يوافق هذا الشهر الذكرى السنوية الأولى لتولي إبراهيم رئيسي الرئاسة في إيران. وكان صعوده لهذا المنصب، قد رافقه تكهنات بأن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، يُعِدُّ رئيسي لخلافته، ولكن هناك تساؤلات حول ما إذا كان المرشح الأوفر حظاً لوراثة منصب المرشد الأعلى، الذي يعد رأس السلطة في البلاد.
فبعد مرور عام على إدارة رئيسي للبلاد، تتصاعد الانتقادات الموجهة له، وتتزايد الاتهامات بأنه يبدو منعزلاً عن القضايا المهمة التي لطالما شغلت أسلافه. ومن ثم فقد استدعى ذلك بعض الخلاف حوله والتشكيك في جدارته بتولي منصب المرشد الأعلى في المستقبل، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكي.
لماذا كان يُنظر إلى إبراهيم رئيسي أنه المرشح الأوفر حظاً لوراثة المرشد؟
وعندما تولى إبراهيم رئيسي منصب الرئاسة، توقع كثير من المراقبين له أن يكون وريث خامنئي، بحكم سيرته في ترقي المناصب.
فهو ضمن قلة نادرة في الجمهورية الإيرانية ممن تولوا فرعين من أجهزة السلطة في مسيرته المهنية، أولاً القضاء، ثم الرئاسة، علاوة على أن مسار ترقيته يشبه مسار خامنئي الذي انتقل من الرئاسة إلى منصب المرشد الأعلى.
مع ذلك، فإن من الواضح أن الأعباء السياسية التي تزداد ثقلاً على رئيسي خلال عام من رئاسته أصبحت حِملاً قد يعوقه عن استكمال درب الترقي في مناصب السلطة بالبلاد.
إليك أسباب وجود معارضة قوية له من داخل النظام
انقسمت مشكلات رئيسي في سنته الأولى من الرئاسة إلى ثلاث فئات: الأولى: المعارضة التي أبدتها مجموعة من السياسيين المحافظين من داخل النظام؛ والثانية: العجز عن تلبية الآمال في تحسين الحالة الاقتصادية للبلاد؛ والثالثة: الخلافات بشأن وزراء اختارهم ومدى أهليتهم لمناصبهم.
انتقدت شخصيات محافظة من المؤسسة السياسية الإيرانية، التي ينحدر منها رئيسي نفسه، أداءه في منصب الرئاسة خلال العام الماضي، وقالوا إن حكومته ضعيفة، كما عاب عليه سياسيون محافظون أنه لا يفهم أساسيات الاقتصاد، واستنكروا التوترات المتزايدة بين الرئاسة ورئيس مجلس النواب محمد باقر قاليباف. وبلغت المعارضة له من القوة أن طالبه أحد نقاده البارزين، رئيس تحرير صحيفة "جمهوري إسلامي"، بالاستقالة ما دام أنه عاجز عن المشكلات الاقتصادية في البلاد.
قدم وعوداً اقتصادية مفرطة، وهذا ما تحقق
وتعهد رئيسي بوعود اقتصادية مفرطة التفاؤل، حين تولى الرئاسة، مثل توفير مليون وظيفة في السنة، والحد من التضخم، وزيادة نمو الناتج المحلي إلى نسبة 8%، لكن هذه الوعود تبدو كلها الآن بعيدة المنال إلى حد كبير. فقد بلغ معدل البطالة بين الإيرانيين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً و35 عاماً، نسبة 16.6% في الربع الأول من السنة الحالية بالتقويم الإيراني، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 1% على أساس سنوي. وبلغ معدل البطالة بين الإيرانيين البالغين 15 عاماً فأكثر، نسبةَ 9.2%، ما يعني زيادته بمقدار 0.4% عن نظيره العام الماضي.
إضافة إلى ذلك، بلغ التضخم درجات غير مسبوقة. فقد وصل معدل التضخم الشهري في 21 يونيو/حزيران إلى 12.2%، بمعدل نقطة إلى نقطة بلغ 52.5%. ويتوقع صندوق النقد الدولي ألا تزيد معدلات نمو الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي على 3% في عام 2022 ومعدل 2% عام 2023. وهكذا فإن خطاب رئيسي متزايد التفاؤل لا يتناسب مع الواقع الكئيب الذي تشهده البلاد، علماً بأنه يفترض أن البلاد تشهد زيادة في الدخل بسبب ارتفاع أسعار النفط جراء الأزمة الأوكرانية.
واضطر وزير التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية، حجة الله عبد الملكي، إلى الاستقالة في يونيو/حزيران الماضي، لتجنب عزله بعد اتهامات من البرلمان. ولا يقتصر الأمر عليه، فالبرلمان كان يناقش عزل عدة وزراء آخرين، منهم وزير الصناعة ووزير المالية ووزير الاقتصاد.
لا دور له في الملف النووي الإيراني
لم يكن أداء رئيسي في رحلاته الخارجية بأفضل حالاً من أداء حكومته في الداخل. وكان رئيسي أعلن خلال حملته الانتخابية للرئاسة في عام 2021 عن تأييده لإحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية، وأشار إلى أن إيران بحاجة إلى "حكومة قوية" للقيام بذلك.
