تتصاعد حملات التشويه التي يتعرض لها المسلمون الأمريكيون، ويتعرضون لتمييز أكبر بكثير من أي أقلية دينية أخرى، بحيث ارتبط اسمهم بالمشكلات والشكوك، ولكن هل فعلاً المسلمون الأمريكيون أكثر عنفاً من غيرهم أو أقل تعليماً أو انتماءً لبلادهم أو نفعاً لها؟
في 17 أغسطس/آب 2021، أي بعد يومين من سقوط كابل في يد حركة طالبان، جرى تداول مقاطع فيديو لأفغان مذعورين يتشبَّثون بالطائرات خلال إقلاعها وهي مكدسة باللاجئين في غرف الشحن داخلها. ثُمَّ رأى العالم صور الأجساد تتساقط بصورة مأساوية من تلك الطائرات إلى حتفها. كانت رؤية سقوط كابل أمراً مروعاً، وكانت تلك بعضاً من أكثر الصور إزعاجاً، لكنَّها تقزَّمت مقارنةً بما حدث لاحقاً، في الولايات المتحدة الأمريكية، حسبما ورد في مقال بمجلة Salon الأمريكية كتبته صوفيا مكليلين أستاذة الشؤون الدولية والأدب المُقارَن بجامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية.
تقول الكاتبة في الولايات المتحدة ظهرت قمصان يُطبَع عليها شعارات حسب الطلب حين تطلبها.
تلك القمصان التي ظهرت على موقع Etsy على سبيل المثال وهي تعرض صوراً ظِلِّيّة بعنوان كُتِبَ فيه "نادي كابول للقفز الحر بالمظلات" وأسفله العبارة "تأسس عام 2021″، بهدف السخرية من الأفغان الذين سقطوا من الطائرات في كابول.
وجاء في وصف المنتج: "أصبح قميص نادي كابول للقفز الحر بالمظلات، الذي يُصوِّر مشهد طائرة تُحلِّق في السماء وفجأة هنالك رجلان يسقطان منها، ظاهرة رسمياً ويلقى انتشاراً هائلاً على الإنترنت!".
تقول الكاتب الأمريكية "تخيَّلوا قميصاً مشابهاً يُبَاع بصور ظِلِّيّة لأناس يقفزون من برجين توأم يحترقان وعليه شعار "نادي مركز التجارة العالمي للقفز الحر بالمظلات، تأسس عام 2001". هل كنتم ستشترونه؟، وذلك في إشارة إلى ردة فعل الأمريكيين لو سخر أحد من ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وتضيف قائلة: "لكي نكون أمناء، قُوبِلَت قمصان "نادي كابول للقفز الحر بالمظلات" بإدانة سريعة في منصات التواصل الاجتماعي، ما أجبر موقع Etsy في النهاية على إزالته من الموقع، ولو أنَّه ما زال بالإمكان إيجاده على منصات أخرى. لكنَّ الجزء المثير للإزعاج حقاً في هذه القصة حقيقة أنَّها حدثت أصلاً وما تكشفه بشأن الطبيعة السامة لرهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا)".
الأمريكيون تجاهلوا فظائع جنودهم في أفغانستان وتذكروا فقط بطولاتهم
إنَّ هذا التفاوت الصارخ في التعاطف (بين قمصان كابول وقمصان مركز التجارة العالمي) لا تكمن فقط في القولبة النمطية للمسلمين، بل أيضاً لأنَّ القولبة النمطية تنزع الصفة الإنسانية تماماً.
تذكَّروا أنَّه خلال حرب العشرين عاماً في أفغانستان كانت هناك الكثير من القصص عن جنود أمريكيين وحلفاء يرتكبون انتهاكات حقوق إنسان شنيعة. فبالإضافة إلى حالات التعذيب والقتل التي تحظى بموافقة البلد للأفغان في أماكن مثل قاعدة باغرام الجوية، اتُّهِمَ في عام 2010 خمسة من جنود الجيش الأمريكي بقتل ثلاثة أفغان وجمع أشلائهم لتكون جوائز تذكارية، وغيرها الكثير من الحوادث.
ولم نرَ مراراً وتكراراً فقط الإبلاغ عن جريمة حرب، بل أيضاً عجز بيِّن عن رؤية الأفغان باعتبارهم بشراً، أو حتى كائنات حية تستحق الرعاية.
المسلمون الأمريكيون يعانون من الإسلاموفوبيا قبل 11 سبتمبر/أيلول
بالعودة إلى الأراضي الأمريكية، عكست الإسلاموفوبيا هذه الأفعال، حتى لو كان المستوى العام للكراهية أقل عنفاً. فأجرى أستاذ العلوم السياسية كوستاس باناغوبولوس دراسة صدرت عام 2006 تُظهِر أنَّ المشاعر العامة تجاه المسلمين في الولايات المتحدة جمعت بين تدني مستويات من الوعي بالعناصر الأساسية للإسلام وتنامي القلق والكراهية تجاه المجتمع.
