من المتوقع أن تؤدي معركة طويلة الأمد بين منظمي الأوراق المالية في الولايات المتحدة والشركات الصينية، التي تبيع أسهمها هناك، إلى مغادرة المزيد من الشركات الصينية الكبيرة التي تسيطر عليها الدولة، بورصةَ نيويورك.
وخلق إعلان كبرى الشركات الصينية الحكومية مؤخراً، عزمها تقديم طلب لشطبها من قائمة أسواق الأسهم الأمريكية، حالةً من الشك فيما إذا كان ذلك يُنذر بانفصال متسارع بين أكبر اقتصادين في العالم.
ما قصة مغادرة الشركات الصينية البورصات الأمريكية؟
الأسبوع الماضي، قررت 5 شركات صينية كبرى الإقدام على هذه الخطوة، وسط غضب من قانون أمريكي يطالب المنظمين الأمريكيين لسوق الأسهم، بفحص عمليات التدقيق الحسابي للشركات الصينية.
وكانت شركات "بتروتشاينا" و"تشاينا لايف انشورانس" و"شركة الألومنيوم الصينية" و"سينوبيك" و"شنغهاي بيتروكيميكال" أعلنت أنها تخطط للخروج من بورصة نيويورك، خلال أغسطس/آب 2022.
ومن المتوقع أن تتخذ العديد من الشركات الصينية الأخرى الإجراءات نفسها، في سبتمبر/أيلول، خصوصاً أن الصين ترفض السماح للمنظمين الأجانب بتفتيش شركات المحاسبة المحلية، متعللة بقوانين أمن الدولة لمنع المنظمين الأمريكيين من إجراء عمليات التفتيش.
ويقول أندرو ليونغ، الخبير الاستراتيجي الصيني المستقل في هونغ كونغ، إن هذه "بداية موجة مد عاتية" لبعض كبرى الشركات، عقب المضايقات والإكراهات التي تعرضت لها من قبل واشنطن. وأضاف ليونغ: "ذريعة واشنطن أن الشركات التي تنتهك القوانين الأمريكية أرعبت الكثير من الشركات الصينية".
ويتعين على الشركات في الولايات المتحدة أن تُخضع مدققي حساباتها للتدقيق من قبل المنظمين الأمريكيين، بموجب قانون محاسبة الشركات الأجنبية القابضة (HFCAA) الذي تم إقراره عام 2020.
ويحظر التشريع الأمريكي تداول الأوراق المالية من قِبل الشركات التي تفشل في تلبية متطلبات التدقيق لثلاث سنوات متتالية، حيث تم تحديد عام 2024 كموعد نهائي للشركات الصينية للامتثال للقانون أو الانسحاب من سوق الأسهم.
200 شركة صينية قد تغادر أسواق الأسهم الأمريكية
قد تضطر نحو 200 شركة صينية إلى الانسحاب من السوق، إذا لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى حل وسط قريباً، ما لم يتعين على الصين اختيار الشركات التي سيسمح بإدراجها في قائمة الأسهم المالية في الولايات المتحدة.
في مقابلة حديثة مع شبكة CNBC، قال رئيس بورصة نيويورك السابق، توم فارلي، إنه من منظور اقتصادي، فإن رحيل الشركات الصينية الخمس المملوكة للحكومة "ليس حدثاً". وقال إن الشركات لا تتاجر على نطاق واسع في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، أضاف أن مغادرتها "من الناحية الرمزية والاقتصادية مهمة جداً"، لأنها تفتح الباب أمام رحيل الشركات الصينية الكبيرة مثل Alibaba وJD.com، التي تتداول بكثافة في الولايات المتحدة.
تبلغ القيمة السوقية لشركة علي بابا، وهي القيمة التراكمية لأسهمها القائمة، أكثر من 232 مليار دولار. أما شركة JD.com فهي متخصصة بالتجارة الإلكترونية، وتبلغ قيمتها السوقية أكثر من 87 مليار دولار.
