بلغت قيمة صفقات الأسلحة الأمريكية مؤخراً 20 مليار دولار خلال أسبوعين أو أكثر بقليل، أي بما يعادل أكثر من مليار دولار يومياً، الأمر الذي ألقى بشكوك كبيرة حول تعهدات الرئيس الأمريكي جو بايدن بربط مبيعات الأسلحة الأمريكية بحقوق الإنسان.
فقد ذهب ثلث هذه المبيعات إلى الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، وهو أمر ينطوي على تناقض واضح مع التعهدات المعلنة للرئيس الأمريكي جو بايدن بتعزيز الديمقراطية، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ترجِّح لورين وودز، الباحثة في "مركز السياسة الدولية" الأمريكي، ومؤلفة كتاب War on the Rocks، أن تكون هذه الصفقات قد مرت بسنوات من الإعداد، حتى منحها بايدن في النهاية "الضوء الأخضر للإتمام".
هل التزم بايدن بوعوده بالربط بين مبيعات الأسلحة الأمريكية وحقوق الإنسان؟
كتبت وودز: "أومأت بعض الإشارات في البداية إلى تباطؤ [في وتيرة بيع الأسلحة]، إلا أن هذه الإدارة باتت تشبه الآن كل الإدارات الأمريكية الأخرى من حيث حجم مبيعات الأسلحة وقيمتها.
فالولايات المتحدة هي أكبر مصدِّر للأسلحة في العالم بفارق كبير عن أي مصدِّر آخر يليها في الترتيب بعدها. وهي أيضاً أبرز الدول المصدرة للأسلحة للبلدان ذات السجلات المتردية في مجال حقوق الإنسان".
كانت ألمانيا والسعودية والإمارات وهولندا أكبر المتلقين لمبيعات الصفقات الأخيرة، وقد اشترت هذه الدول جميعها أسلحة ومعدات عسكرية أمريكية تزيد قيمتها على مليار دولار. وشملت قائمة المشترين البارزين: الكويت وتايوان والنرويج، وأسهمت هذه المشتريات في رفع إجمالي مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الخارج هذا العام إلى ما يقرب من 60 مليار دولار.
الديمقراطيون يستخدمون أوكرانيا لإخفاء طبيعة صفقات الأسلحة الأمريكية
كتب بِل هارتونغ، الباحث في معهد كوينسي الأمريكي، في مقال نشرته مجلة Forbes، أن "قادة الصناعات العسكرية الأمريكيين أرادوا الظهور في صورة المدافعين عن الديمقراطية، مستندين إلى دورهم في توفير الأسلحة لأوكرانيا. لكنهم لم يذكروا مبيعات الأسلحة إلى أنظمة القمع، مثل السعودية والإمارات ومصر والفلبين، التي قتلت آلافاً من مواطنيها، وقد شنَّت السعودية والإمارات حرباً على اليمن أسفرت عن مقتل ما يقرب من 400 ألف شخص"، حسب المجلة الأمريكية.
وليس من قبيل المصادفة أن شركات الصناعات العسكرية الأمريكية العملاقة مستمرة في جني الأموال من هذه الصفقات. يقول هارتونغ: "يمكنك الرهان على أن شركات الأسلحة ستبذل كل ما في وسعها لكي تستمر عجلة إنتاج الأسلحة وتصديرها في الدوران، معوِّلين على تمويل الحملات الانتخابية بملايين الدولارات، والدفع بأكثر من 700 جماعة ضغط داعمة لهم، والإسهام بملايين الدولارات في مراكز الفكر الموافقة لهم والتي غالباً ما تتخذ مواقف مؤيدة لشركات الصناعة العسكرية".
بدأ الإعلان عن مجموعة الصفقات الأخيرة لبيع الأسلحة في 15 يوليو/تموز، لكن أكثرها إثارة للجدل جاء في 2 أغسطس/آب، عندما وقعت وزارة الخارجية الأمريكية صفقات لإرسال شحنات جديدة من الصواريخ إلى الإمارات والسعودية.
استنكر دانيال لاريسون، المحرر السابق لمجلة The American Conservative، في مقال له بموقع Responsible Statecraft صفقات بيع الأسلحة لهذه الدول ووصفها بأنها غير أخلاقية. وكتب لاريسون: "إن أي دعم عسكري يساعد السعودية والإمارات في مواصلة سياسات التدخل في اليمن هو تمكين لا يجوز للحرب هناك، وعلى الكونغرس أن يرفض إقراره"، حسب تعبيره.
دعوات لإبطاء وتيرة مبيعات الأسلحة لمصر
تأتي هذه التحركات أيضاً وسط محاولات لإبطاء وتيرة الدعم العسكري لمصر، فهي وإن كانت حليفاً طويل الأمد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلا أنها ذات سجل بالغ السوء في مجال حقوق الإنسان. ووافقت واشنطن بالفعل على بيع أسلحة تزيد قيمتها على ملياري دولار إلى القاهرة في وقت سابق من هذا العام، لكن منظمات المجتمع المدني تقول إن بايدن لا يزال لديه فرصة لحجبِ 300 مليون دولار من حصة الدعم العسكري المباشر لمصر.
وفي هذا السياق، فإن مجموعة من هذه المنظمات، شملت "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" و"فريدوم هاوس" ومنظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي"، كتبت عريضة مفتوحة إلى الإدارة الأمريكية، قالت فيها: "إن الوتيرة المطردة لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة المصرية، والأدلة المتوافرة على استخدام المعدات العسكرية الأمريكية في مثل هذه الانتهاكات، توجب على الإدارة تعليق جميع صفقات إرسال الأسلحة إلى مصر، امتثالاً للقوانين الأمريكية الراسخة في هذا الصدد. وباختصار، يجب على الإدارة الأمريكية أن تحجب حصة الدعم العسكري المباشر (300 مليون دولار) بالكامل"، حسب المذكرة.
وبعد عقود من الرفض الأمريكي والعرقلة الإسرائيلية، كشفت واشنطن عن نيتها بيع طائرات "إف 15" لمصر، فيما ينظر له على أنه نقلة نوعية في العلاقات العسكرية مع القاهرة، والأهم أنه يعبِّر عن تغيُّر في مواقف إسرائيل من خصمها القديم (مصر)؛ حيث كانت تل أبيب دوماً أكبر عائق أمام توريد المقاتلة الإف 15 للقاهرة لأنها معروفة بمداها البعيد وقدراتها القتالية والهجومية العالية، ولكنها اليوم تضغط على واشنطن لإتمام الصفقة.
ومع كل هذه الانتقادات، فإن إدارة بايدن لم تظهر بادرةً تشير إلى رغبتها في إبطاء وتيرة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الدول محل الجدل. بل قعت وزارة الخارجية الأمريكية منذ بضعة أيام صفقة لبيع صواريخ غافلين بقيمة 74 مليون دولار إلى البرازيل، وهي دولة تشهد تراجعاً في ديمقراطيتها ويرأسها زعيم يميني شعبوي. وبذلك، يبلغ إجمالي مبيعات الأسلحة الأمريكية خلال الشهر الماضي ما يزيد على 20 مليار دولار.