تسعى مصر لجذب مزيد من الاستثمارات الصينية وكذلك القروض المقدمة من بكين، في إطار محاولتها لتعزيز مصادر النقد الأجنبي لمواجهة أزمة الدولار التي حدثت بسبب الفجوة في تعاملات العملات الأجنبية بالبلاد، جراء تداعيات الحرب الأوكرانية وتفاقم ديون البلاد الخارجية، ولكن تثار مخاوف بشأن التداعيات بعيدة المدى للقروض والاستثمارات الصينية في مصر.
وفي هذا الإطار، أفادت تقارير بسعي القاهرة لجذب مزيد من الاستثمارات الصينية، سواء لتأسيس منشآت جديدة أو شراء أصول مصرية، إضافة لمساعٍ مصرية لتوسيع الاقتراض من الصين.
وآخر المشروعات الصينية في مصر التي يجري الحديث عنها، توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للاستثمار بمصر، وشركة "هاي" الصينية، لإنشاء مجمع صناعي بنظام المناطق الاستثمارية لتصنيع الأجهزة المنزلية والصناعات المغذية لها في مدينة العاشر من رمضان، بإجمالي استثمارات تقدر بنحو 130 مليون دولار، وتم التوقيع بحضور الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري.
أسباب تعزيز العلاقات بين الصين ومصر منذ تولي السيسي السلطة
منذ أن تولّى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منصبه في عام 2014، زار الصين ست مرات واجتمع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ سبع مرات.
وهناك أسباب لحماس الرئيس المصري لتعزيز العلاقات مع الصين منها عدم ممارسة بكين لأي ضغوط داخلية على مصر. فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. وفي المقابل، لم يعلّق السيسي على حملة القمع التي تشنها الصين ضد مسلمي الإيغور، إضافة إلى تسارع وتيرة النمو الاقتصادي الصيني، حيث ترى مصر في الصين على أنها النموذج العالمي في هذا الصدد. وبالتالي، سعى السيسي إلى إقامة علاقات اقتصادية وثيقة معها آملاً في تعزيز مكانة مصر الاقتصادية واللوجستية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما ينظر السيسي بإعجاب إلى نجاح الصين في تحويل نفسها من دولة نامية إلى قوة اقتصادية كبرى، معتبراً نموذج بكين بمثابة مخطط مثالي لكيفية قيام دولة بتحفيز مثل هذا النمو، بينما لا تزال تَحكم المجتمع بقبضة من حديد، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الأمريكي.
إضافة إلى أن الصين قوة عظمى صاعدة تزداد أهميتها السياسية والأمنية العالمية، وبالتالي فإن التقارب معها أمر بالغ الأهمية لرفع مكانة مصر تحت قيادة السيسي في الساحة الدولية. وفي المقابل، عرض السيسي فتح أسواق مصر الكبيرة أمام المنتجات الصينية، التي قد تمنح بدورها بكين نافذة لباقي العالم العربي وإفريقيا. وهذه الأهداف وغيرها دفعت الحكومتين إلى توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة في عام 2014.
كما يريد السيسي تنويع علاقات مصر الخارجية وخياراتها العسكرية خاصة مشتريات الأسلحة. حيث كان أكبر خطأ لمصر خلال عهد مبارك هو وضع كل بيضها في سلة واحدة، أي العالم الغربي، إضافة إلى أن علاقة مصر مع بكين تعزز الشرعية السياسية في الداخل المصري، من خلال توثيق الروابط مع دولة أصبحت لها سمعة عالية على المستوى الدولي.
التبادل التجاري بين مصر والصين.. البرتقال مقابل الأجهزة الإلكترونية
يتسم حجم التبادل التجاري بين البلدين باختلال بالغ لصالح الصين، حيث بلغت قيمته عام 2021، نحو 19.7 مليار دولار، منها واردات مصرية من الصين بقيمة 18.026 مليار دولار، وصادرات مصرية بقيمة 1.706 مليار دولار، حسب تقرير لهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية.
ويجعل هذا فعلياً الصين مسؤولة عن قدر كبير من العجز التجاري الذي تعاني منه مصر.
