توفيت الملكة إليزابيث الثانية عن عمر 96 عاماً، ليجلس نجلها وولي العهد تشارلز على عرش المملكة المتحدة، فمن هو ملك بريطانيا الجديد البالغ من العمر 74عاماً؟
وأعلن قصر باكنغهام وفاة الملكة إليزابيث الثانية مساء الخميس 8 سبتمبر/ أيلول، بعد أن كان الأطباء قد أبدوا قلقهم بشأن صحتها صباح اليوم نفسه وأوصوا ببقائها تحت الملاحظة، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وكانت الملكة، الأطول بقاء في حكم بريطانيا والأكبر عمراً بين ملوك العالم، تعاني مما وصفها قصر باكنغهام بـ"مشكلات عرضية في الحركة" منذ نهاية العام الماضي، وقال القصر في بيان، إنه "بعد مزيد من التقييم هذا الصباح، أبدى أطباء الملكة قلقهم على صحة جلالتها وأوصوا ببقائها تحت الملاحظة الطبية"، مضيفاً أن "الملكة لا تزال في فترة راحة في بالمورال".
ومنذ الصباح توجه ولي العهد الأمير تشارلز وزوجته كاميلا إلى قلعة بالمورال في أسكتلندا، حيث تقيم الملكة، فيما وصل أيضاً الحفيد الأكبر للملكة إليزابيث، الأمير ويليام، ونجلاها الأميران أندرو وإدوارد بطائرة إلى أسكتلندا، وتوجهوا إلى قلعة بالمورال، على بعد نحو ساعة بالسيارة من مطار أبردين حيث هبطوا.
وصرح متحدث باسم الأمير هاري وزوجته ميغان، وهما حالياً في بريطانيا لحضور عدد من الفعاليات، بأنهما يعتزمان السفر إلى أسكتلندا أيضاً، لكن الأمير توجه إلى قلعة بالمورال بمفرده.
ويعد تجمّع العائلة المالكة نادراً إلى حد بعيد، فيما عدا في الأعياد مثل عيد الميلاد أو الفصح أو المناسبات العامة المهمة. وقطعت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بثها الطبيعي؛ للانتقال إلى تغطية مستمرة بشأن الملكة. وكتب جاستن ويلبي، رئيس أساقفة كانتربري، على تويتر: "صلواتي وصلوات الجميع في كنيسة إنجلترا وفي البلاد، مع جلالة الملكة اليوم".
رحيل الملكة إليزابيث بعد 70 عاماً من الجلوس على العرش
وبعد 70 عاماً قضتها إليزابيث الثانية على العرش في المملكة المتحدة، أصبح نجلها الأكبر وولي العهد الأمير تشارلز، تلقائياً، ملكاً للمملكة المتحدة، ليتولى مسؤولية قيادة العائلة الملكية الأقدم، حيث يمتد حكم الأسرة لأكثر من ألف عام.
إذ كانت إليزابيث الثانية تتربع على العرش منذ عام 1952، لتحكم أيضاً أكثر من 12 دولة أخرى، من بينها كندا وأستراليا ونيوزيلندا. واحتفلت في وقت سابق من العام الجاري، بمرور 70 عاماً على اعتلائها العرش في احتفالات وطنية استمرت أربعة أيام.
وقالت في ذلك الوقت: "لقد ألهمتني اللطف والفرح والقرابة التي اتضحت بجلاء في الأيام الماضية، وآمل أن يستمر هذا الشعور المتجدد في التآزر لسنوات كثيرة مقبلة".
واعتلت إليزابيث العرش بعد وفاة والدها الملك جورج السادس في السادس من فبراير/شباط 1952، وهي في الخامسة والعشرين من عمرها.
وتوجت الملكة في يونيو/حزيران من العام التالي. وكان حفل التتويج الأول الذي ينقله التلفزيون مقدمة لعالم جديد تتعرض فيه حياة أفراد العائلة المالكة للمتابعة المتزايدة من وسائل الإعلام.
