عقب فوز غير مسبوق لأحزاب اليمين واليمين المتطرف المناهضة للهجرة في الانتخابات التشريعية في السويد، التي عُقدت الأحد، 11 سبتمبر/أيلول 2022 أقرت رئيس الوزراء السويدية، ماغدالينا أندرسون، بهزيمة كتلتها "اليسار الوسط" بفارق ضئيل، وأعلنت أنها ستقدم استقالتها.
ومن أصل 349 مقعداً في البرلمان السويدي، حصلت كتلة اليمين المعارضة على 176 مقعداً بفضل تقدم حزب "ديموقراطيي السويد" اليميني المتطرف، بعد فرز أكثر من 99% من الأصوات.
وكانت أندرسون أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في السويد العام الماضي، قالت إن النتائج تُظهر أن التكتل اليميني قد فاز، وأضافت: "يتفوقون بمقعد أو اثنين في البرلمان، إنها أغلبية بهامش ضئيل، لكنها أغلبية".
ماذا يعني فوز اليمين المتطرف في السويد؟
تتألف الكتلة اليمينية التي فازت بالانتخابات السويدية، من المعتدلين والليبراليين والديمقراطيين المسيحيين، وحزب "ديمقراطيو السويد" المناهض للهجرة.
من شأن فوز اليمين، بدعم من اليمين المتطرف، أن يفتح مرحلة سياسية جديدة بالسويد التي تستقبل كل عام أفواجاً من اللاجئين والمهاجرين، في وقت تستعد البلاد لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في الأول من يناير/كانون الثاني 2023، ولإنجاز آلية ترشيحها التاريخي للانضمام إلى الحلف الأطلسي.
في المقابل، من شأن فوز اليسار وخسارة تكتل القوميين-المحافظين أن يدفع اليمين إلى التقرّب من الاشتراكيين الديمقراطيين. وكانت قد هيمنت على الحملة الانتخابية مواضيع تدعم حظوظ المعارضة اليمينية، كالإجرام وتسوية الحسابات الدامية بين العصابات، ومشكلات اندماج المهاجرين، والزيادة الحادة في فواتير الوقود والكهرباء وغيرهما.
ولم يسبق أن اعتمدت حكومة سويدية على دعم حزب "ديموقراطيي السويد" القومي المناهض للهجرة، والذي خرج الفائز الأكبر في الانتخابات، بتحسين نتيجته بأكثر من 3 نقاط مئوية، مقارنة بالانتخابات السابقة.
ووُلد حزب الديمقراطيين القومي المعارض للهجرة من رحم الحركة النازية الجديدة في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد أن ظل لفترة طويلة حزباً هامشياً منبوذاً، دخل البرلمان بعد فوزه بنسبة 5.7% من الأصوات عام 2010، ثم ارتفعت النسبة إلى 17.5% عام 2018، ويتوقع أن تزيد هذه المرة على 20%.
ويعد ذلك صفعة كبيرة لحزب الديمقراطيين الاجتماعيين، الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء المنتهية ولايتها أندرسون، والذي حكم السويد منذ عام 2014 وسيطر على المشهد السياسي منذ الثلاثينيات.
صعود تيار اليمين المتطرف ليس حكراُ على السويد، بل لقد مثَّل اتجاهاً عبر أنحاء أوروبا في الأعوام القليلة الماضية. ورغم أن الأفكار القومية دائمة الحضور في السياسة الأوروبية، لكن المستويات المرتفعة من التأييد التي باتت تحظى بها أحزاب أقصى اليمين وما تروجه له من أفكار شعبوية متشددة أمر حديث العهد نسبياً.
كيف سيؤثر ذلك على المهاجرين واللاجئين في السويد؟
وطوال الأشهر الماضية، هيمنت سياسات الهجرة في السويد على البرامج السياسية للأحزاب المشاركة بالانتخابات البرلمانية التي أجريت في 11 سبتمبر/أيلول 2022.
