في خطوة وُصفت بالكبيرة، أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في مؤتمر دولي عُقد في تونس، يوم السبت، 27 أغسطس/آب 2022، أن بلاده ستقدم مساعدات لإفريقيا بقيمة 30 مليار دولار على مدى ثلاثة أعوام. ومن المتوقع أن تطلق اليابان أيضاً، بالشراكة مع البلدان الإفريقية، عشرات المشاريع، خلال مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا (تيكاد 8)، الذي يضم اليابان والبلدان الإفريقية والمنظمات الدولية، والبلدان الشريكة في التنمية والمؤسسات.
فما أهداف اليابان من كل ذلك، وما مدى قدرتها على منافسة الصين ودول أخرى ذات حضور واسع في إفريقيا؟
هل تستطيع اليابان منافسة الصين في إفريقيا؟
تسعى اليابان إلى تعزيز حضورها داخل حلبة التنافس الاقتصادي والاستثماري في إفريقيا، وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة، مقارنة بالصين، وذلك رغم "السمعة الجيدة" التي تحظى بها اليابان وشركاتها في إفريقيا كما يقول تقرير لموقع إذاعة دويتشه فيله الألمانية. ولأجل ذلك، تستضيف تونس مؤتمر طوكيو الدولي الثامن للتنمية في إفريقيا المعروف اختصاراً بـ "تيكاد"، إذ تُعد تونس ثاني دولة إفريقية تستضيف "تيكاد" بعد كينيا عام 2016.
والحضور الياباني في مجال الاستثمار في إفريقيا ليس جديداً، فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، كرّس ثالث أكبر اقتصاد في العالم الكثير من الجهود في توفير مساعدات اقتصادية للعديد من البلدان الإفريقية، حيث بدأ مؤتمر تيكاد قبل 29 عاماً، لكن التحول حصل في عام 2013 بعقد القمة كل ثلاث سنوات بالتناوب بين طوكيو وإحدى دول إفريقيا.
ويبدو أن اليابان من خلالها تعزيز استثماراتها في إفريقيا، تضع الصين في الاعتبار، خاصة أن بكين قد زادت في السنوات الأخيرة من نفوذها في القارة السمراء.
ومن المهم الإشارة إلى أن الحضور الياباني في القارة السمراء أقدم من الحضور الصيني، حيث بدأت اليابان التي أصابها "الذعر النفطي" في السعي إلى إقامة علاقات مع إفريقيا في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وبدأت في السعي لاستخراج الموارد الطبيعية من إفريقيا والمساهمة في البنية التحتية. وزادت اليابان مساعدتها الإنمائية من 5 ملايين دولار في عام 1972 إلى أكثر من 900 مليون دولار بحلول عام 1991 في القارة السمراء.
وفي عام 1993، أطلقت اليابان مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية (TICAD) وبدأت في التركيز على بناء المدارس، وبناء القدرات في مجموعة متنوعة من المجالات، ودعم مبادرات الحكم الرشيد، والمساهمة في الأمن البشري الإفريقي، لكن ظهور الصين وصعودها الاقتصادي، سرعان ما طغى على اليابانيين.
الصين أكبر مستثمر في إفريقيا
ووفقاً للأرقام الرسمية، فقد وصل إجمالي حجم الواردات والصادرات، أي حجم التجارة الخارجية اليابانية مع إفريقيا عام 2018 إلى قرابة 17 مليار دولار، فيما بلغ إجمالي الاستثمار الياباني المباشر في إفريقيا 4.8 مليار دولار في عام 2020.
بيد أن هذه الأرقام لا تتماشى مع نظيراتها الصينية، حيث تعد الصين من أكبر المستثمرين في إفريقيا، إذ بلغ إجمالي الاستثمار الصيني في القارة السمراء نحو 43 مليار دولار في نفس السنة، وفقاً لوسائل إعلام رسمية.
وفي ضوء هذه المعطيات، يرى محللون أن اليابان ليس بمقدورها منافسة الصين في إفريقيا على المدى القصير، لكنها قد تبرز كمنافس قوي لبكين وغيرها من القوى الأخرى على المدى الأبعد.
لكن يبدو أن اليابان قررت القفز للأمام بخطوة كبيرة، معلنة تقديم 30 مليار دولار على مدى ثلاثة أعوام للقارة الإفريقية، وهو رقم غير مسبوق بالنسبة للشراكة اليابانية الإفريقية.
ميزة الحضور الياباني في إفريقيا
ويرى جوناثان بيركشاير ميلر، الباحث في "المعهد الياباني للشؤون الدولية" في طوكيو، أن عدم تنافس اليابان بشكل مباشر مع نقاط قوة الصين في إفريقيا، خاصة حجم التجارة والاستثمار، يحمل في طياته "ميزة نسبية لليابان".
