قمة “استثنائية” لمنظمة شنغهاي.. هل تنجح روسيا والصين بتشكيل جبهة موحّدة مناهضة للغرب؟

تم النشر: 2022/09/14 الساعة 13:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/14 الساعة 13:26 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي/رويترز

لأول مرة منذ غزو موسكو لأوكرانيا، سيلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ بنظيره الروسي فلاديمير بوتين شخصياً في قمة سمرقند بأوزبكستان، التي تعقد على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، في الوقت الذي يقاوم فيه الزعيمان الضغوط الجيوسياسية المتزايدة من الولايات المتحدة بسبب أزمتي أوكرانيا وتايوان. فما أهمية هذا اللقاء، وهل ينتج عن القمة "جبهة مناهضة" للغرب؟

الزعيم الصيني يفتتح رحلاته الخارجية بقمة شنغهاي بدلاً من "العشرين"

على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي ستعقد في الفترة من 15 إلى 16 سبتمبر/أيلول في أوزبكستان، سيجتمع بوتين وشي لعقد قمة مشتركة مع جدول أعمال مفصل، وسيكون حضور الزعيم الصيني بمثابة عودة إلى المسرح العالمي؛ حيث لم تطأ قدمه خارج بلاده منذ بداية الوباء.

وبحسب وكالة بلومبيرغ الأمريكية، كان من المتوقع في السابق أن يقوم شي جين بينغ بأول رحلة له إلى الخارج، لحضور قمة قادة مجموعة العشرين في بالي الإندونيسية، في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، والتي من المقرر أن يحضرها الرئيس جو بايدن أيضاً، إلى جانب بوتين.

لكن بدلاً من ذلك، ستكون رحلة الزعيم الصيني الافتتاحية، لحضور اجتماع لمجموعة ترى الصين أنها أكبر تكتل معارض ومنافس للتحالفات الغربية؛ حيث يأتي هذا القرار بحسب بلومبيرغ، مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الشهر الماضي إلى تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها. 

سعت بكين منذ ذلك الحين إلى الحصول على دعم دبلوماسي لموقفها، وقاومت دعوات الولايات المتحدة وحلفاءها لممارسة "ضبط النفس"؛ لذلك، يحتاج شي إلى الظهور بمظهر قوي على المسرح العالمي قبل انتخابات الشهر المقبل، حيث من المتوقع أن يفوز الزعيم الصيني بولاية ثالثة تاريخية في منصبه.

الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارة سابقة لموسكو،2017/ Tass

وسيضيف اجتماع شي- بوتين إلى فورة من النشاط الدبلوماسي بين بكين وموسكو في الأسابيع الأخيرة، حيث شاركت الصين هذا الأسبوع في مناورات فوستوك 2022 العسكرية المشتركة التي أجرتها روسيا في البحر الشرقي. أرسلت بكين أكثر من 2000 جندي وأكثر من 20 طائرة مقاتلة وثلاث سفن حربية إلى التدريبات، وهي المرة الأولى التي ترسل فيها الصين قوات من جميع فروع جيشها.

وبحسب صحيفة ًWashington post الأمريكية، تؤكد القمة المشتركة بين زعيما البلدين، على أهمية العلاقات الصينية الروسية، حتى في الوقت الذي تعرضت فيه بكين لانتقادات شديدة لدعمها روسيا طوال الحرب على أوكرانيا. 

في فبراير/شباط، قبل أسابيع من غزو القوات الروسية لأوكرانيا، زار بوتين الصين لحضور افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. ووقّع هو وشي على بيان مشترك يعلن أن شراكتهما "بلا حدود" ورسم رؤية لنظام دولي جديد لا يهيمن عليه الغرب.

لقاء "استثنائي" على وقع الحرب في أوكرانيا

يقول مسؤول صيني رفيع المستوى لوكالة Bloomberg، إن "الصين سعيدة لرؤية أنه في ظل قيادة الرئيس فلاديمير بوتين، لم يهزم الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. وبدلاً من ذلك، استقرت العملة الروسية في فترة زمنية قصيرة نسبيًا وأظهرت مرونة، ولا تزال الصين تنظر إلى روسيا كدولة مهمة للاستثمار والتعاون الدوليين".

وسعت الصين في السابق إلى تقديم نفسها على أنها طرف محايد في الحرب الروسية في أوكرانيا، في حين أن بكين لم تنتقد صراحة حرب موسكو المستمرة منذ 7 أشهر، إلا أن قادتها تجنبوا أيضاً تخفيف العقوبات أو الإمدادات العسكرية لروسيا.

وألقت الصين باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في التسبب في الأزمة الروسية الأوكرانية، من خلال تأجيج ما يقول المسؤولون الصينيون إنها "مخاوف أمنية مشروعة لروسيا".

في الوقت نفسه، ساعدت الصادرات الصينية من السيارات وأجهزة التلفزيون والهواتف الذكية روسيا على ملء الفراغ مع هروب العلامات التجارية الأجنبية. في الربع الثاني من العام الجاري، كانت 81٪ من واردات السيارات الجديدة لروسيا من الصين، بينما كانت شركة Xiaomi أفضل صانع للهواتف الذكية مبيعاً في روسيا.

في المقابل، انخفضت صادرات الصين إلى أوكرانيا بنسبة 75٪ خلال الاثني عشر شهراً الماضية اعتباراً من يوليو/تموز، وفقاً لبلومبيرغ. بينما كانت الصين أكبر شريك تجاري لأوكرانيا في عامي 2019 و 2020، وفقًا لشركة Crane IP الأوكرانية.