وأصبحت إليزابيث ملكة في وقت احتفظت فيه بريطانيا بمعظم إمبراطوريتها، عندما كانت قد خرجت لتوها من ويلات الحرب العالمية الثانية، وكان تقنين الطعام لا يزال سارياً مع استمرار الطبقية في المجتمع. وكان ونستون تشرشل أول رئيس وزراء في عهد إليزابيث، بينما كان جوزيف ستالين زعيماً للاتحاد السوفييتي، وكانت الحرب الكورية مستعرة.
وفي ردود فعل على الأنباء إزاء صحة الملكة في وقت مبكر من الخميس، قالت رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة ليز تراس: "قلبي، وقلوب كل الناس في أنحاء المملكة المتحدة مع جلالة الملكة وعائلتها في هذا الوقت".
تشارلز ولي العهد يصبح ملك بريطانيا
ويأتي تولي الأمير تشارلز منصبه الجديد كملك للمملكة المتحدة خلفاً لوالدته في وقت تمر فيه بريطانيا بفترة عصيبة للغاية من تاريخها الحديث، في ظل أزمة الطاقة والتضخم وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وبعد أيام قليلة من تولي تراس رئاسة الحكومة خلفاً لبوريس جونسون.
وعلى الرغم من أن مهام الملك الجديد بروتوكولية بشكل أساسي، فإن الأنظار الآن أصبحت متجهة نحو الملك تشارلز، وسط تساؤلات وشكوك بشأن مدى قدرته على المحافظة على وضع العائلة المالكة في بريطانيا كما فعلت والدته الراحلة على مدى 70 عاماً كاملة، على الرغم من الأزمات العنيفة والفضائح المتكررة التي أحاطت بأفراد الأسرة.
وكان تشارلز نفسه في القلب من بعض تلك الأزمات والمآسي، وتعتبر حياته الشخصية بمحطاتها المثيرة نموذجاً لطبيعة الأسرة الحاكمة الأقدم في العالم. وآخر تلك الأزمات تعرّض مساعدين له لاتهامات ببيع الرتب الملكية مقابل رشاوى مالية.
ويعود تاريخ الأسرة الملكية في بريطانيا لأكثر من ألف عام، شهد البلاط الملكي خلالها قصصاً وفضائح ومؤامرات تعج بها كتب التاريخ والتراث البريطاني، وفي العصر الحديث يرى البعض أنَّ تخلي الملك إدوارد الثامن عن العرش عام 1936، هو الفضيحة الأكبر بقصر باكنغهام في العصر الحديث.
الملك إدوارد وقع في غرام سيدة مجتمع أمريكية مطلّقة اسمها واليس سيمبسون وكانت تسعى للطلاق مرةً من زوجها الثاني وقتها، وأراد الملك الذي لم يكن قد مرت شهور على توليه العرش، الزواج بها؛ فتسبب ذلك في أزمة مع الحكومة البريطانية برئاسة بلدوين، على أساس أنه أمر غير مقبول سياسياً واجتماعياً أن تكون عقيلة الملك امرأة مطلقة مرتين سابقاً، كما أن الكنيسة رفضت الزواج، لأنه يتعارض مع وضع إدوارد بصفته رئيساً لكنيسة إنجلترا، التي رفضت في ذلك الوقت فكرة الزواج من جديد بعد الطلاق إذا كان الزوج السابق ما يزال على قيد الحياة.
قصة حياة الملك تشارلز الثالث
وُلد تشارلز بقصر باكنغهام في لندن خلال عهد جده من طرف والدته، الملك جورج السادس، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1948، وكان هو الابن البكر للأميرة إليزابيث دوقة إدنبره والأمير فيليب دوق إدنبره، الذي كان في الأصل أمير اليونان والدنمارك. الأميرة إليزابيث أصبحت الملكة إليزابيث الثانية بجلوسها على العرش عام 1952، أي عندما كان تشارلز في الرابعة من عمره.
وبوفاة جده وتولي والدته العرش، أصبح تشارلز تلقائياً وريثاً شرعياً لعرش المملكة، وباعتباره الابن البكر للملكة، تقلّد تلقائياً ألقاب دوق كورنوال ودوق روثيزاي وإيرل كاريك وبارون رينفرو ولورد الجزر وأمير أسكتلندا، وحضر تشارلز مراسم تتويج والدته في دير وستمنستر في 2 يونيو/حزيران عام 1953.
