تقارير غربية عديدة تفيد بـ"شراء روسيا طائرات مسيرة إيرانية" لاستخدامها في حرب أوكرانيا، وهو ما يشكل واحدة من مفارقات هذه الحرب، ويثير تساؤلات حول أسباب هذا القرار الروسي ومدى فعالية هذه هذه الطائرات، وكيف ستنعكس على مسار الحرب.
فمن الغريب أن تشتري روسيا، الدولة العظمى صاحبة الجيش الكبير، أسلحة من دولة نامية معزولة كإيران، كانت تقلد منذ عقودٍ الأسلحة الروسية القديمة.
روسيا لمَّحت إلى رغبتها في شراء طائرات تركية مسيَّرة
ومطلع شهر أغسطس/آب 2022، أفادت تقارير بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد طلب من نظيره التركي رجب طيب أردوغان شراء طائرات مسيرة تركية بعد اندلاع حرب أوكرانيا، حسب شبكة "سي إن إن تورك" نقلاً عن حديث لأردوغان في اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
ولكن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، قال إن بوتين كان يخاطب أردوغان "نصف مازح ونصف جاد" بقوله: "أنت تعطي أوكرانيا طائرات بدون طيار. إذا أعطيتها لنا فنحن نرغب في شرائها"، وتابع مضيفاً: "بوتين قال ما قاله وابتسم أردوغان".
من جهتها، كانت شركة "بايكار" التي تنتج طائرات بيرقدار التركية الشهيرة، قد نفت وجود أي نية لديها لتوفير الأسلحة لروسيا، حيث قال رئيسها التنفيذي سلجوق بيرقدار (صهر أردوغان)، لشبكة "سي إن إن": "لم نسلمهم أو نزودهم بأي شيء، ولن نفعل شيئاً من هذا القبيل، لأننا ندعم أوكرانيا، وندعم سيادتها، ومقاومتها من أجل استقلالها".
في 11 يوليو/تموز 2022، صرح البيت الأبيض بأنه يعتقد أن روسيا تتطلع إلى إيران للحصول على "مئات" من الطائرات المسيرة، وضمن ذلك الطائرات بدون طيار المزودة بالأسلحة، بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا.
العلاقة المركبة بين روسيا وإيران.. شراكة متوجسة لم تصل للتحالف
والعلاقة بين إيران وروسيا مركبة، فلقد بنت روسيا البرنامج النووي الإيراني، ولكنها شاركت في الضغوط الدولية لوقف تقدم البرنامج نحو المجال العسكري، وقبلت بحظر الأسلحة الذي فُرض على إيران وضمن ذلك تأجيلها صفقة تزويد طهران بصواريخ إس 300 المضادة للطائرات والصواريخ إلى حين انقضى أجل الحظر، وبصفة عامة لا تستورد طهران أسلحة كثيرة من موسكو، وتعتمد بشكل كبير على إنتاج أسلحة مستنسخة من أسلحة روسية أو أمريكية أو تجديد أسلحتها الأمريكية القديمة.
فالبلدان ليسا حليفين بشكل رسمي رغم تعاونهما الكبير في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن كانت هناك مسافة بينهما في كثير من القضايا مثل الموقف من إسرائيل ودول الخليج، مع تقارب في قضايا أخرى مثل أذربيجان، وبطبيعة الحال كانت سوريا تمثل ذورة التنسيق بينهما، حيث وفرت روسيا القوة الجوية لسحق المعارضة السورية بينما وفرت طهران الميليشيات الشيعية على الأرض، ليدمر البلدان الأخضر واليابس في مدن مثل حلب وحمص.
ولكن رغم ذلك اتسم تعاونهما العسكري في دعم الأسد بتنافس واضح على النفوذ في سوريا، وبالأخص على جذب ولاءات فرق الجيش السوري وميليشيات النظام المختلفة، كما اختلفت طريقة تعاملهما مع المعارضة السورية وحليفها التركي، حيث كانت موسكو أكثر ليونة مع المعارضة (لدرجة أن بعض المعارضين السوريين تصالحوا مع النظام بوساطتها وتتدخل أحياناً لحمايتهم)، وكانت موسكو أكثر تنسيقاً مع تركيا حول سوريا، مع تهميشها نسبياً لطهران.
ويمكن وصف العلاقة بينهما بعلاقة حليف الحليف، علماً بأن روسيا كانت تتيح للطائرات الحربية الإسرائيلية قصف أهداف إيران والميليشيات التابعة لها في سوريا، ولكن يعتقد أن حرب أوكرانيا وما ترتب عليها من عقوبات غربية على روسيا، أديا إلى مزيد من التقارب بين البلدين.
