تواجه شبكة "نتفليكس" أزمة كبرى، ربما تهدد وجودها في المنطقة العربية بشكل عام، بعد تحذيرات من دول الخليج العربي للمنصة الأمريكية بإزالة المحتوى المخالف للمبادئ الإسلامية والمجتمعية، وإلا فالحظر سيكون الخطوة التالية.
"نتفليكس" هي الشبكة الرائدة في مجال البث الدرامي عبر الإنترنت، ويبلغ عدد مشتركيها حول العالم أكثر من 221 مليوناً، لكن عملاق منصات المشاهدة المدفوعة يواجه خسائر كبيرة خلال العام الجاري، إذ فقد أكثر من 200 ألف مشترك خلال الربع الأول من العام، ثم خسر نحو مليون مشترك في الربع الثاني، بحسب تقرير لموقع Arab News.
وتواجه "نتفليكس" انتقادات عنيفة في العالم العربي بسبب تناول المسلسلات والأفلام التي تنتجها قضية المثلية الجنسية بصورة مكثفة، وهو ما أثار غضباً متصاعداً، انعكس عبر منصات التواصل الاجتماعي منذ فترة ليست بالقصيرة.
تحذيرات خليجية رسمية
لكن الأمور تصاعدت بشدة في الأيام الأخيرة، بعد أن وجهت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع ولجنة مسؤولي الإعلام الإلكتروني في دول مجلس التعاون الخليجي تحذيرات صارمة للمنصة الأمريكية.
وبحسب قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية، تمثل قبلة حارة بين طفلتين ومشاهد تحرر لأخريات "الشذوذ وتجارة الجنس" بين الأطفال، وكلا المشهدين عُرضا في فيلمين تعرضهما منصة "نتفليكس" (Netflix). وألمح تقرير القناة السعودية إلى إمكانية حظر المنصة في المملكة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وجاء هذا التناول السعودي الرسمي متزامناً مع انتقادات متصاعدة على "تويتر" للمنصة، وبيان من مجلس التعاون الخليجي يطالبها بإزالة محتوى "مخالف للقيم والمبادئ" دون أن يوضحه، متوعداً بإجراءات قانونية في حال عدم الاستجابة.
هيئة تنظيم الإعلام في السعودية قالت، الثلاثاء، 6 سبتمبر/أيلول إن دول الخليج العربية طالبت نتفليكس، عملاق البث الأمريكي، بحذف محتوى يعتبر مسيئاً "للقيم الإسلامية والمجتمعية" في المنطقة. ولم تحدد الهيئة المحتوى، ولكنها أشارت إلى أنه تضمن محتوى يستهدف الأطفال. وعرضت قناة الإخبارية، في برنامج يناقش هذه القضية، مقاطع رسوم متحركة غير واضحة لمشهد القبلة بين الطفلتين.
وقالت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، ومقرها الرياض، إن هذا المحتوى انتهك اللوائح الإعلامية في دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان وقطر والكويت. وأضافت دون الخوض في تفاصيل أنه إذا استمرت نتفليكس في بث هذا المحتوى، فإنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
كما أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة بياناً مشابهاً بشأن محتوى نتفليكس، قائلة إنها ستتابع ما تبثه المنصة في الأيام المقبلة، وتقيّم التزامها بضوابط البث في البلاد.
وعلى الجانب الآخر، لم ترد نتفليكس على طلب "رويترز" للتعليق، كما لم تصدر المنصة الأمريكية رد فعل أو بيانات بشأن الموقف الخليجي.
البيان الخليجي لم يوضح طبيعة المحتوى، لكن قناة "الإخبارية" وصفته، في تغطية موسعة الثلاثاء، بأنه "يروج للشذوذ الجنسي للأطفال تحت غطاء سينمائي"، متسائلةً: "هل ستُحجب نتفليكس في السعودية قريباً؟".
وعرضت القناة في تغطيتها لقطات مظللة من فيلمين للمنصة تظهر في أحدهما طفلتان تتبادلان قبلة بـ"حرارة"، وأخرى لطفلة سنغالية نشأت في بيئة محافظة وتحولت لأخرى "متحررة"، وفق تعليق صوتي صاحب تلك المشاهد، وقال إنها "تثير شهية المتحرشين بالأطفال، وتعزز استخدامهم في تجارة الجنس".
وفي عناوين رئيسية في تغطية القناة، قالت إن المنصة "تروج للمثلية تحت غطاء درامي وتقدم رسائل غير أخلاقية تهدد النشأة السلمية للأطفال"، مطالبة بإيقاف تلك "المهازل السينمائية".
خسائر "نتفليكس" وأخواتها
يأتي تصاعد الإجراءات الخليجية وسط تعرض "نتفليكس" لخسائر ضخمة في الأشهر الماضية وتراجع في أعداد المشتركين، لكن المنصة العملاقة ليست الوحيدة التي تواجه الغضب الشعبي العربي عموما والخليجي خصوصا، إذ أنه في أبريل/نيسان الماضي، لم تعرض دور السينما السعودية فيلم "دكتور سترينج" بعد رفض مجموعة "ديزني" طلباً من المملكة بحذف "إشارة إلى مجتمع المثليين".
