أشعل مسؤول سابق في تويتر أجواء النزاع القضائي بين المنصة الاجتماعية وإيلون ماسك، من خلال اتهامات تتعلق بملف الأمن في حسابات المستخدمين، فهل وجد أغنى رجل في العالم مخرجاً من ورطته أخيراً؟
إذ على الرغم من أن أغنى رجل في العالم هو من سعى للاستحواذ على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي، وظل يضغط على مجلس الإدارة لمدة أسبوعين حتى وافقوا على عرضه بالفعل يوم 25 أبريل/نيسان الماضي، فإن الفترة التالية لذلك الخبر الضخم شهدت مماطلات من جانب إيلون ماسك، حتى لجأ مجلس إدارة تويتر إلى القضاء لإجباره على إتمام الصفقة بالمبلغ المتفَق عليه.
ماسك عرض 44 مليار دولار لشراء تويتر، وهو مبلغ ضخم كان يزيد بأكثر من النصف عن القيمة السوقية للشركة وقتها، وشمل عقد الصفقة شرطاً جزائياً قيمته مليار دولار في حالة تراجع أي من الطرفين عن إتمامها.
وبعد أقل من أسبوعين على الإعلان عن الصفقة، بدأ ماسك الحديث علناً عن "الحسابات الوهمية" على تويتر، فيما وصفتها الشركة بأنها محاولات للتراجع عن الصفقة، واستمر الشد والجذب بين الطرفين، حتى قرر قاضٍ أمريكي في يوليو/تموز الماضي رفض طلب فريق ماسك القانوني تأجيل بدء المحاكمة، وهو ما يعتبر ضربة لرجل الأعمال.
وشهد شاهد من تويتر!
لكن في خضم المعركة القانونية المشتعلة بين ماسك وتويتر، نشرت وسائل إعلام أمريكية تصريحات لرئيس قطاع الأمن السابق في الشركة قال فيها إن تويتر ضللت المستخدمين والمنظمين الأمريكيين بشأن الثغرات في نظام أمن بيانات المستخدمين لديها، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
بيتر زاتكو، الذي كان رئيساً لقطاع الأمن في تويتر، اتهم المنصة بالفشل في الحفاظ على ممارسات أمنية صارمة والكذب على ماسك بشأن "الحسابات الآلية"، مضيفاً أن تويتر قللت من تقدير عدد الحسابات المزيفة والبريد العشوائي الموجودة على منصتها للتواصل الاجتماعي، بحسب شكوى قدمها إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في يوليو/تموز الماضي.
ووجه زاتكو اتهامات للمدير التنفيذي لتويتر، باراغ أغراوال، ومديرين ومسؤولين آخرين بارتكاب انتهاكات قانونية كبيرة، إضافة إلى "تجاهل المخاطر وحتى التواطؤ لتغطيتها" فيما يتعلق بالاختراقات الأمنية الكبيرة التي تشهدها تويتر، مؤكداً أن حادث اختراق كبير للمنصة يقع كل أسبوع تقريباً، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
كما انتقد زاتكو الطريقة التي تتعامل بها تويتر مع المعلومات الحساسة، وقال إن الشركة فشلت في الإبلاغ بدقة عن بعض هذه الأمور إلى المنظمين الأمريكيين.
وفي شكواه أيضاً، قال زاتكو إن تويتر عانت من معدل مرتفع من الحوادث الأمنية "بما يقرب من حادث أمني واحد كل أسبوع، خطير بالدرجة التي يتعين فيها على تويتر إبلاغ المنظمين"، مضيفاً أن ما يسمى بالتهديدات الداخلية -المخاطر الأمنية التي يشكلها الأشخاص الذين لديهم نوايا خبيثة من داخل الشركة- استمرت "دون مراقبة تقريباً".
