ارتبطت عبارة "بلاد العم سام" بالولايات المتحدة الأمريكية حول العالم وبجميع اللغات، فهل "العم سام" شخصية حقيقية؟ وما قصة تحول "العم سام" إلى لقب أمريكا في الداخل والخارج؟
يرجع تاريخ اكتساب الولايات المتحدة للقب "العام سام" إلى عام 1813، وبالتحديد يوم 7 سبتمبر/أيلول، حيث أصبح "العم سام" لقباً لأمريكا بصورة رسمية. وعلى مدى أكثر من قرنين، أصبحت لذلك اللقب معانٍ متعددة لدى الأمريكيين وغير الأمريكيين.
العم سام.. تاجر اللحوم
ترجع جذور قصة "العم سام" إلى عام 1812 خلال حرب بين سكان الولايات المتحدة والسكان الأصليين (الهنود الحمر) من جهة، وبين القوات التابعة للتاج البريطاني من جهة أخرى، بسبب خلافات حول حق بريطانيا في فرض رسوم على السفن المتجهة إلى الموانئ الأمريكية والمغادرة منها.
تلك الحرب في حد ذاتها لم تكن لتندلع من الأساس لو كان هناك نظام برقيات سريع لنقل الأوامر والأخبار، حيث كانت بريطانيا قد ألغت قرار الرسوم على السفن بالفعل قبل أن تندلع الحرب بيومين، لكن تأخر وصوله تسبب في استمرارها.
على أية حال، كان صاموئيل (سام) ويلسون تاجراً للحوم، وكان يزود، مع شقيقه إبينيزر، الجيش الأمريكي بلحوم البقر من مدينة تروي بولاية نيويورك. وكان لدى الأخوين ويلسون حوالي 200 عامل، بعضهم من أقاربهما الذين جاؤوا إلى تروي للعمل في تجارة العائلة المتوسعة التي كانت تركز بالأساس على تعبئة اللحوم وتغليفها، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وكانت عبوات اللحوم التي يقوم سام ويلسون وشقيقه بتجهيزها وإرسالها إلى الجنود الأمريكيين على الجبهة تحمل علامة من حرفين (U.S)، والحرفان اختصار لاسم الولايات المتحدة باللغة الإنجليزية. لكن أحد الجنود سأل واحداً من عمال الأخوين ويلسون عن معناهما، فرد الأخير مازحاً "الحرفان اختصار لاسم العم سام". إذ كان أبناء إخوة سام ويلسون ينادونه بـ"العام سام"، وسرعان ما انتشر اللقب بين باقي الموظفين وسكان البلدة.
وهكذا انتشرت القصة بين عمال شركة ويسلون، الذين التحق بعضهم فيما بعد بالجيش، وقبل انتهاء الحرب، أصبح الناس يستخدمون لقب "العام سام" للإشارة إلى الحكومة الفيدرالية الأمريكية.
لكن هناك روايات بديلة، حتى وإن لم تحظ بشهرة رواية سام ويلسون نفسها، حيث ظهرت في السنوات الأخيرة بعض المقالات والخطابات القديمة التي استخدمت فيها تسمية "العم سام" للإشارة إلى الحكومة الأمريكية في عام 1810، وهو ما يلقي بظلال من الشك على كون سام ويلسون هو أصل التسمية، رغم أنه ربما يكون قد لعب دوراً في انتشارها، بحسب المتشككين.
ومن بين الأمثلة التي ذكرت فيها التسمية للإشارة إلى الدولة الأمريكية ما نشر في صحيفة الغازيت الصادرة في بورتلاند في عددها الصادر في 1 أكتوبر/تشرين الأول عام 1813، عن شكوى الجنود من تأخر رواتبهم: "يقولون إن الولايات المتحدة، أو العم سام كما يطلقون عليها، لا تدفع لهم [رواتبهم] في موعدها".
ومع اقتراب نهاية الحرب (في عام 1815)، كانت القوات البريطانية الموجودة في كندا تطلق على الجنود الأمريكيين اسم "الأعمام سام". كما ظهرت التسمية في كتاب صدر عام 1816 تحت عنوان "مغامرات العم سام، بحثاً عن شرفه المفقود"، والذي كان ينتقد الحرب والزعماء الجمهوريين.
ويشير البحث المنشور في صحيفة New England Quarterly إلى أن العم سام تخلص من مدلولاته السلبية، ولا سيما بين أفراد الجيش، وأصبح يستخدم في الإطار المحلي الأشمل في عشرينيات القرن التاسع عشر.
تصوير "العم سام" ومدلولاته في الثقافة الأمريكية
وبعد حصول الولايات المتحدة على استقلالها عن التاج البريطاني، أصبح "العم سام" رمزاً للدولة الفتية، وجرى تصويره على هيئة رجل أبيض كبير في السن ذي لحية بيضاء يرتدي ملابس وقبعة بألوان ورموز العلم الأمريكي. وأشهر تلك الرسومات على الإطلاق صورة "العم سام" وهو يشير بإصبعه بطريقة حادة ويقول: "أريدك أنت أن تنضم إلى الجيش الأمريكي". واشتهرت تلك الصورة في الثقافة الأمريكية الشعبية بعد أن استخدمها الجيش لتجنيد الشباب خلال الحرب العالمية الأولى، بحسب تقرير لموسوعة Investopedia.