وفي يونيو/حزيران الماضي، حظرت الإمارات فيلم الرسوم المتحركة "لايتيير" (Lightyear)، "لمخالفة بالمحتوى ظهر فيها قبلة بين شخصيتين مثليتين".
وفي يوليو/تموز الماضي، قرر موقع يوتيوب إزالة الإعلانات "غير الملائمة" التي ظهرت على المنصة، بعد يوم من مطالبة السلطات السعودية الموقع بإزالة إعلانات "خادشة (..) تتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية".
البيان المشترك، الصادر عن الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع ولجنة مسؤولي الإعلام الإلكتروني في دول مجلس التعاون الست، انتقد "قيام منصة نتفليكس ببث بعض المواد المرئية والمحتوى المخالف لضوابط المحتوى الإعلامي في دول مجلس التعاون، والذي يتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية".
ونص البيان على أنه قد "تم التواصل مع المنصة لإزالة هذا المحتوى بما فيه المحتوى الموجه للأطفال"، مؤكداً أن "الجهات المعنية ستتابع مدى التزام نتفليكس بالتوجيهات، وفي حال استمرار بث المحتوى المخالف سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".
يأتي ذلك وسط أنباء ترددت في الفترة الأخيرة عن أن "نتفليكس" تعتزم الترويج للمثلية الجنسية في محتوى موجه إلى الأطفال.
هل اقتربت لحظة "الحظر" التام؟
ذلك البيان الخليجي الرسم أعطى زخماً كبيراً للغضب المتصاعد ضد نتفليكس في المنطقة، على خلفية المشاهد الحميمية بين شخصيات مثلية في الأعمال الدرامية، ومع وصول الأمر للمحتوى الموجه للأطفال، ازدادت حدة الغضب بطبيعة الحال.
وتعليقاً على ذلك، قال الكاتب الصحفي السعودي عبد الله الكعيد، في تصريحات لقناة الإخبارية السعودية، إنه "يجب الاستثمار في المنصات الرقمية لمنافسة نتفليكس، ونعرض ما يعزز القيم والأخلاق بأسلوب جاذب دون خطاب وعظي".
وللقناة ذاتها، قال المحامي السعودي عمر الخولي: "أنادي بحظر تطبيق نتفليكس في المملكة، فأولاً مقاطعتهم، ثم ندخل في مفاوضات بشأن الحذف أو غيره".
وفي السياق ذاته، نشر "التلفزيون العربي" (خاص) الذي يُبث من قطر، الأربعاء، 7 سبتمبر/أيلول، تصويتاً على تساؤل: "دول مجلس التعاون تطالب نتفليكس بتعديل محتواها، برأيكم هل يتعارض محتواها مع القيم المجتمعية؟". وكانت الإجاب، بعد ساعات قليلة من بدء التصويت، بـ"نعم" بنسبة تجاوزت 90 بالمئة من المشاركين.
وصب مغردون عرب عبر منصة "توتير"، غضبهم على "نتلفيكس"، خشية تأثير محتواها على الأطفال. وقال سعد المهندي مغرداً: "لذلك قطعت اشتراكي به منذ عدة أشهر بسبب إقحام قصص الشواذ دون مبرر في معظم الأعمال على المنصة"، بحسب الأناضول.
ومتفقاً معه طالب سلمان الدوسري: "نتفليكس، وكل المنصات والبرامج والتطبيقات، احترام قيمنا ومبادئنا أولاً"، وأضاف المغرد ذاته: "لا أحد مستثنى من الامتثال لقوانيننا وخياراتنا، فتحصين الأجيال يبدأ اليوم".
وحقيقة الأمر هنا هي أن رفض الترويج لمجتمع المثليين ليس قاصراً على المنطقة العربية فحسب، إذ تشهد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها انقساماً حاداً في نفس القضية، مع تصاعد الرفض هناك لإصرار منصات وشركات الإنتاج الدرامي على إفراد مساحة كبيرة للشخصيات المثلية في أعمالها.
الخلاصة هنا هي أن "نتفليكس" ربما تواجه لحظة حاسمة في وجودها في المنطقة العربية بشكل عام، إذ إن اتخاذ دول مجلس التعاون الخليجي قراراً بحظر المنصة نهائياً يعني خسارتها لمعظم مشتركيها في المنطقة العربية، وبالتالي خسارة معظم دخلها من الاشتراكات الشهرية.
كما أن ذلك الحظر، إذا ما حدث فعلاً، على الأرجح سيتكرر صداه في باقي الدول العربية، وبخاصة مصر، التي قد تتخذ نفس الخطوة. إضافة إلى أن حظراً خليجياً على نتفليكس قد يعني تقلص قدرة المنصة على إنتاج دراما عربية من الأساس، حيث من المتوقع ألا يكون أغلب العاملين بمجال الإنتاج الدرامي والسينمائي، مواهب ومنتجين، متحمسين للعمل مع جهة محظورة خليجياً.