كانت الهند دوماً تلقب بأنها أكبر ديمقراطية في العالم، ولكن اليوم يبدو أنها تتجه لتصبح أكبر دولة عنصرية في العالم، وكانت الاحتجاجات ضد الإساءات للنبي نموذجاً لهذه العنصرية الهندية ضد المسلمين تحديداً، حيث ردت الحكومة بحملة لهدم منازل المحتجين بطريقة غير قانونية.
"هل تساءلتم من قبل كيف يبدو الأمر إن كنت مسلماً في دولة الهندوس غير المعلنة التي تسمى الهند؟ وكيف يبدو الأمر إن كنت تتعرض على الدوام للإذلال والإهانة والوحشية في التعامل؟ وكيف يبدو الأمر عندما تُهدم روحك عن طريق الدولة؟ بل أحياناً عندما يُهدم منزلك أيضاً؟
بهذه الكلمات عبرت أفرين فاطمة، الطالبة والناشطة الهندية المسلمة عن المأساة التي تعيشها شخصياً منذ أن تعرضت منزل أسرتها للهدم عقب الاحتجاجات الرافضة للإساءة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام.
تقول في مقال لها بمجلة Time الأمريكية "بدايةً من معتقداتنا وتاريخنا وحتى عاداتنا في تناول الطعام وملابسنا، لم يترك المتعصبون المؤمنون بسيادة الهندوس الذين يحكمون الهند الآن أيَّ شيءٍ في حملتهم ضد مجتمعنا".
خلال ثمانية أعوام من وجود حكومة ناريندرا مودي، ضربوا بعرض الحائط أسس البلاد العلمانية عن طريق العثور على طرق متجددة دائماً لاستهدافنا. في الشهر الماضي، هدموا منزلي بالجرافات، حسبما قالت الناشطة الهندية المسلمة في المقال.
وكانت أبرز مظاهر العنصرية الهندية ضد المسلمين، قانون خاص بالجنسية يستبعد من يعتقد أنهم مهاجرون مسلمون في بعض الولايات، مع إعطاء حملة ديانات أخرى لديهم نفس الظروف الجنسية، إضافة إلى إلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير واعتقال قادة الإقليم الذين يؤمنون بأنه جزء من الهند (عكس موقف دعاة الاستقلال عن نيودلهي)، إضافة إلى الحملة ضد الحجاب في العديد من مؤسسات البلاد، ثم أخيراً حملة هدم بيوت المسلمين الذين شاركوا في الاحتجاجات ضد الإساءة الصادرة من قبل قيادات بحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف الذي يحكم البلاد.
العنصرية الهندية ضد المسلمين تتجلى في حملة الاعتقالات غير قانونية
في أواخر مايو/أيار، أدلى متحدث محلي باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بتصريحات مهينة بحق النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على شاشة التلفاز. غضب المسلمون في الهند وخارجها، حسب شهادة الناشطة الهندية
وبعد مدة قصيرة، وتحديداً في 10 يونيو/حزيران، خرج المسلمون في بعض ربوع الهند في احتجاجات على هذه الإساءة لنبيهم عقب صلاة الجمعة.
أحد هذه الاحتجاجات انطلقت في مدينة الله آباد، وتصاعدت إلى حالة عنف. تبعتها حملة قمعية أمنية سريعة، مما أدى إلى اعتقالات تعسفية واحتجازات للمسلمين حول المدينة بدون سند قانوني.
هددوا أمي وأختي بالتعذيب ووضعوا إشعاراً قديماً بهدم بيتنا
وجدت عائلتي نفسها الطرف المتضرر من نفوذ دولة وحشية وآلت الأمور إلى تعرض أبي لاحتجاز تعسفي غير قانوني، وهو أحد قادة المجتمع وأحد النشطاء الحقوقيين.
ألقت الشرطة القبض على أمي وأختي من منزلنا في منتصف الليل بدون أي أمر اعتقال، واحتجزتهما السلطات في قسم شرطة لـ35 ساعة، في انتهاك لقواعد الاحتجاز، حسب وصفها.
