بعد أن أزيحت العقبة الكؤود أمام انعقاد القمة العربية في الجزائر، المتمثلة في مشاركة سوريا؛ رفع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط اللبس عن مصيرها بتأكيده أن قمة الجزائر ستعقد في موعدها، نافياً أي احتمالات لتأجيلها أو نقلها، بعد انقطاع دام 3 سنوات.
وأكد أبو الغيط الأسبوع الماضي، في أعقاب اختتام اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، الاتفاق بشكل نهائي على عقد الجزائر في موعدها.
وجاء تصريح أبو الغيط لينفي أنباء تواترت في الآونة الأخيرة صادرة من القاهرة، على لسان دبلوماسيين يتحفظون على ذكر أسمائهم حول تأجيل القمة بسبب عدم التفاهم على أجندة الأعمال، وعدم الرغبة في اللقاء بالجزائر بسبب مواقفها التي لا تعجب عدداً من الدول العربية، ومنها مشاركة سوريا في القمة، وقضية التطبيع مع إسرائيل، والموقف من المقاومة الفلسطينية، والعلاقة مع إيران.
وتستضيف الجزائر في الأول والثاني من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، القمة العربية المقبلة، بعد تأجيلها 3 مرات.
وأطلقت الجزائر الموقع الإلكتروني الرسمي للقمة العربية، "www.arabsummit2022.dz".
وتتضمن افتتاحية الموقع الإلكتروني الخاص بالقمة التأكيد على أن القمة تعقد "في ظل ظروف دولية وإقليمية دقيقة، وأحداث حساسة، وسياقات صعبة"، وأن الرئيس الجزائري حريص "على وحدة الصف ولم الشمل".
كما شرعت في إرسال مبعوثين إلى الدول الأعضاء في الجامعة العربية لدعوتهم إلى القمة، بما فيها المغرب الذي قطعت معه الجزائر العلاقات الدبلوماسية؛ حيث سيزور وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي الرباط، حاملاً دعوة لحضور القمة.
عقبة سوريا.. الجزائر تتنازل عن مطلبها
وزادت فرص انعقاد القمة في موعدها بالجزائر بعد قرار سوريا عدم مشاركتها، تلافياً لمزيد من الانقسام في الصف العربي.
ويؤكد الاتفاق بين دمشق والجزائر حرص الأخيرة على استضافة القمة العربية في موعدها، من خلال إزالة العقبة الكبرى التي كان من الممكن أن ترجئ القمة.
كما يدلل تنازل الجزائر عن إصرارها على عودة سوريا إلى الجامعة العربية على استعدادها لتجاوز جميع القضايا الخلافية، وتغليب مصلحتها حتى لا تتأجل القمة مرة أخرى.
ومنذ قرابة عام ونصف، ارتبطت مسألة مقعد سوريا في الجامعة العربية بالقمة الحادية والثلاثين التي تحتضنها الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وجرى تناول المقعد السوري في الجامعة على أنه من الملفات الأساسية التي تسبق القمة، بل ومن المحددات الرئيسية لنجاحها من عدمه.
لكن رغبة الجزائر بإعادة دمشق إلى الحضن العربي اصطدمت بتحفظ دول عربية مثل السعودية، ورفض أخرى منها قطر لمنح المقعد إلى النظام السوري برئاسة بشار الأسد.
لكن سوريا ليست العقبة الوحيدة أمام القمة، فثمة ملفات أخرى لا تقل حساسية؛ كالموضوع الفلسطيني والأزمة الليبية وقضية التطبيع التي هي من أبرز الخلافات بين مصر والجزائر.
قضايا خلافية
تنبع أهمية القضايا الخلافية، من أن الأمر لا يقتصر على المخاوف من اندلاع الخلافات حول هذه القضايا خلال القمة، بل هناك بعض القضايا والخلافات التي ينبغي حلها قبل القمة، لأن عدم الاتفاق عليها أو على الخطوط العريضة لمعالجتها قد يعرقل عقد القمة، على رأسها الملف الفلسطيني والمسألة الليبية.
واتسمت العلاقة بين القاهرة والجزائر في العقد الأخير بقدر من الهدوء، لكن اختلاف الأجندتين الجزائرية والمصرية بخصوص قضايا عربية وإقليمية يكشف عن أن المواقف المتقاربة جد محدودة، فباستثناء قبول القاهرة لعودة سوريا للجامعة العربية، تبقى الملفات الأخرى نماذج لتباعد المواقف وتناقضها وأحياناً توترها وصراعها.
وتنظر القاهرة بعين الريبة إلى التحركات الجزائرية في الملف الفلسطيني، خصوصاً بعد نجاحها في جمع الفصائل الفلسطينية.
وتحتكر المخابرات المصرية الملف وترفض التنازل عنه لصالح الجزائر التي تتمتع بثقة الفصائل، ولا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، عكس مصر.
وسارعت الجزائر لطمأنة الجانب المصري أنها لا تنوي مزاحمة مصر في هذا الملف، بل فقط تتطلع لتوحيد الصف الفلسطيني ليس إلا.
وكان اللقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بحضور تبون، بمثابة إقرار بفشل جهود مصر في هذا الملف، خصوصاً بعدما عملت القاهرة على إتمام لقاء مماثل طوال الفترة الماضية.
واستضافت الجزائر في يناير/كانون الثاني الماضي، وفود 6 فصائل فلسطينية، لبحث ملف المصالحة الفلسطينية، وشملت الفصائل: فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، وهو الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات بين القاهرة والجزائر وقتذاك.
