رغم التطور المرعب في أنظمة الأسلحة، يمكن القول إن القوات البرية الأقل حظاً في تلك المعادلة مقارنة بالطيران والبحرية، لكن نظام المدفعية رامجيت يمثل إضافة للقوات الأمريكية قد تجعلها أكثر "رعباً" بالنسبة للخصوم.
وتمتلك الولايات المتحدة ميزانية الدفاع الأضخم على الإطلاق؛ إذ بلغت هذا العام 740 مليار دولار، بزيادة قدرها 5% عن العام السابق. وبهذا المعدل، فإنَّ الإنفاق العسكري الأمريكي حتى عام 2030 سيتجاوز بسهولة 7 تريليونات دولار، تذهب منها نسبة كبيرة للابتكار في المجال العسكري، أي أبحاث تطوير الأسلحة الموجودة واختراع أخرى أكثر فتكاً.
وعلى الرغم من أن التركيز يكون أكثر على تطوير سلاح الطيران من مقاتلات وصواريخ وسلاح البحرية من سفن وغواصات وحاملات طائرات، إلا أن التغيرات الأخيرة على الساحة الدولية جعلت للقوات البرية نصيباً على ما يبدو.
ونشر موقع Popular Mechanics الأمريكي تقريراً عنوانه "مدفعية نظام رامجيت ستجعل القوات البرية الأمريكية أكثر فتكاً من أي وقت مضى"، رصد مزايا نظام المدفعية الجديد، الذي جرى اختباره مؤخراً، ويمكن وصفه بالمدفعية الطائرة.
قذائف مدفعية "نفاثة" تضرب في العمق
تعاون متعاقدان دفاعيان، أحدهما من الولايات المتحدة والآخر من أوروبا، لإنتاج قذيفة هاوتزر جديدة يمكن أن تجعل المدفعية الذراع المهيمنة في الحرب البرية؛ إذ لا يمكن لقذيفة المدفعية رامجيت-155 أن تصل إلى 44 ميلاً فحسب، بل يمكنها أيضاً تدمير الأهداف المتحركة. وستسمح القذيفة، التي تخضع حالياً للاختبار، لجيوش الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بضرب الأهداف من أماكن آمنة تقع خارج مدى المدفعية الروسية والصينية.
أُجرِيَ أحدث اختبار لمدفعية رامجيت-155، الذي أعلنت عنه شركة بوينغ ومجموعة نامو هذا الأسبوع، في 28 يونيو/حزيران في مركز اختبار أندويا في النرويج. اشتعل المحرك النفاث للقذيفة بنجاح و"أظهر ثباتاً في الطيران من خلال عملية احتراق للمحرك يمكن التحكم فيها جيداً".
ولأكثر من عقدين، كانت تكنولوجيا المدفعية ذات أولوية منخفضة نسبياً للجيش الأمريكي؛ إذ أدى التركيز بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 على حروب العصابات والقتال ضد خصوم ذوي قدرات منخفضة؛ مثل تنظيم الدولة الإسلامية وطالبان إلى تقليل الحاجة إلى مدفعية قوية بعيدة المدى.
كان الجيش الأمريكي ومشاة البحرية، اللذان يفتقران إلى تهديد مدفعي كبير من جانب العدو، قادرين على العمل وإنشاء مواقع مدفعية محمية دون الكثير من القلق بشأن نيران مدفعية العدو، حيث تملأ الضربات الجوية الفجوة لضرب أهداف بعيدة المدى.
لكن العودة إلى صراع القوى الكبرى يغير ذلك، وهو ما يفرض على القوات البرية الأمريكية أن تسعى مرة أخرى لاستخدام أسلحة عالية تقنية في مواجهة الجيوش الكبيرة، مما يضمن أن المعدات الأمريكية متفوقة تقنياً على تلك التي يرسلها الخصوم المحتملون.