وذكر التقرير أن أهم بنود الصادرات المصرية إلى الصين تتمثل في "منتجات البرتقال والفراولة وأحجار الرخام وخرائط الألومنيوم وبولي إيثيلين" .
ومصر هي أول دولة بالمنطقة تحصل على ترخيص لتصدير المنتجات الزراعية الطازجة للصين وثاني دولة في تصدير البرتقال لها، حيث يبلغ حجمه 20% من حجم البرتقال المعروض بالأسواق الصينية، حسبما قال يو وي نائب مدير عام إدارة غرب آسيا وشمال إفريقيا بدائرة العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعي الصيني.
أما أهم الواردات الصينية للسوق المصري فتتمثل في "منتجات أجهزة التليفون المحمول والسيارات الخفيفة ولعب الأطفال والأقمشة و الدراجات الهوائية".
وتحظى الشركات الصينية بنصيب كبير في السوق المصري، في مجالات تشمل "الاقتصاد الرقمي، والتنمية الخضراء، والطاقة الجديدة، وتصنيع السيارات".
حجم الاستثمارات الصينية في مصر
تركزت الاستثمارات الصينية في مصر على المشاريع الصناعية، والبناء، والخدمات، ولتعزيز الاستثمار الثنائي، أسست الدولتان "جمعية غرفة التجارة المصرية الصينية".
وكشفت إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة التجارة الصينية أن الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر بلغت في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2021 نحو 223 مليون دولار، بزيادة قدرها %150.6 عن الفترة المقابلة من عام 2020، وفق ما صرح به زو زينشنغ، المستشار الاقتصادي والتجاري بالسفارة الصينية بالقاهرة.
وجاءت مصر رابع الدول العربية استقطابا للاستثمارات الصينية خلال الفترة من 2005 حتى 2021 بنحو 25.8 مليار دولار، تشكل 12 في المائة من إجمالي الاستثمارات الصينية في العالم العربي.
منطقة صناعية مخصصة للصين
توجد منطقة صناعية صينية في العين السخنة، قرب قناة السويس، وتسمى منطقة تيدا الصناعية الصينية، وتأسست فى عام 2008، ويرأسها مسؤولون صينيون، وتبلغ مساحتها الإجمالية 7.34 كم مربع، وجذبت المنطقة 120 شركة للاستثمار وإنشاء المصانع بها، وتربط المنطقة مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" باستراتيجية التنمية لمحور قناة السويس فى مصر.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، كشف تسونغ تساى المدير التنفيذى الصيني لشركة تيدا مصر لتنمية المنطقة الاقتصادية الخاصة، عن دخول الشركة في مفاوضات متقدمة مع 20 شركة تكنولوجية صينية لضخ رؤوس أموال جديدة داخل المنطقة خلال الفترة المقبلة.
والشركة تستهدف نقل صناعات تكنولوجية كبيرة من الصين إلى مصر، مثل شركة ميديا مصر لصناعة غسالات الأطباق، كما تعمل الشركات الصينية الجارية استقطابها في مجالات أجهزة المحمول، والمنسوجات، صناعة إنتاج مراوح طواحين الهواء المستخدمة في توليد الكهرياء، وكذلك السيارات، فضلاً عن التوسع في إنتاج الأجهزة الكهربائية.
أبرز الشركات الصينية في مصر
أبرز الشركات الصينية المستثمرة في مصر في الوقت الحاضر تتمثل في "سينو ثروة" للحفر، و"شمال للبترول الدولية"، و"تيدا للاستثمار"، و"جوشي مصر لصناعة الألياف الزجاجية"، و"هواوي للتكنولوجيا"، و"XD Group"، و EGE MAC، وAngel Yeast Egypt، وNewHope Liuhe المحدودة، و"مصر للثلاجات والتكييفات"، و"كونكو للتكنولوجيا، حسبما قال المستشار التجاري الصيني في القاهرة لموقع المال الاقتصادي المتخصص.
ومن أبرز المشروعات الصينية العاملة محلياً مشروع حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة ومنطقة "تيدا السويس" للتعاون الاقتصادي الصيني المصري ومشروع القطار المكهرب بمدينة العاشر من رمضان.