أجبرت السلطات والشرطة في المدينة عائلتي على الخروج من المنزل- عن طريق تهديد أمي وأختي بالتعذيب وتوجيه اتهامات رسمية لهما إذا لم تنفذا الأوامر- ووضعوا إشعاراً على بوابة منزلنا بتاريخ قديم في مساء 11 يونيو/حزيران يدَّعي أن البناية شُيدت بصورة غير قانونية وأنها ستهدم في اليوم التالي.
صُنف المنزل فجأة بأنه "غير قانوني" حتى بعد أن كنا دائماً ندفع جميع الضرائب المتعلقة به وبرغم صحة وثائق الملكية. ظاهرياً، اتخذت الحكومة هذه الخطوة بعد شكوى من ثلاثة "أشخاص محترمين" في الحي، وبالمصادفة لا يستطيع أي من جيراننا تحديد هويتهم.
إنها عدالة الجرافة التي تحكم الهند والمسلمون ليسوا مواطنين مساوين للهندوس
صار منزلنا الآن جزءاً من النمط الذي اشتهر في الوقت الحالي وعُرف بـ"عدالة الجرافة" في الهند، حسبما وصف الناشطة المسلمة التي تقول "إليكم كيف يتم الأمر: تربط الحكومة المسلمين بـ "جرائم" شنيعة، مثل المشاركة في الاحتجاجات، وبعد ذلك تلقي اللوم عليهم بسبب العنف، ثم تدمر منازلهم".
في وقت سابق من هذا العام، خلال احتفالية هندوسية، سار الهندوس المسلحون بالسيوف نحو أحياء المسلمين في كثير من المدن، وأحياناً يطلقون البذاءات عبر مكبرات الصوت أمام المساجد في رمضان، قبل أن يشرعوا في شن هجمات ضد منازل المسلمين وأعمالهم التجارية.
وبعد هذا أيضاً، ألقت الشرطة باللائمة على المسلمين للتسبب في هذه الاضطرابات، واعتقلت مئات المسلمين الأبرياء، ومن بينهم قُصَّر، وهدمت منازلهم بالجرافات. ليس هناك بكل تأكيد أي حكم قانوني صادر لتنفيذ عمليات هدم الممتلكات الخاصة هذه، حتى إن اكتُشف تورط الأشخاص في أعمال عنف. لكن هذا ليس مهماً، فالفكرة برمتها ترمي إلى توضيح أن المسلمين ليس لهم أية حماية قانونية في أية دولة هندوسية. ونحن لسنا مواطنين متساوين.
تلقت تهديدات بالاغتصاب ونخشى التعرض للاختطاف على يد المتطرفين
تقول الناشطة المسلمة: "يقبع أبي في السجن- ويظهر على التلفاز- منذ أن هُدم منزلنا. تظهر وجوهنا في نقاشات أوقات الذروة، وينشر مذيعو الأخبار قصصاً حول حياتنا ونشاطنا الحقوقي، ويروجون نظريات المؤامرة حولنا، ويصفوننا بـ"الجهاديين" و"الخائنين للوطن".
تلقيت تهديدات بالقتل والاغتصاب. والآن بعد أن صار الجميع يعرف كيف أبدو، فإني خائفة من أخرج في الأماكن العامة. وأعيش كالسجينة.
ليس هناك أمر لاعتقالي، وليس هناك حاجة للقيام بهذه الأشياء بعد الآن. غالبية زملائي من الطلاب النشطاء المسلمين المعتقلين الآن، أُلقي القبض عليهم بدون أية إجراءات أو أوراق. وأحياناً عندما يُفقدون، لا يدري آباؤهم إن كانوا معتقلين أم مختطفين عن طريق الهندوس المتطرفين؛ إذ إن الخط الفاصل بين الأمرين سرعان ما يصير ضبابياً.
المتطرفون يعرضون المسلمات للبيع في مزادات بالإنترنت
تضيف في معرض وصفها لمظاهر العنصرية الهندية ضد المسلمين قائلة "لقد حبست نفسي لأنني بصفتي شابة مسلمة في الهند- حيث يعرضنا الهندوس اليمينيون المتطرفون للبيع عبر المزاد على الإنترنت.
وأضافت قائلا في مقالها في مجلة Time الأمريكية "يجب علي أن أضمن سلامتي وسلامة أهلي، على الإنترنت وفي الواقع، سواء جسدياً أو عقلياً".
