جدل حقوقي أثير بعد تقارير عن استخدام أمريكا لسلاح يعرف باسم "صاروخ النينجا" في قتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، وهو يقف في شرفة منزله بكابول، وهو صاروخ لا يُحدث انفجاراً، ويطلق مجموعة من الشفرات التي تصيب أهدافها، كأنها خناجر طائرة تحلِّق بسرعة هائلة.
وسلط اغتيال الظواهري، الذي نفذته وكالة الاستخبارات الأمريكية، الضوء على جيل جديد من الأسلحة يجدر الالتفات إلى تداعياتها واسعة النطاق، بعد التسارع الجاري في وتيرة تطوير منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل، حسبما ورد في تقرير لموقع The Conversation الأسترالي.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية للصحفيين إن صاروخين من طراز هيلفاير أُطلقا من طائرة من دون طيار على الظواهري، حسبما ورد تقرير لموقع wionews.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الهجوم لم يسفر عن مقتل أو إصابة أي شخص آخر، كما أنه لم يكن هناك أثر لانفجار في المبنى المستهدف أو ضحايا جانبيين، رغم تواجد عائلة زعيم القاعدة في المنزل، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة le Monde الفرنسية.
تشير كل هذه القرائن إلى استخدام نوع سري من صواريخ هيلفاير، يُعتقد أنه متورط في اغتيالات أخرى مستهدفة لقادة متطرفين، لكن لم تؤكد وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) استخدامها بشكل رسمي، رغم أن مصادر صحيفة غربية نقلت عن مسؤولين أمريكيين أن الحديث يدور عن أن السلاح الذي استُخدم لاغتيال الظواهري: هو صاروخ "هيلفاير آر 9 إكس" Hellfire R9X المعروف باسم "صاروخ النينجا".
ما قصة صاروخ النينجا؟
تعود بداية صواريخ هيلفاير إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وقد صُمِّم الصاروخ في الأصل لاستهداف الدبابات السوفييتية وتدميرها، لكن تحسينات متسارعة أُجريت عليه منذ التسعينيات فصاعداً، وأدت إلى اختلافه عن صورته الأولى، وتنوع قدراته إلى حدٍّ بعيد، حتى باتت تشمل الإطلاق من طائرات الهليكوبتر أو طائرات ريبر المسيَّرة، وتعدد طرق انفجار مادته المتفجرة بين الانفجار عند الاصطدام بالهدف أو قبل ذلك.
تشير القرائن التي خلفتها الضربة الأمريكية على منزل أيمن الظواهري، كما أشار الصحفي الاستقصائي الأمريكي السابق، جاي هانكوك، في تغريدة، إلى أن وكالة المخابرات الأمريكية المركزية استخدمت نوعاً آخر من الصواريخ المطورة من AGM-114 – Hellfire R9X.
تم تطوير R9X، المعروف باسم صاروخ النينجا أو "قنبلة النينجا"، في عهد إدارة أوباما، بعد أن أكد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على ضرورة تجنب سقوط قتلى من المدنيين في الضربات الجوية الأمريكية في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا والصومال واليمن ودول أخرى، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
مجهز بشفرات أو خناجر طائرة
ويقال إن صاروخ النينجا ليس به عبوة ناسفة، وإنما هو مجهز مجهزة بستة شفرات تنتشر قبل الاصطدام، تمزق هدفها دون أي تأثير انفجار.
لم يتم الاعتراف رسمياً باستخدام R9X من قبل البنتاغون أو وكالة المخابرات المركزية، وهما الكيانان الأمريكيان المسؤولان عن الاغتيالات المستهدفة لقادة داعش والقاعدة.
يعتقد أن هذه ليست أول مرة تستخدم الولايات المتحدة، صواريخ "هيلفاير آر 9 إكس"، جوإن ظل استخدامها سريّاً إلى حد كبير، حيث يعتقد أنها تُستخدم منذ خمس سنوات. وقد ورد أنها كانت السلاح المُستخدم في اغتيال نائب زعيم تنظيم القاعدة، أبو الخير المصري، في سوريا عام 2017، حيث ظهرت صور للسيارة المستهدفة دون تضرر جزئها الخلفي.
أُطلق على هذا السلاح الغامض اسم "Flying Ginsu" على اسم إعلان تلفزيوني شهير في الثمانينيات لسكاكين مطبخ ماركة Ginsu، والتي يمكن أن تقطع علب الألمنيوم بشكل نظيف ولا تزال حادة تماماً.
لا يعتمد صاروخ النينجا على رأس حربي متفجر لإصابة هدفه والفتك به، وإنما يستعين بالسرعة والدقة وطاقة حركة الصاروخ الذي يبلغ وزنه 45 كيلوغراماً، ويُطلق من مسافة تصل إلى نحو 6100 متر، علاوة على أنه مزود بستة أنصال حادة تتشظى من الصاروخ قبل لحظات من الاصطدام بالهدف، وتخترق الضحية للفتك بها.
