أبدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مؤخراً، اهتماماً متزايداً بموريتانيا تعزز أكثر خلال قمة مدريد (29 و30 يونيو/حزيران 2022)، والتي دُعيت إليها دولتان فقط من خارج الحلف هما موريتانيا والأردن.
وتقود إسبانيا مبادرة للتقارب بين موريتانيا و"الناتو"، حيث تعتبر مدريد أن "الخطر يأتي من الجنوب كما يأتي من الشرق"، في إشارة إلى عدم الاستقرار الذي قد ينفجر في منطقة الساحل الإفريقي. وتضم منطقة الساحل الإفريقي (غربي القارة) كلاً من موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر.
ماذا وراء اهتمام الناتو المتصاعد بموريتانيا؟
في مقابلة مع وكالة الأنباء الموريتانية، نُشرت في الثاني من يوليو/تموز الماضي، قال نائب الأمين العام المساعد للحلف للشؤون السياسية والسياسة الأمنية خافيير كولومينا إن "دور موريتانيا في منطقة الساحل كبير وضروري لسببين".
وأوضح أنها "الشريك الوحيد للحلف في منطقة الساحل، وهي الوحيدة التي يمكنها النفاذ لبعض أدواتنا بطريقة منهجية لأنها شريك".
وتابع أن "موريتانيا هي الدولة الوحيدة في منطقة الساحل التي تسيطر على أراضيها وحدودها، وهي دولة تتمتع باستقرار سياسي وأمني، لذا فإن التعاون معها أفضل بالنسبة للحلف".
وخلال قمته بمدريد، أعلن "الناتو" عزمه تقديم حزمة مساعدات لموريتانيا، من دون الكشف عن حجمها ولا نوعيتها.
فيما أفاد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بأن هذه المساعدات تهدف إلى دعم جهود موريتانيا في التعامل مع أمن الحدود والهجرة غير النظامية والإرهاب.
وموريتانيا دولة عربية وإفريقية توجد في شمال غرب القارة وعلى شاطئ المحيط الأطلسي، ويحدها من الشمال الجزائر والصحراء الغربية ومن الجنوب السنغال ومن الشرق والجنوب مالي.
الناتو ومواجهة النفوذ الروسي في غرب وشمال إفريقيا
حول ذلك، يقول الصحفي المختص في الشؤون الدولية محمد الأمين ولد خطاري لوكالة الأناضول إن "التقارب بين موريتانيا والناتو لا يمكن قراءته إلا في سياق ما سماه الحلف خلال قمة مدريد (المفهوم الاستراتيجي الجديد) والصراع المحتدم بين روسيا والغرب الذي فجرته الحرب الروسية في أوكرانيا".
ومنذ 24 فبراير/شباط الماضي، تشن روسيا هجوماً عسكرياً على جارتها أوكرانيا، ما دفع عواصم غربية عديدة إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على موسكو.
ويحذر "المفهوم الاستراتيجي الجديد" لـ"الناتو" من تهديدات تواجه الحلف وشركاءه، لا سيما من جواره الجنوبي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والساحل التي تواجه تحديات أمنية وديموغرافية واقتصادية وسياسية، وهو وضع يمكّن "المنافسين الاستراتيجيين" من "التدخل المزعزع للاستقرار".
يقول ولد خطاري إن "حضور روسيا في مناطق إفريقية يثير قلق الأوروبيين بدرجة كبيرة في ظل المشهد العالمي المتشكل وفق خارطة جديدة يحاول الروس من خلالها لعب أدوار استراتيجية في إفريقيا وآسيا".
واعتبر أن "تطوير ما سماه (الناتو) بالمفهوم الاستراتيجي الجديد يدخل في سياق هذا الصراع بين روسيا والحلف". وأضاف: "لا شك أيضاً أن الحضور الروسي في مالي وما أُعلن عنه من مساعدات عسكرية روسية لباماكو أثار مخاوف الناتو وعزز ما سماه الجناح الجنوبي للحلف خلال قمته الأخيرة".