جرت العادة في تلك الفترة بأن توظف الطبقات الرفيعة من المجتمع البريطاني مربية للأطفال، فكانت كاثرين بيبلز مربية تشارلز وكُلفت بمهمة تعليمه منذ أن كان في الخامسة من عمره وحتى بلغ الثامنة.
وفي عام 1955، أعلن قصر باكنغهام التحاق الأمير تشارلز بالمدرسة بدلاً من الدراسة على يد معلّم خاص، فكان أول وريث للعرش يتلقى تعليمه وفق هذه الطريقة، وكان يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1956 أول أيام تشارلز الدراسية في مدرسة هيل هاوس بغرب لندن.
ولم يحظَ ولي العهد بمعاملة خاصة من مؤسس المدرسة ورئيسها ستوارت تاونيند، الذي نصح الملكة إليزابيث بتدريب تشارلز على رياضة كرة القدم، لأن باقي الصبية لن يراعوا مكانته في ملعب كرة القدم. ثم التحق تشارلز بعدها بمدرستين درس فيهما والده سابقاً، وهما مدرسة تشيم التحضيرية في بيركشاير بإنجلترا، والتي التحق بها عام 1958، ثم مدرسة غوردونستون في شمال شرقي أسكتلندا، والتي التحق بها في عام 1962.
وتحدث ولي العهد عن مدرسة غوردونستون عدة مرات، منها انتقاد لمناهجها الصارمة، وتشبيه المدرسة بأنها "قلعة كولديتز مرتدية إزاراً أسكتلندياً"، كناية عن السمعة السيئة للقلعة ومحاولات هروب السجناء منها خلال الحرب العالمية الثانية، لكنه لاحقاً امتدح مدرسة غوردونستون، قائلاً إنها علمته "الكثير عن نفسي وعن قدراتي والعوائق التي تقف أمامي. علمتني قبول التحديات والأخذ بزمام المبادرة".
كما أمضى ولي العهد فصلين دراسيين في حرم تيمبرتون التابع لمدرسة غيلونغ النحوية بمدينة فيكتوريا الأسترالية عام 1966، فزار في تلك الفترة بابوا غينيا الجديدة بصحبة أستاذ التاريخ مايكل كولينز بيرس. ولاحقاً، وصف تشارلز الفترة التي قضاها في تيمبرتون بأنها الفترة الأكثر متعة خلال مراحل دراسته كافة.
وتم تنصيبه أميراً لويلز عام 1958، لكنه لم يتقلد المنصب رسمياً إلا عام 1969، وتسلم مقعده في مجلس اللوردات عام 1970، وألقى خطابه الأول في المجلس عام 1974، ليصبح أول فرد من العائلة الملكية يتحدث من مجلس اللوردات منذ عصر إدوارد السابع. وانضم تشارلز، على خطى أمراء ويلز السابقين، إلى سلاح الجو البريطاني، وسافر إلى كوروال حيث أكمل تدريبه العسكري هناك كقائد لطائرة حربية.
أما الجانب الأكثر إثارة للجدل فيما يتعلق بحياة ملك بريطانيا الجديد، فهي حياته العاطفية. إذ عرف عنه علاقاته الغرامية المتعددة، قبل أن يتزوج بالليدي ديانا في حفل أسطوري، وُصف بأنه زواج القرن، وأنجب منها ولديه ويليام (1982) وهاري (1984)، لينتهي الزواج الأسطوري بالطلاق المصحوب بالفضائح على خلفية علاقات غرامية لتشارلز وديانا، التي ماتت في حادث مأساوي.
علاقة تشارلز بزوجته الحالية كاميلا باركر أثناء زواجه بديانا أساءت كثيراً إلى صورته وجعلت من زوجته الحالية أكثر شخصية مكروهة في بريطانيا وخارجها، ولم تحضر والدته نفسها (الملكة الراحلة إليزابيث الثانية) حفل زفافهما عام 2005، لكنها منحت زوجة ولي العهد لقب "الملكة عقيلة الملك" هذا العام بمناسبة مرور 70 عاماً على جلوسها على العرش، في مؤشر على اكتمال عملية تحسين الصورة.