هكذا تبدو الحرية أمامي في "أكبر ديمقراطية في العالم". وإنني مجبرة على العيش هكذا لسبب غير واضح سوى كوني مسلمة. والأدهى أنني مسلمة تتحدث بجرأة وصراحة".
الهند تنزلق نحو التخلي عن سيادة القانون
كيف وصلت الهند إلى هنا؟ وكيف وصلت أنا؟ كيف وجدت عائلتي نفسها في دوامة انزلاق الهند السريع نحو حكم الأغلبية الخارجة عن القانون؟
لقد نشأت نشأةً أقرب إلى الطبقة المتوسطة. كان أبي رجل أعمال وناشطاً. برغم الميزانية المحدودة، أدخلني أبي وأمي أنا وأشقائي الأربعة إلى أفضل مدرسة في المدينة وكلاهما ربانا على أن نكون مستقلين للغاية، وعلى خشية الله وعلى أن نكون مسؤولين مجتمعياً، وعلى أن نكون مواطنين ذوي عقلية مدنية. لم يكن ينبغي لهما أن يفعلا ذلك. فهذه الصفات ليست التي يُقدّر المؤمنون بسيادة الهندوس وجودها في الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يستحقون مواطنة متساوية يكفلها لهم دستورنا الشامل.
ليس من المفترض لنا أن نؤكد على هويتنا الدينية. فإذا فعلنا سوف نوصف بأننا "جهاديون" و"راديكاليون". ليس من المفترض لنا أن نُرى أو نُسمع، لأن وجودنا بالنسبة لهم، هو جريمة في ذاته.
حتى مدينتي غيروا اسمها
في عام 2017، عندما كنت أدرس في جامعة عليكرة الإسلامية، صار إجاي سينغ بشت رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، الولاية التي تقع شمالي الهند والتي أنتمي إليها. تعد أوتار براديش أكبر ولاية وأهمها من الناحية السياسية، بتعداد سكاني يصل إلى حوالي 245 مليون نسمة- أي أكثر من التعداد السكاني للبرازيل- حيث يبلغ عدد سكان المسلمين حوالي خُمس التعداد السكاني للولاية.
يرأس الراهب الحليق الذي يمثل الجناح الأشد تطرفاً بين المؤمنين بسيادة الهندوس، يشتهر بشت (الذي يُعرف باسمه الرهباني يوغي أديتياناث) بسوء سمعته بسبب سياساته وخطاب الكراهية الذي يطلقه ضد المسلمين.
مع وصول بشت إلى السلطة، كانت حياتي على وشك أن تتغير. بدأ المناخ الاجتماعي في الولاية يسوء بسبب تسارع وتيرة السياسات الهندوسية المتطرفة. بدأ المسلمون، المهمشون سياسياً، يُطمسون ثقافياً. أسماء الأماكن التي تبدو إسلامية بدأت تتغير. تغير اسم مدينتي من الله آباد، الذي يعود إلى عصر مغول الهند، إلى براياغ.
صرت أكثر وعياً بالتهديد الوجودي الذي يواجهه مجتمعي الآن، وأردت أن أقف في وجه هذا الجور. خضت انتخابات اتحاد الطلاب وانتُخبت رئيسة للاتحاد، واستخدمت منصتي للحديث ضد ترويج بشت خطاب الكراهية والتهديد المتصاعد ضد المسلمين في جميع ربوع الهند. الانتقام القبيح من قبل اليمين المتطرف الذي واجهته لم يؤثر في إلا بجعلي أكثر عزماً على المقاومة. في موقعي القيادي الطلابي، كنت أُوصف بأنني امرأة مسلمة "معاصرة وصاحبة فكر حر" تتحدى النظام الأبوي.
لكن الجميع اختاروا تجاهل الهوية التي حاولت فعلياً أن أؤكد عليها أكثر من أي شيء: وهي أنني هندية مسلمة. بدأت أرتدي الحجاب كي أؤكد على حضوري بوصفي امرأة مسلمة في الأماكن التي شعرت فيها بأنني غير مرحب بوجودي فيها أو التي قولبت كل الأشياء التي أمثلها.