وساهمت الصين في مشروع تصنيع الكمامات الطبية بالمنطقة الحرة بمدينة نصر، لمواجهة جائحة كورونا، حيث قامت شركة Ningbo A Plus للاستيراد والتصدير الصينية بالتعاون مع شركة Euromed المصرية لتأسيس 5 خطوط إنتاج للكمامات في مصر، تم تشغيلها بالفعل بإنتاج حوالي 300 ألف كمامة في اليوم.
الموانئ.. مجال الصين الأثير
ومصر شريك رئيسي في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية وهي واحدة من أولى الدول التي انضمت إلى المبادرة.
هناك مجالات تحظى باهتمام صيني خاص في مصر، نظراً لموقع البلاد الجغرافي الفريد، وهي الموانئ ومنطقة قناة السويس.
في الخامس من أغسطس/آب 2019، وقّعت مصر مذكرة تفاهم مع الشركة الصينية "موانئ هتشيسون" من أجل بناء محطة حاويات في البحر المتوسط في أبو قير. وحضر مراسم التوقيع شخصياً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أشاد بسمعة الشركة العالمية في هذا المجال، وأكد على أهمية تنفيذ المشروع وفقاً لأعلى المعايير الدولية.
و"هتشيسون" هي إحدى شبكات الموانئ الرائدة في العالم، حيث تُشغّل محطات في سبعة وعشرين دولة؛ أما في مصر، فتُشغل الميناءين التجاريين الرئيسيين في البلاد، الإسكندرية والدخيلة. وأشاد ممثلو الشركة بفرصة الاستثمار المباشر في أبو قير وأعلنوا أنهم سيقومون بتدريب أكثر من 1500 مهندس مصري وغيرهم من العاملين على وظائف في المحطة. ووفقاً لهم، ستكون المحطة قادرة على التعامل مع ما يصل إلى مليون حاوية سنوياً عند الانتهاء من إنجازها.
اهتمام الصين بقناة السويس يقلق أمريكا
تعتبر قناة السويس هي طريق الشحن الأساسي للصين، تجاه أكبر أسواقها التجارية في أوروبا، وقد أصبحت مصر أيضاً وجهة أساسية لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، في ظل تقارب بين القاهرة وبكين، وهو أمر يقلق الولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لموقع قناة الحرة الأمريكية.
وقال تقرير لصحيفة "SCMP" الصينية إن بكين تستثمر بكثافة في مصر عبر قناة السويس والعاصمة التجارية، في حين تحذر تقارير إعلامية غربية من أن الصين تستخدم الاستثمار كوسيلة للتحكم في "مفاصل الدولة" التي تستثمر فيها.
ولفت باحث العلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، صمويل راماني، إلى أن الصين تلعب دوراً رئيسياً في تطوير المنطقة الاقتصادية الخاصة بقناة السويس، والتي تشرف عليها شركة تيانجين الصينية الحكومية.
وأضاف راماني أن الصين هي أكبر مستثمر في ممر قناة السويس، لأنها "حجر زاوية حاسم للشراكة الصينية المصرية، ويراها السيسي على أنها مشروع إرث أكثر أهمية عن العاصمة الإدارية الجديدة".
من جانب آخر، يرى الكاتب والمحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، مهدي عفيفي، أنه ربما يؤدي احتدام العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى تداعيات سلبية على الدول الأخرى، بما في ذلك مصر.
الصين بطل المشروعات القومية المصرية الكبرى
دخلت الشركات الصينية السوق المصري بشكل كبير للمشاركة في المشروعات القومية والتنموية التي تمثل الأولوية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وتنفذ الصين في مصر "مشروع القطار المكهرب" بمدينة العاشر من رمضان، وتشييد مشروع أبراج العلمين.
ويمول بنك إكسيم الصيني خط سكة حديد خفيفاً يربط بين القاهرة وبين العاصمة الإدارية الجديدة، بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار دولار.
