جاء نشر سلطات الاحتلال الإسرائيلي لصور القيادي بحركة الجهاد الفلسطينية بسام السعدي، بعد اعتقاله، لإظهار أنه بخير، وأن إصابته محدودة، ليُظهر الدور الاستثنائي لهذا القيادي الفلسطيني الذي تخشاه إسرائيل، سواء أكان أسيراً أو حراً، كما تظهر الواقعة كيف أصبحت إسرائيل تخشى ردود فعل المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة.
واستشهد فتى فلسطيني يبلغ من العمر 17 عاماً برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، الإثنين، خلال اقتحام مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية، التي جرى خلالها أسر بسام السعدي وناشط فلسطيني آخر، هو أشرف الجدع، حسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وأصيب السعدي بجروح خلال العملية وظهرت آثار الدماء في منزله، وأعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الاستنفار ورفع الجاهزية لدى وحداتها القتالية، رداً على الهجوم الذي تعرَّض له القيادي الشيخ بسام السعدي وعائلته في جنين.
الجهاد تعلن حالة التأهب وإسرائيل تستدعي الاحتياط
ونقلت صحيفة "القدس" عن مصادر فلسطينية مطلعة قولها إن قيادة الجهاد الإسلامي في القطاع والخارج "تجاهلت العديد من الاتصالات التي أجراها الوسطاء المصريون، منذ الليلة الماضية، لمحاولة منع الحركة من التصعيد العسكري مع الاحتلال" بعد اعتقال السعدي.
وعقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد، اليوم الثلاثاء، مداولات أمنية لتقييم الوضع في أعقاب اعتقال القيادي في حركة الجهاد الإسرائيلي في مخيم جنين، بسام السعدي، الليلة الماضية.
واستدعى الجيش الإسرائيلي عدداً محدوداً من قوات الاحتياط، بعدما أغلق، صباح اليوم، طرقاً مركزية في منطقة "غلاف غزة"، وأوقف حركة القطارات بين عسقلان وسديروت، تحسباً لإطلاق قذائف صاروخية وقذائف مضادة للمدرعات ونيران قناصة من قطاع غزة، في أعقاب اعتقال السعدي، كما تم منع المزارعين من الوصول إلى الحقول المحاذية من السياج الأمني المحيط بقطاع غزة، وتم تعزيز قوات "القبة الحديدية"، خشية رد حركة المقاومة على العملية.
غضب من صور الدماء في منزل بسام السعدي
ومع انتشار أنباء اعتقال السعدي بدأت الجماهير تتجمع في مخيم جنين للاجئين ومدينة نابلس المجاورة، حيث عبر مناصروه عن تضامنهم مع حركة الجهاد الإسلامي.
وانتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت تعرض الشيخ السعدي إلى اعتداء وحشي من قبل قوات الاحتلال.
ووصلت زوجة الشيخ بسام السعدي إلى طوارئ مستشفى ابن سينا، بعد الاعتداء عليها من قبل قوات الجيش أثناء اعتقاله.
إسرائيل تنشر صورة السعدي لتهدئة المقاومة وترسلها لمصر
وبعد التهديد من قبل سرايا القدس في القطاع، وكتيبة جنين التابعة لحركة الجهاد، بالرد على أي ضرر يلحق بالسعدي كان لافتاً مسارعة قوات الاحتلال بنشر صورة تظهر إصابته بخدوش محدودة خلال عملية اعتقاله، وذكرت قناة "كان" العبرية أن نشر صور السعدي من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، جاء بهدف التأكيد على أنه لم يصب بجراح خطيرة، ومن أجل تهدئة الأمور، خاصة مع غزة.
ونقل موقع الإذاعة الإسرائيلية أن هذه الخطوات تأتي تحسباً لرد فعل "الجهاد الإسلامي"، حيث سارع الاحتلال أيضاً إلى نشر صور للقيادي بسام السعدي في غرف التحقيق للتدليل على أنه لا يزال على قيد الحياة.
وصباح اليوم الباكر نشر الإعلام الإسرائيلي خبراً يقول "إسرائيل" ترسل لمصر صورة جديدة من غرفة استجواب الشيخ بسام السعدي، زعيم حركة الجهاد الإسلامي في جنين، وأن "إسرائيل" أبلغت مصر أن بخير الشيخ السعدي بخير، وستعطي غزة المزيد من المواد من أجل الحفاظ على الهدوء في الجنوب، على حد زعمهم مع صورة توضح أن القيادي السعدي بصحة جيدة أيضاً.
