تعتمد السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية على تصعيد حركة الاستيطان على حساب الفلسطينيين، وغياب الأفق السياسي، واستمرار الحلول الأمنية العسكرية، التي تتمثل في حملات اغتيال للمقاومين أو اعتقالهم؛ مما يزيد حالة الغضب داخل الأراضي المحتلة، فيما يرى خبراء أن غياب أفق أي حل وارتفاع وتيرة استهداف الفلسطينيين على جميع الأصعدة، يشيران إلى أن انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة أصبح قريباً.
هل الضفة الغربية أمام مواجهة شاملة؟
يحذّر خبراء من تداعيات استمرار السياسات الإسرائيلية المتبعة في التعامل مع الضفة الغربية، والتي تعتمد على استمرار الاستيطان، و"السلام الاقتصادي"، وغياب أي أفق سياسي، والاعتماد على الحلول الأمنية العسكرية.
ويرى الخبراء أن مواصلة إسرائيل لنهجها الحالي، قد يؤدي إلى انفجار "قريب" للأوضاع، مشيرين إلى أن العملية الأخيرة للجيش الإسرائيلي في مدينة نابلس، والتي أسفرت عن استشهاد 3 فلسطينيين، بينهم المقاوم إبراهيم النابلسي، وإصابة نحو 40 آخرين، تُنذر بتصعيد الأوضاع بالضفة.
والثلاثاء 9 آب/أغسطس 2022، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر حسابه في تويتر، أنه شن عملية استهدفت تصفية الناشط الفلسطيني إبراهيم النابلسي، الذي يتهمه بتنفيذ عدة هجمات إطلاق نار على مستوطنين وعسكريين في منطقة نابلس ومحيطها.
وجاء الهجوم في نابلس، بعد ساعات من توقف هجوم دامٍ شنته إسرائيل على قطاع غزة استمر 3 أيام (منذ الجمعة وحتى ليل الأحد-الإثنين) انتهى بالتوصل إلى وقف إطلاق نار، بوساطة مصرية، وأسفر بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، عن استشهاد 44 فلسطينياً بينهم 15 طفلاً، وإصابة 360 آخرين بجراح مختلفة.
"الانفجار في الأراضي المحتلة قادم"
يتوقع الخبير في الشؤون الإسرائيلية، خلدون البرغوثي، أن تواصل إسرائيل ضغوطها على الضفة الغربية، الأمر الذي ينذر بـ"انفجار عام" للأوضاع. لكنّ البرغوثي قال في حديث لوكالة الأناضول: "متى سيحدث الانفجار؟، وكيف؟ من الصعب تحديد ذلك".
ويرى البرغوثي أن "الضغوط تزداد بالضفة، والاستيطان يتصاعد، ليس لأن المستوطنين يريدون ذلك فقط، بل لأن تمدد الاستيطان قرار رسمي من دولة الاحتلال لخدمة المستوطنين، ولا يوجد فصل بين المستوطنين والحكومة الإسرائيلية، والأخيرة تنفذ سياسات استيطانية وتجنّد الشرطة والجيش من أجل ذلك".
وتابع: "العملية الأخيرة في نابلس، وقبلها في قطاع غزة، هي محاولة إثبات من الحكومة الحالية، القادمة من خلفية غير عسكرية، أنها قادرة على الحكم قبيل الانتخابات القادمة"، في إشارة إلى رئيس الحكومة يائير لابيد، القادم من خلفية غير عسكرية.
وقال البرغوثي إن إسرائيل "تستثمر الدم الفلسطيني من أجل أهداف انتخابية". مشيراً إلى أن "الأمور الميدانية في الضفة الغربية تسير نحو التصعيد، وإسرائيل ترى أنها حققت نصراً في قطاع غزة، وبالتالي فقد لا تنخرط الفصائل في غزة في حال شنت إسرائيل هجوماً على الضفة"، حسب تعبيره.