وتمول وتبني الصين، منطقة أعمال جديدة في العاصمة الإدارية، بحوالي 3 مليارات دولار، حيث تقوم شركة الصين للإنشاءات الهندسية، المقاول المتكفل بالمشروع، ببناء برج من 80 طابقاً، يعرف بالبرج الأيقوني بارتفاع 385 متراً، سيكون أطول مبنى في إفريقيا عند اكتماله.
والاستثمارات الصينية في البنية التحتية المصرية، لديها الإمكانية لدعم نظام السيسي بطريقة تعزل قيادة البلاد عن الضغط الشعبي، حسبما نقلت قناة الحرة عن أستاذة العلوم السياسية في جامعة ستانفورد الأمريكية، ليزا بلايدز.
وأضافت بلايدز أن "العاصمة الإدارية النائية، التي شيدت مؤخراً، ستقلل من الضغط على الحاجة إلى تحديث البنية التحتية المتهالكة في القاهرة، بجانب عزل الحكومة عن سكان المدن الحاليين، الذين أظهروا استعداداً للمشاركة في الاحتجاجات الشعبية".
قروض متعدد من بكين بعضها يمول العاصمة الجديدة
في عام 2018، في منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، أعلن الرئيس شي جين بينغ عن قروض بقيمة 20 مليار دولار، يمكن تقديمها إلى هذه الدول.
وخلال السنوات الأخيرة، منحت الصين مصر مليارات الدولارات لتمويل مشاريع، من بينها العاصمة الإدارية الجديدة التي تقع خارج القاهرة، والمنطقة الصناعية لقناة السويس، ومناطق التجارة الحرة، والمراكز المالية.
وفي أكتوبر/تشرين الأوّل 2016، حصلت مصر على قرض سائل قيمته 2.9 مليار دولار من الصين، لا تُعرف شروطه أو قيمة الفائدة عليه، كما وقعت القاهرة على قروض أخرى مع الصين بعد 2016، قيمتها أقل، منها قرض وقعته عام 2019 بأكثر من 600 مليون دولار، بفائدة 2% سنوياً، وعلى 20 عاماً.
أشار تقرير صادر عن مؤسسة "بيكر ماكنزي"، إلى أن إجمالي قروض مصر من الصين في مجال الطاقة فقط وصل إلى 890 مليون دولار في شهر سبتمبر/أيلول من العام 2019.
كما كانت هناك قروض متعددة أخرى حيث قامت مصر باقتراض 1.8 مليار دولار في يناير/كانون الثاني عام 2016، لمساندة احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.
واقترضت القاهرة من الصين في أواخر نفس العام مرة أخرى حوالي مليار دولار، إسهاماً في تحقيق الشروط المقدمة من صندوق النقد الدولي، لتقديم الشريحة الأولى من قرضه لمصر، ويليها حصول الشركة المصرية للاتصالات على 200 مليون دولار من مؤسسات صينية في 2018، وفي عام 2019 قرض بقيمة 1.2 مليار دولار لتمويل قطار كهربائي لربط مدينة العاشر من رمضان بالعاصمة الإدارية الجديدة.
ولكن قرض البرج الأيقوني تعثر
في 2019، أعلنت وزارة الإسكان المصرية عن قرض صيني قيمته ثلاثة مليارات دولار لإنشاء منطقة الأعمال المركزية في العاصمة، ويسدد القرض على مدار 10 سنوات تبدأ بعد الانتهاء من إنشاء الأبراج، التي تضم البرج الأيقوني.
وفي 2020، أفادت صحيفة "الشروق" المصرية بأن القرض يواجه عراقيل بسبب الشروط الصينية المسبقة والتي لم يُكشف عنها.
ويرجع تأخّر القرض الصينيّ الخاصّ بتمويل منطقة الأعمال المركزيّة في العاصمة الإداريّة الجديدة، إلى عدم التزام الحكومة المصريّة بتقديم كامل ضمانات السداد للبنوك الصينيّة، حسبما ورد تقرير لموقع "Al-monitor" الأمريكي.
