حرب السحب بالشرق الأوسط.. دولة بالمنطقة تطوّر تكنولوجيا الاستطمار وإيران تلمِح إلى أنها تسرق أمطارها

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/08/31 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/31 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
نهر جاف في مدينة أصفهان بإيران/رويترز

"قد تندلع حرب السحاب في الشرق الأوسط قريباً"، بعد أن بدأت بعض دول المنطقة تتبادل الاتهامات بأنها تسرق الأمطار أو السحاب من بعضها البعض عبر برامج استمطار السحب في ظل معاناة المنطقة من نقص المياه والجفاف.

وأعرب المسؤولون الإيرانيون عن قلقهم، منذ سنوات، من أن الدول الأخرى كانت تحرمهم من مصادر المياه الحيوية التي يعتمدون عليها. لكن مخاوفهم لم تكن متعلقة بسدٍّ عند منابع المياه، أو من نضوب طبقة مياه جوفية.

ولكن يؤمن الإيرانيون بأن هناك من يستمطر السحاب قبل وصوله للأراضي الإيرانية، مما يحجب الأمطار عن البلاد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

حرب السحب في الشرق الأوسط

في عام 2018، وفي خضم جفافٍ شديد، وارتفاع درجات الحرارة، استنتج كبار المسؤولين أن هناك شخصاً ما يسرق مياههم من السحب.

وقال العميد غلام رضا جلالي، أحد المسؤولين البارزين في الحرس الثوري الإيراني: "كل من إسرائيل ودولة أخرى تعملان من أجل حبس أمطار السحب الإيرانية"، وذلك في حديث له يعود إلى عام 2018.

ولكن بعيداً عن احتمالات حرب السحب في الشرق الأوسط، من هي أكثر دول  المنطقة تقدماً في مجال استمطار السحب، ومدى فعالية استمطار السحب وما هي مخاطره، وهل يمكن فعلاً لدولة أن تحجب الأمطار عن دولة أخرى.

دولة عربية بنَت برنامجاً طموحاً لأجل استمطار السحب

كانت الإمارات هي الدولة الأخرى التي لم يسمها رضا جلالي، والتي بدأت برنامجاً طموحاً يستهدف استمطار السحب من خلال حقن مواد كيماوية في السحب لمحاولة استمطارها. 

ليست شكوك إيران مفاجئة، بالنظر إلى العلاقات المتوترة مع غالبية دول الخليج، لكن الهدف الحقيقي وراء هذه الجهود ليس سرقة المياه، بل ببساطة استمطار السحب فوق الأراضي الجافة.

استمطار السحب
مشاعل استرطابية استخدمت خلال رحلة استمطار للسحب يديرها المركز الوطني للأرصاد الجوية في الإمارات العربية المتحدة/ رويترز

بينما تجف أراضي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شرعت بعض بلدان المنطقة في سباق لتطوير المواد الكيماوية والتقنيات التي يأملون أنها سوف تمكنهم من استمطار مياه السحب، التي في الأحوال الاعتيادية قد تجري من فوقهم دون أمطار.

وفي ظل أن 12، من أصل 19 دولة إقليمية، يصل فيها حجم الأمطار إلى أقل من 25 سنتيمتراً سنوياً، أي بانخفاض نسبته 20% خلال الـ30 عاماً الماضية، فإن حكومات هذه الدول تبدو في أمسّ الحاجة إلى زيادة كمية المياه العذبة، ويرى كثيرون أن استمطار السحب يمثل طريقة سريعة لحل المشكلة.

المغرب وإثيوبيا يمتلكان برامج مماثلة

وبينما تضخ الدول الثرية مثل الإمارات ملايين الدولارات لدعم هذه الجهود، فإن الدول الأخرى تنضم إلى هذا السباق؛ في محاولة منها لضمان عدم إضاعة حصتها من الأمطار قبل أن تستنزف الدول الأخرى مياه السماء. غير أن هناك تساؤلات جدية حول ما إذا كانت هذه التقنية تنتج الكمية الكافية من الأمطار التي تستحق بذل الجهود وإنفاق المال من أجلها.