وأضاف ميلر لدويتشه فيله: ميزة طوكيو تكمن في توفير بنية تحتية عالية الجودة، بما يتماشى مع أولويات مجموعة العشرين، وكذلك تمكين الشركات الإفريقية الصغيرة والمتوسطة من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، مما منح طوكيو سمعة جيدة إفريقياً.
وأشار إلى أن اليابان على مدى عقود، ومن خلال "تيكاد"، اتخذت خطوات كبيرة في تطوير مساعدتها للقارة من المساعدات التقليدية إلى نموذج شراكة أكثر مع الدول الإفريقية".
ومنذ وقت طويل، سعت اليابان إلى إحداث تغير جذري في علاقاتها مع البلدان الإفريقية بالتحول من تقديم المساعدات إلى إنشاء شراكة أكثر شمولية، خاصة في مجال البنية التحتية.
وكان رئيس وزراء اليابان، فوميو كيشيدا، قد أكد قبيل المؤتمر، أن حكومته تخطط لإطلاق دفعة أكبر للنمو في إفريقيا، فيما أشارت رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، إلى أن القمة اليابانية الإفريقية "ستؤسس لمحطة جديدة على درب الشراكة بين طوكيو والقارة".
ويقول محللون إن شمال إفريقيا تعد منطقة رئيسية للاستثمار الياباني، ويمكن لبلدان المنطقة الاستفادة من الخبرة التكنولوجية اليابانية، خاصة في مجال البنية التحتية عالية الجودة. ومع ذلك، لا تزال طوكيو حذرة بعض الشيء من المخاطر السياسية في بعض المناطق بسبب الاضطرابات الأمنية في ليبيا ومناطق أخرى في المغرب العربي ومنطقة الساحل.
ما الذي تسعى له اليابان في إفريقيا؟
تقول صحيفة "واشنطن بوست"، إن اليابان منذ سنوات تأمل إلى حدٍّ ما، في استغلال الشعور المتنامي في إفريقيا، بأن وضع كل بيض القارة في سلة بكين ليس بالأمر الحكيم تماماً.
وبدلاً من التنافس بشكل مباشر، حاولت اليابان زيادة حضورها في القارة، وتمييز نفسها عن الصين من خلال جودة البنية التحتية التي تبنيها في إفريقيا، بالإضافة إلى عدم وضعها شروط تمويل قاسية كتلك التي تتهم بكين بها.
ومع تزايد المخاوف بشأن تبعات الإقراض الصيني، الذي بات يدفع البلدان الإفريقية إلى الغرق في مزيد من الديون الصينية وشروطها القاسية، شددت اليابان على الاستدامة المالية وشراكات القطاع الخاص التي لا تزيد الاقتراض الحكومي.
وتجلب الصين عمالها لبناء البنية التحتية في إفريقيا، فيما تقول اليابان إنها توظف السكان المحليين وتنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى إفريقيا، تماماً كما فعلت في أنحاء آسيا على مدار عقود.
وسبق أن تعهدت اليابان في عهد رئيس الوزراء الراحل آبي أحمد، "بدعم غير محدود" للاستثمار والابتكار والمشاريع وريادة الأعمال، من خلال الشراكة مع المؤسسات المالية المحلية لإنشاء خطة تأمين تجاري جديدة، مشيراً إلى مساهمة اليابان في دعم الرعاية الصحية والتعليم في إفريقيا، وكذلك تنظيف المدن من النفايات وتطهير الأراضي من الألغام، وغيرها من المشاريع اليابانية الأخرى.
وبحسب واشنطن بوست، تهدف اليابان من خلال توسيع نفوذها في إفريقيا، إلى دعم نظريتها بأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ يجب أن تظل منفتحة وحرة، ويجب أن تتحد وراء مبادئ التجارة الحرة وحرية الملاحة واقتصاد السوق، وذلك بهدف غير معلن، هو مواجهة الحزام الصيني، وما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق.
وكانت اليابان حريصة دوماً على "عدم تأطير" فكرة المحيطين الهندي والهادئ على أنه تحدٍّ مباشر للصين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن اليابان تدرك أن الدول الإفريقية لا تريد أن تضطر إلى الاختيار بين اليابان والصين.
لكن في الوقت نفسه تسعى اليابان على التأكيد بأنه يجب على إفريقيا عدم "الاعتماد المفرط على شريك اقتصادي واحد"، كما كان يقول آبي أحمد، في إشارة واضحة إلى الصين.