بعد إطلاقه في الهواء من أجنحة الطائرة المسيرة الأمريكية Reaper MQ-9، يتم إطلاق المحرك الموجود على متن الصاروخ لتوجيه الصاروخ نحو الهدف الذي يتم تمييزه بواسطة ليزر على متن الطائرة من دون طيار ويتم التحكم فيه من الأرض.
تدفع سرعة الطائرة المسيرة التي يطلق منها الصاروخ إضافة للسرعة المتولدة من محرك الصاروخ بحيث أنه بحلول الوقت الذي يصل فيه الصاروخ إلى هدفه، فإنه يتحرك بسرعة الصوت ، مما يمنح الهدف القليل من الوقت لمحاولة الهروب منه، حسبما ورد في تقرير لوكالة ABC News الأمريكية.
هل استخدمت أمريكا الذكاء الاصطناعي في قتل الظواهري؟
عندما يتم استخدام صواريخ النينجا عبر طائرة من دون طيار، تعرض الكاميرات المتطورة فيديو للهدف لمشغل الأسلحة، بمجرد تحديد العلامة، يمكن للمشغل توجيه الليزر للمساعدة في توجيه الصاروخ إلى هدفه بعد إسقاطه.
ولكن لا يمكن استبعاد أن الولايات المتحدة قد طورت الصاروخ والطائرة المسيرة التي تشغله ليكون قرار القتل النهائي ليس بشرياً، بل يتخذه الذكاء الاصطناعي من خلال التعرف على وجه الهدف.
تم إطلاق الصاروخ من طائرM MQ-9 Reapers الأمريكية المسيرة، هناك تقارير تزعم أن أمريكا باتت تشغل أسراب من الطائرات المسيرة التي يمكنها العثور على أهداف من خلال الذكاء الاصطناعي، وأنها باتت مستقلة فيما يعرف باسم تقنية "AFADS" التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي الخاص بها لاستهداف الأهداف تلقائياً دون تفاعل بشري، مما يمثل تحولاً في الطريقة التي تعتزم الولايات المتحدة الآن استخدام الطائرات بدون طيار أثناء القتال بها.
أمريكا روسيا تتنافسان على تطوير الأسلحة الفائقة
يمثل صاروخ النينجا أعلى مستوى بلغته هذه الصواريخ، من حيث دقة التوجيه والقدرة على إصابة الهدف بأقل قدر من الآثار الجانبية، فالمفترض أنه يصيب هدفه بلا انفجار كبير ولا دمار واسع، ولا وفيات بين القريبين من مكان الهدف.
ينتمي صاروخ النينجا إلى نوعية الأسلحة الفائقة ذاتية التشغيل والتوجيه، أو "الأسلحة المستقلة". وقد تطورت هذه الأسلحة تطوراً كبيراً من جهة الفاعلية والقدرات إلى حد يُتوقع أن يغير من طرق الحياة في مناطق الصراعات وكيفية خوض الحروب وردعها أيضاً.
استثمرت روسيا بكثافة في تطوير الأسلحة الفائقة، والبناء على تقنيات قديمة لديها. والغاية التي وضعتها نصب أعينها هي تقليص الفوارق التكنولوجية بين أسلحتها وأسلحة الولايات المتحدة والناتو، أو إزالة هذه الفوارق بالكلية.
يأتي صاروخ "أفانغارد" Avangard من بين أبرز الأمثلة على الصواريخ الفائقة السرعة التي تمكنت روسيا من تطويرها، وهو صاروخ قادر على التحليق في الطبقات الكثيفة من الغلاف الجوي العلوي، ويتسم بالقدرة الكبيرة على المناورة، وصعوبة تعقبه واعتراضه.
من الصواريخ الفائقة للكلاب الآلية.. عصر الأسلحة المستقلة عن البشر
انتشرت في سوق الأسلحة، وإن على نطاق أضيق من انتشار الصواريخ فائقة السرعة، الكلاب الآلية المزودة بمدافع رشاشة. وقد عُرضت ثلاثة كلاب آلية -روبوتات رباعية الأرجل- من هذا النوع في معرض تجاري للأسلحة أقامه الجيش الأمريكي، حسبما ورد في تقرير موقع The Conversation الأسترالي.
في غضون ذلك، تقول تركيا أنها تمكنت من إنتاج أربعة أنواع من الطائرات المسيَّرة ذاتية التوجيه، والتي يمكنها التعرف على الأشخاص المستهدفين وقتلهم، من دون تدخل من عامل بشري، أو توجيه من نظام التموضع العالمي (GPS).