يملك المغرب وإثيوبيا برامج لزرع السحب واستحلابها، شأنهما شأن إيران. وبدأت السعودية للتو برنامجاً موسعاً، إضافة إلى أن هناك ست دول أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تضع الأمر في الحسبان.

تملك الصين البرنامج الأعلى طموحاً حول العالم، بهدفٍ يتمثل في تحفيز سقوط الأمطار أو منع سقوط البَرَد حول نصف مساحة البلاد. إنها تحاول استمطار السحب فوق نهر اليانغتسي، الذي تجف بعض أجزائه.

هل فعلاً يمكن أن تقوم دولة بسرقة السحاب من دولة أخرى؟ إليك ما يقوله العلماء

صحيحٌ أن استمطار السحب موجود منذ 75 عاماً، يقول الخبراء إن العلم لم يثبت قدرته على الوصول إلى هذه الغاية بعد. بجانب أنهم يرفضون الشواغل المتعلقة بأن بلداً ما يستنزف السحب على حساب بلاد أخرى تقع في بقعة لاحقة من اتجاه الريح.

ويقول علماء الغلاف الجوي إن العمر الافتراضي لأي سحابة، ولا سيما السحب الركامية التي يرجح أنها ستسقط أمطاراً، نادراً ما يتجاوز ساعتين. من حين لآخر، قد تدوم السحب لمدة أطول، لكنها نادراً ما تظل بلا سقوط أمطار لمدة تكفي للانتقال من بلد إلى آخر، حتى في منطقة الخليج، التي تتجاور فيها سبعة بلدان في مساحة صغيرة.

لكن عديداً من بلاد الشرق الأوسط نحت جانباً شكوك الخبراء وتمضي قدماً في خططها لانتزاع أي قطرات ندى يمكنهم تشكيلها من السحب العنيدة التي قد تذهب لبلدان أخرى.

الإمارات تعلم أنها تحتاج لموارد مياه جديدة لتحافظ على مكانتها

في يومنا هذا، تعد الإمارات الرائدة الإقليمية بلا منازع. في بدايات تسعينيات القرن الماضي، أدركت الأسرة الحاكمة أن المحافظة على مصدر وفير من المياه سوف يكون بنفس قدر أهمية احتياطي الغاز والنفط الهائل الذي تملكه البلاد، وذلك إذا أرادت المحافظة على وضعها بوصفها عاصمة المال والأعمال في الخليج.

وبينما كان هناك ما يكفي من المياه لبقاء الدولة ذات التعداد السكاني الصغير في ستينيات القرن الماضي، عندما كان هناك أقل من 100 ألف نسمة، ارتفع التعداد السكاني في البلاد بحلول عام 2020 ارتفاعاً كبيراً ليصل إلى حوالي 10 ملايين نسمة. وزاد كذلك الطلب على المياه. يستخدم سكان الإمارات الآن حوالي 147 غالوناً من المياه يومياً للشخص الواحد، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 47 غالوناً، وهو ما ذُكر في ورقة بحثية مولتها الإمارات.

وحالياً، يُستوفى هذا الطلب عن طريق محطات تحلية المياه. لكن كل منشأة منها يتكلف بناؤها مليار دولار وتحتاج إلى كمية هائلة من الطاقة من أجل تشغيلها، ولا سيما عند مقارنتها بالاستمطار، وذلك وفقاً لعبد الله المندوس، مدير المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل في الإمارات وقائد برنامج الاستمطار في البلاد.

فحوّلت الأمر لما يشبه مهمة عسكرية بعد 20 عاماً من البحوث

بعد 20 عاماً من البحوث والتجارب، يدير المركز برنامج الاستمطار الخاص به ببروتوكولات شبه عسكرية. إذ يتناوب 9 طيارين على البقاء في وضع الاستعداد من أجل الانطلاق والتحليق في السماء بمجرد أن يرصد خبراء الأرصاد الجوية -الذين يسلطون تركيزهم على المنطقة الجبلية في البلاد، أي تكوينات طقسية واعدة — وهي في أفضل الأحوال نوعيات السحب التي يمكن أن تتشكل على ارتفاع يصل إلى 40 ألف قدم.