هل يكون خروج هذه الشركة خطوة نحو الانفصال الاقتصادي بين الصين وأمريكا؟
من جهته، يقول الخبير الصيني ليونغ إن قانون محاسبة الشركات الأجنبية القابضة الأمريكي سيؤدي إلى "الابتعاد عن سوق الأسهم الأمريكي"، وليس بالضرورة تأثير ذلك على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، خصوصاً أن حظر استيراد بعض المنتجات من قِبل إدارة بايدن أضر بالفعل بالمستهلكين الأمريكيين؛ ما أدى إلى زيادة التضخم.
واتهم ليونغ الولايات المتحدة بـ"تشويه صورة الصين"، مضيفاً أن المزيد من الدول "لا تريد أن تلتزم بالخطاب الأمريكي". وشدد على أن الانسحاب من سوق الأسهم الأمريكية "لن يكون سهلاً".
وقال ليونع في مقابلة مع وكالة الأنباء التركية، إن الناس يفرقون بين "الخطابات والأعمال الحقيقية"، مشيراً إلى ارتفاع الصادرات الصينية خلال الـ18 شهراً الماضية إلى الولايات المتحدة والدول الأخرى. وأضاف أن الشركات الصينية تتطلع في الوقت نفسه إلى الانضمام إلى بورصة هونغ كونغ وسنغافورة.
الشركات الصينية لديها مستقبل قصير في الولايات المتحدة
من جهته، يقول إينار تانغين، الزميل في معهد تايهي في بكين، إن الولايات المتحدة تكثف العمل على برنامجها المحلي "أمريكا أولاً". وفي إشارة إلى قانون "الرقائق الإلكترونية" الجديد، الذي يدعم مصنعي أشباه الموصلات الأمريكيين على حساب تايوان وكوريا الجنوبية واليابان، قال تانغين إن تايوان على وجه الخصوص "ستتضرر بشدة"؛ لأنها تُصدّر حالياً 90% من الرقائق المتقدمة التي تستخدمها الولايات المتحدة.
وأضاف أن أشباه الموصلات تُمثل 25% من الناتج المحلي الإجمالي لتايوان، و40% من صادراتها، مؤكداً أنه إذا نجحت استراتيجية الولايات المتحدة فإنها "ستدمر الاقتصاد التايواني وتسلب قيمته الاستراتيجية".
يرى تانغين أنه بالنظر إلى ما تفعله الولايات المتحدة بحلفائها، فإن الشركات الصينية تتوقع المزيد من "معاملة هواوي"، المتمثلة في "الخروج قبل إجبارها على المغادرة".
وتتهم الولايات المتحدة شركة "هواوي"، عملاق التكنولوجيا الصينية، باستخدام طرق لمشاركة المعلومات مع بكين، وهي مزاعم ترفضها الشركة.
بحسب تانغين، فإن مسألة جمع وتدفق البيانات يعتبران من قضايا الأمن القومي، حيث تقوم البلدان حالياً ببناء جدران إلكترونية لعزل المنافسين الأجانب عن جميع مجالات الاقتصاد الرقمي، ما يؤدي إلى "ابتكار أقل وأسعار أعلى" للمستهلكين النهائيين.
وأضاف أنه نظراً لأن العديد من الشركات الصينية تعمل في قطاع البيانات، فإنها تعتبر سلوك الولايات المتحدة "متحفظاً جداً". وتابع: "من غير المرجح أن يؤثر هذا السلوك على التجارة الثنائية بين البلدين".
وأكد تانغين أن التجارة "ستظل قوية نسبياً" بسبب المكانة التي تحتلها الصين في سلسلة التوريد من حيث التكلفة ووفرة المنتجات، مضيفاً أن الشركات التي انسحبت من قوائم الأسهم المالية قامت بذلك الإجراء "بشكل دفاعي".
كما أن الجانب الوحيد الذي أحرزت الولايات المتحدة والصين فيه "تقدماً طفيفاً" هو اعتماد معيار محاسبي للشركات الصينية "مقبول للطرفين". واختتم تانغين حديثه قائلاً: "الشركات الصينية تعتقد أن لديها مستقبلاً قصيراً في الولايات المتحدة، التي تتجه نحو دعم الاقتصاد الوطني".