تختص الأسلحة ذاتية التوجيه بأهمية خاصة، فالخبراء يتوقعون أن تشهد حروب المستقبل بين القوى الكبرى استهدافَ الأقمار الصناعية التي تعتمد عليها أنظمة توجيه الملاحة وتدميرها، ومن ثم إبطال فاعلية أي نظام عسكري أو طائرة تعتمد على نظام التموضع العالمي للملاحة والاستهداف، الأمر الذي يزيد من أهمية الأسلحة الذكية ذاتية التصرف في ظل احتمال أنظمة التوجيه عبر الأقمار الصناعية.
تمكنت الصين وروسيا والهند والولايات المتحدة بالفعل، من ابتكار أسلحة قادرة على تدمير الأقمار الصناعية التي تعتمد عليها أنظمة الملاحة المدنية والعسكرية.
ويقول الخبراء إن الخوف الأكبر هو الاستمرار في تعزيز الدمج بين الأسلحة الفائقة وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
هناك شكوك كبيرة في قدرة الذكاء الاصطناعي على التمييز بين الأهداف المعادية والأهداف المدنية أو حتى الصديقة، إضافة إلى إمكانية خداع الذكاء الاصطناعي من قبل الخصوم.
وهناك مخاوف بأن بعض الدول قد تتسرع في استخدام الذكاء الاصطناعي، رغم أنه غير مستعد بعد لبيئة الحروب المعقدة، خاصة في العمليات العسكرية التي تتم عن بُعد مثل عملية اغتيال الظواهري، لأنه حتى لو ضل الذكاء الاصطناعي طريقه فإنه سيقتل مدنيين من دول أخرى، وبالتالي لا يمثل ذلك مدعاة قلق كبير من قبل الدول الكبرى.
هناك حاجة لقواعد جديدة للحروب
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل ثمة حاجة إلى قوانين أو معاهدات جديدة للحد من انتشار هذه الأسلحة في المستقبل؟ الإجابة باختصار: نعم. لكن من المُستبعَد أن يتحقق ذلك في وقت قريب. فقد دعت الولايات المتحدة بالفعل إلى اتفاقية عالمية لوقف تجارب الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية، لكن الأمر لم يحظَ بالإجماع اللازم.
منظومات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل هى فئة خاصة من منظومات الأسلحة الناشئة حديثاً، وهي تعتمد على الجمع بين الذكاء الاصطناعي وبرمجيات التعلم الآلي لتعزيز قدرة هذه المنظومات على التعقب والتوجيه والتصرف من دون تدخل بشري مباشر.
عقدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2014 اجتماعاً حضره خبراء عديدون في هذا المجال لتحديد المشكلات الناشئة عن انتشار الأسلحة ذاتية التشغيل. وفي عام 2020، اشتركت لجنة الصليب الأحمر ومعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في تنظيم مؤتمر دولي للبحث في الضوابط المطلوبة على منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل.
وفي عام 2022، لا تزال المناقشات جارية بين البلدان التي انعقد اجتماعها الأول لمناقشة هذا الموضوع تحت راية الأمم المتحدة في عام 2017. ولا يوجد حتى الآن اتفاق دولي على قانون جديد أو معاهدة جديدة للحد من استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل.
إسرائيل وأمريكا تتجاهلان حملة "أوقفوا الروبوتات الفتاكة"
دعت حملة "أوقفوا الروبوتات الفتاكة" Stop the Killer Robots طوال هذه المدة إلى فرض حظر دولي على منظومات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل. لكن ذلك لم يحدث، والسبب الأبرز هو الخلاف غير المعلن بين الدول بشأن الموضوع، فعلى الرغم من أن 125 دولة حثت على فرض قيود ملزمة قانوناً على استخدام هذه الأسلحة، فإن حكومات أستراليا وإسرائيل وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة عارضت أي معاهدة ملزمة بشأنها.
من جهة أخرى، اقترح خبراء مستقلون بدائل من خارج المحادثات الدولية والمنظمات الناشطة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، صاغت عالمة الأخلاق الأمريكية ديان بيتر باكر بالاشتراك مع مجموعة كانبرا الدولية المستقلة تقريراً بعنوان "المبادئ التوجيهية لتطوير منظومات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل واستخدامها"، وقد صدر التقرير في عام 2019.
مع ذلك، فإن هذه المبادئ لا تكفي للاستعاضة بها عن حل الخلاف السياسي بين القوى العظمى بشأن هذه الأسلحة. والواقع أن هذه المنظومات الفتاكة باقية، ومن ثم فإن علينا الآن أن نسارع بوضع قواعد تكبح جماحها، قبل أن ينفلت أمرها وتُطلق العنان لأهوال لا قبل لنا بها.