وكشف رئيس الأمن السابق عن قلقه بشأن كيفية تعامل تويتر مع البيانات، زاعماً أن الكثير من الموظفين لديهم إمكانية الوصول إلى أنظمة حساسة وبيانات المستخدمين، وأبدى قلقه من أن الشركة ليس لديها خطة قابلة للتطبيق للتعافي من الكوارث، وزعم أن تويتر فشلت في الماضي في حذف بيانات الأشخاص الذين ألغوا حساباتهم بشكل صحيح.
وبالنسبة للحسابات المزيفة والبريد العشوائي، قال زاتكو إن "الجهل المتعمد هو القاعدة" في شركة التكنولوجيا، واتهم المديرين التنفيذيين في تويتر بعدم وجود حافز يذكر لديهم لتحديد عدد الأشخاص الموجودين بالفعل على نظامها الأساسي.
ماذا عن رد تويتر على تلك الاتهامات؟
نفت تويتر اتهامات زاتكو، واصفة مزاعم مدير الأمن السابق بأنها "غير دقيقة وغير متسقة"، وأضافت أن زاتكو تمت إقالته في يناير/كانون الثاني الماضي، لقيادته غير الفعالة وضعف الأداء.
وزاتكو قرصان إلكتروني سابق، ويعتبر شخصية معروفة في دوائر الأمن الإلكتروني، وكان لقبه "مادج". كان عضواَ في مركز "لوفت" لأبحاث الأمن الإلكتروني، وشارك في جلسات استماع في الكونغرس حول الأمن الإلكتروني في عام 1998. كما شغل مناصب عليا في شركة جوجل ووكالة "داربا" للبحث والتطوير التابعة للحكومة الأمريكية.
وقال متحدث باسم تويتر: "ما رأيناه حتى الآن هو رواية كاذبة عن تويتر وممارساتنا المتعلقة بالخصوصية وأمن البيانات، مليئة بالتناقضات وعدم الدقة وتفتقر إلى سياق مهم". وأضاف: "يبدو أن مزاعم السيد زاتكو والتوقيت الانتهازي مصمم لجذب الانتباه وإلحاق الضرر بتويتر وعملائها ومساهميها". مؤكداً أنه "لطالما كان الأمان والخصوصية من الأولويات على مستوى الشركة في تويتر وسيستمران كذلك".
وبحسب تقرير واشنطن بوست، التي كانت أول من نشر عن شكوى زاتكو، لم يقدم مدير الأمن السابق في تويتر أدلة قوية تؤيد اتهاماته. كما نقلت نيويورك تايمز عن خبراء في مجال التكنولوجيا أنه على الأرجح ستطلب لجنة الأوراق المالية والهيئة الفيدرالية لمراقبة شركات التكنولوجيا من المسؤول السابق في تويتر تقديم مستندات تدعم مزاعمه كما قد تستدعيه للمثول أمامها، في إشارة إلى أن الشكوى قد تكون تضمنت اتهامات مرسلة.
وكانت الهيئة الفيدرالية لمراقبة شركات التكنولوجيا قد فرضت، عام 2019، غرامة قيمتها 5 مليارات دولار على عملاق منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك، بسبب مخالفة اتفاق الخصوصية الموقع مع الهيئة، بعد تحقيقات في "فضيحة أناليتيكا".
كانت التحقيقات الفيدرالية في ممارسات فيسبوك قد بدأت رسمياً منذ مارس/آذار 2018، على خلفية فضيحة بيع بيانات شخصية تخص 87 مليون ناخب أمريكي، دون إذن من المستخدمين أو معرفتهم بالأمر، لشركة الاستشارات السياسية البريطانية كامبريدج أناليتيكا عام 2016، استخدمتها الشركة في "التأثير على الانتخابات التي فاز بها دونالد ترامب.
ورغم أن تلك القضية "انتهاك الخصوصية"، التي وصلت إلى الكونغرس وتم استدعاء مارك زوكربيرغ، المدير التنفيذي لفيسبوك، للشهادة في مجلس الشيوخ، قد تمت تسويتها بالفعل بتغريم فيسبوك 5 مليارات دولار، وهي الغرامة الأضخم على الإطلاق في تاريخ الشركات، فإنه منذ ذلك الوقت بدأ تسليط الضوء على ممارسات شركات التكنولوجيا العملاقة الأربع جوجل وآبل وأمازون وفيسبوك.