قمة شنغهاي.. هل تشكل الصين وروسيا جبهة مناهضة للغرب؟

دول منظمة شنغهاي للتعاون، في قمة عام 2018، أرشيفية/ Getty

ستعطي قمة منظمة شنغهاي للتعاون الرئيس شي فرصة للتأكيد على نفوذه مع روسيا الذي يميل بقوة نحو آسيا بعد العقوبات الغربية؛ وبحسب تقرير لوكالة رويترز، قد تكون القمة فرصة لكلا الزعيمين لإظهار معارضتهما الشديدة للولايات المتحدة والغرب الذي يسعى لمعاقبة روسيا على حرب أوكرانيا.

بعد أن فرض الغرب على موسكو أشد العقوبات في التاريخ الحديث بسبب الحرب في أوكرانيا، قال بوتين إن "روسيا تتجه نحو آسيا بعد قرون من النظر إلى الغرب على أنه بوتقة النمو الاقتصادي والتكنولوجيا والحرب".

وبحسب رويترز، فإن تعميق شراكة "بلا حدود" بين القوة العظمى الصاعدة في الصين وعملاق الموارد الطبيعية في روسيا، هو أحد التطورات الجيوسياسية الأكثر إثارة للاهتمام في السنوات الأخيرة، وهو تطور يراقبه الغرب بقلق.

ويرى بوتين الغرب على أنه تحالف متدهور تهيمن عليه الولايات المتحدة ويهدف إلى تقييد أو حتى تدمير روسيا؛ لذا تلتقي هنا وجهة نظرة بوتين للعالم مع وجهة نظر الزعيم شي، الذي يقدم الصين كبديل لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الولايات المتحدة.

ومن المقرر أن تقبل منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم روسيا والصين والهند وباكستان وأربع دول في آسيا الوسطى، إيران، أحد الحلفاء الرئيسيين لموسكو في الشرق الأوسط.

ويرى محللون أن الصين وروسيا يسعيان من خلال هذه القمة شد روابط العلاقات بين دول المنظمة التي تسمى بـ"التحالف الشرقي" في مواجهة الضغوطات الأمريكية والغربية، خصيصاً بعد أزمة أوكرانيا وكذلك تايوان.

وتعوّل الصين وروسيا على الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي لتشكيل فضاء شرقي موحد تحت قيادتهما ينافس المعسكر الغربي، وتقول موسكو صراحة إنه يجب إيجاد هياكل سياسية واقتصادية دولية بديلة لتلك التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية مثل "مجموعة العشرين".

ما أهمية وحجم منظمة شنغهاي؟

يشكل أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون ما يقرب من نصف سكان العالم، وما يقرب من ثلاثة أخماس كتلة اليابسة الأوروبية الآسيوية؛ ما يجعلها أكبر تحالف سياسي إقليمي في العالم. وغالباً ما تسمى منظمة شنغهاي في الغرب بـ"التحالف الشرقي".

وبلغ حجم اقتصادات الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2020، نحو 19.58 تريليون دولار، لتشكل بذلك نحو 23.1٪ من إجمالي حجم الاقتصاد العالمي، بحسب البنك الدولي، أي ما يقرب من ربع اقتصاد العالم.

وتتمحور أهداف المنظمة حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين دول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن. كما تنص على التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية، وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.

ومنذ تأسيسها، كان التعاون الأمني أحد المهام الرئيسية للمنظمة، ولا تزال على قمة أولوياتها وهدفاً رئيسياً في المستقبل. وفي الوقت نفسه، يرى كثير من المحللين، أن منظمة شنغهاي حلف عسكري جديد في الشرق لمواجهة حلف شمال الأطلسي "الناتو" (NATO).

وتشكل شعوب هذه المنظمة نصف البشرية، ما يجعلها كياناً أساسياً ضخماً لا يمكن الاستهانة به سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً في النظام العالمي، خاصة أن معظم الدول الأعضاء تعارض الهيمنة الأمريكية حول العالم، وتعرب في الخفاء والعلن عن مخاوفها منذ ذلك.

ويصف بعض العلماء الغربيين منظمة شنغهاي بأنها هي "ناتو الشرق"، كما صنفوها على أنها كتلة عسكرية ناشئة يجب الحذر منها، وبأنها أكبر كتلة مناهضة للولايات المتحدة في المنطقة، واجتماعها معاً يشكل تحدياً لمصالح الولايات المتحدة وأدوارها القيادية في الشرق.

وعلى الرغم من أن منظمة شنغهاي للتعاون ليست تحالفاً عسكرياً حصرياً، إلا أن الدول الأعضاء فيها تشارك في مناورات عسكرية وحربية مشتركة. مع انضمام الهند وباكستان وإيران، يمتلك 4 أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون قدرات نووية مهمة، وقد أدى ذلك بالتأكيد إلى تعزيز الكتلة الشرقية الجديدة ضد الناتو. 

ولكن من بين جميع الدول الأعضاء، هناك عدد قليل جداً من الدول التي تلبي متطلبات الناتو للإنفاق العسكري (2٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، ما يفرض قدراً كبيراً من الضغط على عدد قليل من الدول المختارة لحمل الشعلة أثناء النزاع. 

تحميل المزيد