فيجب عليهم أن يكونوا مستعدين في أي لحظة؛ لأن السحب الواعدة ليست شائعة في الشرق الأوسط، مثلما هو الحال في مناطق أخرى حول العالم.

يقول الكابتن طيار، مارك نيومان، وهو طيار جنوب إفريقي كبير في مجال زرع السحب واستحلابها: "إننا متاحون على مدار الساعة -ونعيش على بعد 30 إلى 40 دقيقة من المطار- ومنذ وصولنا هنا، يستغرق إقلاعنا 25 دقيقة". وفي حالة تشكل عديد من السحب المطيرة المحتملة، سوف يرسل المركز أكثر من طائرة في آن واحد.

طورت تكنولوجيا جديدة نالت براءة اختراع عنها

تستخدم الإمارات مادتين لزرع السحب: المادة الاعتيادية المصنوعة من يوديد الفضة، إضافة إلى مادة حصلت على براءة اختراع مؤخراً وطُورت بجامعة خليفة في أبوظبي، تستخدم تكنولوجيا النانو التي يقول الباحثون هناك إنها أفضل تكيفاً مع الطقس الجاف الحار في منطقة الخليج. يحقن الطيارون مواد الزرع والاستحلاب في قاعدة السحب، مما يسمح لها بالارتفاع لعشرات آلاف الأقدام عن طريق تيارات هوائية صاعدة قوية.

وبعد ذلك، ترتبط مواد الزرع -التي تُصنع من جزيئات استرطابية (تجذب المياه)- مع جسيمات بخار الماء التي تتشكل منها السحب، وذلك من الناحية النظرية. ذلك الجسيم المُدمج يكون أكبر قليلاً ويجذب بدوره مزيداً من جسيمات بخار الماء حتى تشكل القطيرات، التي تصير ثقيلة بما يكفي لسقوط الأمطار، مع عدم وجود تأثير بيئي ملحوظ من مواد زرع السحب واستحلابها، وذلك حسبما يقول العلماء.

لا أحد يستطيع توثيق الزيادة التي تحدث في الأمطار

ذلك هو ما يحدث نظرياً. لكن كثيرين في الأوساط العلمية يشككون في فعالية زرع السحب واستحلابها كلياً. إذ إن هناك حجر عثرة رئيسي أمام عديد من علماء الغلاف الجوي، ويتمثل في صعوبة -إن لم تكن استحالة- توثيق صافي الزيادة في هطول الأمطار.

قال آلان روبوك، عالم الغلاف الجوي في جامعة روتجرز وخبير تقييم استراتيجيات هندسة المناخ: "المشكلة أنك بمجرد أن تنفذ الزرع، لا يمكنك معرفة ما إذا كانت السحب ستمطر في كل الأحوال".

وقال روي راسموسن، أحد العلماء البارزين وأحد خبراء فيزياء السحب في المركز الوطني لبحوث الغلاف الجوي في مدينة بولدر بولاية كولورادو الأمريكية، إن هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن السحب الركامية الطويلة، التي تكون أكثر شيوعاً في الصيف في الإمارات والمناطق القريبة منها، قد تكون مضطربة للغاية لدرجة يصعب معها تحديد ما إذا كان الزرع والاستحلاب له أي تأثير.

إسرائيل أوقفت البرنامج وبعض الدول تخشى من أن يتسبب في كوارث

أوقفت إسرائيل، الرائدة في مجال زرع السحب واستحلابها، برنامجها في 2021، بعد 50 عاماً، لأن ما اتضح لها أن هذه التقنية تؤتي في أفضل الأحوال بزيادة هامشية في سقوط الأمطار. قال بنحاس ألبرت، الأستاذ الفخري بجامعة تل أبيب، الذي أجرى إحدى الدراسات الأشمل حول البرنامج، إنه لم يكن "ناجعاً من الناحية الاقتصادية".

