في حال أرادت الصين ضم أو "غزو" تايوان، من شبه المؤكد أن تستهدف أكبر وجود عسكري أمريكي في المحيط الهادئ في المراحل الأولى للهجوم، فماذا يعني ذلك لجزيرة "غوام"؟
الآن وقد أصبح المحيط الهادئ، حيث تقع "غوام"، إحدى ساحات المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، تسلط الأضواء على الوجود العسكري الأمريكي والصيني في جزر المحيط الشاسع. وبعد زيارة نانسي بيلوسي لتايوان ورد بكين بفرض حصار على الجزيرة، يرى أغلب الخبراء العسكريين أن احتمال إقبال الصين على مهاجمة تايوان عسكرياً أصبح مسألة وقت فقط.
وفي هذا السياق، تحولت تلك المنطقة من المحيط الهادئ، بجزرها الصغيرة والكبيرة، إلى برميل بارود يمتلئ بسرعة قياسية، مع تكديس بكين وواشنطن لكم هائل من الأسلحة بأنواعها المختلفة، فيما يبدو استعداداً لأمر كبير ربما يحدث في أية لحظة.
ما قصة جزيرة "غوام"؟
في هذا السياق، نشرت مجلة Popular Mechanics الأمريكية تقريراً عنوانه "كيف تحولت جزيرة "غوام" إلى قلعة أمريكية في قلب المحيط الهادئ؟"، تناول قصة صعود وهبوط الوجود العسكري على الجزيرة، ومدى أهميتها في الصراع الحالي بين بكين وواشنطن.
وجزيرة غوام من أصغر تبعيات الولايات المتحدة المأهولة بالسكان في المحيط الهادئ، لكنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى واحدة من أقوى معاقل الجيش الأمريكي تحصيناً.
تبلغ مساحة غوام نحو 549 كيلومتراً مربعاً فقط، ومع ذلك فإنها إحدى أكثر المواقع احتشاداً بالقوة العسكرية في الولايات المتحدة، فهي مكتظة بجنود الجيش والبحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية المتمركزين فيها استعداداً لمنافسة استراتيجية طويلة الأمد مع الصين.
غير أن ذلك يعني، من جهة أخرى، أنها قد تصبح عرضة لهجمات جوية وصاروخية بعيدة المدى إذا آلت التوترات الجارية إلى حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين.
يعود ارتباط غوام بالولايات المتحدة إلى أكثر من 100 عام مضت، فقد استولت الولايات المتحدة على الجزيرة خلال الحرب الإسبانية الأمريكية. وأصبحت أراضي الجزيرة تابعة للولايات المتحدة في عام 1898، إلا أن الإمبراطورية اليابانية غزت الجزيرة واحتلتها خلال الحرب العالمية الثانية. ثم حررت الولايات المتحدة غوام في عام 1945، وعندها عادت لتصبح إحدى تبعيات الولايات المتحدة.
كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة، من جانب، والاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية، من جانب آخر، سبباً حالَ دون مغادرة القوات الأمريكية للجزيرة بعد الحرب العالمية الثانية. فقد أصبحت غوام قاعدة رئيسية لمجابهة التوسع الشيوعي، وموقعاً يمكن للولايات المتحدة أن تفعل فيه ما تريده، خلافاً للقواعد الأجنبية.
وكانت قاعدة أندرسن الجوية الواقعة بالجزيرة منصة انطلقت منها قاذفات القنابل الأمريكية "بي 52" B-52 لشن غاراتها الحاشدة على شمال فيتنام خلال الحرب بين أمريكا وفيتنام، ثم أصبح ميناء أبرا بالجزيرة قاعدة انطلاق لغواصات الصواريخ النووية "بولارِس" Polaris في منطقة الشرق الأقصى السوفيتي وجوار الصين.
تراجعت الأهمية الاستراتيجية لجزيرة غوام في نهاية الحرب الباردة بين الشيوعية والولايات المتحدة، وأصبحت الجزيرة وجهة شهيرة لقضاء العطلات بين السياح اليابانيين. لكن الحال تبدلت على أثر التصاعد السريع للتوترات بين الجيش الأمريكي، من جهة، والقوات الجوية والبحرية الصينية، من جهة أخرى، فقد عادت غوام إلى سابق عهدها موقعاً استراتيجياً رئيسياً للولايات المتحدة.