ويقول مراقبون إن هذه هي المرة الأولى التي ينشر فيها الاحتلال صوراً لمعتقل أثناء التحقيق معه.
وقال مصدر أمني فلسطيني "إن السعدي قيادي بارز في الجناح السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، والمعتقل الآخر هو صهره، وهو جامع تبرعات لحركة الجهاد الإسلامي في جنين".
لماذا أثار أسر السعدي كل هذه الضجة؟
أطلقت الفصائل الفلسطينية حملة تضامن واسعة مع السعدي، مؤكدة أنه مثال يحتذى به في "التضحية والجهاد"، معلنة أنها "لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام اعتداءات الاحتلال".
وبسام راغب عبد الرحمن السعدي (62 عاماً) من مخيم جنين، ولد في 23/ديسمبر/كانون الأول 1960، وهو أحد أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية المحتلة.
اعتقل السعدي مرات عديدة في سجون الاحتلال، على خلفية عضويته ونشاطاته في صفوف حركة الجهاد الإسلامي، وأمضى ما يزيد على 15 عاماً في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي.
وكان الاحتلال قد أبعده ضمن مجموعات "مرج الزهور" في مطلع التسعينات، وهي العملية التي أبعدت فيها سلطات الاحتلال أكثر من 400 قيادي وناشط من حركتي حماس والجهاد إلى جنوب لبنان.
كما اعتقلت زوجته نوال سعيد سليمان السعدي "أم إبراهيم" في سجون الاحتلال، حيث أمضت حوالي ثلاثة أعوام في الأسر على نفس خلفية نشاطات زوجها.
وخلال المحاولات العديدة لاعتقال السعدي في الماضي، قُتل ولداه ووالدته وابن أخيه وعدد من نشطاء الجهاد الإسلامي، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، حيث استشهد ابنا الشيخ السعدي، عبد الكريم وإبراهيم، في عام 2002 برصاص قوات الاحتلال، في واقعتين منفصلتين يفصل بينهما شهران، وهما من المقاتلين في سرايا القدس في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين المحتلة، فيما اعتُقل أبناء السعدي، عز الدين وصهيب وفتحي ويحيى، عدة سنوات في سجون الاحتلال.
كما استهدف الاحتلال منزل الشيخ خلال معركة مخيم جنين عام 2002 بعدة صواريخ.
من خلال رصد مواقف الشيخ السعدي يلاحظ أنهم ممن يراهنون بقوة على المقاومة، ويؤمن بأن الضفة قد تشهد انتفاضة جديدة، وقد يكون مخيم جنين هو معقلها مثلما كان الأمر في الانتفاضات السابقة، ويرى أن جرائم الاحتلال تؤسس لهذه الانتفاضة في المستقبل القريب، ولكنه يرى أن إندلاعها بحتاج لدعم لوجستي وتشكيل قيادة موحدة من جميع أطياف الشعب الفلسطيني لترتيبها وإدارتها، مرجحاً أن تتصاعد الأوضاع خلال الفترة القريبة على شكل هبّات.
ورأى أنه "في حال اندلعت الانتفاضة فإن السلطة لن تستطيع الوقوف في وجه الشعب أو منع اندلاعها، وستقف بعيدة عن نقاط التّماس والمواجهة، وهذا ما تؤكده التجارب السابقة للشعب الفلسطيني في الثورة على الاحتلال خلال الانتفاضتين السابقتين".
ودعا السعدي لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تكون المقاومة هي منهجها.
فاعتقال السعدي لا يبدو فقط بسبب ماضيه النضالي، ولكن على الأرجح خوفاً من نشاطه الميداني في جنين تحديداً، التي تتحول لبؤرة مقاومة في الضفة تقلق إسرائيل بشدة، حيث يبدو أن اعتقال السعدي، جاء في إطار تكثيف الجهد الإسرائيلي ضد كتيبة جنين التابعة للجهاد في الضفة الغربية، التي باتت تُقلق "إسرائيل"، وتضييق الخناق عليها خوفاً من أن تتوسع في عملها، فهذه الكتيبة حتى الآن تعمل على صد اقتحامات القوات الخاصة للمدن، وتنفيذ عمليات إطلاق نار في المنطقة، ولكن الخشية "الإسرائيلية" أن تتوسع في عملها وتتطور في إطار عمليات في الداخل الإسرائيلي.
