تشهد الصومال تطوراً لافتاً من خلال ما يعرف بـ"ثورة القبائل الصومالية ضد حركة الشباب" التي يرى بعض المحللين أنها قد تستطيع أن تحقق ما أخفقت فيه قوات الحكومة وقوات الاتحاد الإفريقية والقوات الأمريكية، وهو القضاء على حركة شباب المجاهدين أو إضعافها على الأقل.
واتفق محللون على أن الحكومة الصومالية تحاول استثمار ما تطلق عليها الثورة الشعبية أو ثورة القبائل الصومالية ضد "حركة الشباب"، في بعض الولايات لتتمكن من دحر التنظيم الإرهابي، واحتواء نشاطه في الجنوب والوسط على الأقل.
وفي حين تزايدت هجمات "الشباب"، أخيراً، في منطقة القرن الإفريقي، خصوصاً في إثيوبيا وكينيا، عبر شن هجمات عصابات، فإن الحركة تراجعت وسط الصومال، بعد أن انتزعت القوات الحكومية وميليشيات قبلية مسلحة السيطرة على بلدات وقرى في إقليم هيران من يد "الشباب".
ثورة القبائل الصومالية ضد حركة الشباب تتم بدعم من الحكومة والجيش
وبدأت ميليشيات محلية قبلية متحالفة مع القوات الحكومية تمرداً مسلحاً ضد حركة الشباب في بعض مناطق البلاد.
وقتلت ميليشيا صومالية، متحالفة مع الحكومة، ما لا يقل عن 45 من مقاتلي حركة الشباب وقطعت رؤوس بعضهم، في ظل حمل المواطنين في مناطق وسط البلاد السلاح على نحو متزايد في وجه المسلحين.
ونقلت وكالة رويترز عن 3 شهود، الأحد، 18 سبتمبر/أيلول 2022 قولهم: "إن واقعة قطع الرؤوس جاءت يوم السبت، في أعقاب معركة بإقليم هيران بولاية هيرشبيلي؛ حيث اندلع قتال كبير خلال سبتمبر/أيلول بين حركة الشباب والميليشيات التي توسعت في الآونة الأخيرة والمتحالفة مع الحكومة الاتحادية.
وقالت وسائل إعلام حكومية إن قوات الجيش الصومالي قتلت خلال ما وصفته بعملية نوعية، عدداً غير معلوم من عناصر الحركة ودمرت تمركزاتهم في منطقة بصرة التابعة لمحافظة شبيلي الوسطى، قال الجيش الصومالي إنه استولى على عدة قرى في منطقة بولوبورت وصادر قوارب استخدمها الإرهابيون لعبور النهر ولوجستيات النقل، حسبما نقلت عنه جريدة الشرق الأوسط السعودية.
وتنتشر "الشباب" في عدة أقاليم في الصومال منذ ظهورها على الساحة في 2006، حيث تسيطر بشكل شبه كامل على إقليم جوبا الوسطى، وقرى وبلدات في إقليم جوبا السفلى، هذا إلى جانب انتشار عناصرها من جنوب البلاد إلى وسطها، وتسعى لإقامة نظام حكمها الخاص على أساس تفسير متشدد للشريعة، وكثيراً ما تشن ضربات وهجمات بالأسلحة النارية وغيرها على أهداف عسكرية ومدنية.
وتوعدت "حركة الشباب" الصومالية المتطرفة بمهاجمة القبائل المتحالفة مع الجيش الصومالي، وهددت بشن حرب عليها بسبب تلقيها سلاحاً من الحكومة. واتهمت الحركة المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، الحكومة الصومالية بتعبئة العشائر التي كانت متحالفة في السابق معها. واعتبر عبد العزيز أبو مصعب المتحدث باسم الحركة أنها ليست في حالة حرب مع هذه العشائر الصومالية، ولكنها كانت على علم بأن الحكومة الفيدرالية كانت تقوم بتسليحها.
أسباب هذه الثورة
عوامل عدة ساهمت في تفجر ثورة عشائرية مسلحة ضد حركة الشباب في بعض الولايات الفيدرالية، بحسب المحللين.
من بين هذه العوامل الأزمة الإنسانية التي يعيشها المواطنون، إلى جانب الأوامر المتشددة والإتاوات غير الشرعية المفروضة عليهم في هذا الظرف الإنساني الصعب.
ناهيك عن هدم الآبار المعدودة، التي تشكل مصدر المياه الوحيد للقرويين، في ظل الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد.
يقول الأستاذ الجامعي أحمد يوسف، للأناضول، إن "هذه الثورة نتيجة تراكم الضغوط على المواطنين، وردة فعل من تصرفات مقاتلي الشباب".
وأشار إلى فرض مسلحي الشباب، الإتاوات على المواطنين، وخاصة في هذا الظرف الإنساني، الذي يعاني نصف السكان من أزمة إنسانية حادة نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد.
