تسببت شكوك أحاطت مؤخراً ببحث علمي، كان يُعتبر الأهم فيما يخص مرض الزهايمر، في هزة كبيرة في الأوساط الأكاديمية، فما تفاصيل البحث؟ ولماذا ثارت شكوك حوله؟ وماذا يعني ذلك للبحث العلمي عموماً؟
مجلة The Atlantic الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان "الجدل حول مرض الزهايمر يكشف عن ضغوط الأوساط الأكاديمية"، تناول تفاصيل الشكوك التي أحاطت بأهم بحث خاص بمرض الزهايمر، ورد فعل صاحبه والأوساط العلمية بشكل عام.
ويعد نشر أعمال الباحثين والعلماء في دورية Nature أعلى إنجاز ممكن في مسيرتهم المهنية. وكي يتحقق ذلك، ينبغي أن يعتبر العمل البحثي بالغ الأهمية واستثنائياً، ومن شأنه إحداث تغيير محتمل في المفاهيم العلمية.
بحث "ليسني" عن الزهايمر
في عام 2006، تمكنت دراسة بحثية لعالم الأعصاب الأمريكي، سيلفين ليسني، عن مرض الزهايمر من تلبية تلك المعايير: اقترحت الدراسة سبباً محتملاً جديداً للمرض، جزيء Aβ*56 يبدو أنه يتسبب في ظهور أعراض الخرف في الفئران.
والخرف مصطلح شامل، يغطي الأعراض المتعلقة بفقدان الذاكرة، مثل النسيان والارتباك، ويشمل مرض الزهايمر ومرض باركنسون وإصابات الدماغ المؤلمة، وغيرها من الأمراض التي يمكن أن تسبب هذه الأعراض.
أما الزهايمر فهو عبارة عن شكل تدريجي من الخرف، تأتي أعراضه تدريجياً، وتكون التأثيرات على الدماغ تنكسية، بمعنى أنها تسبب تدميراً بطيئاً لا رجعة فيه لمهارات الذاكرة والتفكير. فيعد الخرف مصطلحاً أوسع لإصابات الدماغ، والأمراض التي تؤثر سلباً على الذاكرة والتفكير والسلوك.
ومنذ عام 2006، تم الاستشهاد بدراسة ليسني المذكورة أكثر من 2,300 مرة في الأدبيات العلمية، وألهمت الكثير من الأعمال اللاحقة على مر السنين. إلا أن مجلة Science نشرت الأسبوع الماضي أن التحقيقات في الورقة البحثية الأصلية والعديد من أعمال ليسني الأخرى كشفت عن العديد من الأمور المشبوهة التي تشير إلى احتمالية وجود احتيال. (وتلا ذلك قيام مجلة Nature بإضافة ملحوظة إلى الورقة العلمية، تذكر أنها قيد التحقيق، وتنبه إلى ضرورة التعامل مع نتائج الدراسة بحذر).
كان بعض زملاء ليسني في الأوساط العلمية قد أعربوا، منذ فترة، عن حذرهم من بحثه، وذكر مقال مجلة Science أن دنيس سيلكو، الباحث المختص بمرض الزهايمر في جامعة هارفارد، بحث عن الجزيء Aβ*56 في الأنسجة البشرية، وذكر أنه لم يتوصل إلى أي شيء في عام 2008. وذكر تقرير آخر على موقع Alzforum أن العديد من العلماء الآخرين قالوا إنهم "حاولوا، لكنهم لم يتمكنوا من تكرار نتائج دراسة ليسني".
ماذا يقول العالم الأمريكي عن التشكيك في أبحاثه؟
بعد محاولة التواصل مع ليسني، استقبلت مجلة The Atlantic رسالة إلكترونية من جامعة مينيسوتا، حيث يعمل ليسني، تقول: "تدرك الجامعة وجود تساؤلات حول صور معينة استخدمت في الدراسات البحثية المراجعة من قبل الأقران، وستتابع الجامعة عملية مراجعة تلك التساؤلات وأي مزاعم تنشأ عنها. في الوقت الحالي، ليس لدينا مزيد من المعلومات".
ليست كل النتائج غير القابلة للتكرار تشير إلى وجود خطأ بكل تأكيد. قد يصعب فعلاً تكرار النتائج الحقيقية، فحتى باستخدام أفضل الممارسات، يظل حدوث نتائج إيجابية كاذبة وارداً. لكن عمل ليسني أثار الشكوك أيضاً حول وجود سوء سلوك. إلا أن العملية الرسمية لمراجعة عمل ليسني المنشور، ناهيك عن التراجع عنه، بدأت للتو، وقد ينتظر المجتمع البحثي سنوات قبل الانتهاء.
