"يقلب التغير المناخي جغرافية العالم"، فهناك مناطق تواجه شحاً في المياه، بينما ستزيد الأمطار، في مناطق أخرى، ما يؤدي إلى تكرار موجات من الفيضانات، الأمر الذي سيقسم العالم، وحتى بعض الدول، بين مناطق تعاني ندرة في المياه، وأخرى تعاني من تخمة منها.
فمثلاً الولايات المتحدة وأستراليا، أصبح الغرب أكثر عرضة للجفاف، بينما شرق البلدين أصبح أكثر عرضة لمزيد من الأمطار الفيضانات.
موجة من الفيضانات في شرق الولايات المتحدة وأستراليا
وتسببت العواصف القوية في حدوث فيضانات مفاجئة في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية أواخر شهر يوليو/تموز، ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً على الأقل في شرق ولاية كنتاكي، حيث اجتاحت مياه الفيضان المنازل، وتسببت في انهيارات طينية. كما شهدت أحياء مدينة سانت لويس أمطاراً غير مسبوقة، وغمر فيضان آخر مدينة لاس فيغاس في ولاية نيفادا.
أصبح تأثير التغير المناخي على الأحداث العنيفة المرتبطة بالمياه واضحاً بشكل متزايد. إذ حدثت موجة من الفيضانات الشديدة بعد العواصف القوية هذا الصيف في الولايات المتحدة والهند وأستراليا، وحدث نفس الأمر في غرب أوروبا العام الماضي، حسبما ورد في تقرير لموقع The Conversation.
أظهرت دراسات لعلماء من جميع أنحاء العالم أن زيادة كثافة دورة المياه، واستمرارية زيادة كثافتها مع ارتفاع حرارة الكوكب. ويوضح تقييم المناخ الدولي عام 2021 تفاصيل ذلك.
يوثق التقييم ظروفاً مائية شديدة القسوة، سواء بهطول غزير ومكثف للأمطار على معظم المناطق، أو بجفاف قاحل في مناطق حوض البحر المتوسط وجنوب غرب أستراليا وجنوب غرب أمريكا الجنوبية، وجنوب إفريقيا وغرب أمريكا الشمالية. كما يوضح استمرار زيادة حدة الظاهرتين مع ارتفاع حرارة الكوكب في المستقبل.
لماذا تزداد كثافة الأمطار في بعض المناطق؟
تنتقل دورات المياه في البيئة بين الغلاف الجوي والمحيط والأرض ومخزون المياه المجمدة. قد تتساقط على شكل أمطار أو ثلوج، أو تتسرب إلى الأرض، أو تنضم للمجاري المائية والمحيطات، أو تتجمد، أو تتبخر لتعود إلى الغلاف الجوي. كما تمتص النباتات المياه من الأرض وتطلقها من أوراقها من خلال عملية النتح. وشهدت العقود الأخيرة زيادة في معدلات هطول الأمطار والتبخر.
توجد عوامل تؤثر على زيادة كثافة دورة المياه، لكن أهمها هو ارتفاع درجات الحرارة؛ لأنها تؤدي إلى ارتفاع مقدار الرطوبة في الهواء، مما يزيد من احتمالية هطول مزيد من الأمطار.
أكدت جميع الأدلة على تأثير التغير المناخي المذكور، ونوقش ذلك في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. بات ذلك متوقعاً من النماذج الحاسوبية، كما ظهر بالفعل في بيانات الرصد، التي تشير إلى زيادة عامة في كثافة هطول الأمطار مع ارتفاع درجات الحرارة.
من المهم فهم تلك التغييرات الطارئة على دورة المياه، فالأمر لا يقتصر على الاستعداد للكوارث؛ تظل المياه أحد الموارد الأساسية التي لا غنى عنها لكل الأنظمة البيئية والمجتمعات البشرية، ولا سيما الزراعة.
حوض البحر المتوسط الأكثر عرضة للجفاف
زيادة كثافة دورة المياه تعني زيادة الظروف المائية شديدة القسوة، سواء بالغزارة أو بالجفاف، مع زيادة تباين دورات المياه على نحو غير موحد في جميع أنحاء العالم.
من المتوقع زيادة كثافة هطول الأمطار في معظم مناطق اليابسة، لكن من المتوقع أيضاً زيادة الجفاف في حوض البحر المتوسط وجنوب غرب أمريكا الجنوبية وغرب أمريكا الشمالية.
على الصعيد العالمي، من المتوقع زيادة غزارة هطول الأمطار بمقدار 7% مع كل ارتفاع في درجات الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية واحدة.
كما يشير التقرير إلى تغير العديد من العوامل المهمة الأخرى المرتبطة بدورة المياه مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، مثل تآكل مساحة الأنهار الجليدية، وانخفاض مدة وجود الغطاء الثلجي الموسمي، وذوبان الثلوج في وقت مبكر، وتغيرات متناقضة في الأمطار الموسمية في مختلف المناطق، مما سيؤثر على موارد المياه لمليارات البشر.
هل يمكن وقف هذا التغير؟
من المعروف أن زيادة انبعاثات الغازات الحرارية تؤدي إلى تأثيرات أكبر على دورة المياه.
لا تقدم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ توصيات، بل تقدم المعلومات العلمية المطلوبة لتقييم الخيارات والسياسات بعناية. وتوضح النتائج ما هي التأثيرات المحتملة للخيارات المختلفة.
ومن الأمور العلمية التي يشير إليها التقرير بوضوح تام، أن تنفيذ مستهدف اتفاق باريس بالحد من الاحتباس الحراري بمقدار 1.5 درجة مئوية يتطلب انخفاضاً فورياً وسريعاً وواسع النطاق لانبعاثات الغازات الحرارية.
وبغض النظر عن أي هدف معين، من الواضح أن حدة تأثيرات التغير المناخي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانبعاثات الغازات؛ وبالتالي، الحد من الانبعاثات سيحد من التأثيرات.