وعلى الرغم من وجود رسوم كاريكاتيرية للعم سام خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، لكن يظل الرسم الشائع حتى وقتنا هذا لذاك الرجل المسن، النحيف، طويل القامة ذي اللحية البيضاء، الذي يرتدي سروالاً مخططاً ومعطفاً ذا ذيل وقبعة عالية، وكان من إبداع رسام الكاريكاتير الشهير توماس ناست خلال سبعينيات القرن ذاته. يشار إلى أن ناست يُعزى إليه أيضاً ابتكار صورة "سانتا كلوز" أو "بابا نويل".
ثم حول رسام الكاريكاتير جيمز مونتغومري فلاغ صورة ناست إلى الأيقونة المألوفة لدى الأمريكيين إلى يومنا هذا، عندما صمم الملصق الإعلاني لحملة التجنيد الذي يحمل صورة "العم سام"، لتشجيع الشباب على التطوع أثناء الحرب العالمية الأولى.
اكتسب هذا الملصق شهرة كبيرة عندما نشر للمرة الأولى على غلاف مجلة Leslie's Weekly في يوليو/تموز عام 1916. وقد أعيد استخدام الملصق مرات عديدة منذ ذلك الحين باستخدام تعليقات مختلفة، ولأغراض مختلفة.
على سبيل المثال، يظهر "العم سام" في رسم كاريكاتيري كمتسول يستجدي الناس، للإشارة إلى كثرة النفقات الحكومية. كما يصوره كاريكاتير آخر يعارض الحرب، كداعية للقتال متعطش للدماء.
"العم سام".. مصلحة الضرائب
صار "العام سام" معروفاً في شتى أنحاء العالم بوصفه رمزاً للولايات المتحدة منذ بدايات القرن العشرين. وفي عام 1959، صدق المجلس التشريعي لولاية نيويورك على قرار ينص على الاعتراف بسام ويلسون بوصفه العم سام الأصلي. وفي عام 1961، أدلى الكونغرس بدلوه؛ إذ صدّق على قرار يشيد بـ"العم سام ويلسون ابن مدينة تروي بنيويورك، بوصفه أصل الرمز الوطني لأمريكا".
كان الكاريكاتير الذي نشر في صحيفة Harper's Weekly بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1869، الذي يصور احتفال العم سام بعيد الشكر، يعبر عن رؤية ناست لأمريكا ما بعد الحرب الأهلية. إذ يقف العم سام على رأس المائدة يقطع ديكاً رومياً ضخماً، بينما جلس حول المائدة أناس يمثلون انتماءات عرقية ودينية، وقد كتبت على جانبي الصورة عبارتا "أحرار متساوون"، و"فلينضم إلينا الجميع".
تمثل الصورة برأي مؤرخين رؤية ناست السياسية والطوباوية لأمريكا موحدة ترحب بالمهاجرين من شتى الخلفيات، والذين هم برأيه قادرون، رغم اختلافاتهم، على إقامة علاقات إنسانية مع بعضهم، والعيش في بلد يوفر لهم الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص.
وفي عام 1989، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب يوم 13 سبتمبر/أيلول يوم "العم سام"، تكريماً لسام ويلسون الذي ولد في ذلك اليوم. وقد صادف ذلك أيضاً احتفالات مدينة تروي التي عاش بها ويلسون بمئويتها الثانية.
لكن هناك أيضاً رموز أخرى تستخدم في العصر الحديث للإشارة إلى الولايات المتحدة، كالنسر الأصلع، وناقوس الحرية، والعلم الأمريكي بنجومه الزرقاء وخطوطه الحمراء، وتمثال الحرية.
ورغم ذلك يظل "العم سام" هو الشخصية الأسطورية التي لطالما استخدمت كرمز للحكومة الأمريكية تارة، وللشعب الأمريكي تارة أخرى، تلك الشخصية التي استخدمتها الحكومة ووسائل الإعلام والإعلان كأداة ترويجية للأفكار والعقائد، بل والسلع كذلك.
وربما يكون الاستخدام الأشهر للقب "العم سام" حالياً داخل الولايات المتحدة الأمريكية هو الإشارة إلى مصلحة الضرائب الأمريكية، وتستخدمه وسائل الإعلام المختصة بالاقتصاد في السياق نفسه، فيقال إن المواطن الأمريكي عليه أن "يدفع نسبة من دخله إلى العم سام" حتى تتمكن الحكومة من توفير خدمات أساسية مثل البنية التحتية والتعليم والصحة والمعاشات وغيرها.