العلم مشروع قائم على الثقة. وبشكل عام، لا ينسب العلماء إلى سوء السلوك ما يمكن تفسيره بعدم الكفاءة. مراجعة الأقران أبعد ما تكون عن المثالية، وكثيراً ما تفشل تماماً في أداء مهمتها، كما أن المجلات العلمية لديها تحيز كبير وراسخ تجاه نشر النتائج الإيجابية.
والأخطاء في الأعمال المنشورة كثيرة، بدءاً من الاستدلالات الخاطئة إلى الإحصائيات غير الملائمة. ومع ذلك، إبداء القلق تجاه النتائج المشبوهة لا يخلو من المخاطر؛ المجتمعات البحثية صغيرة، وقد يثير النقد العلني عداءً مع الزملاء المسؤولين عن تقييم الأوراق البحثية المقدَّمة ومناقشة مقترحات المنح.
بل قد يستشهد العلماء بأوراق بحثية لا يؤمنون بها، أو لا يثقون بها من أجل استرضاء الناشرين والممولين والمراجعين المحتملين. وقد يفسر ذلك هذا العدد الكبير من الاستشهادات بعمل ليسني البحثي المشبوه.
كيف يمكن تعزيز الثقة في البحث العلمي؟
غالباً ما يجد الباحثون الذين يتحلون بالجرأة للكشف عن شكوكهم ردود أفعال ضعيفة. المنشورات الأكاديمية هي العملة المعترف بها في الأوساط العلمية، وتُمنح بفضلها الأوسمة والجوائز للباحثين والناشرين على حدّ السواء.
وبالتالي، تتوافق اهتمامات مؤلف الورقة البحثية، إلى حد ما، مع مصالح ناشرها، وقد يحجم كلاهما عن التعامل مع النقد. وبالتالي، تتوافق اهتمامات مؤلف الورقة البحثية، إلى حد ما، مع مصالح ناشرها، وقد يحجم كلاهما عن التعامل مع النقد، وبذلك تتفاقم الاستشهادات بالأعمال البحثية المشبوهة في الأعمال البحثية المختلفة.
وحتى عندما تظهر التصحيحات، يكون الاعتراف بها بطيئاً، وتتراكم الاستشهادات بها حتى بعد الكشف عن أخطائها بوقت طويل.
ربما يصحح العلم نفسه ذاتياً، لكن على المدى الطويل فقط. وجد تحليل عام 2021 إمكانية تكرار نسبة صغيرة للغاية من نتائج التجارب المذكورة في الأوراق البحثية الخاصة بالسرطان. ووجد تحليل عام 2009 لعدد من استطلاعات الرأي سُئل فيها العلماء عن سوء سلوكهم أو سوء سلوك زملائهم في الدراسات البحثية أن نسبة كبيرة من الباحثين، من الربع إلى الثلث، قالوا إنهم لاحظوا مشاركة زملائهم في ممارسة بحثية واحدة مشكوك فيها على الأقل، دون سبب وجيه.
وعندما أجرت إليزابيث بيك، من المسؤولين عن مراجعة أعمال ليسني، تدقيقاً لأكثر من 20,000 ورقة بحثية من مجلات علمية طبية، وجدت هي وزملاؤها أن 3.8% من الدراسات تحتوي على "أرقام إشكالية" تحمل مؤشرات نسخ أو تلاعب غير لائق بالصور. وخلصت دراسة عام 2009، إلى أن نحو 2% من العلماء اعترفوا بالمشاركة في احتيال بحثي صريح.
أظهرت قضية ليسني كيف يتقبل الوسط العلمي والأكاديمي تلك المشكلات باعتبارها وضعاً قائماً وراسخاً، حتى مع استمرار الشكوك. يؤدي شعار "النشر أو الهلاك" في الوسط الأكاديمي إلى أسوأ نتائج ممكنة: هيمنة النتائج الخاطئة، وزيادة الهدر البحثي، وانعزال العلماء الأكثر اجتهاداً.
وعلى الجانب الآخر، ستوفر ثقافة الشفافية، من خلال الاستعداد لتصحيح الأخطاء النزيهة بسهولة والتصدي للاحتيال، علاجاً دائماً ونهائياً للمشكلة، لكن لا يمكن أن يترسخ مفهوم الشفافية دون إعادة تصور للحوافز الفاسدة للنجاح في الأوساط العلمية والأكاديمية. إنما بالوضع الحالي، لا يوجد ما يمكن كسبه من خلال التشكيك في أعمال الآخرين، مع الكثير من المخاطرة. نادراً ما يؤدي التشكيك إلى مساءلة، ولن يوقف تيار الأوراق البحثية المشبوهة.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.