لماذا تخشى إسرائيل رد فعل الجهاد تحديداً؟
واضح أن هناك خوفاً إسرائيلياً من ردة فعل حركة الجهاد الإسلامي وربط الموضوع مع وضع غزة الصعب وإمكانية التصعيد، وأن تكون هذه شرارة لتصعيد جديد، حسبما قال محلل الشؤون "الإسرائيلية" عصمت منصور لموقع "فلسطين اليوم".
"بالإضافة إلى تخوف إضافي لدى الاحتلال من ردة فعل كتيبة جنين، الامتداد لسرايا القدس، بالمخيم الذي يعد معقل المقاومة في الضفة، فهذه الكتيبة أصبحت تشكل تهديداً جدياً "لإسرائيل" بعد أن تنامت قوتها في الضفة وانتقال عملها من مخيم جنين إلى نابلس، ثم شمال الضفة الغربية بالكامل".
وشدد منصور: "هذه ليست المرة الأولى التي يتعامل معها الاحتلال مع تهديدات الحركة بشكل مختلف ويحملها على محمل الجد، فالتقديرات "الإسرائيلية" تقول إن الحركة وعناصرها خارج المعادلات الإقليمية والداخلية والحسابات السياسية التي يمكن أن تمنعه من تنفيذ تهديداته، ما يجعل إسرائيل تتخوف من ردود فعلها.
وتابع منصور: "حتى في السجون فالحسابات وتقدير الإدارة لردة فعل أسرى الجهاد الإسلامي تكون مختلفة، وهي تعتبر ميزة لدى الجهاد الإسلامي في التعامل مع الاحتلال".
فرغم أن حركة حماس أقوى من الجهاد عسكرياً، وجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام مشهود له بالكفاءة والصلابة، ولكن حماس تحكم غزة، ما يجعل تصرفاتها محسوبة، لأنها تراعي مصالح القطاع وتجمع بين كونها حزباً حاكماً وحركة مقاومة، أما الجهاد فلا تعاني من نفس القيود، ما يجعلها أحياناً أكثر حرية في الحركة.
عملية معقدة جوبهت بمقاومة فلسطينية
بدأت سلطات الاحتلال استعدادات منذ وقت طويل لهذه العملية، باعتبار السعدي "شخصية محورية في الجهاد الإسلامي"، على حد تعبير قائد وحدة المستعربين، في حديث للإذاعة العامة الإسرائيلية، الثلاثاء.
فلقد وصلت قوة إسرائيلية متخفية إلى مكان تواجد السعدي، ثم بعد محاصرته من جميع الجهات لاحظوا نيته والشخص الآخر (زوج ابنته أشرف الجدع) مغادرة المكان، فهاجموه فوراً، لكنه رفض الاستجابة لهم، وخلال ثوانٍ لاحظ المقاتلون الفلسطينيون في المنطقة وجودهم وبادروا لإطلاق النار عليهم من أربع جهات، خاصة من ناحية مخيم جنين، حسب الضابط الإسرائيلي الذي أشارت الإذاعة له بالرمز "R".
وتابع: "بعد تعاظم إطلاق النار نحونا اقتدنا السعدي والجدع إلى مكان حصين، لتفادي الرصاص الكثيف الذي استهدفنا، ومكثنا هناك حوال نصف ساعة، حتى جاءت القوات المدرعة وانسحبنا من المكان".
وحذرت فصائل المقاومة الفلسطينية الاحتلال من المساس بحياة السعدي، معلنة الاستنفار ورفع الجاهزية لدى الوحدات القتالية العاملة، ولا سيما أن الدماء في منزل الشيخ السعدي تؤكد إصابته قبل اختطافه.
وأطلقت قوات الاحتلال الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط، وقنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة، صوب الشبان ومنازل المواطنين.
من جهتها، أعلنت "كتيبة جنين"، عبر حسابها في تليغرام، أن مقاتليها خاضوا اشتباكاً مع قوات الاحتلال التي اقتحمت المخيم.
ومنذ أواخر مارس/آذار، استشهد خلال عمليات نفذها الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 54 فلسطينياً، معظمهم في الضفة الغربية، بينهم عناصر ينتمون إلى الفصائل الفلسطينية ومدنيون بمن فيهم الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، خلال تغطيتها عملية دهم إسرائيلية في جنين.