ما الذي حدث للسندات باليوان التي كانت تسعى القاهرة لإصدارها؟
بعد الأزمة المالية الأخيرة، أفادت تقارير خلال شهر مايو/أيار الماضي بأن مصر تتجه لإصدار سندات باليوان الصيني خلال الفترة المقبلة، وذلك ضمن خطتها لتنويع مصادر وأدوات التمويل، وجذب مستثمرين جدد، وخفض تكلفة تمويل الاستثمارات التنموية، ولكن صحيفة العربي الجديد أفادت بتعثر هذه الخطط وتوقف المباحثات بين الجانبين المصري والصيني بسبب طلب بكين من البنك المركزي المصري تفعيل اتفاق وقعه الطرفان عام 2016، باستخدام "اليوان" كعملة متداولة في البنوك المحلية، من خلال وديعة بالبنك المركزي، تبلغ قيمتها 18 مليار يوان (2.62 مليار دولار)، بينما استخدم البنك المركزي الوديعة، كاحتياطي نقدي، دون أن يمكن الشركات المصرية أو الصينية من السحب منها لتمويل صفقات التبادل التجاري بين البلدين.
ظهرت آثار مشكلة تعطيل اتفاق وديعة اليوان بعد تعليمات البنك المركزي للبنوك، بمنع تمويل استيراد البضائع من الخارج، من دون تدبير العملة الصعبة، ووضع أغلب المنتجات الواردة من الصين على قوائم المحظورات.
حقيقة حجم الديون المصرية لبكين
وأظهر تقرير الوضع الخارجي رقم 74 للاقتصاد المصري، الذي صدر نهاية العام الماضي عن البنك المركزي المصري، وأطلع عليه عربي بوست في ذلك الوقت، أن الصين في صدارة الدول الدائنة لمصر بنهاية يونيو/حزيران 2021، مستحوذة على نحو 4.631 مليارات دولار من إجمالي الديون الخارجية المستحقة على مصر للدول.
ولكن الكاتب عادل صبري، المتخصص في الشأن الصيني، قال إن هناك ديوناً مستترة اقترضتها مصر من الصين لإنشاء البرج الأيقوني ومجمع الوزارات الذي تنفذه شركات صينية، ولشراء قطار العاصمة والقطار السريع.
وأشار صبري أيضاً، خلال مقال في موقع "الجزيرة نت"، إلى وجود قروض حصل عليها البنك الأهلي وبنك مصر، وشركات قطاع الأعمال التي حصلت بمفردها على ما يزيد على نصف مليار دولار من الصين لتطوير قطاع الغزل والنسيج.
ولكن قيمة هذه القروض اختفت، حيث أشار صبري إلى أن تقارير البنك المركزي والموازنة العامة للدولة جاءت دون أرقام الدين الخاصة بالشركات والجهات المحلية التي اقترضت أموالاً من دول ومؤسسات أجنبية بالعملة الصعبة، والتي تحصل عادة على ضمان من وزارة المالية.
ومن المعروف أن هناك شكوى بعدم شفافية الصين في تقديمها للقروض، حيث تعتمد الحكومة الصينية منذ عقود على الاقتراض خارج الموازنة العمومية، من خلال آليات التمويل الحكومية المحلية، ولا يتم تسجيل العديد من هذه القروض، فالشفافية ضعيفة عندما يتعلق الأمر بكيفية استخدام الأموال.
وبالتالي لا تظهر مثل هذه القروض في الحسابات الرسمية للديون الحكومية؛ وذلك لأن مؤسسات الحكومة المركزية لم يتم ذكرها في الكثير من الصفقات التي أبرمتها البنوك الحكومية الصينية.
هل تسقط مصر في فخ الديون الصينية؟
تثار مخاوف من قبل الغرب وحتى في في العالم الثالث بشأن ما يعرف باسم فخ الديون الصينية التي تغرق الدول النامية وسط حديث عن محاولات بكين الاستيلاء على أصول هذه الدول، وتمثل سريلانكا التي أعلنت إفلاسها نموذجاً واضحاً لذلك، حيث اقترضت بشكل كبير من الصين، كما أن باكستان تعاني من أزمة حادة يعتقد أن أحد أسبابها القروض التي منحتها بكين لها لتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة يقال إن كثيراً منها لم يكن ضرورياً أو ملحاً على الأقل.