الصراع على إيجاد موطئ قدم غرب القارة السمراء
ويرى الكاتب الموريتاني أن "الصراع الحالي بين روسيا والحلف هو صراع نفوذ للحصول على موطئ قدم استراتيجي، خصوصاً على منافذ البحر.. حيث يعرف أن موريتانيا تمتلك شواطئ ممتدة حتى الاتحاد الأوروبي وتمتد في تداخل مياهها الإقليمية إلى المياه الإقليمية الإسبانية".
لذلك، فإن الحضور الروسي في مالي وقرب الروس من المنطقة ربما يثير مخاوف الخبراء الاستراتيجيين الأوروبيين من وصول روسيا إلى منفذ عبر المحيط الأطلسي، كما يقول ولد خطاري.
مشيراً إلى أن "هذه التطورات عززت مخاوف دول الاتحاد الأوروبي وجعلت الناتو يؤسس لمفهوم استراتيجي جديد يجعل من خلاله موريتانيا شريكاً في عمليات التصدي للنفوذ الروسي في المنطقة، وإن كان غير معلن رسمياً حتى الآن".
وموريتانيا بحكم موقعها الاستراتيجي تعتبر منصة أساسية في الرؤية الجديدة لـ(الناتو) بحكم الحدود المتداخلة مع جزر الكناري. حيث إن "الجماعات الإرهابية يمكن أن تستغل حالة عدم الاستقرار التي تعرفها المنطقة، خصوصاً في مالي بعد انسحاب القوات الفرنسية؛ وهو ما قد يؤثر على الحدود الأوروبية ممثلة في إسبانيا البوابة الأوروبية الأولى للحلف"، يقول الكاتب الموريتاني.
وهذا أسس وفق المنظور الاستراتيجي الجديد لحالة التداخل الأمني بين موريتانيا ودول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي "موريتانيا مرشحة بشكل كبير لتصبح القاطرة الأولى الفاعلة في سياق هذه التحولات الاستراتيجية الجديدة".
مستقبل وجدّية التعاون مع الناتو
يقول ولد خطاري إن "العلاقة بين نواكشوط ومدريد في السياقات الأمنية هي علاقة تقليدية ومؤسسة على تراكمات من التبادل الاستخباراتي والأمني والعسكري بحكم التداخل بين جزر الكناري وموريتانيا باعتبارها الجار الإفريقي الأقرب بعد المغرب والجزائر للحدود الإسبانية".
وتابع: "هذا التداخل حاولت إسبانيا من خلاله اللعب بورقة تقريب موريتانيا لدول الناتو وتعزيز مكانة الأمن الاستراتيجي الإسباني، ولكن وفق المظلة الأوروبية أو مظلة الحلف".
وأفاد بأن "إسبانيا استندت في هذا السياق على تراكمات من التعاون المشترك مع موريتانيا، لكن وضعتها هذه المرة خلال قمة الحلف الأخيرة في سياق تعاون أوروبي أشمل تجاوز الطرح التقليدي وهو التفاهمات الأمنية في سياق (مكافحة) الهجرة (غير النظامية)، ليشمل مجالات أوسع ضمن الدفاع الاستراتيجي عن الجناح الجنوبي للحلف".
ووفق متابعين، فإن إسبانيا معنية بشكل أكبر من بقية الدول الأوروبية بتوسيع هذا المجال التعاوني، لأنها تعتبر حائط الصد الأول في حالة حدوث عدم استقرار في المنطقة.
من جهته، يرى المحلل السياسي الموريتاني الولي ولد سيدي هيبة إنه "بالرغم من التوجه الجديد للناتو نحو موريتانيا، إلا أن علاقة الحلف ونواكشوط قديمة، وتشمل التعاون والتنسيق في مجالات محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية".
وأضاف ولد سيدي هيبة أن "الحلف عمل خلال السنوات الأخيرة على دعم موريتانيا في مجالات التدريب العسكري". وشدد على أن "القمة الأخيرة للحلف في مدريد، وما أعقبها من زيارات لمسؤولين أوروبيين إلى نواكشوط، تؤكد أن هذا التعاون سيتعزز".