لكنه منذ أن تولى منصب الرئاسة مالَ بتأييده إلى زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم، وقلَّ اهتمامه برفع العقوبات لتمهيد العودة إلى الاتفاق. لكن في غالب الأحوال فإن قرار إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي ليس من اختصاصه، فالسلطة النهائية بشأنه في يد المرشد الأعلى، والرئيس ليس إلا منفِّذاً قليل التأثير في سياسات النظام الإيراني في هذا الصدد.
وتعمَّد إبراهيم رئيسي الاكتفاء بقدر قليل من المشاركة في التعامل مع الملف النووي، ويتبين ذلك إذا قيس عمله إلى عمل سلفه حسن روحاني، فقد اجتمع روحاني بالمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال رحلاته إلى طهران، أما رئيسي فلم يفعل ذلك، واعتمد بدلاً من ذلك على اجتماعات نائبه برئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولقاءات وزير الخارجية ونائبه الأول، للتعامل مع الاتصالات في هذا الأمر.
وكان روحاني التقى أيضاً فيديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أما رئيسي فلم يجتمع حتى الآن بسلفها في المنصب جوزيب بوريل، حتى عندما زار بوريل إيران مؤخراً. وكان أرفع مسؤول التقاه بوريل في إيران هو أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، وقد تزايدت مشاركة الأخير في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي عما كانت عليه عندما كان يشغل المنصب نفسه في عهد روحاني.
ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن رئيسي لم يعقد اجتماعات منتظمة مع مسؤولين أجانب، فقد التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة، على سبيل المثال، كما التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أما تعامله مع القادة الغربيين فكان في أضيق الحدود.
لماذا تمثل الرئاسة مقبرة لطموحات المتطلعين من لمنصب المرشد الأعلى؟
واقع الأمر أنه منذ عام 1989، لم يترك أي رئيس في عهد خامنئي منصب الرئاسة دون أذي يلحق به، إما بالإقالة أو العزل، أو الاتهام بارتكاب مخالفات. ويبدو أن رئيسي في طريقه إلى ذلك، لكن الأمور تعثرت به مبكراً.
مع ذلك، فإن خامنئي لم يعرب علناً حتى الآن عن أي استياء من رئيسي، بل أشاد به أكثر من مرة، وقال عنه لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، "إن رئيس الجمهورية الإيرانية وحكومتها مجتهدان في عملهما حقاً". وربما يكون السبب في ذلك أن رئيسي يبذل جهوداً كبيرة لكي لا تقع أي جفوة بينه وبين خامنئي، وهو بتفوق في ذلك على كثير من أسلافه، وربما يشير ذلك إلى أن رئيسي يضع عينه على منصب المرشد الأعلى، حتى وإن بدت حظوظه في تناقص بعد أدائه في منصب الرئاسة.
هل يتحول إلى عراب توريث المنصب لابن خامنئي؟
قد يتغير موقف خامنئي من حكومة رئيسي، ويبدأ في انتقادها إذا استدعت الأمور ذلك، فمؤسسة الرئاسة في إيران لطالما كانت درعاً يتلقى المساءلة والانتقاد لحماية مكتب المرشد الأعلى ومصالحه.
ربما يتبين بعد ذلك أن خامنئي عيَّن رئيسي في هذا المنصب ليتولى دور النائب الموثوق به في مرحلة انتقال السلطة، ولتمهيد الطريق أمام مرشح آخر لمنصب المرشد الأعلى، مثل نجل خامنئي واسع النفوذ، مُجتبى خامنئي.
وهو دور سبق أن قام به السياسي المخضرم الراحل ورئيس الجمهورية السابق هاشمي رافسنجاني الذي مهد الطريق لتولي خامنئي لمنصب المرشد الأعلى رغم أنه كان غير مؤهل من الناحية العلمية، حيث كان الرجلان يوصفان بصاحبي الإمام (في إشارة لعلاقتهما بقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني)، ولكن خامنئي انقلب على صاحبه رغم دور رافسنجاني في وصوله للحكم وكذلك في إعادة بناء البلاد بعد الحرب الإيرانية العراقية.
ولكنه انتصر في الخلاف مع رئيس الاستخبارات الحرس الثوري القوي
مع ذلك، قد يظل إبراهيم رئيسي المرشح الأبرز لخلافة خامنئي في منصب المرشد الأعلى، لا سيما وأن هناك بعض الإشارات إلى انتصار مسؤولين أمنيين مقربين منه في الصراعات التي وقعت مؤخراً في الدوائر العليا من الأجهزة الأمنية.
وقد أوردت مصادر أن وزير الاستخبارات الإيراني، الذي اختاره رئيسي، هو من دفع باتجاه إزاحة حسين طائب، المقرب من مجتبى خامنئي، من منصب رئاسة استخبارات الحرس الثوري الإيراني.
بغض النظر عن تعدد الآراء واختلاف القول في إبراهيم رئيسي، فإن مسيرته خلال عام من توليه الرئاسة تثير كثيراً من الشكوك في جدارته بالمنصب وتستدعي مزيداً من الغموض بشأن دوره في مستقبل البلاد.