لكن هنالك أمر: بقدر ما كان توثيق الإسلاموفوبيا المتفشية في الولايات المتحدة منذ الهجمات على مركز التجارة العالمي عام 2001 مروعاً، كان المرء يتوقع أنَّ بعض القولبة النمطية العدوانية للجالية الإسلامية ربما تتراجع. لكنَّ ذلك لم يحدث. بل هي في ازدياد ويتزايد انتشارها في مختلف أرجاء المجتمع الأمريكي.
سيكون من الخطأ الاعتقاد بأنَّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول مثَّلت نقطة البداية للإسلاموفوبيا الأمريكية. في الواقع، يشير خالد بيضون، مؤلف كتاب "American Islamophobia" (الإسلاموفوبيا الأمريكية)، إلى أنَّ الإسلاموفوبيا الهيكلية تعود إلى القرن الثامن عشر. لكن ليس هنالك شك في أنَّ الإسلاموفوبيا تصاعدت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وتفاقمت بعد ذلك بسبب الاستهانة المستمرة بالجالية المسلمة من جانب إدارة ترامب.
وها هي تزداد في عهد بايدن، حتى إنه تم ضخ 100 مليون دولار في شبكاتها
لكنَّ الأمر المقلق بصفة خاصة الآن هو أنَّ إدارة بايدن لم تؤدِّ إلى أي تراجع في الإسلاموفوبيا. بل، كما يتضح في عدد من الدراسات الحديثة، أصبحت الإسلاموفوبيا الأمريكية أكثر ترسُّخاً وتطبيعاً وانتشاراً. ففي مايو/أيار 2022، أفاد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) بزيادة بنسبة 9% في عدد شكاوى الحقوق المدنية التي تلقَّاها من المسلمين في الولايات المتحدة منذ عام 2020.
تحظى الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة بتمويل كبير أيضاً. ففي يونيو/حزيران 2022، وجد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية أنَّ نحو 105.9 مليون دولار تقريباً قد تدفَّقت في الفترة بين 2017 و2019 إلى 26 مجموعة شبكية للإسلاموفوبيا من أجل نشر المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة عن الإسلام والمسلمين.
الشرطة تضايقهم بمعدل 5 مرات مقارنة بأصحاب الأديان الأخرى
ويُظهِر بحث جديد أجراه فريق من جامعة رايس الأمريكية أنَّ احتمالات تعرُّض المسلمين في الولايات المتحدة لمضايقات الشرطة بسبب دينهم أكبر بخمس مرات مقارنةً بالانتماءات الدينية الأخرى. وجاء في البحث: "خلقت البيئة الجيوسياسية لما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول علاقة متوترة لقوات إنفاذ القانون مع الجاليات الأمريكية المسلمة. ويخشى الكثير من الأمريكيين المسلمين من رقابة الشرطة التي تحظى بموافقة الدولة من خلال أعمال مثل التتبُّع عبر الإنترنت، أو أمن المطارات، أو عمليات التوقيف الروتينية، أو المراقبة داخل الفضاءات الدينية".
وأصدر معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم الأسبوع الماضي تقرير حالة ببيانات من استطلاع رأي تمثيلي على المستوى الوطني يرصد لمحة عن الخبرات والاتجاهات الأمريكية المسلمة المتنوعة بمرور الوقت. ويجد التقرير درجة مثيرة للقلق من الإسلاموفوبيا في المجتمع الأمريكي. فعلى سبيل المثال، أفاد نحو نصف المسلمين، أو 46%، بأنَّهم واجهوا تمييزاً دينياً من إحدى منصات التواصل الاجتماعي.
وتشمل بيانات المعهد نتيجتين إضافيتين تبعثان على قلق كبير. الأولى أنَّ الإسلاموفوبيا تتزايد داخل الجالية الإسلامية، لا سيما بين الشباب المسلمين. ويجد المعهد أنَّ "الإسلاموفوبيا الداخلية أكثر انتشاراً بين الشباب المسلمين الذين عاشوا معظم عمرهم بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، في بلدٍ شيطن هُويتهم في الثقافة الشعبية ووسائل الإعلام الإخبارية والخطاب السياسي وفي السياسة".
ولاحظ المعهد أيضاً تصاعداً مثيراً للقلق في الإسلاموفوبيا بين الجالية المسلمة البيضاء "التي تُعَد أيضاً الأكثر احتمالاً للإبلاغ عن تعرُّضها لتمييز ديني (منتظم)". ويشير إلى أنَّ هذه العنصرية الداخلية قد تكون "آلية دفاعية في مواجهة صدمة (تروما) التعصب".
48% من المسلمين يفيدون بتعرض أطفالهم للتنمر بالمدارس مقابل 13% لليهود
الخطير أن الإسلاموفوبيا في ازدياد في المدارس. فيلاحظ تقرير المعهد أنَّ 48% من الأسر المسلمة ممَّن لديها أطفال في سن المدرسة أفادت بوجود طفل تعرَّض لتنمُّر على أساس ديني العام الماضي. وتُعَد هذه الدرجة من التنمُّر أعلى بشكل صارخ من الجاليات الأخرى: أفاد 13% فقط من الأسر اليهودية و18% من عموم السكان بالتعرُّض للتنمُّر المدرسي. ويفيد خمس الأسر المسلمة بأنَّ التنمُّر يحدث بصفة يومية تقريباً.