هل حسم ماسك معركة "التراجع عن الصفقة"؟
من المؤكد أن تكون لاتهامات وتسريبات زاتكو تأثير كبير على مجريات المعركة القانونية الدائرة حالياً بين ماسك وتويتر، حيث يحاول الفريق القانوني لأغنى رجل في العالم حالياً إخراج رئيس شركة "تسلا" من صفقة شراء تويتر، من خلال القول إن الشركة ليس لديها طريقة للتحقق من عدد البشر بين المستخدمين النشطين يومياً، البالغ عددهم 229 مليون مستخدم تقريباً.
وفي تصريح لشبكة "سي إن إن"، قال محامي زاتكو إن موكله بدأ عملية الإبلاغ عن المخالفات قبل أن يصبح عرض الاستحواذ علنياً، وأنه لم يتصل بإيلون ماسك. ومع ذلك، قال أليكس سبيرو، أحد محامي ماسك، لشبكة "سي إن إن" إن زاتكو استُدعي ليكون شاهداً محتملاً.
المحاكمة، التي من المقرر أن تنطلق في أكتوبر/تشرين الأول في ولاية دلاواير الأمريكية، تتعلق بما إذا كان ماسك محقاً في تخوفاته بشأن "الحسابات الوهمية"، وبطبيعة الحال تصب شهادة زاتكو في صالح الملياردير الأمريكي.
لكن في الوقت نفسه، إذا ما فشل مدير الأمن السابق في تويتر في تقديم أدلة تؤكد مزاعمه، سيصب ذلك في صالح تويتر بطبيعة الحال.
فمنذ اللحظة الأولى لتوقيع الصفقة يوم 25 أبريل/نيسان الماضي، بدا وكأن ماسك يشكك في دقة التقارير العامة والإفصاحات الصادرة عن تويتر بشأن حسابات البريد الوهمية التي تمثل أقل من 5% من قاعدة مستخدمي منصة التواصل الاجتماعي، قائلاً إنها يجب أن تكون 20% على الأقل.
لكن تشكيك ماسك في تلك الإفصاحات تجاهل حقيقة أن تويتر نفسها أقرت، في تلك الإفصاحات، بأن الأرقام الخاصة بالحسابات الوهمية قد تكون أعلى من التقديرات التي تحملها التقارير الخاصة بالشركة. وكان باحثون مستقلون قد توقعوا أن 9 إلى 15% من ملايين الملفات الشخصية على تويتر ما هي إلا حسابات مزيفة.
ثم أعلن ماسك، يوم 13 مايو/أيار الماضي، عن تعليق صفقة شراء تويتر "بشكل مؤقت"، بعد أن نشرت منصة التواصل الاجتماعي تقريراً يربط بين عدد الحسابات المزيفة والعشوائية ومستخدميها النشطين المربحين. ووقتها نقل تقرير لـ"رويترز" وثائق رسمية قدمتها "تويتر"، ذكرت أن أقل من 5% من 226 مليون مستخدم نشط، يُدرُّون المال على الشركة، هم من الحسابات المزيفة والعشوائية.
الخلاصة هنا هي أن توقيت شهادة زاتكو يمثل ضربة بالنسبة لتويتر ونقطة في صالح ماسك، لكن لا أحد يمكنه الجزم بما قد يكون عليه قرار المحكمة النهائي، سواء إجبار ماسك على إتمام الصفقة بقيمتها المتفق عليها، أي 44 مليار دولار، أو إلغاء الصفقة دون شرط جزائي (مليار دولار)، أو أي قرار آخر ضد تويتر، التي تتهم ماسك بسوء النية والتسبب في أضرار كبيرة للشركة ومستخدميها والمساهمين فيها.