للوهلة الأولى، لا يبدو موقع الويب الخاص بمعلومات الحرائق لنظام إدارة الموارد التابع لوكالة ناسا شيئاً يمكن أن يساعد في تتبع الحروب؛ إذ صُممت صفحة الويب هذه في الأصل لمساعدة رجال الإطفاء والمسؤولين على تتبع حرائق الغابات العالمية، وهي تعرض شيئاً يشبه إلى حد ما خدمة Google Earth مع نقاط حمراء صغيرة منتشرة في مواقع الحرائق حول العالم. حيث تمثل كل نقطة حريقاً اكتُشِفَ بواسطة أقمار ناسا الصناعية باستخدام مستشعرات الأشعة تحت الحمراء الموجهة إلى سطح الأرض. لكن إذا قمت بنقل الخريطة إلى أوكرانيا، فسيكون بإمكان حتى المراقب العادي أن يرى أن الدولة مشتعلة، ويتتبع أماكن القصف وحركة الجيش على الأرض.. كيف ذلك؟
"ناسا" وتتبع الحروب عبر المصادر المفتوحة
يقول تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي، إن خطاً من الحرائق يرتبط بشكل غامض بخط المواجهة على طول شرق وجنوب أوكرانيا. وكما اتضح، فإن الأقمار الصناعية التابعة لوكالة ناسا، في محاولة لتتبع حرائق الغابات، تقوم، عن غير قصد، بالتقاط الحرائق في أعقاب قصف مستودعات الذخيرة ومصادر الحرارة الأخرى من الصراع.
بالنسبة للأشخاص الذين يحاولون تتبع الصراع من مصادر عامة فقط، يمكن أن يكون موقع معلومات الحرائق منقذاً للحياة. إن تغطية وسائل التواصل الاجتماعي للحرب في أوكرانيا عبارة عن طوفان من الادعاءات والادعاءات المضادة واللقطات غير المنسوبة أو المنسوبة للقتال، فضلاً عن الجهات الفاعلة التي تدفع أجنداتها الخاصة.
ويعد موقع وتأثير الضربات الجوية والمدفعية، مثل تلك التي يشنها نظام المدفعية الصاروخية "هيمارس" الأمريكي الذي أعطي للجيش الأوكراني، إحدى ساحات معركة المعلومات.
ما الجهات التي يمكن أن تستفيد من هذه الخدمة التي توفرها ناسا؟
تساعد أي أداة تعمل على التحقق من مكان ووقت وقوع الضربة التي شنتها القوات الأوكرانية أو الروسية على مساعدة الصحفيين ومجتمع المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر لتويتر، في اكتشاف ما يحدث على الأرض.
هناك طريقتان من أكثر الطرق انتشاراً هما تحديد الموقع الجغرافي للصور أو مقاطع الفيديو والحصول على صور الأقمار الصناعية للقتال من الشركات الخاصة. على سبيل المثال، تستند التكهنات حول سبب انفجارات الأسبوع الماضي في قاعدة ساكي الجوية في شبه جزيرة القرم إلى حد كبير إلى الجمع بين تحليل مقاطع الفيديو التي التُقِطَت من بعيد مع الصور التي باعتها خدمات الأقمار الصناعية التجارية مثل Planet أو Airbus.
سرعان ما أصبح موقع معلومات الحرائق أداة أخرى من هذا القبيل في مجموعة أدوات مجتمع المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر. قال كايل غلين، مضيف البودكاست OSINTer، الذي استخدم النظام بشكل يومي منذ ذلك الحين، لموقع Daily Beast الأمريكي: "أعتقد أنني علمت أولاً بموقع معلومات الحرائق في منتصف أبريل/نيسان من هذا العام". وأضاف غلين: "أستخدمه في الغالب للنظر في المناطق التي أعرف أن القتال العنيف يحدث فيها لمحاولة الحصول على فكرة عن مكان الخطوط الأمامية، وأستخدمه أيضاً لمحاولة المساعدة في تحديد الموقع الجغرافي لمقاطع الفيديو الخاصة بالحرائق المشتعلة".
يمكن أن يشير الموقع أيضاً إلى ما إذا كانت المنطقة بحاجة إلى مزيد من التحقيق. قال ديف مون، وهو محلل شهير يستخدم البرنامج، لموقع Daily Beast: "يمكن استخدام موقع معلومات الحرائق لربط النقاط، مثلما هو الحال هنا. رأيت الموقع أولاً، ثم عثرت على تغريدة ربطته بها". بالنظر إلى أن أوكرانيا سعت مؤخراً إلى استهداف خطوط الإمداد الروسية لتقليل الهجمات التي تشنها، وجد غلين أن "الحرائق في أماكن غير عادية مثل الجسور أو الطرق تستحق دائماً التحقيق".
تتبع الحرب من المنزل
بالنسبة للآخرين، فإن موقع معلومات الحرائق له معنى شخصي بصورةٍ أكبر. نقل أحد المستخدمين، الذي غادر تويتر منذ ذلك الحين ولكنه روى تجاربه في مذكراتٍ تتعلق بالحرب، كيف استخدم الموقع لتتبع القتال بالقرب من منزله خلال معركة كييف.