بدأ زرع السحب واستحلابها في عام 1947، عندما كان علماء شركة جنرال إلكتريك يعملون بموجب عقد عسكري من أجل العثور على طريقة لإزالة الجليد عن الطائرات في الأجواء الباردة وخلق ضباب لإخفاء تحركات القوات. استُخدم بعضٌ من هذه التقنيات لاحقاً في فيتنام لإطالة موسم الرياح الموسمية، في محاولة لوضع العراقيل أمام الفيتناميين الشماليين حتى يصعب عليهم إمداد قواتهم.

بينما تبدو العلوم الأساسية المستخدَمة في زرع السحب واستحلابها بسيطةً، ثمة عدد من المشكلات في الواقع العملي. فليست جميع السحب لديها إمكانية استخراج الأمطار منها، وحتى السحب التي تبدو ملائمة للزرع والاستحلاب قد لا تمتلك الرطوبة الكافية. التحدي الآخر المتعلق بالمناخات الحارة يكمن في أن قطرات المطر قد تتبخر قبل وصولها إلى الأرض.

وأحياناً قد يكون تأثير زرع السحب أكبر من المتوقع، فيؤدي إلى سقوط الكثير من الأمطار أو الثلوج. أو يمكن أن يتغير مسار الرياح، مما يؤدي إلى إبعاد السحب عن المنطقة التي نُفذت فيها عملية الزرع والاستحلاب، وهو ما يرفع احتمالية وقوع "عواقب غير مرجوة"، وذلك وفقاً لبيان صادر عن الجمعية الأمريكية للأرصاد الجوية. 

قال جيمس فليمنغ، عالم الغلاف الجوي والمؤرخ العلمي لدى كلية كولبي في ولاية مين: "يمكنك تعديل سحابة ما، لكنه لا تستطيع معرفة ما يتوجب فعله بعد تعديلها".

وأضاف: "قد تُسقط ثلوجاً، وقد تتبدد. وقد تذهب إلى أسفل التيار المائي، وقد تسبب عاصفة في بوسطن"، وذلك في إشارة إلى تجربة لزرع السحب أُجريت في وقت سابق فوق جبل مونت جريلوك في جبال بيركشاير غرب ولاية ماساتشوستس.

يعتقد أن برنامج الإمارات أدى لسقوط أمطار غزيرة أكثر مما ينبغي في دبي

ويبدو أن هذا هو ما حدث في الإمارات في صيف 2019، عندما تسببت عملية زرع السحب واستحلابها إلى سقوط أمطار غزيرة في دبي، لدرجة أن المياه التي غمرت الأحياء السكنية ومول دبي الراقي كان لا بد من كسحها بالمعدات بسبب غزارتها.

برغم صعوبة جمع البيانات حول فعالية زرع السحب واستحلابها، قال المندوس إن الطرق التي تتبعها الإمارات كانت تزيد الأمطار بنسبة 5% سنوياً، بل ومن شبه المؤكد أنها تزيد على هذه النسبة بكثير. لكنه اعترف بالحاجة إلى البيانات التي تشمل سنوات عديدة من أجل تلبية احتياجات الأوساط العلمية.

استمطار السحب
سيول بالفجيرة بالإمارات/رويترز

قال المندوس إن استمطار السحب تزامن في عطلة رأس السنة الحالية مع عاصفةٍ، مما تسبب في سقوط المطر بحجم 14 سم لمدة ثلاثة أيام، أي بهطولٍ أكثر مما تعتاده الإمارات سنوياً.

يعتقد كثير من العلماء الذين جربوا تعديل الطقس أنه متفائل للغاية. لكن المندوس قال إن هناك مادة نانو جديدة لزرع الأمطار واستحلابها، وإذا امتلكت الإمارات مزيداً من السحب التي يمكن زرعها واستحلابها، فربما يستطيعون استمطار مزيد منها من أجل البلاد.

ولكن من أين يمكن أن تأتي هذه السحب الإضافية؟

يعترف المندوس قائلاً: "إن صنع السحب يعد صعباً للغاية. ولكن من يعرف، ربما يشاء الله ويرسل إلينا شخصاً سوف تكون لديه الفكرة المتعلقة بكيفية صنع السحب".

تحميل المزيد