قبل نهاية 2021 بأيام، مرّر برلمان صرب البوسنة تصويتاً يلزم الحكومة المحلية بتنظيم الانسحاب من 3 مؤسسات بوسنية مشتركة أساسية، هي: الجيش، والنظام القضائي، والضرائب، خلال الأشهر الستة التالية.
هي مجرد واحدة من محاولات الإجهاز على سيادة البلاد الكاملة على أراضيها بموجب اتفاق دايتون سنة 1995.
والخطوة هي أيضاً "أخطر تهديد وجودي" بالعودة بالبلاد خطوة نحو الوراء، إلى مستنقع الاقتتال العرقي والطائفي مطلع التسعينيات.
بعد أيام ظهرت أشباح الماضي المخيفة أثناء احتفال الذكرى الثلاثين لتأسيس كيان صرب البوسنة المعروف باسم جمهورية صربسكا في الأيام الأولى من 2022.
على منصة الاحتفال في مدينة "بانيا لوكا"، وقف الرئيس الصربي البوسني المثير للجدل ميلوراد دوديك، ووراءه فينكو باندوريفيتش، قائد الكتيبة المسؤولة عن مجازر ارتكبت بحق البوسنيين المسلمين في مدينة "سربرنيتشا"، وصدر بحق الرجل حكم بالسجن 13 عاماً، وأطلق سراحه بعد قضائه 10 أعوام في السجن.
وها هو يحتفل بجرائمه بعد ثلاثة عقود.
نتحدث عن مخاوف جديَّة يعيشها مواطنو البلاد الذين، حسب تقارير، بدأوا في تخزين المواد الغذائية تحسباً لأي أعمال عنف قد تنشب في أي لحظة. علماً أن البوسنة والهرسك تعرف انتشاراً واسعاً للسلاح غير المرخَّص، إذ تحدَّثت تقارير الأمم المتحدة عن نحو 750 قطعة موروثة عن حقبة الحرب الأهلية ما بين 1992 و1995، إضافة إلى تزايد تهريب الأسلحة من صربيا نحوها، الأمر الذي لم تستطِع الحكومة البوسنية رغم جهودها الحدّ منه حتى اليوم.
لماذا تعود أشباح الدم والمذابح إلى اتحاد البوسنة والهرسك بعد ربع قرن؟ وكيف فشل اتفاق السلام في دمج الأعراق الثلاثة للبلاد، الصرب والكروات والبوشناق المسلمين؟ وما العلاقة بين تصعيد صرب البوسنة ضد شركاء الحكم، وبين الحرب الروسية على أوكرانيا؟.. وهل الحرب هي الاحتمال الأكبر؟
في هذا التقرير محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، في ملف البلقان الذي لم تهدأ سخونته بتعاقب الليل والنهار وتوقيع الاتفاقيات الدبلوماسية.