وتسعى إسرائيل، بحسب البرغوثي، إلى كسر النموذج والحالة المعنوية الفلسطينية، وتفرقتها عبر فتح جبهات منفصلة.
"السلام الاقتصادي" في الضفة الغربية أثبت فشله
من جهته، يرى الكاتب والمحلل الفلسطيني، طلال عوكل، أن سياسة إسرائيل في الضفة الغربية والقائمة على السلام الاقتصادي، مقابل استمرار البناء الاستيطاني، وجَزّ العُشب، القائمة على إضعاف قدرات المقاومة الفلسطينية بشكل متواصل، "لن تنجح".
وقال للأناضول: "إسرائيل جرَّبت السلام الاقتصادي مع قطاع غزة والضفة الغربية، وثبُت أنها سياسة فاشلة". وأضاف: "إسرائيل بحكم أنها دولة احتلال، يقع على عاتقها تلبية احتياجات السكان، ولكن دون وجود أفق سياسي، فالأمر صعب، وحالة الصراع ستبقى متواصلة".
بحسب عوكل، فإن الجرائم الذي يحدثها الاحتلال تغذّي المقاومة الفلسطينية، بكل أشكالها، خاصة في الضفة الغربية. وقال: "كل المحاولات الإسرائيلية من قتل واعتقال، لم تنهِ المقاومة، بل على العكس تولّد جيلاً جديداً مقاوماً".
وأضاف: "إسرائيل خرجت من معركة قطاع غزة، وصعّدت في مدينة نابلس، وقبلها في جنين والقدس، والسبب ليس المقاومة بل سياسات الحكومات الإسرائيلية، التي تهدف إلى الفصل العنصري، وقتل أي إمكانية للحل". وأشار إلى أن الحكومة الحالية تريد أن تقول لجمهورها قبيل الانتخابات إنها "غير متساهلة مع الفلسطينيين، وإنها أكثر تطرفاً من سابقتها".
إسرائيل تسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض
في السياق، يقول مدير مركز يبوس للدراسات السياسية (خاص)، سليمان بشارات، إن سياسات إسرائيل في الضفة الغربية، تهدف إلى محاولة حسم الصراع، عبر السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي، وتقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين، بدون "أي أفق سياسي"، بالإضافة إلى سياسة "جَزّ العُشب".
وأشار بشارات إلى أن ذلك يأتي في ظل "عدم وجود أي أفق سياسي لحل الصراع وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة".
وبيّن أن استخدام هذه الاستراتيجيات، يرتبط بمجموعة محددات، أبرزها: "الحراك السياسي الدولي والإقليمي تجاه القضية الفلسطينية المُطالب بفتح أفق سياسي والعودة للمفاوضات السياسية، وهو ما تحاول إسرائيل أن ترد عليه من خلال طرح خيارات وبدائل تتمثل في السلام الاقتصادي، من خلال منح مجموعة من الامتيازات الاقتصادية، مقابل استمرار الاحتلال ومواصلة تنفيذ المخططات الإسرائيلية على الأرض".
وبالتوازي مع "السلام الاقتصادي"، تواصل إسرائيل "تنفيذ هجمات عسكرية سواء بالاعتقال أو الاغتيال والقتل"، بحسب بشارات. كما أشار إلى أن إسرائيل تسعى إلى "خلق وقائع على الأرض عبر الاستيطان، تمهيداً لأي أطروحات سياسية مقبلة".
ولكنّ بشارات يرى أن "إسرائيل لم تستطع حسم مفهوم الصراع لصالحها". وقال في هذا الصدد: "قد تنجح (إسرائيل) في تحقيق بعض الأهداف، لكن في المقابل ما زالت المقاومة والرفض الشعبي حاضرين لمخططاتها، وهذا يعني أن إسرائيل تدرك عدم قدرتها على تحقيق أهدافها بشكل كامل واستراتيجي، وإنما قد تحقق أهدافاً مرحلية مرتبطة بظروف معينة، ويمكن أن تتغير بتغير تلك الظروف".