قادني نشاطي بدون تردد إلى الاحتجاجات التي انتشرت حول البلاد في 2019 ضد قانون مواطنة جديد يميز ضد المسلمين. مثل كثير من القادة الطلابيين المسلمين، واجهت محاكمة إعلامية من القنوات التي تتحيز بدون خجل، التي تعد الموجه الرئيسي للكراهية في الهند. لقد حرفوا حديثي ووصفوني بأنني انفصالية.
المسلمون يُتهمون بالمسؤولية عن الجائحة ويتعرضون لمذبحة في العاصمة
تقول الناشطة المسلمة "أُلقي القبض على العديد من أصدقائي وقُتل المسلمون في مذابح ممنهجة وبرعاية الدولة في العاصمة الوطنية لوقف الاحتجاجات. في ردها بعنفٍ على احتجاجات حقوق مدنية غير عنيفة للمسلمين، كان لدى الدولة رسالة واضحة موجهة إلينا: حتى مجرد ممارسة الحقوق الدستورية هو تجاوز لحدودنا، والمسلمون ليس لديهم حقوق".
عندما انتشرت الجائحة، توقفت الاحتجاجات. وكان منزلنا (الذي هُدم بعد ذلك) مركزاً لتوزيع الطعام، حيث كنا نسلم حصصاً شهرية إلى الأشخاص الذين كانوا سيجوعون لولا هذه الحصص خلال الإغلاق بسبب مرض كوفيد في 2020. الآخرون الذين كانوا في أعمال نشر الكراهية كانوا يعملون بكد مثلنا: فحينها كانوا يلومون المسلمين على انتشار فيروس كورونا في الهند. جعلت الحكومة مجتمعنا كبش فداء كي تتهرب من المسؤولية، لأن الكراهية ضدنا تفوق أية عقلانية.
وهكذا سار الأمر: مع كل أسبوع يمر تُفتح جبهة جديدة من الهجمات ضد المسلمين، وخدعة جديدة في كتاب الخطط الخاص بالمؤمنين بسيادة الهندوس، وحالة غضب جديدة، تصحبها مخاوف جديدة.
كان رمضان هذا العام أشبه باستراحة ذات حميمية يملؤها السرور لكسر الحالة السُمِّية التي تستهلك مجتمعنا رويداً رويداً، لكنها كانت جيدة للغاية لدرجة أنها يصعب أن تدوم.
فلقد بدأت المواكب الهندوسية العنيفة، مما أدى إلى مزيد من العنف، ومزيد من الحملات القمعية، وعمليات الهدم التعسفية التي تعرضت لها بيوت ومنشآت المسلمين. واجه أبي أحياناً مشكلات مع النوم، لأنه شعر بالعجز أمام ارتفاع موجة الكراهية. واصل مقاومته بالطريقة التي يعرفها جيداً: التقدم بشكاوى وعرائض لدى الشرطة والقضاء.
في أعقاب التعليقات القبيحة ضد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عن طريق متحدثي بهاراتيا جاناتا، توجه أبي إلى فيسبوك لتوجيه الغضب والصلاة من أجل المجتمع توجيهاً بنَّاءً.
تلت هذه التعليقات احتجاجاتٌ عقب صلاة الجمعة في 10 يونيو/حزيران. وصاحبها مزيد من القمع ومزيد من الهدم. ولكن هذه المرة وصلت "عدالة الجرافة" حرفياً إلى منزلنا. دمروا منزلنا وبثوا ذلك على التلفاز مباشرة. ابتهج الحلفاء الإعلاميون لحزب بهاراتيا جاناتا بهذا العرض الأخير للعقاب الجماعي الذي يتعرض له المسلمون، حسب وصف الناشطة الهندية المسلمة.
تقول "مرت الأيام مشوشة منذ ذلك الحين؛ فلا أعرف ما الذي يحدث لأبي وهو محتجز لدى الشرطة، وأتأهب لمعركة قانونية تواجهنا برغم معرفتي بمساوئ مؤسسات الدولة وفضائحها، ولا أعرف إذا كنت سأحظى بنوم هانئ في الليل مرة أخرى أم لا. لقد صار الأمر عقابياً. هذه الحالة الوجودية- من محاولة إثبات البراءة، والتوتر، والاستضعاف، والألم- هي العقاب في حد ذاتها: أن أكون مسلمة أو مسلماً في دولة الهند التي يرأسها مودي. فهل يدري العالم كيف نعيش؟ وهل يكترث؟"