تشير هذه المستويات الكبيرة من الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة إلى أكثر من مجرد مشكلة قولبة نمطية سلبية. إنَّها تعزز الطريقة التي يجري بها نزع صفة الإنسانية عن المسلمين ووصفهم بأنَّهم أقل من البشر. وإن كان التحامل هو نسب صفات سيئة عامة إلى مجموعة كاملة، فإنَّ نزع الصفة الإنسانية هو فعل ذلك بطريقة تُجرِّد المجموعة من إنسانيتها تماماً.
هذه الكراهية تخفي حقيقة نجاح المسلمين الأمريكيين، فهم يوفرون مليون فرصة عمل
إنَّ الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة إذاً مثال على نزع الصفة الإنسانية وليس التحامل. وهذا النزع للصفة الإنسانية يُفسِّر لماذا تظل ثقافة الكراهية طاغية على نجاحات وإنجازات الجالية الأمريكية المسلمة.
فعلى سبيل المثال، يفيد معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم بأنَّ الأمريكيين المسلمين خالقون لفرص العمل: "يوظف المسلمون العاملون لحسابهم معدل ثمانية عمال في المتوسط، وهو ما ينتج ما يُقدَّر بـ1.37 مليون وظيفة أمريكية على الأقل جرى توفيرها".
وهم بشكل عام متعلمون تعليماً عالياً، إذ يفيد 46% من الأمريكيين المسلمين فوق سن 25 عاماً بامتلاكهم لدرجة جامعية.
نسبة المسلمين البيض بالجيش أكبر من المسيحيين، وهم أكثر تفاؤلاً بمستقبل أمريكا
يخدم الأمريكيون المسلمون أيضاً في الجيش على قدم المساواة مع المجموعات الأخرى. في الحقيقة، يُعَد المسلمون البيض أكثر احتمالاً للخدمة في الجيش من الأمريكيين البيض بصفة عامة (17% مقابل 11%).
ولعل النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي أنَّه على الرغم من معاناة الأمريكيين المسلمين من مستويات مفرطة من الإسلاموفوبيا، فإنَّهم أكثر احتمالاً من كل المجموعات الأخرى للتعبير عن تفاؤلهم حيال توجُّه البلاد. إذ يشعر 48% من المسلمين، و31% من اليهود، و24% من الكاثوليك، و17% من البروتستانت، ونسبة منخفضة مفاجئة من الإنجيليين البيض تبلغ 4%، و17% من غير المنتسبين لأديان، و18% من عموم السكان بالتفاؤل حيال الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، على الرغم من إبلاغ الأمريكيين المسلمين عن مستويات عالية من قمع الناخبين، فإنَّهم يصوتون. في الواقع، يفيد المعهد بأنَّه كلما زادت صعوبة التصويت على الأمريكيين المسلمين، زادت نواياهم على القيام بذلك. إذ قفز تسجيل الناخبين بين المسلمين من 60% عام 2016 إلى 81% عام 2022، على قدم المساواة مع عموم السكان (84%).
ونسبة رفضهم للعنف أعلى من الإنجيليين البيض
وعلى الرغم من التصورات الخاطئة عن الجالية المسلمة باعتبارها عنيفة وتُشكِّل تهديداً، يتضح أنَّ الأمريكيين المسلمين يرفضون العنف ضد المدنيين بمعدل أعلى من الإنجيليين البيض (80% مقابل 62%). في الواقع، وجد مركز بيو للأبحاث أنَّ عدداً أكبر من الأمريكيين المسلمين يؤمنون بـ"الحلم الأمريكي" مقارنةً بعموم السكان.
مرة بعد أخرى، إنَّ التصورات السلبية المنتشرة على نطاق واسع عن الأمريكيين المسلمين لا تتطابق مع ما يعتقده الأمريكيون المسلمون أنفسهم أو القيمة التي يضيفونها للمجتمع الأمريكي. وهذا يقودنا إلى استنتاج حقيقي من هذه الدراسات الحديثة: المشكلة ليست في تفشي الإسلاموفوبيا فقط، بل أيضاً قصر تصوير المسلمين على أنَّهم إمَّا أشرار شيطانيون أو ضحايا عديمو الحيلة.
ماذا قد يحدث لو استبدلنا بصور المسلمين الذين يتعرَّضون للتنمُّر وجُرِّدوا من صفتهم الإنسانية وجرى تفكيك أوصالهم والسخرية منهم والتبول عليهم صور مسلمين يخلقون فرص عمل أو يتخرجون من الكلية أو يصوِّتون أو يخدمون بلدهم؟ لكن بالطبع هذا النوع من التصوير الإنساني لا يناسب القميص.