تستخدم ناسا الأقمار الصناعية لتتبع الحرائق منذ عام 2000 على الأقل، لكن أقمارها الصناعية لم تُستخدم قط لتتبع صراع بهذا الحجم. بالإضافة إلى حقيقة أن الحرب في أوكرانيا هي أكبر صراع تقليدي منذ إطلاق النظام، تتميز الحرب بالاستخدام المكثف للمدفعية والصواريخ، والتي يمكن لموقع معلومات الحرائق التقاطها بصورةٍ أفضل.
يمكن لموقع معلومات الحرائق أن يدعم وسائل التواصل الاجتماعي أو التقارير الصحفية عن الضربات من خلال إظهار مكان وجود حرائق كبيرة. في حالة إصابة كومة كبيرة من الذخائر أو مستودع الوقود، فغالباً ما تكون الحرائق طويلة وكبيرة بما يكفي لأقمار ناسا الصناعية لاكتشافها وتسجيلها كحريق هائل. يمكن تسجيل المواقع التي ضربتها المدفعية أيضاً، ولكن فقط إذا تسبب وابل النيران في اندلاع حريق.
تتبع خطوط المواجهة بين الجيوش المتحاربة
لقد أصبحت قدرة موقع معلومات الحرائق لتصنيف المعلومات مثل شبكات الطرق وعرض البيانات عبر الوقت مفيدة أيضاً لأولئك الذين ينظرون إلى الحرب على المدى الطويل. يقوم مستخدمو تويتر بتجميع البيانات من موقع معلومات الحرائق للنظر في حدة القتال على مدار أسابيع أو شهور. يجادل ديف مون بأنه "إذا أخذنا لقطة لمدة أسبوع واحد لأوكرانيا، فيمكن استخدام مؤشرات موقع معلومات الحرائق بشكل أو بآخر لتظهر لنا خط المواجهة القاسي".
ويقارن الدكتور فيليبس أوبراين، أستاذ الدراسات الإستراتيجية بجامعة سانت أندروز والمستخدم الغزير لتويتر لتتبع الحرب في أوكرانيا، بيانات موقع معلومات الحرائق على مدار أسابيع مختلفة لإظهار الاتجاهات في استخدام المدفعية الروسية ضد القوات الأوكرانية.
هناك بعض القيود على موقع معلومات الحرائق. نظراً لأن النظام مصمم لحرائق الغابات، فإنه يُظهر حرائق أكبر ولا يتكهن بما قد يكون سبباً لها. يتعين على مستخدمي تويتر أيضاً العمل بجد لفصل "الإيجابيات الزائفة" (حريق هائل فعلي، أو حرائق منزلية، أو مصادر حرارة صناعية مثل مدخنة مصنع) عن الضربات على المنشآت العسكرية واللوجستية. وفقاً لديف مون، فإن موقع معلومات الحرائق "يصبح أقل موثوقية خلال فصل الصيف، حيث تحترق الأشياء لأسبابٍ شتى". مثل جميع أحداث مراقبة الأقمار الصناعية على الأرض، تعتمد جودة الكشف أيضاً على الطقس ومتى تمر الأقمار الصناعية في السماء.
كيف يمكن استخدام هذه الأداة؟
كما هو متوقع مع أي أداة متاحة للجمهور، لا يعرف الجميع كيفية استخدامها جيداً. يدرك معظم مستخدمي تويتر الذين يتعاملون مع موقع معلومات الحرائق بانتظام قيود النظام، ولكن مثل جميع الأدوات مفتوحة المصدر، يكون المستخدمون الأقل فطنة عرضة للقفز إلى الاستنتاجات. التغريدات التي تتكهن بشدة حول الضربات المسجلة أو شدة القتال دون مراعاة الطقس أو توقيت مرور الأقمار الصناعية ليست شائعة. لا يقتصر هذا الاتجاه على المستخدمين الذين ينظرون إلى موقع معلومات الحرائق، ويتحدثون عن حاجةٍ أكبر لإضفاء الطابع المهني على المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي.
إن مستقبل موقع معلومات الحرائق كأداة لتتبع الصراع غير واضح. الحروب الأخرى، مثل الصراعات في اليمن وإثيوبيا، يصعب تعقبها باستخدام أقمار ناسا الصناعية. يريد بعض المستخدمين، مثل غلين، فقط إضافة ميزات صغيرة لتحسين إمكانية الاستخدام، مثل تراكب أسماء المواقع على صور القمر الصناعي.
تركز مدونة موقع معلومات الحرائق بشكل كامل على تحسين تجربة المستخدم لأولئك الذين يستخدمون الأداة لمكافحة حرائق الغابات، لذلك ليس من الواضح ما إذا كانت وكالة ناسا مهتمة بدعم مراقبي الصراع رسمياً. على الرغم من ذلك، فقد أثبت موقع معلومات الحرائق أنه لا يقدر بثمن في توفير نظرة عامة على أحد أعنف الصراعات في القرن الحادي والعشرين، كما يقول دايلي بيست.