لماذا تريد روسيا طائرات مسيرة من إيران؟
تعد روسيا في الأغلب هي الأكثر تقدماً في العالم حتى على الولايات المتحدة في مجالات الصواريخ الباليستية والصواريخ الفرط صوتية وأنظمة الدفاع الجوي، ولديها أكبر سلاح مدفعية في العالم، وتعد من أكثر دول العالم تقدماً في مجال الطائرات المقاتلة، فهي واحدة من ثلاث دول أدخلت طائرات شبحية من الجيل الخامس للخدمة (بشكل جزئي).
ولذا يبدو غريباً للغاية أن روسيا ثاني أكبر مصدر سلاح، والبلد المدجج بالأسلحة النووية والمنتج لمجموعة من أفضل الطائرات والصواريخ والدبابات في العالم، يلجأ إلى بلد نامٍ شبه معزول مثل إيران لديه جيش، أسلحته يعود أغلبها لسبعينيات وستينيات القرن الماضي، لشراء أسلحة حديثة مثل الطائرات المسيرة.
ويرجع ذلك إلى حقيقة أن روسيا رغم تقدمها في معظم مجالات الأسلحة، فإنها تأخرت في دخول مجالات الطائرات المسيرة، مثلها مثل العديد من القوى العسكرية الأكثر تقدماً في العالم، ومنها فرنسا وبريطانيا، والأخيرة قال وزير دفاعها بن والاس إن بلاده تأخرت في هذا المجال وعليها اتباع النموذج التركي في إنتاج طائرت مسيرة رخيصة وفعالة.
وتعد الولايات المتحدة بلا منازع، أكثر دول العالم تقدماً في مجال الطائرات المسيرة، تليها إسرائيل والصين وتركيا (مع وجود خلاف حول الأكثر تقدماً أو نجاحاً من الدول الثلاث).
ودفع تأخر روسيا في هذا المجال، إلى سعيها في مرحلة سابقة، للحصول على مساعدة من إسرائيل لتصنيع طائرات مسيرة، وإن كان من الواضح أن هذا المسار لم يُستكمل بسبب ضغوط واشنطن على الأرجح.
وخلال ثلاث حروب بين حلفاء موسكو ضد حلفاء أنقرة في القوقاز وليبيا وسوريا (حيث خاض الجيش التركي المعركة نفسها)، أظهرت الأسلحة الروسية وضمنها أنظمة الدفاع الجوي قصوراً أمام الكفاءة المفاجئة للطائرات التركية من طراز بيرقدار تي بي 2.
والآن في حرب أوكرانيا، خاضت موسكو بنفسها معارك عدة أمام طائرات بيرقدار التركية التي تمتلكها كييف، ونجحت بيرقدار بشكل كبير لدرجة أن الأوكرانيين ألفوا لها أغنية، وإن كانت هناك تقارير عن تراجع أدائها بعد أن أدخل الروس أنظمة دفاع جوي أكثر تقدماً وكثافة، كما بدأت أوكرانيا تعتمد على طائرات مسيرة أمريكية الصنع بشكل أكبر، وكثير منها طائرات مسيرات انتحارية (تستخدم مرة واحدة وتنفجر في الخصم).
ولدى روسيا، التي تمتلك 1500 إلى 2000 طائرة بدون طيار للمراقبة العسكرية، عدد قليل نسبياً من الطائرات بدون طيار الهجومية من النوع الذي يمكنه ضرب أهداف بدقة في عمق أراضي العدو. على النقيض من ذلك، استخدمت أوكرانيا الطائرات بدون طيار المقاتلة التركية الصنع لإحداث دمار في الدروع والشاحنات والمدفعية الروسية منذ الأسابيع الأولى من الصراع.
وتستخدم روسيا بشكل أساسيٍّ الطائرة المسيرة المحلية الصنع "Orlan-10" الأصغر والأبسط من بيرقدار التركية.
وتحتوي هذه الطائرات بدون طيار أيضاً على كاميرات ويمكنها حمل قنابل صغيرة.
وبدأت روسيا الحرب بآلاف من هذه الطائرة، ويعتقد أنه قد تبقى بضع مئات منها فقط جراء الخسائر المختلفة، حسبما قال الدكتور جاك واتلينج المتخصص بالشأن الروسي في المعهد الملكي البريطاني المتحد للخدمات البحثية، لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
بالنسبة لكلا الجانبين- روسيا وأوكرانيا- كانت الطائرات بدون طيار أكثر فاعلية عند استخدامها لتحديد أهداف العدو وتوجيه نيران المدفعية تجاهه.
