ما يُعرف بـ"حالة الطوارئ" الهندية (1975 إلى 1977)، والمرة الثالثة بعد أن هدم المتطرفون الهندوس "مسجد بابري" التاريخي عام 1992.
خرج حزب "بهاراتيا جاناتا"، الحزب السياسي الحاكم في الهند حالياً، من رحم منظمة التطوع الهندية، وما زال الارتباط الوثيق قائماً بينهما.
ما هو حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي؟
كانت القومية الهندوسية أحد أركان السياسة الهندية طيلة عقود، واستخدمتها الأحزاب الكبرى في الهند، مثل "المؤتمر الوطني" وحزب "بهاراتيا جاناتا"، أداةً سياسية شعبوية لكسب أصوات الأغلبية الهندوسية في مرات عديدة.
مع ذلك، فإن وصول حزب بهاراتيا جاناتا، بقيادة رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، إلى السلطة في عام 2014، كان إيذاناً بهيمنة القومية الهندوسية هيمنةً كاملة على المشهد السياسي الهندي. ويصف كثيرون حزب بهاراتيا جاناتا بأنه الجناح السياسي لمنظمة التطوع الهندية- لا سيما أن مودي نفسه كان منتمياً إليها في شبابه- والقومية الهندوسية اليمينية جزء من صميم البرنامج السياسي للحزب. ومع أن حزب بهاراتيا جاناتا بعاتب حركة الهندوتفا في العلن، لكنه كثيراً ما يدفع عنها اتهامات ارتباطها بأعمال العنف، ويزعم أن مشروعها الثقافي غايته التوعية بتراث الهند وتاريخها.
يؤسِّس دستور الهند، الذي صيغ في عام 1950 بعد الاستقلال عن بريطانيا، لبقاء الهند دولة ديمقراطية علمانية، إلا أن حزب بهاراتيا جاناتا يُتهم منذ وصوله إلى الحكم بتمرير سياسات تثير الفتن وتستدعي الانقسامات الدينية، والسعي إلى جعلِ الهند دولة هندوسية، ما أدى إلى تاجيج التعصب والعنف الطائفي في البلاد وتزايد الهجمات على الناشطين المسلمين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني.
أفضى تعميم سياسات الهندوتفا إلى انتشار رواية لا أساس لها بين الناس بأن الهندوس في الهند مُهدَّدون من المسلمين، سواء أكان ذلك بالتغيير الديموغرافي، أم بالزواج المختلط بين المسلمين والهندوس، أو بزيادة المهاجرين المسلمين غير الشرعيين. وقد تحجَّج حزب بهاراتيا جاناتا بذلك لتمرير قوانين جديدة بشأن الجنسية وتقييد الزواج المختلط، ووصفت هذه القوانين بأنها تنطوي على تمييز متعمد ضد الأقليات.