يعرّف التضخم بأنه معدل ارتفاع الأسعار في الاقتصاد، ويُقاس بالنسبة المئوية للزيادة من عام لآخر. وهو السبب في وصول متوسط سعر السيارة الجديدة من 3,000 دولار في نهاية الستينيات إلى أكثر من 47,000 دولار الآن على سبيل المثال. ولا يمثل التضخم مشكلة ما دامت الزيادة بطيئة وثابتة، وكانت الأجور قادرة على التكيف معه ومواكبته.
وبين الركود الكبير عام 2008 والتراجع الاقتصادي عام 2020، لم يزد معدل التضخم عن 3.8%، وظل أقل من 2% معظم الوقت. وفي الواقع، ينبغي أن نعود إلى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات؛ لنجد أن معدلات التضخم كانت من رقمين في الولايات المتحدة على سبيل المثال.
ماذا نفعل لمواجهة التضخم؟
لكن بدأ التضخم في الارتفاع مجدداً في 2021، وخلال الاثني عشر شهراً الماضية، ارتفع بشكل جنوني. في يونيو/حزيران 2022، وصل معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى 9.1% عما كان عليه في الشهر نفسه من العام السابق، وهي أسرع وتيرة للتضخم منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1981. ويرجع ارتفاع معدل التضخم بشكل كبير إلى ارتفاع أسعار منتجات البقالة والوقود والإيجارات والعقارات حول العالم.
لكن ماذا لو استمر التضخم لشهور، أو حتى سنوات؟ ماذا يفعل الإنسان العادي لحماية مدخراته واستثماراته من التآكل البطيء والمستمر للقيمة؟ فيما يلي بعض النصائح بحسب مجموعة من الخبراء للتعرف على خيارات استثمار المال عند ارتفاع معدلات التضخم، كما نشرها موقع HowStuffWorks الأمريكي.
كيف يضر التضخم بأموالك؟
تقلق الحكومات والشركات كثيراً من التضخم، لكن حتى المواطن العادي سيشعر بالمشكلة إذا استمرت معدلات التضخم في الارتفاع؛ إذا ارتفعت أسعار كل شيء ولم تتغير الدخول، سيحتاج الناس إلى إعادة النظر في أولويات إنفاقهم وميزانياتهم.
وبينما يؤدي ارتفاع الأسعار إلى أعباء كبيرة في الوقت الحاضر، يضر التضخم أيضاً بالمدخرات على المدى الطويل. على سبيل المثال، إذا كانت أموالك في حساب ادخار بفائدة 1%، بينما وصل معدل التضخم إلى 4%، فهذا يعني أن قيمة مدخراتك تتضاءل بنسبة 3% سنوياً. في هذه المرحلة، ينبغي تغيير الاسم من حساب ادخار إلى حساب "خسائر".
وكبادية، يجب امتلاك ميزانية هو دائماً أفضل طريقة للسيطرة على المخاسر والتكاليف، وفي السنوات الأخيرة تسبب التضخم في قيام العديد من الأمريكيين على سبيل المثال بهذه الممارسة، فوفقاً لمسح أجراه موقع debit، حدد 80٪ من الأمريكيين نفقاتهم في ميزانية في عام 2021، مقارنة بـ 68٪ فقط في عام 2019.
إذا كنت من بين الناس الذين لم يحددوا إنفاقهم حتى الآن، فقد حان الوقت للقيام بذلك، وذلك من خلال تتبع كيفية إنفاقك، وما الأشياء التي تنفق عليها، نظراً لوجود تغير كبير في أسعار الأشياء والمنتجات المختلفة.
كيف أحسب المخاطر؟
يميل الأشخاص إلى حساب المخاطر بطريقة سيئة، وينتهي بهم المطاف إلى اتخاذ قرارات مالية متهورة بناء على المشاعر، وليس المنطق، وينطبق ذلك بشكل خاص في ظل ارتفاع معدلات التضخم.
عناوين الأخبار التي تتحدث عن ارتفاع معدلات التضخم مرعبة، وتؤدي إلى ذعر المستثمرين واتخاذ قرارات استثمارية سيئة، مثل سحب كل الأموال من الأسهم ووضعها في استثمارات آمنة، مثل السندات أو الاحتفاظ بها نقداً.