الطائرات التي تهاجم أهدافاً بعيدة المدى لديها القدرة على إسقاطها في هذه العملية، مما يؤدي إلى خسارة طيار و100 مليون دولار. إن حرب المدفعية بين أوكرانيا وروسيا -حيث يقصف كلا الجانبين مئات من مدافع الهاوتزر وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة يومياً- هي تذكير وحشي في العالم الحقيقي بقوة المدفعية وما يحدث للخاسرين في مبارزة المدفعية.
أحد الدروس الرئيسية من حرب المدفعية الأوكرانية هو أن الجانب الذي يمكن أن يطلق النار على أبعد مسافة يسيطر على ساحة المعركة. يبلغ مدى مدافع هاوتزر ذاتية الدفع عيار 152 مم 2S19 -S من روسيا، والتي يبلغ قطرها 152 ملم، 24.7 كيلومتر، أو 15.3 ميل.
أما أحدث مدافع كواليتسيا إس في ذاتية الدفع من موسكو فيبلغ مداها القياسي 40 كيلومتراً، أو 24.8 ميل. لقد تفوقت هذه المدافع على مدافع هاوتزر ذاتية الدفع 2S3 الأوكرانية، والتي كان مداها 10.8 ميل فقط.
ونتيجة لذلك، اضطرت قوات المدفعية الأوكرانية إلى تشغيل مدافعها باستمرار في نطاق المدافع الروسية، مما يعرضها لخطر دائم. من ناحية أخرى، يمكن أن يظل المدفعيون الروس بعيداً عن متناول المدافع الأوكرانية.
كيف تعمل مدفعية نظام رامجيت الجديدة؟
تُطلَق معظم قذائف المدفعية عن طريق انفجار عبوة دافعة في مؤخرة المدفع. تخلق الشحنة ضغطاً خلف القشرة، ثم تدفع القذيفة خارج المدفع. المزيد من الوقود الدافع يمكن أن يعني مدى أكبر، ولكن عند نقطة معينة يصبح ذلك خطيراً.
فبدلاً من ذلك، تحقن بعض القذائف غازاً في أعقابها؛ مما يقلل من مقاومة الهواء بينما تطير القشرة في الهواء، وهي طريقة تسمى "نزيف القاعدة". تستخدم القذائف الأخرى، المسماة "المقذوفات بمساعدة الصواريخ" محركات صاروخية فعلية لتطير لمسافة أبعد.
أما قذيفة رامجيت-155 الجديدة، التي طورتها شركة بوينغ ومجموعة الدفاع النرويجية نامو، فهي أول قذيفة مدفعية تستخدم نفاثاً للدفع. كانت القذيفة قيد التطوير منذ عام 2019، عندما مولها الجيش الأمريكي كجزء من برنامج قذيفة مدفعية ممتدة المدى.
تتميز القشرة التي تعمل بمحرك نفاث ببعض المزايا مقارنةً بالنزيف الأساسي. أولاً، تستخدم القشرة الأوكسجين الموجود في الهواء نفسه كوقود دافع، وهناك الكثير من الأوكسجين في الغلاف الجوي. هذا يقلل من كمية الوقود التي يحتاجها الهيكل.
ثانياً، على عكس الأنواع الأخرى من دفع القذيفة، يمكن للقذيفة النفاثة أن تتسارع على مسافة أكبر؛ مما يمنحها سرعة أكبر حتى التأثير.
بالطبع، لدى قذيفة رامجيت بعض العيوب. أولاً، إضافة محرك نفاث يجعلها أغلى بكثير من قذيفة مدفعية نموذجية. ثانياً، يجب أن تشتمل القذيفة على حزمة توجيه، وزعانف توجيه، ونفاثة نفاثة، لتقليل الحمولة المتفجرة للقذيفة.
