قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في 10 أغسطس/آب 2022، إن مصر ستبدأ قريباً في ترشيد الكهرباء المستخدمة في إنارة الشوارع، والأماكن الرياضية، والمباني الحكومية، بالإضافة إلى رفع درجة حرارة أجهزة التكييف في مراكز التسوق. والهدف من ذلك، حسب قوله، هو ترك المزيد من الغاز متاحاً للتصدير إلى البلدان التي تعاني من نقص الغاز الخاص بها.
أدى قرار روسيا بتضييق الخناق على صادراتها من الغاز الطبيعي إلى عجز عالمي كبير. في المقابل، وصلت أسعار الكهرباء في أوروبا إلى مستويات قياسية، وتستعد المملكة المتحدة لقطع التيار الكهربائي هذا الشتاء، وتعمل البلدان المستوردة للغاز في آسيا على ترشيد الكهرباء. وبالنسبة للبلدان التي تنتج الكثير من الغاز الخاص بها، يصبح الخيار بين الاحتفاظ بالغاز لتوليد الكهرباء في الداخل، أم بيعه لتحقيق ربح كبير في الخارج؟ تميل مصر، على سبيل المثال، إلى الخيار الثاني، كما يقول تقرير لموقع Quartz الأمريكي.
مصر بحاجة إلى السيولة النقدية أكثر من الغاز
تعد مصر لاعباً ثانوياً نسبياً في سوق الغاز، حيث لا يمكنها شحن أكثر من 3.2% من الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال في ذروة الإنتاج، لكن سلسلة من الاكتشافات البحرية الكبرى في العقد الماضي رفعت من مكانتها على الخريطة التجارية، وعالجت حالات انقطاع التيار الكهربائي التي عصفت بالقاهرة خلال سنوات الاضطرابات والثورة.
قدم النقص العالمي الأخير في الغاز مكاسب غير متوقعة. في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، كسبت مصر 3.9 مليار دولار من صادرات الغاز، وهو قدر مشابه لما كسبته في عام 2021 بالكامل. وفي يونيو/حزيران، وقعت البلاد صفقة مع إسرائيل والاتحاد الأوروبي لتعزيز صادرات الغاز مقابل 103 ملايين دولار من المساعدات الغذائية.
لقد أعاقت حرب أوكرانيا مصر بطريقة ما، لكنها منحتها جانباً من الكسب بطريقةٍ أخرى. وباعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم، شهدت مصر ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية بسبب الاضطرابات التجارية الناجمة عن الحرب.
لذا، يقول موقع Quartz، إن توجه مصر لبيع الغاز للمشترين اليائسين في الخارج ليس مجرد نزوع انتهازي. البلد في حاجة ماسة إلى السيولة النقدية لاستيراد المواد الغذائية والسلع الأخرى، ولمجموعة من مشاريع البنية التحتية باهظة الثمن التي تسعى الحكومة إليها، بما في ذلك بناء عاصمة إدارية جديدة.
وتواجه مصر ديوناً تقارب 400 مليار دولار، علاوة على تراجع احتياطيات العملات الأجنبية، والتضخم متصاعد. قال مدبولي في مؤتمر صحفي: "نحن نبحث في كيفية الاستفادة بشكل أفضل من الموارد الطبيعية المتاحة لنا من أجل جلب المزيد من العملات الأجنبية".
مصر تتقشف من أجل تصدير غازها لأوروبا!
خلال فصل الصيف، عندما ترتفع درجات الحرارة إلى أعلى مستوى، تُستخدَم نصف الكهرباء في مصر لتكييفات الهواء، وتنخفض صادرات الغاز، التي وصلت إلى مستويات قياسية في الشتاء الماضي.
وبحسب الموقع الأمريكي، استخدمت محطة إدكو للغاز الطبيعي، وهي الأكبر في البلاد، 11% فقط من طاقتها في يونيو/حزيران، وكانت معطلة تماماً في يوليو/تموز، وفقاً لشركة استخبارات السوق Kpler. تستخدم محطة دمياط، وهي محطة أخرى لتصدير الغاز الطبيعي المسال في مصر، حوالي ثلثي طاقتها فقط. لذلك هناك طاقة تصديرية يجب توفيرها.
ستوفر خطة الحكومة للحد من استخدام الكهرباء حوالي 570 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز، وفقاً لتحليل أجرته شركة الاستخبارات Rystad Energy. هذا يمثل حوالي ثلث الطاقة التصديرية لمصر، ما يعني أن تدابير توفير الكهرباء ستوفر دفعة كبيرة لما تستطيع البلاد شحنه، لكنها تمثل حوالي 1.2% فقط من الطلب العالمي، لذلك من غير المرجح أن تصعد مصر بشكل ملحوظ في المقاييس العالمية. ومع ذلك، فإن أي إنتاج إضافي في سوق الغاز الدولي سيؤدي إلى انخفاض الأسعار للجميع.
إلى أين ستذهب صادرات الغاز المصري؟
بحسب Quartz، لم يتضح بعد إلى أين ستتجه صادرات الغاز الإضافية لمصر على وجه التحديد. تاريخياً ذهب حوالي ثلثي صادرات الغاز المصري إلى الهند والدول الآسيوية، لكن الغاز في أوروبا هذه الأيام يحقق سعراً أعلى بكثير من أي مكان آخر، لذا من المرجح أنها ستكون الوجهة الأولى.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم مصر أيضاً بتحويل بعض محطات الطاقة للعمل على زيت الوقود بدلاً من الغاز، على حد قول جاستن دارغين، الذي يدرس أسواق الطاقة في شمال إفريقيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. وينتج عن زيت الوقود تلوث الهواء وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري أكثر بكثير من الغاز الطبيعي، وهو ما قال دارغين إنه قد يمثل مشكلة في العلاقات العامة حيث تستعد مصر لاستضافة قمة المناخ، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وقال دراغين: "هذا وقت عصيب بشكل خاص لمصر، بينما تحاول الالتزام بإصلاحات الاقتصاد الكلي التي حددها صندوق النقد الدولي، في الوقت الذي تبقي فيه على الخلاف الاجتماعي والسياسي المحتمل، الناتج عن مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة". وأضاف: "إن دعم احتياطياتها من العملات الأجنبية ليس مجرد قضية اقتصادية، بل قضية أمن قومي".