حجر الزاوية للجيش الأمريكي في المحيط الهادئ
ترى واشنطن أن غوام هي الركن الأساسي في جبهة الدفاع الأمريكية عن المحيط الهادئ، وقاعدة انطلاق للجيش الأمريكي نحو الصين واليابان والكوريتين وتايوان. ومن ثم، فقد اتخذت جميع أفرع القوات المسلحة الأمريكية قواعد لنفسها في الجزيرة الصغيرة، واجتمعت على غاية واحدة، ألا وهي احتواء الصعود الصيني.
تتخذ القوات الجوية الأمريكية من "قاعدة أندرسن الجوية" مركزاً رئيسياً لها في غوام. والقاعدة هي مقر الجناح 36 من القوات الجوية، وتشغل ما يقرب من 18 ألف فدان من المساحة، وتستوعب ما يصل إلى 193 طائرة. وسلاح الجو الأمريكي أبرز من يستخدم الجزيرة قاعدة انطلاق، لكلٍّ من القوات العاملة في المنطقة المحيطة، ولطائرات التزويد بالوقود جواً لمعاونة الطائرات العابرة للمحيط الهادي الشاسع.
لا تتمركز طائرات معينة في الجزيرة تمركزاً دائماً، لكن التناوب المنتظم لقاذفات القنابل التابعة للقوات الجوية في المحيط الهادي، وفرق عمل ناقلات التزود بالوقود، تجعل مدرج المطار محتشداً بقدر هائل من القوة النارية. ويمثل القوة الفضائية الأمريكية في الجزيرة الوحدةَ الجوية الأمريكية "سبيس دلتا 8" Space Delta 8، وهي الوحدة المسؤولة عن تشغيل هوائيات التحكم بالأقمار الصناعية ومحطات التحكم الأرضية في الجزيرة.
أما البحرية الأمريكية، فتتخذ من ميناء أبرا قاعدة بحرية لها في غوام، وهو أبعد مرسى للقوات الأمريكية في غرب البلاد. ولا يقتصر عمل الميناء على كونه محطة توقف لغواصات الصواريخ الباليستية من فئة "أوهايو" في المحيط الهادي، بل إنها أيضاً موطن لخمس غواصات هجومية أمريكية تعمل بالطاقة النووية.
ولولا الجزيرة لكانت تلك الغواصات مضطرة في كل مرة إلى قطع رحلة طولها 9495 كيلومتراً لبلوغ الساحل الغربي من الولايات المتحدة، ومن ثم يُتيح لها ذلك قضاء مدةٍ أطول في مناطق دورياتها غرب المحيط الهادي، وقدرة أسرع على العودة للقتال في زمن الحرب.
تستعين البحرية الأمريكية أيضاً بثلاث أو أربع سفن من مدمرات الصواريخ الموجهة للدفاع عن الجزيرة عند الحاجة. وتحظى الجزيرة بحماية دائمة من إحدى المدمرات على الأقل، وتشمل شبكة الحماية منظومةَ الدفاع "نظام الدرع القتالي" Aegis (شبكة من الرادارات وتكنولوجيا توجيه الأسلحة)، وصواريخ الاعتراض "إس إم 3 بلوك 1 بي" SM-3 Block 1B المضادة للصواريخ الباليستية. وتتطلع البحرية الأمريكية إلى الاعتماد على النسخة الأرضية من "نظام أيجيس المضاد للصواريخ"، التي تجمع الدرع الصاروخي وصواريخ الاعتراض "إس إم 3″، لتحرير المدمرات والسماح لها بمغادرة محيط الجزيرة من أجل مهام أخرى.
يسعى سلاح مشاة البحرية أيضاً إلى تعزيز انتشاره على الجزيرة، وقد نقل جزءاً من "قوة الاستطلاع البحرية الثالثة" III MEF بعيداً عن جزيرة أوكيناوا اليابانية، التي قد تكون معرضة للخطر فيها، إلى غوام، وهي تعول على كونها أكثر أماناً لبعدها عن مواقع الانتشار الصينية. ويُقيم 1300 جندي من قوات المارينز الأمريكية إقامة دائمة في "معسكر بلاز" الذي أُنشئ حديثاً في الجزيرة، ويزيد عليهم 3700 جندي آخرين يتناوبون بانتظام قادمين من اليابسة الأمريكية وجزيرة هاواي إلى الجزيرة في مهمات تدريبية.