ولكن من الواضح أن روسيا تعاني من محدودية قدرات طائراتها المسيرة المحلية الصنع، وأيضاً قلة عددها مع استمرار المعارك.
بينما زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بنحو 700 طائرة عسكرية بدون طيار من طراز "كاميكازي" من طراز Switchblade.
ولدى روسيا دولتان فقط يمكن أن تلجأ إليهما "لسد فجوة القدرات" في الطائرات القتالية بدون طيار: الصين وإيران.
لكن الصين لديها علاقات اقتصادية وثيقة مع الولايات المتحدة، ولا تريد توريد طائرات بدون طيار مقاتلة، لأن ذلك قد يستدعي عقوبات أمريكية.
استخدمت قوات الحوثيين في اليمن الطائرات المسيرة الإيرانية لمهاجمة أهداف في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأسقط السعوديون عدداً كبيراً من طائرات الحوثيين، ولكن أيضاً مرت بعضها ووصلت لأهدافها.
كان أخطر هجوم للطائرات المسيرة الإيرانية، الذي نفذ على منشأة نفطية لشركة أرامكو السعودية العملاقة عام 2019، وأدى إلى وقف 5% من إنتاج النفط في العالم عدة أشهر.
الهجوم صدم الإسرائيليين المعنيين بالأسلحة الإيرانية، ونُفذ عبر خليط من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، وتبنى الحوثيون مسؤوليته ولكن يعتقد أنه نُفذ من إيران أو من قبل حلفائها في العراق، علماً بأن السعودية لديها أنظمة دفاع جوي غربية متطورة للغاية.
ونظراً إلى أن إيران تعاني نقصاً كبيراً في الطائرات الحديثة، فإنها عمدت إلى تطوير برنامج صواريخ باليستية وكروز وبرنامج طائرات مسيرة.
جعلها ذلك دولة مهمة في مجال الطائرات المسيرة، حتى لو لم تكن دولة صف ثانٍ مثل الصين وتركيا وإسرائيل (أمريكا دولة صف أول بطبيعة الحال، ويمكن وصف إيران بدولة صف ثالث).
هل تمت بالفعل صفقة شراء روسيا طائرات مسيرة إيرانية؟
وأصدرت إدارة بايدن، الشهر الماضي، صور أقمار صناعية تشير إلى أن المسؤولين الروس زاروا مطار كاشان في 8 يونيو/حزيران و5 يوليو/تموز؛ لمشاهدة الطائرات الإيرانية بدون طيار.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الشهر الماضي، إن طهران لديها "أنواع مختلفة من التعاون مع روسيا، وضمن ذلك في قطاع الدفاع".
وردّ المسؤولون الإيرانيون، بشكل غير مباشر، على مزاعم الولايات المتحدة بشأن التسليم المعلق للطائرة بدون طيار. أقر الناطق باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، الشهر الماضي، بـ"التعاون التكنولوجي الإيراني والروسي"، لكنه قال إن طهران تفضّل تسوية دبلوماسية للصراع الأوكراني.
وسئل المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الشهر الماضي، عن الصفقة المزعومة للحصول على طائرات إيرانية بدون طيار، فقال إن الرئاسة الروسية "ليست لديها تعليقات على هذا الأمر".
ويعتقد أن الاتفاق العسكري بين إيران وروسيا جزء من استراتيجية أكبر لدى النظام الإيراني للتركيز على تشكيل شراكات اقتصادية استراتيجية مع الصين وشراكات أمنية مع روسيا، حسبما ورد في تقرير لجريدة الشرق الأوسط السعودية.
بينما لم تؤكد روسيا شراءها طائرات مسيرة من إيران، زعمت مصادر أمريكية أن الصفقة تمت ووصلت الطائرات بالفعل، بل بدأت الجهات الأمريكية في تقييم قدراتها.
تم التفاوض على الصفقة على مدى عدة أشهر من قبل فريق، حسبما قال مسؤول أمني أمريكي لصحيفة Washington Post الأمريكية، بقيادة الجنرال سيد حجة الله قريشي، رئيس قسم الإمدادات واللوجستيات بوزارة الدفاع الإيرانية، والملحق العسكري الروسي في طهران. وقال المسؤول إنه بموجب هذا الترتيب، سافر خبراء تقنيون إيرانيون إلى روسيا للمساعدة في إنشاء الأنظمة، وخضع ضباط عسكريون روس لتدريب في إيران.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته ولكن نُشرت تصريحاته من قِبل عدة وسائل إعلام غربية، إن الولايات المتحدة تقدر أن روسيا قد تسلمت عدداً من الطائرات المسيرة الإيرانية على مدار عدة أيامٍ هذا الشهر، كما أكد ذلك تقارير منسوبة للبيت الأبيض.