الملف الليبي ومسألة التمثيل
يستمر التباعد بين الجزائر ومصر بشأن الملف الليبي؛ ففي الوقت الذي تدعم فيه الجزائر حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، وتحظى بدعم دولي وأممي، تساند مصر الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، فيما تتقاطع معلومات من القاهرة والجزائر وتفيد بتحذير الجزائر لمصر من خطورة اتخاذ أية خطوات تعزز الانقسام وتحاول فرض خيارات محددة في ليبيا.
وتدرك الجزائر أن رؤية مصر لأمنها القومي وامتداد مصالحها في ليبيا، مناقض تماماً لرؤيتها لأمنها القومي، والأمر لا يتعلق فقط بالخلاف حول الجنرال حفتر الذي تدعمه مصر وتعاديه الجزائر، وإنما يتعلق أيضاً بالخلاف حول الدور التركي.
وتبرر القاهرة موقفها بخشيتها من تضخم تيار الإسلام السياسي، وتحول ليبيا إلى بؤرة جاذبة للمتطرفين، وهو المبرر الذي رفضت الجزائر التسليم به وفضلت التشبث بالحوار انطلاقاً من تجربة العشرية السوداء التي كبدتها عشرات الآلاف من الضحايا، وجعلت قيادتها السياسية والعسكرية التي أوجدت صيغة للتعايش مع الإسلاميين تتمسك بالاحتواء، وتمانع منهج الإقصاء المصري.
وظهرت تجليات هذا الخلاف في انسحاب وزير الخارجية المصري سامح شكري من اجتماع وزراء الخارجية العرب، فور تولي وزير الخارجية الليبية في حكومة نجلاء المنقوش رئاسة الاجتماع، احتجاجاً على توليها رئاسة مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية.
الخلاف مع المغرب.. ما تداعياته على انعقاد القمة؟
شكلت دعوة الجزائر للمغرب لحضور القمة من عدمها، وتداعيات ذلك على انعقادها، أحد التساؤلات التي أثيرت بقوة في الأشهر الأخيرة، في ظل وجود ملفات خلافية بينهما، ومخاوف من أن تؤثر مسألة دعوة المغرب للقمة على فرص عقدها.
كما ثارت مخاوف من أن عدم دعوة المغرب للقمة قد يدفع بالدول الخليجية بوشائج قوية مع المغرب، بحكم تشابه أنظمة الحكم، إلى رفض المشاركة أيضاً.
وكشفت مصادر دبلوماسية، الإثنين، عن أن العاهل المغربي الملك محمد السادس سيشارك في القمة.
وقالت المصادر إن السلطات المغربية أجرت اتصالات مع دول الخليج لإبلاغها بمشاركة الملك شخصياً في قمة الجزائر.
وتقليدياً لا يشارك المغرب في القمم العربية والإسلامية عبر العاهل المغربي، ولكن أحياناً بمستوى رفيع قد يصل لرئيس الوزراء.
وجاء الإعلان عن عزم الجزائر إرسال وزير العدل إلى الرباط من أجل دعوة المغرب لحضور القمة العربية، ليكون مؤشراً على تزايد فرص عقد القمة في موعدها.
وأعلن المغرب، الأربعاء 7 سبتمبر/أيلول، أن وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي سيزور الرباط، حاملاً دعوة لحضور القمة العربية المقررة في بلاده.
وتشهد العلاقات بين البلدين توتراً بسبب خلافات عدة، أبرزها ملف الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وقضية إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو".
وارتفع منسوب التوتر بين البلدين بشكل كبير منذ تولي عبد المجيد تبون السلطة، ووصل إلى حد وقف الجزائر للغاز في خط أنابيب المغرب العربي الذي يزود المغرب بالغاز وينقله أيضاً لإسبانيا، ومنع الطيران المغربي من التحليق فوق الأجواء الجزائرية.
في المقابل ركب المغرب قطار التطبيع مع إسرائيل مقابل اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء، ما أثار غضب الجزائر، وهو أمر سارت على منواله الإمارات والبحرين، ما شكل خرقاً لجدار طالما ساهمت الجزائر في بنائه ضد الاعتراف بمغربية الصحراء.
كما أثار انتقال التطبيع المغربي مع إسرائيل من المرحلة السياسية والاقتصادية إلى مرحلة التعاون العسكري، قلق الجزائر؛ لأنه يؤثر سلباً على معادلة التوازن العسكري.
وتمثل القمة العربية أهمية كبيرة بالنسبة للدبلوماسية الجزائرية في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، والتي تشير إلى رغبة الجزائر في العودة إلى الساحتين العربية والدولية، الأمر الذي يفسّر اضطرارها لتقديم عدد من التنازلات، في مقدمتها مشاركة سوريا وعدم إدراج موضوع التطبيع في جدول الأعمال والبيان الختامي، تفادياً للتأجيل أو نقل القمة إلى عاصمة أخرى.
تجارب العديد من القمم العربية السابقة تؤشر إلى إمكانية عقد القمم رغم الخلافات، والحقيقة أن التاريخ العربي منذ تأسيس الجامعة العربية لم يخل من الخلافات والصراعات.
تحتم الأزمات السياسية المستمرة في ليبيا والعراق والسودان، والأزمة المتعددة الأوجه في لبنان واليمن، لقاء القادة العرب، كما تدفع الظروف الدولية، وفي مقدمتها أزمة أوكرانيا وأزمات الغذاء والطاقة والمياه، الدول العربية لتصفية خلافاتها وتوحيد صفوفها لمواجهة التداعيات الأليمة التي تتربص بدول العالم قاطبة، والتغيرات الجيوسياسية التي قد تخلفها الحرب في أوكرانيا.