ما الخطر الذي تمثله الصين لغوام؟
للرد على الاختبارات المتوالية التي أجرتها كوريا الشمالية لصواريخها الباليستية وتهديدها المتكرر بالحرب، نشر الجيش الأمريكي منظومة الدفاع الجوي الصاروخي "ثاد" THAAD في غوام عام 2014. وما زالت المنظومة هناك منذ ذلك الحين، وهي توفر الآن الحماية ضد الصواريخ الباليستية الصينية.
وتشتمل منظومة ثاد على رادار "إيه إن/ تي بي واي 2" AN/TPY-2 المتنقل، وست مركبات إطلاق، كل منها مجهز بثمانية صواريخ. وتوفر منظومة ثاد مرتكزات الدفاع عن منطقة الجزيرة بأكملها، إلا أن الجيش قد يضطر إلى توسيع دفاعاته ونشر منظومات صواريخ "باتريوت باك 3" المخصصة للدفاع عن مواقع محددة، مثل القواعد الجوية والبحرية، من الرؤوس الحربية للصواريخ الباليستية.
على الرغم من أن غوام بعيدة عن البر الرئيسي الآسيوي، فإنها معرضة لمخاطر التعرض لضربات الصواريخ من خصوم الولايات المتحدة. وقد لجأت الصين في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته إلى ضخ حصة كبيرة من مواردها اليسيرة آنذاك في بناء صواريخ باليستية رخيصة برؤوس حربية تقليدية شديدة الانفجار، واستعانت بها بديلاً عن صناعة القاذفات باهظة الثمن. ولذلك فإن الصين تملك الآن وفرة من الصواريخ بعيدة المدى، وصواريخ "دونغفنغ 26" DF-26 الصينية متوسطة المدى.
ويمكن للصاروخ الصيني "دونغفنغ 26" أن يصل إلى غوام في 30 دقيقة أو أقل، وهو صاروخ قادر على حمل طنين من المتفجرات شديدة الانفجار إلى مسافة 152 متراً من الهدف. وهو ما يجعل هذه الصواريخ، ومعها صواريخ كروز، تهديداً كبيراً تقع في مداه جميع المنشآت العسكرية المنتشرة في غوام.
يسأل البعض: هل تهاجم الصين غوام؟ وخلاصة الإجابة أن الصين شهدت مراراً استخدام الولايات المتحدة لميزة انتشارها في القواعد الخارجية من أجل تعزيز قوتها في حروب العراق وأفغانستان وغيرها.
ومن ثم، إذا غزت الصين تايوان، أو تحركت ضد اليابان -وكلاهما يعتمد على حماية قوات أمريكية- فإن غوام موقع لا غنى عن استهدافه إذا أرادت الصين إبراز قوتها. والواقع أنه إذا كانت الصين تريد الحرية المطلقة لها في المحيط الهادئ دون قيود أمريكية، فإن غوام والقواعد المماثلة يجب أن تذهب بلا رجعة. ولذلك فإن حماية قاعدة أندرسن الجوية وأبرا البحرية، وغيرهما من القواعد في الجزيرة، أصبحت أحد أبرز التحديات العسكرية للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين.
كان إعلان الصين وجزر سليمان توقيع اتفاقية أمنية قد تسبب حرفياً في زلزال جيوسياسي تردد صداه في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وباقي العواصم الغربية، إذ تحولت الجزر فجأة ودون مقدمات إلى نقطة صدام لم تكن متوقعة بين الولايات المتحدة والصين.
وجزر سليمان Solomon Islands هي أرخبيل يتكون من نحو 990 جزيرة تشكل معاً دولة عاصمتها هونيارا، وتقع في جنوب المحيط الهادئ على بعد أقل من 2000 كلم من الساحل الشرقي لأستراليا، ويبلغ عدد سكان الأرخبيل نحو نصف مليون نسمة، ومساحة الجزر مجتمعة نحو 82450 كلم مربع.
الخلاصة هنا هي أن الجيش الأمريكي يكثف من وجوده في غزيرة غوام، معتبراً إياها حجر الزاوية في خططه العسكرية الهادفة "لاحتواء" الصين، لكن الوجود العسكري المكثف قد يكون عرضة للصواريخ الصينية في أي وقت تقرر فيه بكين إعادة توحيد تايوان بالقوة.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصرُّ على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر. ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي هذا السياق، تنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها منذ عقود، في ظل إرسال الجيش الصيني عدداً قياسياً من الطائرات الحربية بالقرب من الجزيرة، في استعراض للقوة لا يخفى على دول المنطقة الأخرى.