وأثيرت انتقادات كثيرة لترك الصين لسريلانكا تغرق دون إنقاذها، بما في ذلك انتقادات من مؤسسات مالية دولية، ولكن اللافت مؤخراً، ظهور تقارير عن مسارعة الصين لإنقاذ باكستان وسريلانكا، عبر دعم ميزان المدفوعات لدى البلدين المنكوبين.
فقد تحولت الصين من التركيز على مبادرة الحزام والطريق الصينية البالغة قيمتها 900 مليار دولار إلى قروض تستهدف تخفيف نقص العملات الأجنبية منذ عام 2018 في بعض الدول النامية وتحسين ميزان المدفوعات والإنقاذ في حالات الطوارئ، حسبما تُظهر بيانات جمعتها "إيد داتا" (AidData)، وهو مختبر أبحاث بجامعة وليام آند ماري الأمريكية.
قال براد باركس، المدير التنفيذي لهيئة "إيد داتا"، إن الصين "ابتعدت بشكل كبير عن إقراض المشروعات".
وقدّمت البنوك الصينية الحكومية قروضاً قصيرة الأجل بقيمة 21.9 مليار دولار للبنك المركزي الباكستاني منذ يوليو/تموز 2018، بينما تلقّت سريلانكا قروضاً متوسطة الأجل في الغالب بـ3.8 مليار دولار منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وتُظهر هذه القروض أن الصين تلعب حالياً دوراً مماثلاً لصندوق النقد الدولي، حيث توفر تمويلاً أثناء أزمات ميزان المدفوعات، بدلاً من تمويل المشاريع الميسرة على غرار البنك الدولي الذي يمكن مقارنة إقراض مبادرة الحزام والطريق به بشكل عام، حسبما ورد في تقرير لموقع بلومبيرغ الشرق.
يؤشر ذلك إلى أن الصين بدأت تتحرك لمنع إفلاس المقترضين منها أو تقليل تداعيات إفلاسهم، لأن سقوطهم لن يؤثر على سمعتها ويوصمها بالمرابي الجشع فقط، بل قد يعني تضرر الصادرات الصينية جراء انهيار هذه الاقتصادات، خاصة إذا انتقلت عدوى الأزمات لمناطق أخرى.
بالنسبة لمصر، فإن الصين لا تريد في الأغلب سقوطها في أزمة مالية حادة، فهي واحدة من أهم أسواقها في العالم العربي وإفريقيا، ولكنها على الأرجح تريد تنفيذ عملية ترسيخ عميقة للنفوذ في بلد يحتل قلب العالم ويمثل أهمية بالغة لحركة التجارة الصينية، وهي ستفعل ذلك بأقل قدر من الاستفزاز ليس فقط للمشاعر الوطنية المصرية، بل أيضاً للولايات المتحدة والدول الغربية، خاصة أنها في الأغلب لا تريد أن تتحمل وحدها عبء إنقاذ مصر مالياً.
كما تعطي القروض والاستثمارات الصينية في مصر، لبكين ورقة ضغط قوية، على القاهرة تجبرها على إبقاء أسواقها مفتوحة أمام فيض الصادرات والمنتجات الصينية.
في المقابل، فإن القروض الصينية تأتي بلا شروط سياسية أو اجتماعية كالقروض الغربية والدولية، ويتم ضخها في المشروعات القومية الكبرى التي هي أولوية الأولويات للرئيس المصري، دون أن تهتم بكين في الأغلب بدراسة مدى جدوى هذه المشروعات، لأنها قروض وليست استثمارات (الصين رفضت في البداية الاستثمار في العاصمة الجديدة)، وبالتالي الدولة المصرية ملزمة بسدادها.
وفي النهاية فإن السقوط في فخ الديون هو مسؤولية صناع القرار في الدول النامية، أكثر منه مسؤولية الصين أو الدول الغربية المقرضة، خاصة أن التاريخ مليء بالأمثلة لدول اُحتلت بسبب الديون، أو فقدت سيادتها، ومنها مصر التي سقطت تحت الاحتلال البريطاني عام 1882 بسبب مشروعات الخديو إسماعيل القومية الكبرى.