تفتقر أنظمة المدفعية الأقدم دون توجيه دقيق إلى القدرة على إسقاط القذيفة مباشرة فوق الهدف، بدلاً من تحييد الأهداف عن طريق إسقاط قذائف متعددة في مكان قريب. لكن من المحتمل أن يكون نظام التوجيه الدقيق في رامجيت-155 دقيقاً بما يكفي لإسقاط قذيفة فوق الهدف. وهذا يتطلب عدداً أقل من القذائف التي تُلقَى، علاوة على متفجرات أقل لكل قذيفة.
وستكون وحدات المدفعية أيضاً قادرة على توفير الدعم للقوات البرية التي تُزوَّد بالمقاتلات الهجومية وطائرات الهليكوبتر الهجومية. بالإضافة إلى ذلك، فإن القدرة على إطلاق النار على أهداف متحركة تضع مركز الهدف على دبابات العدو.
هل سيغير نظام المدفعية الجديد معادلة القوة؟
لا يغير رامجيت-155 قواعد اللعبة في حد ذاته، حيث لا يستطيع المدفعيون القائمون على مدافع الهاوتزر الخاصة بهم رؤية قوات العدو على بعد 44 ميلاً. ستغير القذيفة الجديدة اللعبة بمجرد إسقاطها في نظام الضربة الاستطلاعية الذي يجمع بين الطائرات المسيَّرة وأنظمة جمع المعلومات الاستخباراتية الأخرى مع المدفعية بعيدة المدى، وهما المجموعتان المتصلتان بصورةٍ آمنة.
وستكون وحدات المدفعية قادرة على إطلاق نيران أعمق في أراضي العدو، وإطلاق المزيد من القذائف دون التحرك لتجنب نيران العدو. إنه مزيج مذهل يجب أن يربك أي خصم محتمل، بحسب تقرير الموقع الأمريكي.
كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، والتي استمرت عقوداً دون أن تتحول لمواجهة مباشرة بينهما، عنوانها الرئيسي هو الردع النووي. لكن الحرب الباردة الجديدة بين حلف الناتو وروسيا والصين قد تشهد العودة إلى المواجهات التقليدية، وهو ما حدث بالفعل في الحرب الأوكرانية المستمرة منذ 6 أشهر، وما قد يحدث أيضاً حال أقدمت الصين على مهاجمة تايوان وضمها بالقوة العسكرية، وهو ما أصبح سيناريو محتملاً في أي وقت بعد التطورات التي نتجت عن زيارة رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إلى الجزيرة ذات الحكم الذاتي.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولةً ذات سيادة، وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين تصرُّ على أنها ستستعيد الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر. ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك، ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي يوم 2 أغسطس/آب الجاري، أصبحت نانسي بيلوسي أول مسؤول أمريكي رفيع المستوى يزور تايوان منذ عقود، رغم ما سبق الزيارة القصيرة من تصعيد في الحرب الكلامية بين واشنطن وبكين، وصل إلى تهديد الصين باستخدام القوة العسكرية في حال أصرت بيلوسي على الزيارة.
لكن ما إن تمت الزيارة وردت الصين، انقلبت الأوضاع رأساً على عقب في مضيق تايوان، من خلال التدريبات العسكرية غير المسبوقة التي نفذها جيش التحرير الشعبي بأفرعه المختلفة وفرض من خلالها حصاراً كاملاً على الجزيرة، ليفرض وضعاً راهناً جديداً لم يكن له وجود منذ انفصال تايوان والصين عام 1947.
فقبل الزيارة كانت لتايوان مياهها وأجواؤها الإقليمية، وكان دخول طائرات صينية إلى تلك الأجواء أو عبور سفن للمياه في مضيق تايوان بأقل من 12 ميلاً بحرياً من شواطئ تايوان يثير أزمة دبلوماسية كبيرة، وتجد بكين نفسها موضع اتهامات بأنها تسعى لتغيير الأمر الواقع بالقوة. وصحيح أن الصين كانت تفعل ذلك من وقت لآخر قبل الزيارة، لكن بأعداد محدودة من الطائرات وعلى فترات متباعدة، وكانت تتعرض لانتقادات شديدة.