غادرت طائرات النقل الروسية إيران في 19 أغسطس/آب 2022، محملة على الأقل بنوعين من الطائرات بدون طيار، وكلاهما قادران على حمل ذخائر للهجمات على الرادارات والمدفعية والأهداف العسكرية الأخرى، وذلك وفقاً لمعلومات استخباراتية جمعتها وكالات التجسس الأمريكية وغيرها، ونقلتها صحيفة Washington Post الأمريكية.
وتضمنت الشحنة الأولية طرازين من طائرات شاهد بدون طيار، شاهد 129 وشاهد 191، إضافة إلى مهاجر 6، وتعتبر جميعها من بين أفضل الطائرات بدون طيار العسكرية في إيران، والمصممة للهجمات وكذلك المراقبة، حسبما قال مسؤولون أمنيون أمريكيون وغربيون للصحيفة الأمريكية.
وقال المسؤول إنه من المحتمل أن يكون ذلك جزءاً من خطة روسية لشراء مئات من هذه المسيّرات.
كيف كان تقييم الروس لأداء الطائرات المسيّرة الإيرانية؟
وفي حين أن الطائرات المسيرة الإيرانية يمكن أن تقدم دفعة كبيرة للجهود الحربية الروسية ضد أوكرانيا حسبما قال مسؤولون أمنيون من الولايات المتحدة وحكومة حليفة، فإن الشحنة الأولى شابتها مشاكل فنية، حسب قولهم.
وقال المسؤول الكبير في الإدارة الأمريكية إن روسيا واجهت "إخفاقات عديدة" بطائرات بدون طيار إيرانية الصنع تم شراؤها من طهران هذا الشهر، وذلك في الاختبارات الأولية التي أجراها الروس قبل استخدامها في حرب أوكرانيا.
المسؤولون، الذين تحدثوا عن تقييم المخابرات الأمريكية للصفقة، لم يذكروا بالتفصيل "الإخفاقات العديدة للطائرات الإيرانية المسيرة".
قال مسؤول أمني حليف لواشنطن تراقب حكومته من كثبٍ عملية النقل: "هناك عدد قليل من الأخطاء في النظام"، و"الروس غير راضين".
ولكن مسؤولي إدارة بايدن، الذين تحدثوا للصحيفة الأمريكية أيضاً شريطة عدم الكشف عن هويتهم، اعترفوا بأن وصول الطائرات الإيرانية بدون طيار قد يساعد في سد فجوة كبيرة في الحملة العسكرية الروسية بأوكرانيا.
الانتقال من اليمن لأوكرانيا بمثابة اختبار عسير للمسيّرات الإيرانية
وقال مايكل نايتس، الخبير العسكري والأمني في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، إنه بينما زودت إيران طائرات عسكرية بدون طيار لجماعات مسلحة تعمل بالوكالة مثل المتمردين الحوثيين في اليمن، فإنها نادراً ما اختبرت مثل هذه النماذج ضد أنواع التشويش الإلكتروني وأنظمة مكافحة الطائرات المتطورة المستخدمة في أوكرانيا والقادمة من الغرب.
وأظهرت إيران قدرتها على شن هجمات "سرب" بطائرات بدون طيار، من ضمنها طائرات بدون طيار انتحارية متعددة حشدت ضد هدف واحد، حسب نايتس.
أضاف قائلاً: "وستراقب الحكومات الغربية من كثب، لمعرفة ما إذا كانت الطائرات المسيرة الإيرانية يمكنها تنفيذ مثل هذه العمليات في ساحة معركة شديدة القسوة كساحة الحرب في أوكرانيا بعد أن أصبحت الأخيرة تعتمد على العديد من الأسلحة الغربية".
وقال: "هذه الطائرات الإيرانية بدون طيار لم تعمل في بيئة دفاع جوي متطورة من قبل"، أكثر ما استخدمت فيه هذه المسيرات الإيرانية هو ضربات الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية أو ضد القواعد الأمريكية في العراق، وهم لم يفعلوا بشكل عام ذلك بشكل جيد، لذلك لن أفاجأ بأنه في بيئة أكثر كثافة مثل أوكرانيا، ستكون لديهم بعض المشاكل".