وبالفعل استفادت أحزاب اليمين واليمين المتطرف في السويد من استقطاب أصوات الناخبين عبر انتقاد سياسة استقبال المهاجرين، التي أقرتها حكومة الوسط. وأدى التركيز على المهاجرين في الانتخابات إلى إنشاء تحالف بين حزب "ديمقراطيي السويد" الشعبويّ وحزب "المعتدلين" اليميني التقليدي.
يقول ديفيد كراوتش، الصحفي البريطاني البارز، الذي يعمل في السويد لوكالة الأناضول، إن "حزب ديمقراطيي السويد نجح في تحويل الطيف السياسي نحو اليمين، ما دفع بجزء كبير من أحزاب يمين-الوسط ويسار-الوسط إلى تبنّي رؤية اليمين المتطرف بشأن المهاجرين واللاجئين".
يرى كراوتش أن بعض الديمقراطيين الاشتراكيين البارزين في السويد، متعاطفون مع نهج الديمقراطيين الاشتراكيين في الدنمارك، الذين فازوا بانتخابات 2019، بعد تبنيهم موقف اليمين المتطرف بشأن الهجرة، وموقف اليسار المتطرف بشأن الرفاهية.
وقبل الانتخابات السويدية عام 2018، كان الديمقراطيون الاشتراكيون والمعتدلون اليمينيون التقليديون يفكرون بالفعل بتبنّي استراتيجية أقصى اليمين بشأن قضايا الهجرة والجريمة.
لكن مراقبون يرون أن هذا النهج أدّى إلى نتائج عكسية، حيث مكّن الحزب اليميني المتطرف من النمو واكتساب شعبية أكبر، خاصة بين الناخبين المعتدلين.
ويرى كراوتش أن دعم الناخبين لليمين المتطرف "ارتفع بشكل حادّ في العقد الماضي، عندما بدأت السويد باستقبال أعداد كبيرة من طالبي اللجوء من الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا".
وتابع: "يُلقي ديمقراطيو السويد باللوم على الهجرة المتزايدة كسببٍ لارتفاع معدلات جرائم العصابات العنيفة في المدن السويدية، لكنهم في الوقت نفسه يعادون بشكل أساسي المهاجرين، لا سيما المسلمين منهم".
صعود عام لتيارات اليمين المتطرف في أوروبا
تزامن صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا، مع تصاعد العداء للمسلمين، أو ما بات يعرف بـ"الإسلاموفوبيا"، وهي ظاهرة تستند إلى تنميط للمسلمين المهاجرين، وتروج لفكرة أنهم غير مندمجين في مجتمعاتهم، وأنهم يشكلون بؤراً للإرهاب.
على سبيل المثال، ثار جدل حول موقف اليمين الأوروبي المتطرف من الإسلام والمسلمين في أبريل/نيسان الماضي مع نشر السياسي اليميني الهولندي المتطرف، "خيرت فيلدرز"، زعيم حزب الحريات اليميني، مقطع فيديو على حسابه على"تويتر" عنون له بعبارة "لا للإسلام لا لرمضان..حرية، لا للإسلام".
ومما يزيد من مخاوف الجاليات المسلمة في أوروبا، سعي بعض الحكومات وأحزابها السياسية، للمزايدة على ما تطرحه أحزاب اليمين المتطرف، عبر تبني خطاب يتماهى مع خطاب تلك الأحزاب، بهدف كسب مزيد من الأصوات الانتخابية، وهو ما يدفع الحكومات إلى اتخاذ خطوات ضد الجاليات المسلمة لتعزيز موقعها في الشارع الانتخابي.
ويعطي مراقبون مثالاً على ذلك تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2020، التي أشار فيها إلى أن مسلمي فرنسا، يمكن أن يشكلوا "مجتمعاً مضاداً"، وأن الإسلام يواجه "أزمة" في جميع أنحاء العالم، وإعلانه عن خطة لمعالجة ما اعتبره "مجتمعاً موازياً" في فرنسا.