لكن السندات والأموال النقدية من فئات الأصول الأكثر عرضة للتضرر بسبب التضخم، لأن الفوائد المنخفضة للسندات، وعدم وجود فوائد على الأموال النقدية، ستجعل قيمة المدخرات تتآكل بسرعة مع ارتفاع معدلات التضخم. عند النظر للماضي، سنجد أن فئات الأصول الأعلى عائداً والأعلى مخاطرة، مثل الأسهم، هي الأفضل في مواجهة التضخم. وذلك لأنك تشتري أصولاً منتجة، من الناحية النظرية على الأقل، يمكنها التكيف بشكل أفضل مع بيئة التضخم.
عامل الأفق الزمني
السؤال هو إن كنت في عجلة من أمرك لاستخدام المال أم لا، هذا ما يطلق عليه "الأفق الزمني" في الاستثمار. على سبيل المثال، إذا كنت تدخر المال لشراء منزل خلال العام المقبل، فهذا أفق زمني قصير. في هذه الحالة، من الأذكى أن تستثمر المال في سندات منخفضة العائد أو حساب ادخار، لأن مخاطر ارتفاع التضخم تظل أقل من المخاطرة بالمال في البورصة والرهان على أدائها خلال تلك المدة القصيرة.
في المقابل، بالنسبة لأفق زمني 20 عاماً على سبيل المثال، ستجد أن أسوأ عائد من أسهم البورصة أفضل من عائد الاحتفاظ بأموالك نقداً.
وإذا شعرت بعدم الرغبة في الاستثمار بشكل كبير في البورصة، تظل العقارات رهاناً ذكياً أثناء فترات التضخم. لا يمتلك الكثيرون أموالاً نقدية كافية لشراء عقار يصلح للتأجير، لذا يمكنهم الاستثمار في صناديق الاستثمار العقاري التي تخضع للتداول في البورصة. إذا ارتفعت أسعار الإيجارات وقيمة العقارات مع التضخم، سترتفع أسعار أسهم صناديق الاستثمار العقاري، وستزداد قيمة استثماراتك.
التحوّط ضد التضخم
ويعد تداول السلع من الاستثمارات الذكية أيضاً خلال فترات التضخم. ترتفع أسعار السلع، مثل الذرة وفول الصويا والبترول، بسرعة كبيرة مع ارتفاع معدلات التضخم. لهذا السبب يطلق المستشارون الماليون على السلع مصطلح "التحوط" ضد التضخم. ولأن أسعار السلع متغيرة ومتقلبة، فمن الحكمة ألا تستثمر كل أموالك في سلع معينة، وإنما من الأفضل أن تستثمر في صناديق استثمار تغطي سوق السلع بالكامل.
ماذا عن الذهب؟
كثيراً ما يُشار إلى الذهب باعتباره خيار "تحوط" قوياً آخر في مواجهة التضخم، بسبب الطلب المستمر على الذهب وغيره من المعادن النفيسة، سواء ارتفعت معدلات التضخم أو لا. لكن يظل الذهب بشكل عام "تحوطاً" أضعف من خيارات أخرى، مثل مؤشر البورصة أو صناديق الاستثمار في السلع. فلا تظهر قيمة الذهب إلا عند بيعه، وإذا كنت محظوظاً بما يكفي لتبيعه بهامش ربح.
العيب الآخر للذهب خلال فترات ارتفاع التضخم هو أن البنوك المركزية تحاول مواجهة التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة باستمرار. وفي هذه المرحلة، من الأفضل أن تحتفظ بأموالك في ودائع عالية العائد أو حسابات ادخار؛ ارتفاع أسعار الفائدة يرفع تكلفة الفرصة البديلة لحيازة السبائك التي لا تدر أي عائد. بعبارة أخرى، لماذا تحتفظ بالذهب في حين يمكن أن تدفع لك البنوك مقابل الاحتفاظ بالنقود؟
تحكم بما لديك
والآن، هناك نصيحة جيدة، بعد سنوات من إدارة محافظ استثمارية بمليارات الدولارات، استقر باتريك غيديس، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي السابق في شركة Aperio Group، على مدرسة "التضرّع والدعاء" في الاستثمار، والتي تركز على الأشياء التي يمكنك التحكم بها بدلاً من محاولة توقع الأشياء الخارجة عن إرادتك، وتعصف بالأسواق والاستثمار، مثل التضخم والجائحة. ويقول غيديس: "البشر، بما في ذلك خبراء الاقتصاد، ليسوا جيدين في ذلك".