إليك السلاح الأمريكي الذي تريد روسيا تدميره بالمسيرات الإيرانية
ويُعتقد أن روسيا تأمل أن تساعدها المسيّرات الإيرانية في مهاجمة نظام المدفعية العالي الحركة المعروف باسم هايمارس (HIMARS)، والذي زودت الولايات المتحدة أوكرانيا به بدءاً من يونيو/حزيران الماضي، ويمكنه إطلاق صواريخ متعددة بدقة على أهداف عسكرية روسية من على بعد نحو 50 ميلاً، وهذا ما مكّن القوات الأوكرانية من تدمير مستودعات الذخيرة الروسية والإمدادات اللوجيستية بعيداً عن الخطوط الأمامية، وألحق ضرراً بالجهد العسكري الروسي.
وقال دميتري ألبيروفيتش، رئيس مؤسسة سيلفرادو بوليسي أكسيليريتور، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن: "ليس لدى الروس أي وسيلة للحد من الضرر الذي يلحقه بهم نظام هايمارس الآن"، إنهم يأملون أن تساعد الطائرات بدون طيار في الهجوم على هذه الأنظمة.
كما أن المدفعية بعيدة المدى الأخرى التي قدمها الناتو لأوكرانيا، مثل مدافع الهاوتزر M777 القادرة على إطلاق قذائف دقيقة التوجيه، تمثل تحدياً إضافياً لموسكو، حسبما قال روب لي، الخبير في الشؤون العسكرية الروسية.
فواحدة من أكبر مشاكل روسيا في الوقت الحالي هي أن قواتها الجوية لا تستطيع الهجوم على أهداف خلف الخطوط الأوكرانية، وفقاً لروب لي.
لأنه ليس لدى الروس العدد الكافي من الطائرات المسيرة بعيدة المدى التي يمكنها ضرب أهداف خلف خطوط العدو. لذلك لا يمكنهم منع أوكرانيا من تعزيز مواقعها وإعادة تخزين الإمدادات، وكثير من طائراتهم المسيرة يتم إسقاطها أو يتم التشويش عليها بواسطة الحرب الإلكترونية".
رغم عيوبها المحتملة، لماذا قد تمثل مسيّرات إيران إضافة لروسيا؟
وبينما تسعى روسيا على ما يبدو إلى زيادة الإنتاج المحلي للطائرات المسيرة، فإنها تعوقها العقوبات الغربية والقيود المفروضة على الصادرات، والتي أوقفت تدفق رقائق أشباه الموصلات الضرورية لإنتاج مثل هذه الأسلحة، حسبما قال وقال محللون غربيون.
وقال ألبيروفيتش: "إنهم يعتمدون على السوق السوداء، لكن احتياجاتهم هائلة، أنت بحاجة إلى رقائق لكل شيء من الصواريخ الموجهة بدقة إلى الطائرات إلى الدبابات، فضلاً عن العناصر غير العسكرية في الصناعات الروسية المحلية. لذلك هناك طلب كبير في روسيا على الرقائق، وإذا تمكنت موسكو من شراء طائرات مسيرة كاملة الصنع من إيران، فلن تحتاج إلى استخدام إمداداتها الثمينة من رقائق السوق السوداء لصنع طائراتها بدون طيار".
وهذه قد تكون ميزة الطائرات المسيرة الإيرانية لروسيا، فهي لن تكون بكفاءة المسيرات الأمريكية والصينية والتركية والإسرائيلية.
ولكنها ستكون أرخص، مما يمكن روسيا من شراء أعداد كبيرة منها، دون أن تكون هناك مشكلة في خسارة بعضها (لأنها لن تؤدي لخسائر بشرية)، وأيضاً إيران لديها خبرة طويلة في إنتاج الأسلحة- ومنها المسيرات- بأقل مكونات غربية ممكنة، لأنها محاصرة دولياً، أو على الأقل بمكونات خارجية يسهل الحصول عليها.
كما أن الإيرانيين لديهم تجربة في استخدام الطائرات المسيرة قد ينقلونها لنظرائهم الروس.
وبطبيعة الحال فإن إسرائيل والولايات المتحدة (ويحتمل بعض دول الخليج أيضاً) تنظر باهتمام إلى هذه المعركة التي تعد سيناريو لمعركة مشابهة قد تنشب بين إيران وخصومها في الشرق الأوسط، رغم أن طهران تفضل دوماً الدفع بأتباعها من الميليشيات الشيعية العربية والباكستانية والأفغانية لخوض حروبها بالوكالة بدلاً من التورط مباشرة في المعارك كما فعل بوتين في أوكرانيا.