وأشاد الرئيس حسن شيخ محمود، في مؤتمر صحفي، عقد في 12 سبتمبر/أيلول الجاري، بالثورة العشائرية المسلحة، التي نتجت عن تراكم الاعتداءات التي يمارسها الإرهابيون بحق المواطنين وممتلكاتهم.
وأشار الرئيس شيخ محمود إلى أن الحكومة ستستخدم كل وسائل الحرب لدحر الإرهابيين في جميع أقاليم البلاد.
من جهتها، علقت السفارة الأمريكية في العاصمة مقديشو على العمليات الأمنية، التي تشهدها بعض الولايات الفيدرالية، قائلة إن "نهوض السكان في وجه الشباب، وبدعم من القوات الحكومية والفيدرالية، سيحرر الصومال من الدمار الذي سببه العنف المتطرف".
وتشهد كل من الولايات الفيدرالية المحلية؛ هيرشبيلي، وجنوب غرب الصومال، وغلمدغ، عمليات أمنية بين القوات الحكومية وميليشيات عشائرية مسلحة من جهة، وبين مسلحي حركة الشباب من جهة ثانية.
وأدت هذه المواجهات إلى خسارة حركة الشباب، أكثر من 20 بلدة كانت تخضع لسيطرتها، بحسب وزارة إعلام محلية.
الحركة تواجه حرباً على جبهتين مختلفتين
تزامن تفجر الثورة العشائرية المسلحة في وقت تستعد فيه الحكومة لإطلاق حرب ضد مسلحي الشباب، ما يضع الحركة في موقف ضعف لمواجهة جبهتين حربيتين مختلفتين، في آن واحد، بحسب محللين.
يقول عبد القادر هاجر، المحلل في مركز "سهن" للبحوث، للأناضول، إن "الظرف الأمني الذي تعيش فيه حركة الشباب في هذا التوقيت، يشكل فرصة أمنية ثمينة للحكومة، في حال استثمرت تلك الفرص بطريقة استراتيجية وفعالة".
وأضاف هاجر: "الثورة العشائرية المسلحة ضد مقاتلي الشباب في بعض الولايات الفيدرالية أظهرت أوجه ضعف قدراتهم الأمنية".
وأوضح أن مسلحي الشباب تبين عدم قدرتهم على المواجهة "أمام هذه الثورة، التي اندلعت نتيجة ممارستهم المتشددة، والضرائب الكبيرة التي تفرض على القرويين".
العشائر تستطيع الوصول لمناطق بعيدة عن يد الحكومة
وأشار المحلل السياسي إلى أن "الاستراتيجية الأمنية الحكومية الحالية لدعم الميليشيات العشائرية، تُغير مجريات الحرب المعهودة بين القوات الحكومية ومقاتلي الشباب".
وبيّن أن "العشائر المسلحة بإمكانهم الوصول إلى مناطق لا يمكن للقوات الحكومية الوصول إليها، واستهداف عناصر الشباب في عقر دارهم".
واعتبر هاجر أن "الثورة العشائرية بمثابة فرصة نادرة للحكومة قد لا تتكرر ثانية، لأنها نابعة من تراكم الاعتداءات الإرهابية طيلة الـ15 سنة الماضية".
وتابع أن هذه الثورة "تعكس مدى جاهزية الشعب الصومالي للحد من ممارسة الإرهابيين، وعلى الحكومة دعم تلك الميليشيات عسكرياً".
من جهته، قال عبد الرحمن يوسف، نائب وزير الإعلام، في تصريح صحفي، "حان الوقت لكي يسترد الشعب حقوقه وكرامته من الإرهابيين".
وحذر يوسف "كل من يحاول إجهاض هذه الثورة، من خلال إثارة النعرات القبلية بين القبائل التي تحارب حركة الشباب".
وأشار نائب وزير الإعلام عبد الرحمن يوسف إلى أن حركة الشباب تسببت في إشعال الصراعات بين القبائل، من خلال أشخاص يتلقون دعماً مالياً من الحركة لتأجيج الصراعات القبلية، محذراً الشعب الصومالي من تلك المؤامرة.
وتابع أن "الحكومة تسعى جاهدة لتعزيز التعاون مع المواطنين من خلال دعم الميليشيات المسلحة، لاجتثاث جذور الإرهابيين، وجعلهم يدفعون الثمن على أفعالهم الوحشية الإجرامية".
وحذر الرئيس شيخ محمود، أفراد الشعب الصومالي من الاقتراب من مواقع مسلحي حركة الشباب، كونها هدفاً للقوات الحكومية، التي ستستخدم كل وسائل الحرب لدحر الإرهابيين، بما فيها الغارات الجوية.
الحركة ترد من خلال عمليات قتل جماعي، وتختطف بعض أفراد القبائل للضغط عليها
تستمر التحالفات العشائرية المسلحة في كل من ولايات هيرشبيلي وغلمدغ وجنوب غرب الصومال، لمواجهة مسلحي حركة الشباب، وتحريرها من مناطق سكناهم.
فيما تستميت الحركة في إخماد هذه الثورة بالقوة من خلال القتل الجماعي والتخويف وهدم مصادر المياه في تلك الأقاليم.
وحول ما إذا كانت هذه الثورة العشائرية ستدفع الحركة للانسحاب من تلك الأقاليم، اعتبر يوسف أنها "ستكون بمثابة ضربة قاضية للشباب".
وأوضح "ليس للانسحاب فقط، وإنما إزالة نفوذها داخل القبائل، حيث كانت تمارس أنشطتها بكل أريحية من خلال عناصرها، لكن بعد الثورة لن يكون الأمر سهلاً بالنسبة لها".
وأردف: "مقاتلو الشباب كانوا يمارسون سياسة التخويف لتقويض قدرة أي عشيرة على الرد، لكن بسبب فتح جبهات العشائر المختلفة أمامها لم تتمكن حالياً من إخماد الثورة".
ولفت المحلل السياسي إلى أن ذلك "أدى إلى تلقيها خسائر متلاحقة في ميادين القتال، ما سيؤثر سلباً على عملياتها النوعية ضد القوات الحكومية والمراكز العسكرية للقوات الإفريقية (أتميس)".
وبحسب مصادر عشائرية، للأناضول، فإن مقاتلي الشباب اعتقلوا عشرات من السكان القرويين المنتمين إلى العشائر المسلحة في غلمدغ، واقتادوهم إلى أماكن مجهولة، لاستخدامهم كعامل ضغط ضد تلك القبائل.
لكن هذه الخطوة لم تغير مسار الثورة، وإنما زداتها اشتعالاً، حيث أعلنت تلك العشائر استعدادها لتحرير مناطقها من مقاتلي الشباب.
لماذا تثور القبائل ضد الحركة بعدما كان بعضهم متحالفاً معها؟
تشكل القبيلة بالنسبة لعناصر الشباب، بيئة مناسبة لتمرير أجنداتها والعيش فيها دون أي ملاحقات أمنية، وبعلم من سكان القبيلة.
ويستمر هذا الوضع ما دامت القبيلة في أمان، وغير مستهدفة بالعمليات الإرهابية التي تنفذها حركة الشباب، والتي غالباً ما تستهدف العاملين في الهيئات الحكومية، بحسب المحللين.
يقول المحلل السياسي أبتدون عبدي، للأناضول، إن "الثورة العشائرية التي تشهدها بعض الولايات الفيدرالية تشير إلى أن حركة الشباب بدأت تخرج عن عباءة القبائل".
واستطرد عبدي أن ذلك من شأنه أن "يتسبب في تداعيات كثيرة أمام حركة الشباب، في المرحلة المقبلة، وخاصة أمام الحرب التي أعلنتها الحكومة ضدها".
وأضاف أن "عامل القبيلة كان من أبرز الأسباب التي ساهمت في بقاء مقاتلي الشباب طيلة الفترة الماضية وصمودها أمام القوات الحكومية والإفريقية".
وأوضح عبدي أن "الحركة كانت تعيش مع القبائل بصورة رسمية أو غير رسمية، وكانت تتفادى دائماً استهداف قبيلة بعينها، نظراً لحساسية هذا الأمر بالنسبة للصوماليين".
ومضى قائلاً: "لكن بعد ممارساتها وأفعالها المتشددة الأخيرة، كتجنيد الأطفال بالقوة، وتهديد حياة القرويين وممتلكاتهم، في ظل هذه الأزمة الإنسانية، يبدو أن الحركة ستخسر ثقة القبائل؛ ما سيؤثر عليها اقتصادياً وأمنياً في المرحلة المقبلة".
وتوقع عبدي أن تواجه حركة الشباب، عقبة كبيرة في المرحلة القادمة، حتى عند تنفيذ عملياتها الأمنية.
وأوضح: "كان مقاتلو الحركة يتنقلون بأريحية من منطقة لأخرى دون عقبات، وخاصة عند تنفيذ الهجمات النوعية التي تستهدف المنشآت والمراكز الحكومية، بينما لا يمكنهم في المرحلة المقبلة النشاط بين تلك القبائل، وتنفيذ مهامهم الأمنية كالاغتيالات".
وأشار عبدي إلى أن "تسجيل أبو مصعب، الناطق باسم عمليات الشباب، حول عدم نية الحركة في استهداف قبيلة بعينها، يعكس مدى خطورة هذه الثورة العشائرية على أنشطة الحركة في المرحلة المقبلة".
لكن المراقبين يتفقون على أن أي انتصار على حركة الشباب في المعركة الحالية، يتوقف على الاستراتيجية التي ستعتمدها الحكومة لاستغلال هذه الهبة وتطويعها لصالح الحكومة.